الثلاثاء، 4 مارس 2014


قصد سبيلي في أمّة الإسلام

- قل آمنتُ بالله ثمّ استقِم -

بسم الله الرحمن الرحيم

( وعلى الله قصْد السّبيل ومنها جائرٌ ولو شاء لهَداكم أجمعين ) النحل 9

الحمد لله ثمّ الحمد لله الذي هدانا إلى السّبيل القاصد الذي نقصده بعد التّيه والضياع ، والصراط المستقيم الذي ننشده بعد الجور والضلال ، والطريق الواضح الذي نسلكه بعد التفرّق والإختلاف ، لا أحصي ثناءً عليه هو كما أثنى على نفسه ، فما أعظمه من خالقٍ لكلّ شيء لو يؤاخذ الناس بما كسَبوا ما تَرك على ظهرها من دابة ! ، وما أرحمه من إلهٍ واحدٍ أحَد بأمّة حبيبه وعبده ورسوله النبيّ الأميّ المبعوث منه رحمةًً للعالمين وسائر البشَر ! صلوات الله وسلامه عليه ، وعلى آله وأصحابه أجمعين ، ومن سار على نهجه من أمّته واقتدى بهديه واقتفى أثره ودعا بدعوته إلى يوم يُبعثون ، يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون ، إلاّ من أتى الله بقلبٍ سليم .

وبعد :

 فإنّ الله سبحانه وتعالى خاطب رسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في آيتَين ممّا أوحى إليه في كتابه العظيم آمراً إيّاه ومن معه بالإلتزام والإستقامة على الإيمان ، وناهياً إيّاه ومن معه عن الغلوّ والطغيان ، ومُحذّراً إيّاه ومن معه من الرّكون إلى الذين ظلَموا والإستسلام ، إذ يقول فيهما عزّ من قائل :

( فاستقِم كما أُمرتَ ومن تاب معك ولا تطغَوا إنّه بما تعملون بصير * ولا تَركنوا إلى الذين ظلَموا فتمسّكم النار وما لكم من دون الله من أولياء ثمّ لا تُنصَرون ) هود 112 ، 113

فكما رضي الله سبحانه وتعالى لأمّة نبيّه محمد صلى الله عليه وسلم الإسلام ديناً جعل من الإستقامة على الإيمان بهذا الدين والإلتزام به ( عقيدة وعبادة وشريعة ) كما أمَر الله سبيلاً يقصدونه لنيل مرضاته والنّجاة من عقابه والفوز بنعيمه وجنانه ، بل وأُخرى يحبّونها نصرٌ من الله وفتحٌ قريب ، أنظروا قول الله تعالى في حقّ بني إسرائيل : ( فلمّا زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين ) الصف 5 

هذا هو المنهج القويم الذي أراده الله لأمّة الإسلام وأمرَهم به محذّرأً إيّاهم من الزّيغ عنه إلى ما سواه من جائر السّبُل متّبعين بذلك سنَن من قبلهم من أهل الكتاب ، ألم يقل الله تعالى في حقّ أهل الكتاب : ( قل يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم غير الحقّ ولا تتّبعوا أهواء قومٍ قد ضلّوا من قبل وأضلّوا كثيراً وضلّوا عن سواء السّبيل ) المائدة 77 ؟! 

وقد خاطب الله تعالى رسوله الكريم إذ يقول عزّ من قائل في محكم التنزيل :( ثمّ جعلناك على شريعةٍ من الأمر فاتّبعها ولا تتّبع أهواء الذين لا يعلمون ) الجاثية 18

قل 

أمَا وقد تبيّن المنهج القويم والسّبيل القاصد والصراط المستقيم في دين الإسلام ألا وهو منهج الإستقامة على الإيمان بـ ” لا إله إلاّ الله ” والإلتزامبالإسلام ( عقيدة وعبادة وشريعة ) كما أمَر الله ، فإنّ من جائر السّبُل الغلوّ والطغيان في دين الله بغير وجه حقّ وبغير ما أنزل الله ، وإنّ من جائر السّبُل الرّكون إلى الذين ظلَموا أنفسهم وأمّتهم بخروجهم على دين الله والإستسلام لأهواء الذين لا يعلمون شيئاً من دين الله 0

أمّا منهج الغلوّ والطغيان فهو ما يُعرَف الآن في الأمّة بمنهج ” التطرّف والإرهاب “ ، وأمّا منهج الرّكون والإستسلام فهو ما يُعرَف الآن في الأمّة بمنهج ” الوَسطيّة والإعتدال “ ، ويتكوّن المنهج الأوّل ممّن أطلقوا على أنفسهم ” الجهادييّن ” من أبناء الأمّة ، ويتكوّن المنهج الثاني ممّن أطلقوا على أنفسهم ” المُعتدلين “ من علماء الأمّة ومُفكّريها الإسلاميين  

وبعد :

فإنّ غلوّ وطغيان هؤلاء ” الجهاديين “ في دينهم بغير الحقّ إنّما هو آتٍتحديداً من جهادهم المزعوم هذا الموجّه ضدّ أمّتهم ، وقد غالوا وطغوا في تكفير أمّتهم على غير أساس نقلي أو عقلي ، وبالتالي في قتل النفس التي حرّم الله إلاّ بالحقّ غير مُذعنين لقول الله تعالى في محكم التنزيل :

( ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا تقتلوا النفس التي حرّم الله إلاّ بالحقّ ذلكم وصّاكم به لعلكم تعقلون ) الأنعام 15، وقوله عزّ من قائل :

( والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التي حرّم الله إلاّ بالحقّ ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلقَ أثاما * يُضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مُهانا * إلاّ من تاب وآمن وعمل عملاً صالحاً فأولئك يبدّل الله سيّئاتهم حسنات وكان الله غفوراً رحيما ) الفرقان 68 – 70 

أوَلم يتدبّر هؤلاء قول الله العليّ القدير في كتابه العظيم : ( ولولا رجالٌ مؤمنون ونساءٌ مؤمناتٌ لم تعلموهم أن تطؤوهم فتصيبكم منهم معرّةٌ بغير علمٍ ليُدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيّلوا لعذّبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليما ) الفتح 25 ؟!

2 

ألَم يقل الله تعالى : ( ومن يقتل مؤمناً متعمّداً فجزاؤه جهنّم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذاباً عظيما ) النساء 93 ؟! 0 فأين هؤلاء ” الجهاديّون “ من منهج ” الإستقامة والإلتزام “ في دين الإسلام ؟! 0 وأين أولئك ” المعتدلون “ أيضاً من منهج ” الإستقامة والإلتزام “في دين الإسلام ؟! وقد ركنوا في علمهم الشرعي وفكرهم الإسلامي المزعوم هذا الموجّه ضدّ أمّتهم إلى الطغمة العلمانية الظالمة من الأمّة ممثّلة بحكام الأمّة ومن بيَدهم مقاليد الأمور في كافّة مجالات حياة الأمّة ، واستسلموا قلباً وقالباً لأهواء تلك الطغمة الخارجة على دين الله من الأمّة ممّن لا يفقهون في دين الله ولا يعلمون منه شيئاً 0 وقد مرَد هؤلاء ” المعتدلون ” على لبس الحق بالباطل بمحاولاتهم البائسة للتّوفيق بينهما بحجّة منهج ” الوسطية والإعتدال “ هذا المُلفّق على دين الله ، ومرَدوا على كتمان الحق عن أمّتهم وهم يعلمون ، غير مُذعنين لقول الله تعالى في محكم التنزيل : ( ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون ) البقرة 42 ، بل يُصرّون على كتمانه ، والحق سبحانه ما زال فيهم يقول : إنّ الذين يكتمون ما أنزلنا من البيّنات والهدى من بعد ما بيّناه للناس في الكتاب أولئك يلعنهم الله ويلعنهم اللاعنون * إلاّ الذين تابوا وأصلحوا وبيّنوا فأولئك أتوب عليهم وأنا التوّاب الرّحيم ) البقرة 159 ، 160

أوَلم يتدبّر هؤلاء قول الله العليّ القدير : ( لا تجد قوماً يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادّون من حادّ الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ) المجادلة 22 ؟!

1

ثمّ ألَم يتدبّر هؤلاء في خطاب الله جلّ جلاله لرسوله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم محذّراً إيّاه من الرّكون والإستسلام إذ يقول عزّ من قائل في محكم التنزيل : 

( وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحَينا إليك لتفتريَ علينا غيره وإذاً لاتّخذوك خليلا * ولولا أن ثبّتناك لقد كدتَ تركن إليهم شيئاً قليلا * إذاً لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات ثمّ لا تجد لك علينا نصيرا ) الإسراء 73 – 75 ؟! 

فما بال هؤلاء وأولئك لا يتدبّرون القرآن ؟! أم على قلوبٍ أقفالها 0 وأين هؤلاء وأولئك من منهج ” الإستقامة والإلتزام ” في دين الإسلام ؟! 0 بل إن هؤلاء وأولئك قد عتوا عن أمر ربهم بزَيغهم عن السّبيل القاصد والمنهج القويم الذي حدّده ربّ العزّة في كتابه الكريم ألا وهو منهج ” الإستقامة والإلتزام ” أي الإستقامة على الإيمان بـ ” لا إله إلاّ الله ” والإلتزام بالإسلام ( عقيدة وعبادة وشريعة ) كما أمَر الله ، فذلك هو المنهج القرآني الربّاني الذي أراده الله لأمّة الإسلام وأمَرها به في القرآن الكريم 0

أمَا وقد تبيّن الحقّ من الباطل والضلال من الهُدى وتعيّن المنهج القرآني الربّاني بازغاً بُزوغ الشمس في رابعة النهار بعد الغُمّة والتّيه والظلام ، فإنني أدعوا هؤلاء  الجهاديين ” وأولئك ” المعتدلين ” في خضمّ البدء بهذه الدعوة التجديدية لرسالة الإسلام في الارض 00 دعوة إلى الله على منهاج النبوة إلى أن يتّقوا الله عزّ وجلّ في أنفسهم وفي أمّتهم فينبُذوا من بينهم هذَين المنهجَين الجائرَين الفاسدَين ، وأن يقوموا على أمر ربهم فيلتقوا جميعاً على منهج ” الإستقامة والإلتزام “ القرآني الربّاني كمنهج وحيد للبدء بالإصلاح والتغيير في الأمّة ، ممتثلين بذلك قول الله العليّ القدير في محكم التنزيل :

( إن الذين قالوا ربّنا الله ثمّ استقاموا تتنزّل عليهم الملائكة ألاّ تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون * نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدّعون * نُزلاً من غفورٍ رحيم ) فصّلت 30 – 32

3   

فلقد آن الأوان لمنهج الغلوّ والطغيان في الأمّة أن يندثر وقد أمعن في تكفير أمّته بغير وجه حق ، وأمعن في تدمير أمّته ومقدّراتها ولو عن غير قصد 0

ولقد آن الأوان لمنهج الرّكون والإستسلام في الأمّة أن يندثر وقد أمعن في إضلال أمّته أيّما إضلال ، وأمعن في تخذيل أمّته وتركيعها للطغمة الظالمة منها عن سبق إصرار 0

والله يقول الحق وهو يهدي السّبيل ، إذ يقول عزّ من قائل : ( ألَم ترَ إلى الذين بدّلوا نعمة الله كفراً وأحلّوا قومهم دار البوار * جهنم يصلونها وبئس القرار ) إبراهيم 28 ، 29 

وإنما أدعوكم إلى الله ، فإن تولّيتم فإنما عليّ البلاغ ، مُمتثلاً أمر الله فيما أنزل من كتاب إذ يقول عزّ من قائل :

( فلذلك فادعُ واستقِم كما أُمِرتَ ولا تتّبع أهواءهم وقل آمنتُ بما أنزل الله من كتابٍ وأُمِرتُ لأعدل بينكم الله ربّنا وربّكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لاحجّة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير ) الشورى 15

وأختم قصد سبيلي هذا في أمّة الإسلام بهذه الآيات المباركة من الذكر الحكيم : 

( وكأيّن من قريةٍ عتَت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حساباً شديداً وعذّبناها عذاباً نُكرا * فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خُسرا * أعدّ الله لهم عذاباً شديداً فاتقوا الله يا أولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا * رسولاً يتلوا عليكم آيات الله مُبيّناتٍ ليُخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور ومن يؤمن بالله ويعمل صالحاً يدخله جنّاتٍ تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً قد أحسن الله له رزقا * الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهنّ يتنزّل الأمر بينهنّ لتعلموا أنّ الله على كلّ شيءٍ قديرٌ وأنّ الله قد أحاط بكلّ شيءٍ علما ) 

الطلاق 8 – 12 

*     *     *

إن أريد إلاّ الإصلاح ما استطعتُ وما توفيقي إلاّ بالله

عليه توكلتُ وإليه أنيب

44.mp3 

 

 

 

5 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق