الجمعة، 15 نوفمبر 2013

شبكة تجسسية كشفها حزب الله مرتبطة بالموساد والـCIA مباشرةً

شبكة تجسسية كشفها حزب الله مرتبطة بالموساد والـCIA مباشرةً

هل أنت متأكد أنك تريد حفظ هذا الخبر؟نعم    لا

أفادت قناة "العربية" في تقرير لها أن "الأشخاص الثلاثة الذين كشفهم "حزب الله" يشكّلون شبكة للتجسّس لمصلحة المخابرات الأميركية و"الموساد" الإسرائيلي وهم محمد الحسيني وجهاد جلول ومحمد السبع".

وجاء في التقرير أن "الحسيني وجلول والسبع الذين انخرطوا في صفوف الحزب منذ فترة طويلة، كشفت قيادات الحزب النقاب عن ازدواجية عملهم السرّي كعملاء للموساد و"السي.آي.إي" وأخطرهم الأول "الحسيني" الذي تربطه صداقة متينة بحسن عزالدين المتّهم الى جانب عماد مغنية بعملية خطف الطائرة الأميركية التابعة لشركة "" عام 1985 والتي كان ضحيّتها أحد ضبّاط البحرية الأميركية".

وتابع التقرير "عمل الحسيني في العاصمة الأوكرانية ضمن شبكة تهريب أشخاص لبنانيين وفلسطينيين وعراقيين الى أوروبا، وبعد عامين عاد الى بيروت عام 2000 ومنها الى باريس حيث أوقفته الشرطة الفرنسية بتهمة التهريب، لكن تبين بحسب مقرّبين منه أنه لم يكن قيد الاعتقال وإنما كان يلتقي مستخدميه في أجهزة الاستخبارات الأميركية التي كلّفته مراقبة تحركات المسؤول في "حزب الله" حسن عزالدين الذي يقيم في منزل قريب من منزله في برج البراجنة من أجل استدراجه الى الفخ حيث ينتظره عدد من الأشخاص المتعاونين مع جهاز الاستخبارات لاعتقاله ونقله الى منطقة آمنة".

وأوضح التقرير أن "السلطات الأميركية كانت قد رصدت مبلغ مليون دولار أميركي لمن يدلي بمعلومات حول مكان عزالدين لما شكّله من تهديد للأمن القومي".

أما جلول والسبع، ولأحدهما موقع، عسكري رفيع في المقاومة، فمهامهما انحصرت في تجنيد أشخاص من داخل صفوف الحزب لمصلحة الـ"CIA" والموساد لقاء مبالغ مالية ضخمة من أجل تسريب معلومات وإرسال معلومات عن شبكة الاتصالات الخاصة بالمقاومة في جنوب لبنان".

وختم بالإشارة إلى أن "الكشف عن شبكة التجسّس، بحسب مصادر أمنية، جاء بعد قيام طائرة استطلاع إسرائيلية عن بعد بتفجير جهاز تنصّت على شبكة اتصالات تابعة لـ"حزب الله" كانت قد زرعت في وادٍ عند مجرى الليطاني".

وأفادت مصادر في "حزب الله" صحيفة "المستقبل" أن "السمكة الكبيرة" من بين الثلاثة هو الحسيني "الذي كان مكلّفاً جمع معلومات عن عزالدين تحديداً والذي يُعتبر قائداً ميدانياً عسكرياً في الحزب".

وأكدت أن "جلول كان يمثّل منصباً كبيراً في مؤسسات مالية وخدماتية يملكها الحزب وأن الكشف عنه تمّ بالصدفة، إذ جرى ذلك خلال تحقيق أجراه الحزب في شبهات الفساد داخل صفوفه ليكتشف أن جلول جزءاً من شبكة تجسّسية تضمه مع السبع والحسيني". وتابعت "أما السبع فقد كان لمدة طويلة مرافقاً للمعاون السياسي للأمين العام لحزب الله حسين الخليل، قبل أن يعمل مرافقاً للنائب علي عمار".

وكشفت المصادر أن "السبع وجلول كانا غادرا لبنان منذ نحو شهرين بحجّة متابعة أعمال لهما في أفريقيا ليتبيّن من مداهمة "حزب الله" لبيتهما ومقار تابعة لهما منذ أقل من شهر أنهما "يعملان" في التجسّس والأرجح تبعاً لذلك أنهما موجودان حالياً في إسرائيل".

كما علمت "المستقبل" أنه "تمت مداهمة منازل أهالي وأقارب عناصر الشبكة الثلاثة مرات عدّة، وأن الحزب ينظر حالياً في احتمال أن تكون شبكة هؤلاء مرتبطة بأحد مسؤولي الحزب أحمد سليم الذي فرّ قبل أشهر عدة الى إسرائيل عبر معبر رميش عين إبل وعلى متن سيارة رباعية الدفع". ولفتت الى أن "الأشخاص الثلاثة ينتمون الى طبقة من المسؤولين الحزبيين الذين ظهرت عليهم النعم تدريجياً قبل فترة زمنية

هل تعلمون ما الذ

تاريخ الجاسوسية

تُعدّ الجاسوسية مهنة من أقدم المهن التي مارسها الإنسان داخل مجتمعات البشرية المنظمة منذ فجر الخليقة .. وقد مثلت ممارستها بالنسبة له ضرورة ملحة تدفعه إليها غريزته الفطرية للحصول على المعرفة ومحاولة استقراء المجهول وكشف أسراره التي قد تشكل خطراً يترصد به في المستقبل .. ولذلك تنوعت طرق التجسس ووسائله بدءاً من الاعتماد على الحواس المجردة ، والحيل البدائية ، والتقديرات التخمينية ، والانتهاء بالثورة التكنولوجية في ميدان الاتصالات والمعلومات .. وعلى مر العصور ظهر ملايين من الجواسيس ، لكن قلة منهم هم الذين استطاعوا أن يحفروا أسماءهم في ذاكرة التاريخ ، بما تمتعوا من سمات شخصية فريدة أهلتهم لأن يلعبوا أدواراً بالغة التأثير في حياة العديد من الأمم والشعوب .. وهنا في هذا القسم سنستعرض لكم أحداث لم يعرفها أكثركم من قبل .. والتي ستمضون في مغامراتها المثيرة والممتعة عبر دهاليزها الغامضة ، لتتعرفوا على أدق التفاصيل والاسرار في حياة أشهر الجواسيس والخونة من خلال العمليات التي قاموا بها ..

أول عملية تجسس في التاريخ - مخابرات الفراعنة

مارس الإنسان التجسس منذ فجر الخليقة .. استخدمه في الاستدلال على أماكن الصيد الوفير، والثمر الكثير ، والماء الغزير ، والمأوى الأمين ، الذي يحميه من عوادي الطبيعة والوحوش والبشر ، وتختلف شدة ممارسة التجسس بين مجتمع وآخر حسب نوع الأعراف والتقاليد ، والعادات السائدة ، فنراه على سبيل المثال سمة ثابتة عند اليابانيين ، حتى أن الجار يتجسس على جاره بلا حرج ، فالتجسس جزء من حياتهم العادية داخل وخارج بلادهم ، كما أن الشعب الياباني يؤمن بأن العمل في مجال المخابرات خدمة نبيلة ، في حين أن معظم شعوب العالم تعاف هذه المهنة ، التي لا غنى عنها في الدولة المعاصرة ، حتى تقوم بمسئولياتها . فلا يكفي أن تكون الدولة كاملة الاستعداد للحرب في وقت السلم ، بل لابد لها من معلومات سريعة كافية لتحمي نفسها ، وتحقق أهدافها في المعترك الدولي .

لقد أصبح جهاز المخابرات هو الضمان الأساسي للاستقلال الوطني ، كما أن غياب جهاز مخابرات قوي يمنى القوات العسكرية بالفشل في الحصول على إنذار سريع ، كما أن اختراق الجواسيس لصفوف العدو يسهل هزيمته . ولعل هذه الغاية هي التي أوعزت إلى الملك ( تحتمس الثالث ) فرعون مصر بتنظيم أول جهاز منظم للمخابرات عرفه العالم .

طال حصار جيش ( تحتمس الثالث ) لمدينة ( يافا ) ولم تستسلم ! عبثا حاول فتح ثغرة في الأسوار .. وخطرت له فكرة إدخال فرقة من جنده إلى المدينة المحاصرة ، يشيعون فيها الفوضى والارتباك ، ويفتحون ما يمكنهم من أبواب .. لكن كيف يدخل جنده ؟؟.

إهتدى إلى فكرة عجيبة ، شرحها لأحد ضباطه واسمه ( توت ) ، فأعد 200 جندي داخل أكياس الدقيق ، وشحنها على ظهر سفينة اتجهت بالجند وقائدهم إلى ميناء ( يافا ) التي حاصرتها الجيوش المصرية ، وهناك تمكنوا من دخول المدينة وتسليمها إلى المحاصرين .. وبدأ منذ ذلك الوقت تنظيم إدارات المخابرات في مصر والعالم كله .

ويذكر المؤرخون أن سجلات قدماء المصريين تشير إلى قيامهم بأعمال عظيمة في مجال المخابرات ، لكنها تعرضت للضعف في بعض العهود ، كما حدث في عهد ( منفتاح ) وإلا لما حدث رحيل اليهود من مصر في غفلة من فرعون .

وتجدر الإشارة إلى أن ( تحتمس الثالث ) غير فخور بأنه رائد الجاسوسية ، فكان يشعر دائماً بقدر من الضعة في التجسس والتلصص ولو على الأعداء ، وكأنه كان يعتبره ترصداً في الظلام أو طعناً في الظهر ، ولو كان ضد الأعداء ، مما جعله يسجل بخط هيروغليفي واضح على جدران المعابد والآثار التي تركها – كل أعماله ، من بناء المدن ، ومخازن الغلال للشعب

وحروبه ، أما إنشاء المخابرات فقد أمر بكتابته بخط ثانوي ، وأخفاه تحت اسم ( العلم السري ) مفضلاً أن يذكره التاريخ بمنجزاته العمرانية والحربية والإدارية ، وما أداه من أجل رفاهية شعبه ، دون الإشارة إلى براعته في وضع أسس الجاسوسية.

ثاني عملية تجسس في التاريخ

إن اغلب الناس يظنون أن ظهور الجاسوسية بدأت في التسعينات أو على الأقل في الثمانينات ..لكن الذي لا يعرفونه هو أن الجواسيس معروفون منذ اقدم عصور التاريخ ..وعلى وجه التحديد منذ عرفت الحروب .. فقد اصبح التجسس عملية معترفاً بها ..وقد ورد أول قصه للجواسيس ، رواها التاريخ المكتوب في التوراه : كان موسى قد قاد الاسرائيليين حتى خرجوا من مصر ، ثم توقف بهم في منطقة مجدبة وكان " يهوا – أي الله – " هو الذي نصح موسى بأن يبعث بجواسيس إلى ارض كنعان ( فلسطين ) ، فإختار موسى بنفسه جواسيسه وكانوا يتكونوا من رجلاً واحداً من كل قبيله ، وأظهر موسى تقديره لأهمية البعثه حين اختار الرجال البارزين من قادة القبائل ، وحين زودهم بتعليمات كثيره دقيقه ..

يقول الكتاب المقدس : " ثم كلم الرب موسى قائلاً " :

أرسل رجالاً ليتجسسوا ارض كنعان ، التي أنا معطيها لبنى إسرائيل ، رجلاً واحداً لكل سبط من آبائه ترسلون .

فأرسلهم موسى ليتجسسوا ارض كنعان ، وقال لهم :

اصعدوا من هنا إلى الجنوب ، واصعدوا إلى الجبل ، وانظروا الأرض ما هي . والشعب الساكن فيها ، أقوي هو أم ضعيف ، قليل أم كثير . وكيف هي الأرض التي هو ساكن فيها ، أجيده أم رديئه . وما هي المدن التي هو ساكن فيها ، أمخيمات أم حصون . وكيف هي الأرض ، أسمينه أم هزيلة ، أفيها شجر أم لا . وتشددوا فخذوا من ثمر الأرض " .

ولا ينتظر من أي رئيس ضليع في الجاسوسية الحديثة ، أن يصدر إلى جواسيسه من التعليمات ما يفوق التعليمات التي أصدرها موسى في سنة 1400 ق . م وإن كان الأمر يتطلب بطبيعة الحال شيئاً من التعديل و التبديل ، يتناسب مع تغير الظروف وتطور الحضارات .. لأن الواقع أن تعليمات موسى غطت الأمور الجوهرية في مهمة أي جــاســوس ..

بل أن تنظيمه للعملية كان يدل على ذكاء .. فلا شك في أن المعلومات التي تأتي بها عدة مصادر ، تفوق في القيمة والدقة ما يأتي به مصدر واحد .

وعاد جواسيس موسى ليقولوا : إن كنعان ارض يتدفق منها اللبن و الشهد ، وإن كان سكانها من العمالقة الجبابرة الضخام .

وبعد 40 عاماً قضاها الإسرائيليون في تردد و توجس ، تغلبت الرغبة في اللبن و الشهد على الخوف من الجبابرة ، بتأثير جاسوسين معينين هما ( كالب و يوشع ) وكان أن تقدم الإسرائيليون ودخلوا فلسطين .

كانت هذه هي ثاني قصة جاسوسية في التاريخ .. ومن بعدها توالت العمليات..

أصول الحرب وصن تزو

يعتبر ( صن تزو ) رائد الجاسوسية الصينية ، ولا يعني ذلك أن الصين لم تعرف الجاسوسية قبل عام ( 510 ق.م ) فعمر الجاسوسية في الصين حوالي 2500 سنة ، لكن الفضل يرجع ( صن تزو ) في تكوين أول شبكة مخابرات كاملة في الصين . ألف كتابا عنوانه : ( أصول الحرب ) ، وهو أقدم كتاب عرف عن فن الحرب عموماً ، وما يزال مطلوباً للقراءة في أكاديميات عسكرية كثيرة ، استفاد منه ( ماوتسى تونغ ) في زحفه الطويل ، وطبقه اليابانيون قبل مهاجمة ( بيرل هاربر ) وهو كتاب شامل مفيد حتى أن قيادة الطيران الملكي البريطاني وزعته بعد تبسيطه على ضباطها في ( سيلان ) أثناء الحرب العالمية الثانية .

كرس الكتاب جهداً كبيراً لإيضاح أهمية الجواسيس ، وطالب بتقسيمهم إلى خمسة أقسام :

جواسيس محليون : مواطنون محليون يتقاضون مكافآت على المعلومات .

جاسوس داخلي : خائن في صفوف العدو .

اسوس محول : عميل أمكن إقناعه بتغيير .

جاسوس هالك : عميل اعتاد تزويد العدو بمعلومات زائفة ، من المحتمل قتله فيما بعد .

جاسوس باق : مدرب ، يعتمد عليه في العودة من مهمته بأمان .

ولد ( صن تزو ) في ولاية على مصب النهر ( الأصفر ) لكنه أمضي معظم حياته في خدمة ( هو – لو ) ملك ولاية ( وو ) المجاورة .

قاد ( صن تزو ) جيش ( هو – لو ) واحتل مدينة ( ينج ) عاصمة ولاية ( تشو ) غربا ، وزحف نحو الشمال مكتسحاً جيوش مقاطعتي ( تشي ) و ( تشين ) .

 

يعتقد ( صن تزو ) بأن شن حرب بطريقة اقتصادية ، مع الدفاع عن البلاد ضد الآخرين ، يتطلب ضرورة استخدام نظام تجسس دائم ، يرصد أنشطة الأعداء والجيران على السواء ، وأكد أهمية التقسيم المذكور ، وضرورة اعتبار الجاسوسية عملاً شريفاً ، وملاحظة استمرار تقريب العملاء من زعمائهم السياسيين والقادة العسكريين .

أوصى ( صن تزو ) في كتابه بحسن معاملة العملاء المحولين ، ومنحهم المسكن المريح ، والعطاء الجزيل بين الحين والآخر ، لأن هذا أدعى إلى تثبيت ولائهم ، بل وإغرائهم بمحاولة استمالة زملائهم ورؤسائهم السابقين ، خاصة الذين يستجيبون منهم للرشوة بسهولة .

هانيبال القرطاجي

كان ( هانيبال ) قائداً عبقرياً ولوعاً بمفاجأة أعدائه وإشاعة الفزع في صفوفهم ، معتمداً في حروبه على التجسس .

قاد حملة عبرت مضيق جبل طارق وانتصر على الأسبان عام ( 220 ق.م ) ، واتجه شمالا إلى جنوب فرنسا ، وتسلق جبال الألب من الشمال إلى الجنوب رغم قسوة البرد القارس الذي فتك بكثير من الجنود والفيلة التي كان يستخدمها في حروبه ، وهبط إلى سهول إيطاليا ، محطماً كل جيوش الرومان التي تصدت له ، ويقدر ضحايا هذه الحرب من أعدائه بثمانين ألف جندي من المشاة والفرسان .

أثناء غزو ( هانيبال ) لجزيرة ( صقلية ) ، تعذر عليه الاستيلاء على إحدى المدن رغم الحصار الطويل ، أراد أن يعرف سر قوة المدينة ومنعتها . فأرسل أحد رجاله فدخل المدينة وادعى أنه جندي مرتزق ، وعرض خدماته على حاكم صقلية وأقام في المدينة يتجول فيها ، ويدرس تحصيناتها وخطط الدفاع عنها ، ويرسل الإشارات إلى ( هانيبال ) عن طريق الدخان المتصاعد من نار يوقدها لطهو طعامه فوق تل المدينة ، دون أن يفطن إليه أحد .

وفي تقدمه نحو روما ، كان يمهد طريق النصر لجيشه ، بجيش آخر من الجواسيس ، يجمعون له المعلومات من وادي نهر ( البو ) وسهول الألب السفلى عن القوات ، ومعنويات الناس والجيش ، وخصوبة الأرض ، وأنواع المحاصيل ، ثم يضع خططه الحربية على ضوء ما يتوافر له من معلومات.

 

سيبيو أفريكانوس (قاهر الفيلة)

اكتسب ( سيبيو ) شهرته من كونه القائد الوحيد الذي انتصر على ( هانيبال ) وفي عقر داره .

ولذلك كرموه بلقب ( أفريكانوس ) ، وهو مدين بهذا الانتصار إلى جواسيسه .

كانت مشكلته في مواجهة جيش ( هانيبال ) تنحصر في الفيلة التي يستخدمها كسلاح مدرع كاسح . ولكي يتغلب ( سيبيو ) على مشكلة الفيلة أرسل جواسيسه إلى معسكر ( هانيبال ) حيث اختلطوا بسياس الفيلة ، وعلموا منهم أن نقطة ضعف الفيل تكمن في شدة انزعاجه وفزعه إذا سمع أصواتاً مدوية .

فلما التقى الجيشان ، أحدث جيش ( سيبيو ) ضجة هائلة بالطبول ، فساد الذعر والارتباك بين الفيلة ، وفقد جنود ( هانيبال ) السيطرة عليها ، وانتصر( سيبيو ) عام 203 ق.م .

وفي حملته ضد ( سايفاكس ) ملك ( نوميديا ) حليف ( هانيبال ) ، أرسل أخاه ( لاليوس ) مبعوثاً ظاهره التفاوض على الهدنة ، وباطنه التعرف على إمكانيات العدو ، وأرسل معه ضباطاً متخفين في ثياب عبيد حتى لا يشك فيهم ( سايفاكس ) لكنه تفنن في إبعاد ( لاليوس ) ورفاقه عن تحصينات معسكره ، فأوعز ( لاليوس ) إلى رجاله بوخز الخيل التي معهم كما لو كانت حشرة لدغتهم .

ولما صهلت الخيل خائفة راح رفاق ( لاليوس ) يطاردونها بطريقة طافوا معها في أرجاء المعسكر ، وتعرفوا على نقاط الضعف والقوة ، وفشلت مفاوضات الهدنة فهاجم ( سيبيو ) المدينة وأشعل في تحصيناتها النيران ، وأرغم ( سايفاكس ) على الصلح.

يهوذا الإسخريوطي

استتر عيسى – عليه السلام – وحواريوه في البستان ليمضوا فيه الليل - وفجأة شق السكون صوت أقدام وقعقعة أسلحة ، وظهرت مجموعة من الرجال شاهرين سيوفهم .. ووقفوا على بعد خطوات .. وتقدم ( يهوذا الاسخريوطي ) من السيد المسيح ، عانقه ، وقبله قبلة الرياء المسمومة والتي لم تكن سوى الإشارة المتفق عليها بين ( يهوذا ) والجند ، للإرشاد إلى شخص المسيح ..

ترى ما الذي دفع ( يهوذا ) إلى ارتكاب أبشع خيانة عرفها التاريخ ؟؟ ... كرس ( عيسى ) – عليه السلام – كل جهده لدعوة الناس إلى الفضيلة ، والسعي إلى رد اليهود عن ضلالتهم ، وإلى اتباع شريعة ( موسى ) السمحة ، التي حرفوها ، ونهاهم عن تركيز الاهتمام في جمع المال ، وكانوا قد حضوا الفقراء والمحتاجين على تقديم ما يملكون من نذر يسير إلى صندوق الهيكل ، ليتدفق الذهب إلى خزائنهم .

وكان من اليهود طائفة أنكرت القيامة ، واستبعدوا الحساب ، وكذبوا الثواب والعقاب ، ومنهم طائفة أخرى انغمست في الملذات والشهوات .

لم يترك ( عيسى ) – عليه السلام – سبيلا لهدايتهم إلا سلكه ، لينتشلهم من وهدة الضلال . وشعر كهنة اليهود بخطر انفضاح أسرارهم وزوال دولتهم ، فثارت ثائرتهم ، وقلبوا علية ولاة الروم ، وصوروه لرجال السياسة مؤلبا للجموع ، مثيراً للفتن ، منافساً للحكام .

وتحالف الكهنة والساسة ضده .. وشوا بالمسيح عند ( بلاطس النبطي ) الحاكم الروماني . رموه بالسحر ، واستطاع ( كيافاس ) كبير الكهنة اليهود إقناع الحاكم بأن انتشار دعوة ( عيسى ) سوف يؤدي إلى زوال حكمه وتقويض سلطانه. ونعتوه بأنه كافر بدينهم ، وأجمع الكل على التخلص منه .

بثوا من حوله العيون لرصد تحركاته والإيقاع به ثم قتله . وبذلوا الوعود بالأموال والأماني عن الناس ، حتى لا يثير قتله ثورة . ومما يؤسف له أن يستجيب لغوايتهم ( يهوذا الإسخريوطي ) أحد حوارييه الاثنى عشر ... دلهم عليه وتقدم الجند نحوه ليقبضوا عليه لكن قدرة الله تجلت فأنجاه من كيد الكائدين .

أخفاه سبحانه وتعإلى عن أعين الناظرين ، وأوقع أبصارهم على رجل شديد الشبه بالمسيح .. انقضوا على الرجل الشبيه بوحشية ، فانعقد لسانه من الخوف والفزع ولم يستطع الكلام .. وصلبوه فوق جبل الزيتون .. ولم يكن ذلك الرجل المجهول سوى ( يهوذا ) ، الجاسوس الخائن ..

ولكن ما الذي دفع ( يهوذا ) إلى ارتكاب هذه الخيانة التاريخية ؟؟

يعتقد البعض أنه تجسس ووشى بمعلمه من أجل المكافأة المرصودة رغم تفاهتها .. ومقدارها ثلاثون قصعة فضية .. ويرى البعض الآخر أن إرادة الله جعلت من ( يهوذا ) عبرة لعل الناس به يتعظون ويحذرون.

الجاسوسية في العصور الوسطى

اتسمت جيوش العصور الوسطى بقلة العدد ، وبدائية السلاح ، فكان لابد لمن يريد النصر الؤزر أن ينشط سلاحه الثالث .. سلاح المخابرات ، حتى يقصر أمد الحرب ، ويقلل الخسائر ، وتنجح خططه في مفاجأة العدو ، وتضيق الخناق عليه ، وقطع خطوط إمداده وتموينه ، وشل حركته ، وإجباره على الاستسلام . ويتوقف ذلك إلى حد كبير على مقدار ما يتوافر له من معلومات عن ظروف العدو ، والعدة ، والخطة ، والمواقيت ، والروح المعنوية للجند ، ومواطن القوة والضعف في الجيش ، وكشرط أساسي للنصر ، لابد أن يكون الاعتماد الأول - بعد مشيئة الله - على توفير أفضل حالات الاستعداد للجيش المحارب ، وإلا فلا قيمة لأثمن المعلومات ، والأمثلة على ذلك كثيرة .

هزيمــة الملك هــارولد

لم تعرف إنجلترا قبل الملك هارولد في القرن الحادي عشر حاكماً اهتم بالمخابرات مثل اهتمامه . توافرت لديه كل المعلومات عن خطة " وليم الفاتح " في الهجوم على إنجلترا: التوقيت ، ومكان نزول الجيش ، وعدد الجنود الذين جمعهم وليم الفاتح ، وخط سير المعركة . ومع ذلك خسر هارولد الحرب ، لا بسبب نقص المعلومات ودقتها ، ولا لخطأ ارتكبته مخابراته ، بل لأن جنوده سئموا القتال ، ودب فيهم المرض والهلاك ، بعد السير مسافات طويلة .

خــوارق النينجــا

فيما عدا الملك هارولد ، لم يكن بين حكام أوروبا من أهتم بالمخابرات في العصور الوسطى ، على عكس حكام الشرق ، إذ لابد وأن تكون تعاليم " صن تزو " الصينية قد انتشرت في شرق الصين وغربه ، وعرفها اليابانيون والمغول .

في اليابان ظهر فن " النينجا " ، وهو اسم مأخوذ من كلمة يابانية معناها " اللامرئي " أو فن " الاستخفاء " . كان يمارسه في اليابان ، في القرن الثاني عشر ، فئة من صفوة شباب الساموراي بدنيا واجتماعياً ، قيل انهم تدربوا حتى اكتسبوا القدرة على المشي فوق الماء ، والحصول على المعلومات أثناء التخفي ، والاختفاء والظهور حسب إرادتهم ، على الرغم مما في هذا الزعم من مبالغة وتحريف ، إلا أنهم خضعوا لتدريب شاق ، على أعمال فذه منذ الصغر ، كالمشي على الحبال المشدودة ، والتعلق في فروع الأشجار بدون حركة لمدة طويلة ، والسباحة تحت الماء مسافات طويلة .

حتى صاروا سادة التخفي ، والتمويه ، والاستطلاع ، ومن هنا اكتسبوا اسمهم الخرافي : " النينجا " وبهذه القدرات برعوا في الخدمات التي أدوها ، سواء كانوا جواسيس أو مقاتلين ، كما أنها أكسبتهم منزلة عالية جدا في المجتمع الياباني .

جانكيـــز خـــان

ويتجلى استخدام المغول للجاسوسية بأوضح معانيه في عهد جانكيز خان .

فما كان لذاك " الإمبراطور المقاتل المغوار " - وهذا هو اسمه بلغته - أن يبسط سلطانه على الأرض ما بين منغوليا وأبواب العالم العربي ، بدون خطط محكمة .. وكانت الخطط المحكمة تحتاج بالضرورة إلى معلومات دقيقة ، يستقيها جواسيس أكفاء ، ويجمعها عملاء أذكياء من جنسيات مختلفة ، كمقدمة وأساس لغزواته .

كما كان يكلف التجار المتجولين ، ينتشرون في البلاد التي يوشك أن يغزوها ، يسجلون المعلومات اللازمة ، ويدونون مشاهداتهم وما يسمعون ، ويرسلونها إليه . وكثيرا ما لجأ جانكيز خان إلى إيفاد بعض أمهر قواده في مهام جاسوسية صعبة ، ومن هؤلاء : قائد اسمه " سبتاي " وآخر اسمه " نويون" سبتاي يخدع التتار : كان " سبتاي " من أبرز قادة جيش " جانكيز خان " .

فلما عزم الأخير على شن الحرب على التتار ، افتعل خلافا مع " سبتاي " ، وكلفه باللجوء إلى قائد التتار ، وزعم أنه تخلى عن جانكيز خان وانشق عليه .

وأنه يرغب في الانضمام إليه . وإثباتا لحسن نيته قدم له معلومات مزيفة خلاصتها أن جيش المغول بعيد عنهم ، وصار يزود جانكيز خان بالمعلومات سرا . وفوجئ التتار بجيش المغول يحدق بهم ، فأدركوا أن " سبتاي " لم يكن سوى جاسوس خدعهم . لكن بعد فوات الأوان .

نويون في الصين : أما " نويون " ، فقد ارسله " جانكيز خان " على رأس قوة مغولية من الفرسان ، لمساعدة إمبراطور الصين في القضاء على تمرد حاكم الإقليم الجنوبي . وكان جانكيز خان يضمر شرا للإمبراطور الصيني ، فأوصى " نويون " بالحصول على كل المعلومات اللازمة لشن هجوم على الصين ، ونفذ " نويون " الوصية ، واستفاد " جانكيز خان " من المعلومات في وضع خطته.

المخابرات في صدر الإسلام

ازدادت حاجة المسلمين إلى الاستخبار منذ خرج النبي ( محمد صلي الله عليه وسلم ) من مكة مهاجراً إلى المدينة يرافقه صاحبه ( أبو بكر الصديق ) وبعدها حدثت عدة عمليات .. منها :

أخبار أيام الهجرة الأولى : في الطريق إلى المدينة كمنا في غار حراء ثلاثة أيام . وكان ( عبد الله بن أبي بكر ) يحمل لهما أخبار أحوال المسلمين والكفار في مكة أولاً بأول .

سرية عبد الله بن جحش : في السنة الثانية للهجرة ، كلف النبي ( صلي الله عليه وسلم ) ( عبد الله بن جحش ) ، برصد تحركات قريش ، ومعرفة أخبارهم إذا يروى أن رسول الله دفع إلى ( ابن جحش ) كتاباً أمره ألا يفتحه إلا بعد مسيرة يومين ، وينفذ ما فيه . ولما فتح الكتاب في حينه ، قرأ نصه : " إذا نظرت في كتابي هذا ، فامض حتى تنزل نخلة بين مكة والطائف ، فترصد بها قريشا ، وتعلم لنا من أخبارهم " . أعلن ( عبد الله بن جحش ) محتوى الكتاب على رفاقه ، وساروا نحو غايتهم السامية في مهمتهم الاستطلاعية لقوات المشركين ، والتقوا بثلاثة تخلفوا عن قافلة لقريش حتى يحصلوا على معلومات عن قوات المسلمين ، فاشتبك معهم ( عبد الله بن جحش ) ورجاله ، وقتل أحدهم ، واقتاد الآخرين إلى النبي ( صلي الله عليه وسلم ) يستجوبهم .

عيون علي أبي سفيان : في غزوة بدر الكبرى ، خرج ( صلى الله عليه وسلم ) من المدينة ، وسار مع أصحابه حتى اقتربوا من ( الصفراء ) ، وبعث من يأتيه بأخبار ( أبي سفيان بن حرب ) ، وأخبرته العيون أن قريشاً سارت إلي ( أبي سفيان ) ليمنعوا إبله وتجارته حتى لا تقع في أيدي المسلمين .

وفي غزوة بدر أيضاً ، أرسل النبي اثنين من المجاهدين للحصول على معلومات عن قوات المشركين ، فوجد أحدهما غلامين لقريش يستقيان من بئر بدر ، فأحضرهما إلى الرسول الكريم ، وسألهما عن عدد الجمال التي ينحرونها للجيش ، فأجابا بأنهم ينحرون يوماً تسعاً ويوماً عشراً .. ومن ذلك أدرك ( عليه الصلاة والسلام ) أن عدد مقاتلي المشركين يتراوح بين 900 - 1000 ، لأن عادة العرب أن يخصصوا بعيرا لكل مائة رجل .

علي بن أبي طالب في مهمة : عملية التمويه التي قام بها ( علي بن أبي طالب ) - كرم الله وجهه - لم تكن عملية المخابرات الأولى ولا هي الأخيرة ، إذ أن النبي عليه الصلاة والسلام أمره بعد موقعة أحد ، أن يقتفي أثر الكفار ويستطلع نواياهم ، فوجد أنهم جنبوا الخيل وامتطوا الإبل ، فعرف أنهم عائدون إلى مكة ، بعد أن مثلوا بكثير من قتلى المسلمين ، جدعت نساؤهم الأنوف ، وقطعن الآذان ، واتخذن منها قلائد .. وبقرت ( هند ) بنت عتبة بطن ( حمزة ) عم رسول الله . وأمر رسول الله بتغطية جثمان ( حمزة ) ببرده ، ثم صلي عليه وعلى القتلى 72 صلاة ، وأمر بدفنهم .

حيلة نعيم بن مسعود : علم النبي أن قريشاً عبأت جيوشها و ( بني غطفان ) ، وانشغلت بمحاولة استمالة قبيلتي ( بني قريظة ) و ( بني أشجع ) ، للتحالف معها والحنث بعهدهما للنبي ، توطئة لمهاجمة المسلمين في المدينة .. بادر النبي فأمر بحفر خندق حول يثرب ، كان الأول من نوعه ، وكان مفاجأه أذهلت الكفار وعوقتهم عن مهاجمة المدينة . كما جعلتهم صيداً سهلاً لسهام المسلمين ، وتحقق النصر للمسلمين ، خصوصاً وأن أمل قريش في استمالة ( غطفان ) و ( بني اشجع ) إلى جانبهم قد خاب بفضل ( نعيم بن مسعود ) .. فماذا فعل ؟؟.

نعيم بن مسعود .. من وجهاء بني غطفان .. أسلم سرا ولم يشهر اسلامه بين قومه .. ذهب إلى النبي محمد وأكد له خبر محاولة قريش وبني غطفان حض ( بني قريظة ) و ( بني اشجع ) على خيانة المسلمين والنكوص بعهدهم ، وقال ( نعيم ) إنه طوع أمر رسول الله ، فكلفه الرسول بإفساد مؤامرتهم بالحيلة إذا استطاع . ذهب ( نعيم ) إلى ( بني قريظة ) أعزل من أي سلاح .. إلا سلاح المكر والدهاء ، فأوقع بينهم وبين قريش وغطفان ، زرع في نفوسهم الشك والارتياب ، وحذرهم من أنهم سوف يتخلون عنهم حين تدور الدوائر ، بعد أن يكونوا قد خسروا حلف المسلمين وحسن جوارهم ، وتأكيداً لصدق رأيه نصحهم بأن يطلبوا من قريش وغطفان رهناً من أشرافهم ، يظلون بأيديهم حتى يضمنوا صدقهم واستمرار نصرتهم . تركهم ( نعيم ) بعد أن أقنعهم بحيلته ، وذهب إلى قريش وغطفان ، وأخبرهم أن بني قريظة يضمرون لهم شراً ، وأنهم رافضون للحلف المعروض عليهم ، راغبون في استمرار تحالفهم مع المسلمين ، وقد أرسلوا إلى النبي يؤكدون وفاءهم بالعهد ، واستعدادهم لأخذ رجال من أشراف قريش وغطفان وتقديمهم ليضرب المسلمون أعناقهم .

أوفدت قريش وغطفان ( عكرمة بن أبي جهل ) في رهط منهم إلى ( بني قريظة ) يستنفرهم للقتال ، فامتنعوا بحجة أنهم لا يقاتلون يوم السبت ، واشترطوا إعطاءهم رهناً من رجالهم يحتفظ بهم ( بنو قريظة ) ضماناً لعدم التخلي عن العهد إذا اشتدت المحنة .. ورفضت قريش وغطفان شرط الرهن .. واقتنعت كل الأطراف بصدق ( نعيم بن مسعود ) ، ودب التخاذل في صفوف الأحزاب ، ثم كانت مفاجأة الخندق ، وتحقق نصر المسلمين .

ومما يذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم اعتمد في غزواته وغاراته على القوافل المكية على المعلومات التي كان يزوده بها أعوانه في مكة ، بينما لم يكن للكفار من يزودهم بأخبار المسلمين والأنصار في المدينة .

وكان النبي صلي الله عليه وسلم يوصي المسلمين بكتمان أسرارهم ، لعلهم يصيبون العدو على غير استعداد ، وينتصرون دون سفك دماء أو إزهاق أرواح ، كما حدث قبيل فتح مكة ، إذ صدر عن رسول الله صلي الله عليه وسلم أمر كريم " أن يحفظ المسلمون أسرارهم ، ويضنوا بمخبآت ضمائرهم ، لعلهم يصيبون قريشاً على غير استعداد ، ويدخلون مكة من غير كيد أو عناد .. فلا يسفك في البلد الحرام دماً ، ولا يزهق روحاً ، ولا يثير حرباً ، ولا يذكى ضرام عداء "

تقرير بشر الخزاعي : ومن نماذج تقارير رجال مخابرات جيش النبي صلي الله عليه وسلم قول ( بشر الخزاعي ) لرسول الله صلي الله عليه وسلم :

" لقد دلفت إلى قريش أتسقط أسرارها ، وأتعرف أخبارها ، وما راعني إلا أن خبر مسيرك قد ترامى إليهم ، وحديث رؤياك قد هبط عليهم ، ولا أدري كيف وقع عليهم الخبر ، ولا كيف استنشقوا حديث الرؤيا .. إنهم يا رسول الله خرجوا ومعهم النياق بأولادها ، ولبسوا جلود النمور ، وعاهدوا أنفسهم ألا تدخل عليهم مكة أبداً .

وهذا ( خالد بن الوليد ) وهو من يعدونه بمهمتهم ، وفارس حلبتهم ، قد خرج يستقبلك بخيله ، ولعله الآن في ( كراع الغميم ) .

عمار الحرازي07-22-2010, 01:24 AM

مـاهي الجاسـوسية

مثيرة جداً ...قصص الجواسيس والخونة ... فهي تستهوي العقول على اختلاف مداركها ... وثقافاتها .... وتقتحم معها عوالم غريبة ... غامضة ... تضج بعجائب الخلق ... وشذوذ النفوس.

إنه عالم المخابرات والجاسوسية ... ذلك العالم المتوحش الأذرع ... غريم الصفاء ... والعواطف ... الذي لا يقر العلاقات أو الأعراف ... أو يضع وزناً للمشاعر ... تُسيّجه دائماً قوانين لا تعرف الرحمة ... أساسها الكتمان والسرية والجرأة ... ووقوده المال والنساء منذ الأزل. وحتى اليوم ... وإلى الأبد... فهو عالم التناقضات بشتى جوانبها ... الذي يطوي بين أجنحته الأخطبوطية إمبراطوريات وممالك .. ويقيم نظماً ... ويدحر جيوشاً وأمماً ... ويرسم خرائط سياسية للأطماع والمصالح والنفوذ.

والتجسس فن قديم ... لا يمكن لباحث أن يتكهن بتاريخ ظهوره وبايته على وجه الدقة ... فقد تواجد منذ خلق الإنسان على وجه الأرض ... حيث بدأ صراع الاستحواذ والهيمنة .. وفرض قانون القوة ... باستخدام شتى الأساليب المتاحة ... وأهمها الجاسوس الذي يرى ويسمع وينقل ويصف ... فقد كان هو الأداة الأولى بلا منازع.

وفي القرن العشرين حدثت طفرة هائلة في فن التجسس ... قلبت كل النظم القديمة رأساً على عقب ... فبظهور التليفون والتلغراف ووسائل المواصلات السريعة... تطورت أجهزة الاستخبارات بما يتناسب وتكنولوجيا التطور التي أذهلت الأدمغة ... للسرعة الفائقة في نقل الصور والأخبار والمعلومات خلال لحظات.

ومع انتهاء الحرب العالمية الأولى (1914 – 1918) نشطت أجهزة الاستخبارات بعدما تزودت بالخبرة والحنكة ... وشرعت في تنظيم أقسامها الداخلية للوصول إلى أعلى مرتبة من الكفاءة والإجادة ... ورصدت لذلك ميزانيات ضخمة ... للإنفاق على جيوش من الجواسيس المدربين ... الذين انتشروا في كل بقاع الأرض ... ولشراء ضعاف النفوس والضمائر ... كل هؤلاء يحركهم طابور طويل من الخبراء والعلماء ... تفننوا في ابتكار وإنتاج أغرب الوسائل للتغلغل ... والتنصت ... وتلقط الأخبار ... ومغافلة الأجهزة المضادة.

ففي تطور لم يسبق له مثيل ... ظهرت آلات التصوير الدقيقة التي بحجم الخاتم... وكذلك أجهزة اللاسلكي ذات المدى البعيد والفاعلية العالية ... وأجهزة التنصت المعقدة ... وأدوات التمويه والتخفي السرية التي تستحدث أولاً بأول لتخدم أجهزة الاستخبارات ... وتعمل على تفوقها وسلامة عملائها.

تغيرت أيضاً نظريات التجسس ... التي اهتمت قديماً بالشؤون العسكرية في المقام الأول ... إذ اتسعت دائرة التحليل الاستراتيجي والتسلح ... وشملت الأمور الاقتصادية والاجتماعية والفنية والعلمية والزراعية ... الخ... فكلها تشكل قاعدة هامة ... وتصب في النهاية كماً هائلاً من المعلومات الحيوية... تتضح بتحليلها أسرار شائكة تمثل منظومة معلوماتية متكاملة.

وفي النصف الأخير من القرن العشرين ... طورت أجهزة الاستخبارات في سباق محموم للتمييز والتفوق ... وظهرت طائرات التجسس ... وسفن التجسس... ثم أقمار التجسس التي أحدثت نقلة أسطورية في عالم الجاسوسية لدى الدول الكبرى ... استلزمت بالتالي دقة متناهية في التمويه اتبعتها الدول الأقل تطوراً ... التي لجأت إلى أساليب تمويهية وخداعية تصل إلى حد الإعجاز... كما حدث في حرب أكتوبر 1973 على سبيل المثال.

بيد أنه بالرغم من كل تلك الوسائل التكنولوجية المعقدة ... يقول خبراء الاستخبارات إنه لا يمكن الاستغناء عن الجاسوس ... فأجهزة الاستخبارات تتحصل على 90% من المعلومات بواسطة التنصت وأقمار التجسس ... وشتى الأجهزة المزروعة، و 5% عن طريق وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة ... بقيت إذن 5% من المعلومات السرية التي لا يمكن الحصول عليها ...لك ... يجند الجواسيس لأجل تلك النسبة المجهولة ث تكمن أدق المعلومات وأخطرها .

وبينما كان الصراع على أشده بين الشرق والغرب ... بين حلف وارسو وحلف شمال الأطلسي ... كان في الشرق الأوسط أيضاً صراع أشد قوة وحدة وعدائية بين العرب وإسرائيل... العرب يريدون دجر إسرائيل التي زرعها الاستعمار في قلب الوطن العربي ... تشبثت بالأرض... وتنتهج سياسة المجازر والعدوان ... وتنتهك كل القوانين والأعراف الدولية في وقاحة .

العرب كانوا يتسلحون بأسلحة الكتلة الشرقية ... ويزود الغرب إسرائيل بالسلاح ويساندها في المحافل الدولية.

فاشتعل الصراع ... وتأججت الحروب السرية بين المخابرات العربية والإسرائيلية ... وكانت بلا شك حروب شديدة الدهاء ... موجعة الضربات ... تقودها أدمغة ذكية تخطط ... وتدفع بمئات الجواسيس إلى أتون المعركة ... يتحسسون نقاط الضعف والقوة ... ويحصدون المعلومات حصداً ... .

ونظراً لظروف الاحتلال الأجنبي والاستعمار الطويل ... نشأت المخابرات العربية حديثاً في منتصف الخمسينيات ... وفي غضون سنوات لا تذكر ... استطاعت أن تبني قواعد عملها منذ اللبنة الأولى ... ودربت كوادرها المنتقاة بعناية ومن أكفأ رجالاتها ... وانخرطت في حرب ضروس مع مخابرات العدو الغاصب .

وبعبقرية فذة .. قامت المخابرات المصرية بعمليات جريئة لن يغفلها التاريخ ... عمليات طالت مصالح العدو في الخارج ... وداخل الدولة الصهيونية نفسها ... ووصلت تلك العمليات إلى حد الكفاءة الماهرة والاقتدار ... عندما فجر رجال مخابراتنا البواسل سفن العدو الحربية ... الرابضة في ميناء "إيلات" الإسرائيلي ... وإغراق المدمرة "إيلات" في البحر المتوسط قبالة سواحل بورسعيد ... وتفجير الحفار الإسرائيلي في ميناء "أبيدجان"... وزرع رأفت الهجان لعشرين عاماً في تل أبيب ... وتجنيد العديد من ضباط اليهود أنفسهم في إسرائيل ... أشهرهم الكسندر بولين .. وإسرائيل بيير ... ومردخاي كيدار .. وأولريتش شنيفت ... ومئات العمليات السرية التي لم يكشف عنها النقاب بعد ... كلها عمليات خارقة أربكت الدولة العبرية ... وزلزلت جهاز مخابراتها الذي روجت الإشاعات حوله ... ونعت بالأسطورة التي لا تقهر ... .

إن المخابرات الإسرائيلية ... نموذج غريب من نوعه في العالم أجمع ... لا يماثله جهاز مخابرات آخر .. شكلاً أو مضموناً ... فهي الوحيدة التي قامت قبل قيام الدولة العبرية بنصف قرن من الزمان ، والوحيدة التي بنت دولة من الشتات بالإرهاب والمجازر والأساطير ... إذ ولدت من داخلها عصابة من السفاحين والقتلة واللصوص .. اسمها اسرائيل .

ومنذ وضعت أولى لبنات جهاز المخابرات الإسرائيلية سنة 1897 في بال بسويسرا تفيض قذاراته ... وتثقله سلسلة بشعة من الجرائم التي ارتكبت بحق الفلسطينيين العزل .. بما يؤكد أن إسرائيل ما قامت لها قائمة إلا فوق جثث الأبرياء . وأشلاء أطفال دير ياسين وتل حنان وحساس وغيرها .....

لقد أباد اليهود من هذا الشعب ما يزيد على 262 ألف شهيد حتى عام 2001 ... خلافاً لمائتي ألف جريح ... و165 ألف معاق ... ومليونين ونصف من اللاجئين ... وأبيدت أكثر من 388 قرية عربية .. واغتيل المئات في العواصم الأوروبية والعربية .

هكذا عملت المخابرات الإسرائيلية على تحقيق الحلم المسعور .. حلم إقامة الدولة على أرض عربية انتزعت انتزاعاً ... بالتآمر والمال والخياننة .. واحتلت خريطة "من النيل إلى الفرات" مساحة كبيرة على أحد جدران (الكنيست) الإسرائيلي ... تُذكّر عصابات اليهود بحلم دولة إسرائيل الكبرى الذي ما يزال يراود آمالهم .. فأرض فلسطين المغتصبة ليست بحجم خيالهم .. فقط .. هي نقطة بداية وارتكاز ... يعقبها انطلاق وزحف في غفلة منا .

وفي كتبهم المقدسة .. زعموا أن نبيهم إسرائيل "يعقوب" سأل إلهه قائلاً:

"لماذا خلقت خلقاً سوى شعبك المختار... ؟" فقال له الرب: "لتركبوا ظهورهم، وتمتصوا دماءهم، وتحرقوا أخضرهم، وتلوثوا طاهرهم، وتهدموا عامرهم". "سفر المكابين الثاني 15-24".

وأصبحت هذه الخرافة المكذوبة على الله .. مبدأً وديناً عند اليهود ... الذين يفاخرون بأنهم جنس آخر يختلف عن بقية البشر.

وعندما نقرأ توصيات المؤتمر اليهودي العاشر في سويسرا عام 1912 .. لا نتعجب كثيراً... فالمبادئ اليهودية منذ الأزل تفيض حقارة وخسة للوصول إلى مآربهم ... وكانت أهم توصيات المؤتمر:

Øتدعيم النظم اليهودية في كل بلدان العالم حتى يسهل السيطرة عليها.

Øالسعي لإضعاف الدول بنقل أسرارها إلى أعدائها ... وبذر بذور الشقاق بين حكامها ... ونقل أنظمتها إلى الإباحية والفوضى.

Øاللجوء إلى التملق والتهديد بالمال والنساء ... لإفساد الحكام والسيطرة عليهم.

Ø إفساد الأخلاق والتهيج للرزيلة وتقوية عبادة المال والجنس.

Øليس من بأس أن نضحي بشرف فتياتنا في سبيل الوطن ... وأن تكون التضحية كفيلة بأن توصل لأحسن النتائج.

والتاريخ القديم يصف لنا باستفاضة .. كيف استغل اليهود الجنس منذ آلاف السنين لنيل مبتغاهم ... وتحقيق أهدافهم الغير شريفة ... ضاربين عرض الحائط بالقيم ... وبكل الفضائل والأعراف .

ففي عام 1251 قبل الميلاد ... كانت مدينة "أريحا" الفلسطينية مغلقة على اليهود العبرانيين ... وأراد "يشوع بن نون" غزو المدينة واحتلالها ...

ولما خُبر أن ملك المدينة يهوى النساء .. ولا يستطيع مقاومتهن ... كلف اثنين من أعوانه بالبحث عن فتاة يهودية – ذات جمال وإثارة – لتقوم بهذه المهمة ... فوقع اختيارهما على "راحاب" جميلة الجميلات ... التي استطاعت بالفعل الوصول إلى الملك ... وسيطرت على عقله بفتنتها الطاغية ... وملأت القصر باليهود من أتباعها تحجة قرابتهم لها ...

بهذه الوسيلة .. أمكن إدخال مئات اليهود إلى المدينة .. وتمكنت راحاب من قتل الملك ... ودخل يشوع منتصراً بواسطة جسد امرأة ... امرأة يفخر بها اليهود .. ويعتبرونها أول جاسوسة يهودية خلعت ملابسها في سبيل هدف "نبيل" لبني جلدتها.

إذن .. ليس بغريب الآن أن يضحي اليهود بشرف بناتهم .. للوصول إلى غاياتهم ... ولم لا وقد اعترفت كتبهم المقدسة بحالات مقززة من الزنا .. والزنا من المحارم... ؟؟!

فقد ادعوا أن "ثامار" ابنة "داود" قالت لأخيها عندما أخذ يراودها عن نفسها: قل للملك "والدهما" فإنه لا يمنعني منك (!!).

ادعوا أيضاً – وهم قتلة الأنبياء والرسل ...أن "داود" نفسه – حاشا لله – ارتكب الزنا مع امرأة تدعى "بتشبع" بعد أن أرسل زوجها الضابط "أوريا الحثي" في مهمة مميتة ... (!!).

وقالوا عن "يهوذا" إنه زنا زوجة ابنه "شوع" بعدما مات .. فحملت منه "حراماً" وهو عمها (!!).

وعن ملكهم "أبيشالوم" قالوا: إنه عندما دخل أورشليم "القدس" وهو منتصر على أبيه الذي قتل في المعركة.. فوجئ بكثرة حريم والده .. فاستشار "أخبطوفال" بما يفعله بهن ... فأفتى له بالدخول عليهن ... ففعل ... وأفسد فيهن كلهن جهاراً ... (!!).

نستطيع من هنا أن نستخلص حقيقة مؤكدة .. وهي أن الجنس في عمل المخابرات الإسرائيلية واجب مقدس .. باعتبار أنه عقيدة موروثة متأصلة .. اعترفت بها كتبهم المقدسة وأقرتها .. فإذا كانت رموزهم العليا قد اعترفت بالزنا ... وزنت هي بنفسها مع المحارم فماذا بعد ذلك... ؟

إن السقوط الأخلاقي في المجتمع الإسرائيلي الآن .. ما هو إلا امتداد تاريخي لسقوط متوارث صبغ بالشرعية .. وينفي بشدة أكذوبة الشعب المتدين التي يروح لها اليهود ... ويسوق لنا التاريخ كيف أنهم أجادوا مهنة الدعارة في كل مجتمع حلوا به...وكيف استغلوا نساءهم أسوأ استغلال...

فلعهد قريب مضى كان اليهودي في العراق يجلب "الزبائن" لبناته وأخواته... فكان يجلس أمام داره يغوي العابرين: "ليس أجمل من بناتي .. أيها المحظوظ أقبل ... ".

وفي المغرب كان اليهودي في "الدار البيضاء" و "أغادير" و "تطوان" أكثر حياء وأدباً... إذ كان يبعث ببناته إلى دور زبائنه في السر.

أما في اليمن فيصف لنا التاريخ .. كيف كانت تباع بكارة الفتيات اليهوديات بعدة حزم من "القات" ... إلا أن بكارة مثيلاتهن في ليبيا كانت محددة بـ "مدشار" من العدس والسكر والزيت .. وفي سوريا كان المقابل يصل إلى مقدار ما ينتجه "دونم" جيد من الفستق.

وكان الأمر في فلسطين بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى أسوأ ... فقد كان المقابل قطعة من "الأرض" .. أو شراكة في بستان أو معصر للزيوت.

هذه حقائق حفظها لنا التاريخ ... وهي بحاجة إلى التنسيق والجمع والتحقيق ... لتملأ مجلدات تنفي مزاعم اليهود بأنهم متدينون .. فليس هناك دين يبيح للمرأة أن تفتح ساقيها لكل عابر .. ويرخص للرجل أن ينقلب فواداً يؤجر جسد نسائه.

إنها عقيدة خاصة آمن بها بنو صهيون ... وجبلوا منذ فجر التاريخ على اعتناقها ... فالصهيوني لا يعترف بالشرف في سبيل نزواته وأطماعه... وهو إما فاجر قواد أو داعر معتاد.

وليس هناك أصدق مما قاله الزعيم الأمريكي بنيامين فرانكلين (1706 – 1790م) – بأن اليهود طفيليات قذرة (مصاصو دماء) Vampires ... وأنهم "أطاحوا بالمستوى الخلقي في كل أرض حلوا بها. “In which every land the jews have settled they depressed the moral level”. جاء ذلك في خطاب يعتبر وثيقة تاريخية ... ألقاه فرانكلين عام 1789 عند وضع دستور الولايات المتحدة.

فلا غرابة إذن أن يسلك اليهود ذاك السلوك... بعدما قامت دولتهم فوق أرض مغتصبة ... كان عليهم أن يتمسكوا بها .. ويجاهدوا في سبيل استقرارهم عليها... وكان الجنس أحد أهم أدواتهم للوقوف على أسرار المحيطين بهم ونواياهم ... من خلال ضعاف النفوس الذين سقطوا في شباكهم ... وانقلبوا إلى عبدة للذة ... وعبيد للمال.

والأمر برمته ليس كما نتخيل – مجرد لقاء جسدي بين رجل وامرأة – بل هو أكبر من تصورنا، وتخيلنا البسيط للحدث. فالجنس، أقامت له الموساد مدارس وأكاديميات لتدريسه، ولشرح أحدث وسائل ونظريات السقوط بإغراءات الجسد.

فغالبية أجهزة المخابرات في العالم تستعين بالساقطات والمنحرفات جنسياً لخدمة أغراضها حيث يسهل إغراؤهن بالمال، أو التستر على فضائحهن. أما في الموساد فلا... إذ يتم اختيارهن من بين المجندات بجيش الدفاع الإسرائيلي ... أو الموظفات بالأجهزة الأمنية والسفارات، أو المتطوعات ذوات القدرات الخاصة، ويقوم على تدريبهن خبراء متخصصون بعد اجتياز اختبارات مطولة تشمل دراسات معقدة عن مستوى الذكاء، وصفاتهن Attributes المعبرة عن نفسها في مختلف الأمزجة، وكذا أنماط الطباع، وسرعة التصرف والاستجابة. تدرس لهن أيضاً فنون الإغراء وأساليبه، بالإضافة إلى لعلم النفس، وعلم الاجتماع وعلم الأمراض النفسية Peyschopathology ومنها طرق الإشباع الجنسي، ونطريات الجنس في أعمال السيطرة، والصدمات العالية للسيطرة والتي توصف بأنها آليات زناد إطلاق النار Trigger واكتشاف مرضى القهر Compulsion الاجتماعي أو السياسي أو الديني لسهولة التعامل معهم، وكذا المصابين بإحباطات الشعور بالنقص Deficiency وذوي الميول الجنسية المنحرفة التي لا تقهرها الجماعة Normal hetro sexual coitus إلى جانب التمرينات المعقدة للذاكرة لحفظ المعلومات وتدوينها بعد ذلك، وتدريبات أكثر تعقيداً في وسائل الاستدراج والتنكر والتلون وإجادة اللغات.

إنهن نسوة مدربات على التعامل مع نوعية خاصة من البشر، استرخصت بيع الوطن في سبيل لذة الجنس. ومن هنا ندرك أنهن نساء أخريات يختلفن عن سائر النساء.

وعنهن يقول "مائير عاميت إن المرأة سلاح هام في أعمال المخابرات الإسرائيلية ... فهي تمتلك ملكات يفتقر اليها الرجال ... بكل بساطة .. إنها تعرف جيداً كيف تنصت للكلام ... فحديث الوسادة لا يمثل لها أدنى مشكلة .. ومن الحماقة القول بأن الموساد لم توظف الجنس لمصلحة إسرائيل .. فنحن لدينا نساء متطوعات راجحات العقل ... يدركن الأخطاء المحدقة بالعمل ... فالقضية لا تنحصر في مضاجعة شخص ما ... إنما دفع الرجل إلى الاعتقاد بأن هذا يتم مقابل ما يتعين أن يقوله... وكانت "ليلى كاستيل" أسطورة نساء الموساد بحق ... فبعد سنوات من وفاتها عام 1970 كان الجميع يتحدثون عن "مواهبها" الاستثنائية ... فقد كانت تتحدث العبرية والفرنسية والانجليزية والألمانية والايطالية والعربية... وكانت جذابة وذكية ... وجديرة بثقة الموساد ... وكان سلفى "هاريل" يستخدم عقلها وأنوثتها في "مهمات" خاصة في أوروبا".

وفي هذه الزاوية من موقع يا بيروت ... اخترنا شرائح متباينة لبعض الخونة .. الذين فقدوا نخوتهم .. وتخلوا عن عروبتهم ...لعملوا لصالح الموساد إما عن قصد ... او لنقص الدافع الوطني .. أو سعياً لتحقيق حلم الإثراء .. وربما لجنوح مرضي معوج .. وقد كان الجنس عاملاً مشتركاً في أغلب الحالات ... وأحد ركائزها الأساسية .. ومن بعده المال.

وبرؤية جديدة .. من خلال منظور قصصي – يمتزج بالوقائع التاريخية – تغلغلنا إلى أعماق هؤلاء ... في محاولة جادة لكشف نوازعهم ...واستبيان صراعاتهم ومعاناتهم ... ومس أمراضهم القميئة ... وتعرية قمة حالات خُورهم.

وكذا .. تسليط الضوء على أسباب ومراحل سقوطهم .. واستغراقهم في جُب الجاسوسية .. تغلفهم نشوة الثقة الكاذبة وأوهام الطمأنينة ... إلى أن تزلزلهم الصدمة .. وأيدي رجال المخابرات المصرية تقتلعهم من جذور الوهم ... فتعلو صراخاتهم النادمة اللاهثة ... وقد انحشروا في النفق الضيق المظلم المخيف ... لحظة النهاية المفجعة.

واعترافاً بإنجازاتهم الخارقة .. كان القصد إبراز جور رجال المخابرات ... في الحفاظ على منظومة الأمن القومي .. بكشف ألاعيب الموساد ومخططاتها ... وتأمين الوطن ضد عبث العابثين .. في حرب سرية شرسة .. سلاحها الذكاء والدهاء والمهارة ... وحقائقها أضخم من التخيل ... وأعظم أثراً في دهاليز السياسة .. والمعارك .

1)إسرائيل: أطلقها اليهود على أرض فلسطين المغتصبة... وإسرائيل هو نبي الله يعقوب عليه السلام وهو ابن إسحق ابن ابراهيم عليه السلام... وقد اتخذ اليهود اسم اسرائيل لدولتهم حتى لا يجرؤ المسلمون على ذكره بالإساءة ... لأنهم مأمورون باحترام الأنبياء .. وهدفهم – إذا ما ندد العرب بالاحتلال – أن يظهروا للعالم أن المسلمين لا يمتثلون لله في احترام أنبيائه.

2)أنشئ جهاز المخابرات اليهودي بتوصية من المؤتمر اليهودي الأول ... الذي انعقد يوم الأحد 29 أغسطس 1897 في بال بسويسرا ... وكان جهازاً غير منظم مهمته الرئيسية العمل على تهجير اليهود إلى فلسطين ... وشراء الأراضي بها لتثبيت اليهود المهجرين في معسكرات ومستوطنات محصنة قوية .. وكانت المستوطنات ما هي إلا بداية الحلم ... فالمستوطنة هي الوطن الأول المصغر ... أي إسرائيل الصغرى .. ومستوطنات وشعب وزراعة واقتصاد وسلاح وجيش يعني إسرائيل الكبرى . أما "الموساد" ... فهو بمثابة جهاز المخابرات المركزية ... وتم إنشاؤها عام 1937 وأطلق عليه وقتئذ: موساد ليلياه بيث: Mussad Lealiyah Beth أي منظمة الهجرة الثانية ... وكان أول مركز للقيادة في جنيف، ثم انتقل إلى استانبول بهدف مساعدة يهود البلقان على الهرب عبر تركيا .. وكان ذلك قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية ... ثم اتجهت مهمة الموساد بعد ذلك إلى تنسيق نشاط الاستخبارات الاستراتيجية والتكتيكية بشكل عام في الخارج، ويقع مقر الموساد الرئيسي بشارع الملك شاؤول في تل أبيب .. داخل ثكنة عسكرية محصنة محاطة بالأشجار العالية والأسوار .. وهي تقوم بالمهام الرسمية وغير المشروعة على حد سواء.

3)يقول المفكر اليهودي "موشي مينوحيم" في كتابه "انحطاط اليهودية": "... . لقد ارتكب اليهود جرائم لا تعد ولا تحصى بكامل وعيهم وإرادتهم .. ولا بد من محاكمتهم كما حوكم من قبل النازيون ... فلا يمكن أن تنطمس معالمها مهما طال الزمن... ومهما برعوا في التستر عليها ... وإخفاء معالمها.".

4)صهيون: جبل بالقرب من القدس .. والصهيونية حركة من الحركات التي سعى إليها بعض بني إسرائيل لتضليل العالم ... وليصبح لهم كيان ودولة وكتاب مقدس ... لإضفاء الحماية الشرعية لهم ضد المسلمين والمسيحيين... وكان أن حرفوا التوراة بما يتناسب مع أهوائهم واطماعهم وأظهروا ذلك في كتاب أسموه التلمود وهو الذي يدرسونه اليوم ويتخذونه نبراساً لهم وحجة في مواجهة ما جاء بالقرآن والإنجيل.

الجنرال مائير عاميت: رئيس جهاز الموساد (1963-1967) خلفاً لـ "أيسير هاريل" .. وهو من مواليد طبريا 1926. تطوع عام 1946 في منظمة الهاجاناه الإرهابية وحارب الجيوش العربية عام 1948 وجرح في جنين ... واستولى مع إحدى الفصائل على إيلات ... وكان قائد معركة الجنوب في حرب السويس 1956 وأصيب برصاص المصريين وظل يعالج بالمستشفى ستة عشر شهراً في أمريكا... بعدها تولى رئاسة مخابرات الجيش (أمان)... ثم رئاسة الموساد .. وكان له دور بارز في حرب 1967 ... وفي عهده زرع "لوتز" في مصر ووصلت الطائرة الحربية ميج 21 العراقية إلى إسرائيل. بعد ذلك عاش وحيداً في مزرعته ولم ينجب أطفالاً ..

عمار الحرازي07-22-2010, 01:38 AM

كنت جاسوساً في إسرائيل

رفعت الجمال " رأفت الهجان "

لم يتوقع احد تلك العاصفة التي هبت داخل إسرائيل بحثا وسعيا لمعرفة حقيقة الشخصية التي أعلنت المخابرات العامة المصرية عام 1988 بأنها قد عاشت داخل إسرائيل لسنوات طوال أمدت خلالها جهاز المخابرات المصري بمعلومات مهمة كما أنها شكلت وجندت داخل المجتمع الإسرائيلي نفسه اكبر شبكه تجسس شهدتها منطقة الشرق الأوسط.

وكان اسم (رأفت الهجان) هو الاسم المعلن البديل للمواطن المصري المسلم (رفعت على سليمان الجمال) ابن دمياط والذي ارتحل إلى إسرائيل بتكليف من المخابرات المصرية عام 1954 حاملا روحه على كفة.

وحقق الجمال نجاحات باهرة وبه استطاعت المخابرات المصرية أن تثبت عمليا كذب أسطورة التألق التي تدعيها إسرائيل لجهاز مخابراتها.

وفور إعلان القاهرة لهذه العملية المذهلة طالبت الصحفية الإسرائيلية "سمادر بيرى" - في موضوع نشرته بجريدة يدعوت احرونوت الإسرائيلية - آيسر هريتيل مدير المخابرات الإسرائيلية في هذا الوقت أن ينفى ما أعلنته المخابرات المصرية وأكدت لمدير المخابرات الإسرائيلية أن هذه المعلومات التي أعلنتها القاهرة تثبت تفوق المخابرات العربية المصرية في أشهر عملية تجسس داخل إسرائيل ولمدة تقرب من العشرين عاما.

واستهدفت الصحفية من نشر هذا الموضوع عرض الحقيقة كاملة ، حقيقة ذلك الرجل الذي عاش بينهم وزود بلاده بمعلومات خطيرة منها موعد حرب يونيو 1967 وكان له دور فعال للغاية في الإعداد لحرب أكتوبر 1973 بعد أن زود مصر بأدق التفاصيل عن خط بارليف ، كما انه كون إمبراطورية سياحية داخل إسرائيل ولم يكشف احد أمره .

وجاء الرد الرسمي من جانب المخابرات الإسرائيلية : أن هذه المعلومات التي أعلنت عنها المخابرات المصرية ما هي إلا نسج خيال ورواية بالغة التعقيد .. وان على المصريين أن يفخروا بنجاحهم!.

 

وبينما يلهث الكل وراء اي معلومة للتأكد من الحقيقة عن هذا المجهول المقيد في السجلات الإسرائيلية باسم "جاك بيتون" بصفته إسرائيلي ويهودي ، نشرت صحيفة "الجيروزاليم بوست" الإسرائيلية موضوعا موسعا بعد أن وصلت إلى الدكتور "ايميرى فريد" شريك الجمال في شركته السياحية "سي تورز" وبعد أن عرضوا علية صورة الجمال التي نشرتها القاهرة شعر بالذهول وأكد أنها لشريكة "جاك بيتون" الذي شاركه لمدة سبع سنوات وانه كان بجواره مع جمع كبير من صفوة المجتمع الإسرائيلي عندما رشح لعضوية الكنيست الإسرائيلي ممثلا لحزب "مباى" الإسرائيلي "حزب عمال الأرض" ولكنه لم يرغب في ذلك.

وفور أن فجرت صحيفة "الجيروزاليم بوست" حقيقة الجاسوس المصري وانه شخصية حقيقية وليست من نسج خيال المصريين كما ادعى مدير الموساد حصلت الصحيفة أيضا على بيانات رسمية من السجلات الإسرائيلية مفادها أن "جاك بيتون" يهودي مصري من مواليد المنصورة عام 1919 وصل إلى إسرائيل عام 1955 وغادرها للمرة الأخيرة عام 1973 .

وأضافت الصحيفة بعد التحري أن "جاك بيتون" أو "رفعت الجمال" رجل الأعمال الإسرائيلي استطاع أن ينشئ علاقات صداقه مع عديد من القيادات في إسرائيل منها "غولدا مائير" رئيسة الوزراء ، و"موشى ديان" وزير الدفاع .

وخلصت الصحيفة إلى حقيقة ليس بها أدنى شك :

"جاك بيتون" ما هو إلا رجل مصري مسلم دفعت به المخابرات المصرية إلى إسرائيل واسمه الحقيقي "رفعت على سليمان الجمال" من أبناء مدينة دمياط بمصر.

وفور هذه المعلومات الدقيقة التقطت الصحف العالمية أطراف الخيط فقالت صحيفة "الاوبزرفر" البريطانية الواسعة الانتشار : أن "الجمال" عبقرية مصرية استطاع أن يحقق أهداف بلاده .. ونجح في أن يعود إلى وطنه سالما ويموت طبيعيا على فراشه.

رفعت الجمال

ولد رفعت الجمال في الأول من يوليو 1927 بمدينة طنطا وكان الابن الأصغر للحاج على سليمان الجمال تاجر الفحم وكان له اخوين أشقاء هما لبيب ونزيهه إضافة إلى أخ غير شقيق هو سامي، وكان والده يحمل لقب (أفندي) أما والدته فكانت من أسرة عريقة وكانت تتحدث الإنجليزية والفرنسية.

لم ينعم "رفعت" بوالده طويلا إذ توفى والده وهو بعد في التاسعة من عمره عام 1936 وكانت شقيقته نزيهه في الحادية عشر ولبيب في الثالثة عشر، أما سامي فكان في الثالثة والعشرين، ولم يكن لهم أي مصدر للرزق فاتفق الأعمام والعمات على حل كان منطقيا في هذه الظروف وهو أن يلتحق الصبيين (رفعت ولبيب) بورشة للنجارة حيث كانت مدينة دمياط منذ القدم وحتى الآن مشهورة بصناعة الأخشاب إلا أن الشقيق الأكبر سامى رفض الفكرة من أساسها واقترح أن ينتقل الأولاد الثلاثة وأمهم معه إلى القاهرة ليتعلموا في مدارسها ويكفل لهم راتبه المتواضع حياه كريمة، وكان سامي مدرسا للغة الإنجليزية وكان مسئولا عن تعليم أخوة الملكة فريدة اللغة الإنجليزية.

وفى القاهرة التحقت نزيهة بمدرسة ثانوية للبنات والتحق لبيب بمدرسة تجارية متوسطة، أما رفعت فالتحق بمدرسة ابتدائية وبعد إتمامه لها التحق أيضا بمدرسة تجارية وكان وقتها يتقن التحدث باللغتين الانجليزية والفرنسية ، وبرغم محاولات سامى أن يخلق من رفعت رجلا منضبطا ومستقيما إلا أن رفعت كان على النقيض من اخية سامى فقد كان يهوى اللهو والمسرح والسينما بل انه استطاع أن يقنع الممثل الكبير بشارة وكيم بموهبته ومثل معه بالفعل في ثلاثة أفلام.

 

 

وفي عام 1943 تزوجت نزيهة من الملازم أول احمد شفيق في حين سافرت أمه إلى دكرنس للإقامة مع أخوها ليجد رفعت نفسه محروما فجأة من أمه وأخته التي كان يحبها كثيرا، ووجد نفسه فجأة مطالبا بتحمل أعباء نفسه ومن ثم وعلى سبيل الاحتجاج رسب عمدا في امتحان العام الدراسي الثالث بمدرسته التجارية وفي هذا الوقت تزوج شقيقه سامي من ابنه محرم فهيم نقيب المحامين في ذلك الوقت، في حين انشغل لبيب بعمله، ولما كان هناك ملاحق للراسبين في الامتحان النهائي ومع ثورة الجميع على رفعت ومطالبته بالنجاح في الملاحق إلا انه كان مصرا .. ورسب للمرة الثانية.

وفي العام التالي نجح رفعت في الامتحان ولم يعد أمامه إلا عام واحد على التخرج وبالفعل تخرج في عام 1946 في الوقت الذي كان فيه قد انضم إلى عالم السينما.

إلا انه أحس أن الوقت قد حان لكي ينتقل لمجال آخر، وربما كان يريد وقتها الهروب من (بيتي) تلك الراقصة التي تعرف عليها، فتقدم بطلب لشركة بترول أجنبية تعمل بالبحر الأحمر للعمل كمحاسب واختارته الشركة برغم العدد الكبير للمتقدمين ربما نظرا لإتقانه الإنجليزية والفرنسية، وانتقل بالفعل إلى رأس غارب حيث بقى لمده خمسة عشر شهرا تعلم خلالها كل ما أمكنه عن إعمال البترول وأقام علاقات متعددة مع مهندسين أجانب، وفي هذه الأثناء توفيت والدته بدكرنس.

وفي عام 1947 قرر رئيسه نقله إلى المركز الرئيسي بالقاهرة ولما كان لا يرغب في العودة إلى القاهرة آنذاك إذ انه لن يستطيع أن يكون قريبا من أخته نزيهة وأبناءها وفي الوقت نفسه لا يستطيع رؤيتها مع سوء علاقته بزوجها فقد رفض الترقية.

وانتقل إلى الإسكندرية للعمل في شركة كيماويات كان رئيسها قد فاتحه أكثر من مرة للعمل لديه، وسر منه صاحب الشركة كثيرا نظرا لاجتهاده وكان يعامله كابن له وهو الشئ الذي كان يفتقده رفعت كثيرا.

وفي عام 1949 طلب منه صاحب الشركة السفر إلى القاهرة لأنه غير مطمئن للمدير هناك وطلب منه مراجعه أعماله.

وسافر رفعت إلى القاهرة وراجع أعمال مدير الفرع فلم يجد ما يثير الريبة وتسلم منه الخزانة وراجع ما فيها دون أن يدري انه يمتلك مفتاحا ثانيا لها، وفي اليوم التالي اكتشف ضياع ألف جنيه من الخزانة وأصبح هو من الناحية الرسمية المسئول عن ضياع المبلغ، واتصل مدير الفرع برئيس الشركة بالإسكندرية وابلغه انه عثر على المبلغ في غرفته وهو ما لم يحدث، وعاد رفعت إلى الإسكندرية وقال له رئيسه انه يصدقه لكنه لا يستطيع الإبقاء عليه في وظيفته تجنبا لإجراء أي تحقيقات رسمية لكنه أيضا رتب له عمل آخر مع صديق له يدير شركة ملاحه بحرية .. ولم يكن أمام رفعت خيار آخر.

رفعت الجمال

وبدأ رفعت العمل كمساعد لضابط الحسابات على سفينة الشحن "حورس"، وبعد أسبوعين من العمل غادر مصر لأول مرة في حياته على متن السفينة. وطافت "حورس" طويلا بين الموانئ؛ نابولي، جنوه، مرسيليا، برشلونة، جبل طارق، طنجة .. وفي النهاية رست السفينة في ميناء ليفربول الإنجليزي لعمل بعض الإصلاحات وكان مقررا أن تتجه بعد ذلك إلى بومباي الهندية.

ولما كان من المفترض أن تبقى السفينة لمدة ليست بالقصيرة في ليفربول فقد بدأ رفعت في استكشاف المكان وتولت الأقدار أمر تعارفه بـ "جودي موريس" وهي فتاة انجليزية ذكرته كثيرا ببيتي التي كان يعرفها في مصر، غير أن جودي كانت تختلف كثيرا فقد كان والدها شخصية نقابية هامة في انكلترا.

ولما أصبحت "حورس" جاهزة للرحيل تمسكت جودي برفعت وطالبته بالبقاء معها لبعض الوقت لكنه لم يكن مستعدا لخسارة وظيفته أو البقاء في انجلترا بطريقة غير مشروعة، غير أن جودي أوضحت له أن كثيرا من البحارة يضطرون إلى استئصال الزائدة الدودية وبذلك يتخلفون عن اللحاق بسفنهم وينتظرون إلى أن تعود مرة أخرى كما أن والدها يستطيع مساعدته في الحصول على تصريح إقامة ومن ثم أدعى رفعت الألم وأجرى عملية استئصال الزائدة الدودية وهو لا يشكو حقيقة منها بأي ألم!.

رفعت الجمال مع أبنه

وعقب تماثله للشفاء التحق بالعمل لدى والد جودي في الميناء بعد أن رتب له الوالد تصريحا بالعمل.

وسارت الأمور طبيعية بعض الوقت إلى أن شعر رفعت أن الأمور تتطور في غير صالحه خاصة بعد أن تعلقت جودي به كثيرا وأعلنت صراحة رغبتها في الزواج منه، ولما كان قد أيقن أنها لا تصلح له كزوجه فقد أنتهز أول فرصة حينما عادت "حورس" إلى ليفربول ليودعها عائدا إلى حياة البحر.

وفي مارس 1950 عاد رفعت الجمال إلى مصر. عاد ليجد نفسه لم يتغير كثيرا فقد وجد نفسه كما رحل عنها؛ بلا أسرة أو عائلة. ولذلك لم يلبث أن رحل مرة أخرى على متن سفينة ترفع العلم الفرنسي. وبعد أربعة أيام من الإبحار وصلت السفينة إلى مرسيليا حيث واصل رفعت هوايته في استكشاف الأماكن، ومن مرسيليا أنتقل إلى العاصمة الفرنسية باريس حيث واجه خطر الترحيل لأنه لم يكن يمتلك تأشيرة إقامة.

ومن باريس أستقل رفعت القطار إلى العاصمة الإنجليزية لندن زاعما أنه مضطر لاستشارة الطبيب الذي أجرى له استئصال الزائدة الدودية وحصل بموجب ذلك على تأشيرة دخول لمدة أسبوعين ولم يكن من الممكن بالنسبة إليه أن يكون في انجلترا دون أن يعرج على ليفربول لرؤية جودي التي بكت من الفرحة حينما رأته متصورة أنه عاد من أجلها.

وهناك ساعده قس مسيحي، كان قد طلب منه في زيارته الأولى لليفربول أن يعلمه ما يعرفه عن الإسلام، في الحصول على وظيفة جيدة في وكالة سفريات تدعى "سلتيك تورز".

وأظهر رفعت كفاءة كبيرة في عمله الجديد ونجح في إقناع رئيسه في محاولة الحصول على موافقة السفارة المصرية بلندن على أن تتولى "سلتيك تورز" تنظيم سفر الدبلوماسيين المصريين والحاصلين على منح دراسية من وإلى انجلترا وأقتنع رئيسه ونجح رفعت في مهمته وعاد إلى الوكالة بعقد مربح بلغت عمولته عنه 2000 جنيه إسترليني وهو مبلغ رهيب بالنسبة لهذا الزمن.

وقبل أن تمر خمسة شهور على هذه الصفقة زادت أرباح وكالة السفريات وزادت مدخراته إلى 5000 جنيه إسترليني وضعها في بنك أمريكان اكسبريس مقابل شيكات سياحية بنفس القيمة.

وفكر رفعت في تكرار تجربته مع السفارة المصرية في نيويورك وأقنع رئيسه بالفكرة وسافر بالفعل على الفور إلى نيويورك. لكنه لم يكن يعلم أنه لن يعود مرة أخرى... .

وصية الهجان

وصيتى. أضعها أمانة فى أيديكم الكريمة السلام على من اتبع الهدى.

بسم الله الرحمن الرحيم

إنا لله وإنا إليه راجعون لقد سبق وتركت معكم ما يشبه وصية، وأرجو التكرم باعتبارها لاغية، وهأنذا أقدم لسيادتكم وصيتى بعد تعديلها إلى ما هو آت: فى حالة عدم عودتى حيا أرزق إلى أرض الوطن الحبيب مصر أى أن تكتشف حقيقة أمرى فى إسرائيل، وينتهى بى الأمر إلى المصير المحتوم الوحيد فى هذه الحال، وهو الإعدام، فإننى أرجو صرف المبالغ الآتية:

1.لأخى من أبى سالم على الهجان، القاطن.. برقم.. شارع الإمام على مبلغ.. جنيه. أعتقد أنه يساوى إن لم يكن يزيد على المبالغ التى صرفها على منذ وفاة المرحوم والدى عام 1935، وبذلك أصبح غير مدين له بشيء.

2.لأخى حبيب على الهجان، ومكتبه بشارع عماد الدين رقم...، مبلغ... كان يدعى أنى مدين له به، وليترحم على إن أراد .

3.مبلغ... لشقيقتى العزيزة شريفة حرم الصاغ محمد رفيق والمقيمة بشارع الفيوم رقم .. بمصر الجديدة بصفة هدية رمزية متواضعة منى لها، وأسألها الدعاء لى دائما بالرحمة.

4.المبلغ المتبقى من مستحقاتى يقسم كالآتى:

Øنصف المبلغ لطارق محمد رفيق نجل الصاغ محمد رفيق وشقيقتى شريفة، وليعلم أننى كنت أكن له محبة كبيرة.

Øالنصف الثانى يصرف لملاجئ الأيتام بذلك أكون قد أبرأت ذمتى أمام الله، بعد أن بذلت كل ما فى وسعى لخدمة الوطن العزيز، والله أكبر والعزة لمصر الحبيبة .

إنا لله وإنا إليه راجعون

أشهد أن لا إله إلا الله

وأشهد أن محمدا رسول الله

طوال فترة عمله، في قلب إسرائيل، لحساب المخابرات المصرية، لم يتقدّم (رفعت الجمّال) بمطلب واحد للمسؤولين..

حتى كان مطلبه هذا..

أن يعود إلى (مصر)، ويدفن إلى الأبد شخصية (جاك بيتون)..

حدث هذا في يونيو1963م، قبل لقائه الأوَّل بزوجته فيما بعد (فلتراود)، أي أن رغبته هذه كانت تعكس حالة الإجهاد التي وصل إليها، ورغبته الحقيقية في استعادة (رفعت الجمَّال)، بهويته، وجنسيته.. وديانته أيضاً..

 

ولكن العودة لم تكن بالبساطة التي توقَّعها (رفعت)، إذ لم يكن من السهل بالتأكيد، أن يختفي (جاك بيتون) هكذا فجأة، من قلب (إسرائيل)، ليظهر (رفعت الجمَّال) مرة أخرى في (القاهرة)، فهذا كفيل بكشف كل ما فعله طوال حياته..

ليس هذا فحسب، ولكن ستكشف -أيضا- شبكات التجسُّس التي تركها خلفه أيضاً.. وفي عالم المخابرات تعتبر هذه كارثة.. وبكل المقاييس..

رفعت الجمال مع زوجته الألمانية فلتراود

وعند هذا الحد، تمتزج، على نحو ما، مذكرات (جاك بيتون) بمذكرات زوجته (فلتراود)، فيروي هو نفس ما روته هي من قبل، حول لقائهما، في أكتوبر 1963م، ووقوع كل منهما في حب الآخر، وزواجهما.

ولكن هناك فقرة مهمة جداً، في المذكرات التي تركها (رفعت) لزوجته بعد وفاته، تستحق حتماً أن نتوقَّف عندها، وأن ننقلها هنا نصاً؛ لأنها تؤكِّد نجاحه البالغ:

وعدنا إلى إسرائيل في أوائل يناير1964م، قدمتك إلى "غولدا مائير"، وأحبتك كثيراً، ثم اصطحبتك في زيارة إلى "بن جوريون"، في الكيبوتز الخاص به. رافقنا "ديان" في هذه الزيارة، وبعد أن استقبلك "بن جوريون" العجوز مرحباً، طلبت منك التجول في الكيبوتز إلى أن نفرغ من حديثنا أنا و"بن جوريون" و"ديان". لم يتناول نقاشنا شيئاً له أهمية كبيرة، ولكن كان لابد وأن أكون متابعاً لمسرح الأحداث..

إلى هذا الحد إذن كان (رفعت الجمّال) متوغّلاً، في قلب عالم الكبار

في إسرائيل!!! أي نجاح يمكن أن يفوق هذا!!

والنقطة المهمة جداً، التي ينبغي التوقف عندها، في هذه المذكرات أيضاً، هي إصرار (رفعت) الشديد، على ألا يولد ابنه في (إسرائيل)، وعلى أن تسافر زوجته لتنجبه في (ألمانيا)، حتى لا يحمل إلى الأبد الجنسية الإسرائيلية..

ورويداً رويداً، راح (رفعت) يتحلَّل من أعماله والتزاماته في (إسرائيل)، ويقوي روابطه وأعماله في (ألمانيا)، وبدأ في دراسة كل ما يتعلَّق بالنفط، الذي قرَّر أن يجعل من تجارته مصدر رزقه الأساسي، خاصة وأنه قد تقدَّم بطلب للحصول على الجنسية الألمانية، التي ستتيح له السفر بيسر أكثر، ودون تعقيدات أمنية عديدة، إلى (مصر)، في أي وقت يشاء، كرجل أعمال ألماني، وتاجر نفط عالمي.

 

وفي فقرة مؤسفة، يؤكِّد (رفعت) أنه، باتصالاته التي لم تكن قد انقطعت بعد، بالمسؤولين الإسرائيليين، أمكنه معرفة أن (إسرائيل) تستعد للهجوم على مصر، في يونيو1967م، وأنه أبلغ المسؤولين في (مصر) بهذا، إلا أن أحداً لم يأخذ معلوماته مأخذ الجد، نظراً لوجود معلومات أخرى، تشير إلى أن الضربة ستنصب على سوريا وحدها!!.. .

ووقعت نكسة1967.. وانهزمنا هزيمة منكرة..

وعلى الرغم من حالة الإحباط وخيبة الأمل، التي أصابته بسبب هذا، واصل (رفعت) ارتباطه بالمخابرات المصرية، وظلّ يرسل إليها كل ما يقع تحت يديه من معلومات، من خلال صداقته مع رجل المخابرات الإسرائيلي (سام شواب)، حتى توافرت لديه فجأة بعض المعلومات بالغة الخطورة، (لم يفصح عنها أيضاً في مذكراته)، والتي أرسلها فوراً إلى مصر، وصدقها المصريون، وكان لها تأثير واضح، في حرب 1973م..

وبعد الحرب والانتصار، عاد (رفعت) يطلب العودة إلى (مصر)، ولكن المخابرات المصرية أخبرته أنه لا يستطيع العودة مع أسرته، إذ يستحيل أن تتم حماية الأسرة كلها طوال الوقت، من أية محاولات انتقامية إسرائيلية، إذا ما انكشف أمره..

كان على الطير أن يواصل التحليق إذن، بعيداً عن وطنه، وأن يحمل حتى آخر العمر جنسية (جاك بيتون)، اليهودي الإسرائيلي السابق، ورجل الأعمال الألماني المحترم، الذي نجح في إقامة مشروع نفطي كبير في (مصر)، ظلّ يزهو به، حتى آخر لحظة في حياته، ويروي في مذكراته كيف حصل على امتياز التنقيب عن البترول المصري، في عام 1977م، ليعود أخيراً إلى (مصر)، التي عشق ترابها، وفعل من أجلها كل ما فعله..

وفي نهاية مذكراته، يتحدَّث (رفعت الجمَّال) عن إصابته بمرض خبيث، وتلقيه العلاج الكيمائي، في أكتوبر1981م، وتفاقم حالته، ثم يبدي ارتياحه، لأن العمر قد أمهله، حتى أكمل مذكراته، وأن زوجته وابنه دانيال، وابنته بالتبني أندريا سيعرفون يوماً ما حقيقته، وهويته، وطبيعة الدور البطولي الذي عاش فيه عمره كله، من أجل وطنه..

تروي (فلتراود) قصة لقائها بالفنان (إيهاب نافع)، وارتباطها به، والدور الذي قام به، لإجراء الاتصال بينها وبين المخابرات المصرية، للتيقن من حقيقة ما جاء في مذكرات زوجها الراحل، ثم زواجها من (إيهاب نافع) فيما بعد.. وأن العالم كله يعرف الآن أن المخابرات المصرية قد نجحت، في صفع الإسرائيليين، طوال ثمانية عشر عاماً كاملة، وزرع جاسوس مصري في قلب قياداتهم.. وقلب مجتمعهم..

بل وقلب كيانهم الأساسي كله.. وأنها كانت واحدة من أروع وأكمل العمليات، التي تم نشر (بعض) تفاصيلها، في تاريخ المخابرات كله.. عملية، برع وتألّق خلالها جاسوس يعد الأشهر في عالمه، حتى لحظة كتابة هذه السطور.. بل أشهر الجواسيس.. على الإطلاق.

عمار الحرازي07-22-2010, 02:15 AM

جواسيس إسرائيل في المصيدة

إسرائيل لاتكف عن التجسس على مصر.. رغم اتفاقية السلام!

يخطي من يظن إن اتفاقية السلام، وانتهاء الحرب بين مصر وإسرائيل، وضعت حدأ لأعمال التجسس الإسرائيلية علي مصر.. أو حتى خففت منها، فطبيعة إسرائيل العدوانية والمتسلطة وتركيبتها السياسية والنفسية، وخلفيتها التاريخية لا تعطيها أية فرصة للشعور بالأمان والاستقرار وهذا بالإضافة إلى تأكد إسرائيل ووثوقها.. إن مصر هي القضية الكبرى أمام طموحاتها غير المشروعة بالمنطقة وأطماعها في السيطرة والهيمنة.. لذلك لم تتوقف محاولات إسرائيل في زرع عملاء لها في مصر أو اصطياد بعض الثمار المعطوبة لتجنيدها لخيانة وطنها.

ولكن عملاء الموساد، تساقطوا تباعا في مصيدة المخابرات.

1.عامر سليمان ارميلات

2.سمير عثمان احمد علي

3.عبد الملك عبد المنعم علي حامد

4.عماد عبد الحميد إسماعيل

5.شريف احمد الفيلالي.

تلك هي أسماء الخونة يضيعون خلف الأسوار الآن يقضون السنوات الطويلة، تنفيذ لحكم العدالة في الخونة وأمثالهم.. الذين دفعتهم، أوهام الثروة فهانت عليهم بلدهم وسقطوا في بئر سحيق من الخيانة، وغرقوا في ظلمات بحور الجاسوسية وعندما حاولوا أن يطفوا مرة ثانية كان في انتظارهم رجال المخابرات المصرية.. تلقفوهم إلى حيث القصاص العادل.. وسبق الخونة إلى دهاليز المحاكم يجرون أذيال العار وتلاحقهم لعنات شعبهم وأهلهم أرميلات.

 

 

كان العشرات من أبناء قبائل سيناء يتجمعون داخل محكمة العريش وحولها.. الزحام شديد، إجراءات الأمن أشد، همسات تدور بين أبناء سيناء الذين سقط منهم العشرات دفاعا عن الأرض.. إلا عامر سلمان أرميلات.. ذلك الامي الذي لا يجيد القراءة والكتابة.. ولكنه كان احد أخطر جواسيس الموساد.

الأحد 14 أبريل، المستشار حافظ مشهور رئيس محكمة أمن الدولة وزميلاه المستشارين محمود سمير وصبحي الحلاج، في غرفة المداولة، ينظرون وصول الجاسوس من السجن واستعداد الحراسات وأعداد قاعة المحكمة، وبعد دقائق من وصولهم دخل عليهم قائد الجرس وأبلغهم بتمام تنفيذ اجراءات بدء الجلسة.. القضاة الثلاثة أتموا مداولاتهم في الحكم.. وفجأة دوي صوت الحاجب في القاعة.. محكمة.. ليخرج رئيسها وزملائه.. يتخذون مواقعهم علي كراسي العدالة.. وعم الصمت المكان.. الأنفاس تكاد تعدها، فالآن ستنطق المحكمة بحكمها ضد عامر سلمان أرميلات.. وجاء صوت القاضي قويا جمهوريا يشق الصمت وقال: حكمت المحكمة حضوريا علي المتهم عامر سلمان ارميلات بالأشغال الشاقة المؤبدة وغرامة قدرها عشرة آلاف جنيه..

رفعت الجلسة.

ذلك كان المشهد الأخير في حكاية عشرين عاما من الخيانة.. كان بطلها الجاسوس الأمي، الغريب أنه بدأ خيانته مع النسمات الأولي لرياح السلام ففي عام 1977، ألقت القوات الإسرائيلية التي تحتل العريش القبض علي عامر سلمان ارميلات، بتهمة السرقة، وبعد عدة أشهر في السجن غادره.. ويبدو أنه احترف السرقة حتى سقط مرة أخري في أيدي القوات الإسرائيلية أثناء قيامه بسرقة 'ثلاجة' من 'مستوطنة ياميت'، وهذه المرة تم احتجازه في بئر سبع.. وهناك وأثناء قيام ضابط المخابرات بعمله، وصله أن هناك شخص يناسب أسلوبه في العمل، ويبيع نفسه مقابل حفنة نقود.. فهو لص، وتاجر مخدرات، ولا يتردد في أن يكون خائن.. سمع 'أبو شريف' رئيس مكتب الموساد في بئر سبع محدثه.. ثم أرسل من يحضرون ذلك الشيطان.. وبعد دقائق وقف عامر يلهث أمامه، ينتظر ما يلقيه له من كسرة خبز' وبعد فترة صمت تحدث ضابط الموساد بشكل مباشر، فشخص كهذا لا يستحق عناء تحسس وطنيته، فهي بالتأكيد مفقودة.. وطنه هو المال ودينه هو الخيانة.. قال أبو شريف.. لدي عرض يا عامر.. أنت مدان بالسرقة وتم ضبطك وأنت تحمل الثلاجة المسروقة.. لكن أستطيع أن أجعلك تخرج من هنا إلي منزلك دون أن يعترضك أحد..

صيد سهل

زاد لهاث عامر، الذي فرح بالعرض، ورد عليه أعمل أي شيء تريده، فهي كان صعبا.. رد أب وشريف لابل سهل، هو أن تكون علي إتصال بي ونكون أصدقاء احتاج معاونتك في شيء.. فقط تساعدني.. ولو كانت المساعدة مخلصة وصادقة، ستكون هناك هدايا في انتظارك وستتحول عن حياة التشرد والسرقة..؟

سريعا تم الاتفاق.. وكان عامر أرميلات في مركز للموساد بئر سبع يتلقي تدريبا بسيطا.. فهو لن يستعمل الشفرة أو أجهزة اللاسلكي.. فقط كل ما هو مطلوب منه.. أن يشاهد عدة صور، يحفظ الأشكال الموجودة بها فمثلا تلك دبابة تي 55 وذلك مدافع هادتزر، واستمر عدة أيام عاد بعدها إلي العريش وهو يميز جيدا بين أنواع الأسلحة الثقيلة.. ولأنه بدوي فطبيعة حركته في الصحراء والوديان وربما فوق الجبال.. وكل المطلوب منه إبلاغ أبو شريف بما يراه المكان فقط..

ولان أرميلات هذا رمزا للأمية، فهو يكره التعليم والقراءة والناس.. يكره كل شيء ولا يحب سوي المال أو الكيف.. وبدأت المكافآت تنهال علي أرميلات، ولكن من نوع آخر.. شحنات المخدرات تنهال علي أرميلات.. وكان هو الثمن.. وسعد كثيرا الجاسوس بالمقابل.. وكان أبو شريف قد أقنعه أن المخدرات هي خير وسيلة للتمويه علي نشاطه.. ولن يتخيل أحد أن تاجر المخدرات، ما هو إلا جاسوس مراقبة انتشار القوات المسلحة المصرية في سيناء.. مقابل صفقات المخدرات، وكان هدف الموساد مزدوج من هذا الخائن، التجسس علي جيش بلده، ونشر المخدرات بين الشباب..

ولكن الطريف في قضية الخيانة هي وسيلة الاتصال بين العميل والضابط.. وقرر الضابط اختيار وسيلة مناسبة.. وكلف الجاسوس بأن يقوم بوضع حجر أمام أيه سيارة تابعة لحرس الحدود أثناء الدوريات.. ويطلب من ركابها.. نقله إلي مكتب مخابرات بئر سبع.. الذي أعجب كثيرا بنشاط وحماس الخائن.. حتى أنه كلفه بإنشاء شبكة من الجواسيس في العريش وشمال سيناء.. وبالفعل بدأ عامر في الاتصال باثنين من السائقين اختارهما بعناية ووافق عليهما 'أبو شريف' وكانا سائقان، وحسب عملهما يستطيعان الحركة بحركة علي جميع طرق سيناء..

وفي عام 1982 بدأ يتحدث إلى قاعود سليمان وعرض عليه أن يدخل شريك في العمل مع الصهاينة، فعائد المخدرات كبير، وهو يحتاج من يوزع معه.. ولأن قاعود كانت له شقيقة مطلقة في الأراضي المحتلة ويريد إعادتها لسيناء، وفرش له عامر الطريق بالوعود.. يستطيع إعادة أخته في أي وقت، أيضا يمكنه الذهاب إلي هناك.. أبو شريف يستطيع أن يفعل له ما يريد..

وفي عام 1983 قدمت الشرطة عامر سليمان للمحاكمة بتهمة القيام بانشطة تجسيسه ولكن لضعف الأدلة، كان الحكم ضعيفا.. وقضي أرميلات عام ونصف خلف الأسوار.. ليعود في عام 1987 وبكل أصرار علي الخيانة علي استعاده نشاطه التجسسي.. وفي عام 1992 عاود تنفيذ فكرته الأولي فقرر الاتصال بأحد أصدقائه وهو سائق ليساعدٌه في ترويج كميات المخدرات.. وبعد أن اطمأن إليه اعترف له أنه يعمل لحساب الموساد.. وأنه يربح مبالغ كبيرة.. وأنه يستطيع أن يكون شريكا له..

ولم يعرف أرميلات أن للخيانة عملاء ولكن هناك الشرفاء.. ووجد نفسه في مواجهة من عرض عليه العمالة في قاعة المحكمة ليشهد ضده، ويؤكد أن أرميلات طلب منه التجسس وصحبه إلي عدة أماكن كان مكلفا بمراقبتها.. وبعد توافر أدلة الإدانة.. تصدر المحكمة حكمها بالسجن المؤبد علي جاسوس المخدرات وغرامة عشرة آلاف جنيه.

متطوع للخيانة ..!

نموذج آخر علي الخيانة سقط بعد فترة من تطوعه في فرق الخيانة.. هو سمير عثمان احمد علي، وهو الذي أنهي عمله في أحد الجهات الهامة، وأراد أن يبحث عن فرصة عمل، فسافر إلي العراق أثناء الحرب مع إيران والتحق بالجيش الشعبي العراقي، وتدرج في التنظيم السري لحزب البعث حصل علي درجة رفيق، وحصل علي مرتبه ملازم أول وتم نقله للعمل بالمخابرات العراقية وتبدلت الأحوال، فالسيارة والسائق الخاص والراتب الكبير.

ويبدو أن سمير لم يجد ما يريده في العراق، فقرر الانتقال إلي تركيا في أجازة، وقرر عرض نفسه للبيع وأختار أن يتطوع في صفوف الموساد.. وفور وصوله أنقره، سأل عن مكان السفارة الإسرائيلية.. ومنذ تلك اللحظة دخل عالم الخيانة من أوسع أبوابه.. وعاد إلى مصر لينفذ التكليفات المطلوبة منه.. ولأنه مدرب جيدا علي الغوص، فاختار، وله طريقة جديدة للاتصال بالموساد..

وكان سمير يذهب إلي طابا المصرية ويقيم في فندق هيلتون، وبعد فترة، يقرر الذهاب إلي للغوص، يرتدي الملابس، ويغوض تحت الماء، وبين ملابسه جواز سفره، ويستمر سمير في الغوص تحت الماء ولا يخرج إلى سطحها إلي في إيلات وهناك يكون ضباط الموساد في إنتظاره.. ويعود بنفس الطريقة.. وكان يمكن أن يستمر سمير في خيانة لوقت أطول.. حتى وصلت معلومات إلي المخابرات العامة المصرية عن الشبهات التي تحيط به.. فهو كثيرا ما يسافر إلي خارج البلاد وجنوب سيناء.. ووضع سمير تحت المراقبة الدقيقة في مصر وخارجها..

وبعد تحريات، وصلت معلومات تفيد بتورطه مع الموساد.. وهنا تولي فريق من المتخصصين مراقبته ومتابعة القضية.. وبعد فترة أصبحت كل أسرار شريف معروفه.. حتى أن هناك من كان يتابعه في البحر.. وبعد تجميع أدلة قوية لا يستطيع سمير التخلص منها.. صدر قرار بالقبض عليه.. وتوجهت قوة من المخابرات العامة يرافقها رئيس نيابة أمن الدولة حيث شريف في منطقة الدرب الأحمر.. قامت بتفتيش المنزل وعثرت علي جوازات السفر، وأوراق السفر وأدلة أخري تؤكد علاقاته بالموساد..

وبعيدا من القاهرة، كان هناك في طابا، فريق أخر في مياه طابا، ينتظر عودة سمير من إيلات.. لكن مفاجأة حدثت.. سمير ضل طريقه هذه المرة.. ولكن العيون التي تراقبه، لم تخطأ هدفها.. إشارة تلقتها قبل قليل بالقبض عليه..

وبعد ساعات كان سمير في سيارة تقترب من حدود القاهرة.. ليمثل أمام رئيس نيابة أمن الدولة، تتوالي الاعترافات.. ونظر لخطورة القضية، وحجم العمليات الضخمة الذي رافقها وتعلقها بأسرار دول عربية أخري.. فاستمرت المحاكمات بعيدا عن المتابعات الإعلامية.. ليسقط سمير عثمان جزاء ما مثله ويصدر ضده حكم مشدد.. بعدما أعترف بعمالة للموساد، أنه استحق عدة جوازات سفر للتمويه علي أجهزة الأمن ومقابلة ضباط الموساد.. وكشف تحليل جوازات السفر عن تشبعها بمياه البحر نتيجة حمله لها أثناء الغوص تحسبا لأي طارئ.

العامل الجاسوس..!

رغم أنه عمل تطوعي في صفوف القوات البحرية لمدة 12 عاما.. بداية في عام 1966 حتى عام 1978، قرر أن ينهي فترة تطوعه، وقرر مد التجنيد لفترة أخري.. رغبة منه في الحصول علي مكافأة نهاية الخدمة إضافة إلي المعاش الشهري.. يستطيع أن يبدأ مشروعا جديدا.. ولكنه سمع عن زملاء سابقين له عملوا علي البواخر التجارية وبرواتب مغرية..

بدأ عبد الملك عبد المنعم، رحلة البحث، وعثر علي فرصة جيدة، لكنه لم يعد قانعا بدخله.. وفي إحدى إجازاته في قرية نوسا الغيط.. سمع عن سفر شباب القرية للعمل في إسرائيل، والأرباح الكبيرة التي يحققوها.. فقرر أن يذهب هو الآخر.. ولكن عمله السابق وقف في طريقه وتم رفض سفره.. وتعهد بموجب إقرار كتابي بعدم السفر، ولكنه أعتقد أنه سيفلت من هذا الإقرار باستبدال جواز سفره بمهنة موظف بالمعاش.. وبالفعل تمكن من مغادرة البلاد.. وفور وصوله إلي إيلات وحسب الاجراءات المعتادة لمنافذ إسرائيل مع المصريين.. استجواب أمني طويل.. روي فيه عبد الملك تاريخ عمله السابق في القوات البحرية.. وكان ضروريا إخطار الموساد.. وطوال رحلة عمله كانت عيون الموساد ترقبه.. ولأنه دخل ايلات بتأشيرة سياحية، فقد انتهت فترة الأسبوعين وفي اليوم التالي، بدأت الشرطة الإسرائيلية في مطاردته، بناء علي تعليمات مدير مكتب الموساد في ايلات والمدعو 'أبو يوسف' وبعد عدة مطاردات أنهكت عبد الملك.. فكلما ذهب إلي مكان، وجد الشرطة في إنتظاره.. وفجأة وبعدما أصاب عبد الملك التعب، وجد أبو يوسف في طريقه.. قدم له الحماية اللازمة وأصبح ممنوعا علي الشرطة الإقتراب منه بل وفر له أبو يوسف فرصة عمل عندما كلفه بطلاء فيللا خاصة.. ولأن الطمع سيطر علي كل حواس عبد الله، فلم يقاوم عرض أبو يوسف وتحول عبد الملك من عامل، إلي جاسوس.. وتم نقله إلي بئر سبع للتدريب هناك علي أعمال التجسس ونبغ سريعا في الخيانة، وعاد إلي مصر ومعه أرقام تليفونات في فرنسا وايطاليا واليونان..

وكان التكليف لعبد الملك بمتابعة أنشطة إحدى القواعد الجوية القريبة من محل إقامته وإحدى قواعد الدفاع الجوي وطلب ضباط الموساد من عبد الملك أن يبحث عن فرصة عمل في ميناء الإسكندرية..

وعندما داهمت أجهزة الأمن منزل المتهم في قرية نوسا الغيط، حاول المراوغة وقال أنه كان ينوي إبلاغ المخابرات.. ولكن مرض أسنان زوجته، آخره.. لعدة أشهر.. وبدأ يعترف بخط يده، 80 ورقة كاملة.. حوت اعترافات الجاسوس..، وأمام المحكمة اعترف عبد الملك بتقاضي مبالغ من الموساد، وساعة يد هدية.. حاول المتهم الادعاء أنه خشي إبلاغ الأمن، خوفا من أن يكون داخلها أجهزة تتبع.. وكان قرار المحكمة بإدانة المتهم.. وصدر الحكم عليه بالسجن 15 عاما..

عماد وعزام..!

تخرج من كلية الاقتصاد المنزلي، والتحق بالعمل مدرسا بإحدى المدارس الإعدادية في شبين الكوم وكان عماد عبد الحميد، غير قانع بالعمل.. فحصل علي إجازة وإلتحق بالعمل في إحدى الشركات بالعاشر من رمضان، وكانت سعادته بالغة عندما علم أنه سيسافر مع زملائه إلي إسرائيل للتدريب هناك علي صناعة الملابس.. وأقلعت به الطائرة ومعه زملائه وكانت سعادته بالغة، فهناك سوف يبرز انحرافه الخلقي.. وكان في استقبالهم في المطار.. وفي متعب عزام مندوبا عن المصنع، وبسرعة انتهت الإجراءات.. لكن عيون عماد كانت تتعلق بالنساء في كل اتجاه.. وفور وصولهم الفندق كان هناك في انتظارهم عزام متعب عزم، وفورا اكتشف الانحراف الجنسي لعماد.. وهمس إليه.. وبالفعل أحضر له عزام فتاتين روسيتين، لكن عماد خشي من رؤسائه في العمل والمقيمين معه في نفس الفندق.. وأراد عزام الانفراد به فقام بنقله إلي أحد المصانع الأخرى للتدريب بها..

المهم.. كان القرار بتجنيد عماد وفجأة ظهرت زهرة جريس وهما من عملاء الموساد.. أفهمه عزام أنها ثرية وتصلح زوجة له، وكان عماد طلب من عزام مساعدة في الزواج بإسرائيلية.

.. وبعد عمليات السيطرة الجنسية علي عماد عبد المجيد وزهرة جريس، وتم إلتقاط صور جنسية له معها في سيارتها عندما دعته لجولة خلوية..

.. وبدأت التلميحات من عزام وزهرة عناصر الموساد، وكانت الاستجابة التامة من عماد عبد الحميد.. وكانت هناك قصة رواها عماد عن قرب موعد تجنيده، فصدر قرار بتحديد إقامة الوفد أسبوع آخر إكراما للجاسوس حتى تتم السيطرة التامة عليه وحمل قائمة طويلة معه من التكليفات، وأربع قطع ملابس نسائية مشبعة بالحبر السري.. لاستخدامه في إرسال التقارير..

وبالفعل والجاسوس أقام باستخلاص الحبر السري..

وحسب تحريات شعبة الأمن القومي، واعترافات المتهم، أنه في اليوم السابق علي وصوله إلى مصر التقي مع المدعو 'ميكي باغوث' وهو ضابط بالموساد اسمه الحقيقي 'ميخائيل بيركو'.

وتعرف المتهم علي الصورة الذي قدمتها المخابرات لضابط الموساد..

وتوالت الاعترافات.. وتم القبض علي عزام متعب عزام ووجهت إليه نيابة أمن الدولة بتهمة الاتفاق الجنائي مع الجاسوس.. وإعترف عزام بصلات زهرة بالموساد.

وتوالت الجلسات والاعترافات.. وكان في النهاية الحكم الرادع بالسجن المؤبد علي عماد عبد الحميد والسجن 15 عاما علي عزام متعب عزام.

وأخيرا.. سقط شريف الفيلالي... ولكن لن يكون الجاسوس الأخير..!

أفرج لاحقاً عن الجاسوس الإسرائيلي الدرزي عزام عزام بصفقة قامت بها مصر مقابل الإفراد عن ستة طلاب ضلوا الطريق في الصحراء ودخلوا إسرائيل بالخطأ ، إسرائيل أدعت أنهم دخلوا إسرائيل للإستيلاء على دبابة إسرائيلية لمهاجمة إحدى المصارف لسلبها وتسلم الأموال للفلسطينيين، عزام عزام أمضي ثماني سنوات في سجنه.

 

عمار الحرازي07-22-2010, 02:26 AM

قــوانين رقيقة

لم يسلم لبنان .... على مدار حقبة طويلة من تاريخه، من مكائد الصهيونية وأطماعها، فمنذ أخذت الحركة الصهيونية تستعد لإقامة الدولة اليهودية في فلسطين، وضعت في مقدمة برامجها التوسعية... السيطرة على مناطق حيوية في لبنان خاصة المناطق الجنوبية منه... حيث منابع مياه نهر الأردن، ومجرى نهر الليطاني ومصبه، وما تمثله تلك المنطقة من أهمية بالنسبة لأمن الدولة الصهيونية ... واستراتيجيتها العسكرية.

لقد جاء في التلمود "إن الله أعطى عهداً لإسرائيل باحتلال أراضي الجبلين وجميع أنحاء لبنان وتقسيم هذه الأراضي على أبناء إسرائيل". لذلك نجد أن المطامع التوسعية في لبنان الجنوبي تحتل المرتبة الأولى في مخططات الصهيونية منذ حقبة طويلة.

وعقب الحرب العالمية الأولى ترأس اليهودي "هربرت صموئيل" وفد بريطانيا في مباحثات السلام، ونادى بمد حدود الدولة اليهودية في فلسطين إلى شمالي صيدا وإدخال مدينة "صيدون" القديمة ضمن أراضي اليهود. وبهذا يشمل الساحل الفلسطيني ضواحي تتبع مدينة بيروت نفسها، وتسارع بريطانيا بتأييد هذا المطلب وتعيين صموئيل كأول مندوب سام لبريطانيا في فلسطين.

وبعد ترسيم المنطقة فيما بعد بواسطة فرنسا وبريطانيا، أظهرت الصهيونية سخطها على الاتفاق المعقود بين الدولتين، ذلك الاتفاق الذي أفقد الصهيونية "الليطاني، والأردن الأعلى، وجبل الشيخ، وحوران". ولم تتراجع الصهيونية عن محاولتها للاستيلاء على تلك المناطق، مدفوعة بالعقيدة الصهيونية والتاريخ المزيف، ومدفوعة أيضاً بالحاجة الاقتصادية والسيطرة العسكرية.

كان من الطبيعي إذن أن تستغل إسرائيل شتى السبل لابتلاع الأرض العربية من أهلها الأصليين، ومن بين تلك السبل – الجاسوسية – والإجرام. إذ أنه مع بداية العام 1920 بدأ التحول الكبير في تاريخ المنطقة العربية بانتقال الصهيونية إلى مرحلة أرقى من ذي قبل. تلك المرحلة التي حملت روح العقيدة الإجرامية المتمثلة "بالتجمع والاقتحام" واستخدام السيف والدمار، وتشكيل الهيئات السرية والمنظمات الإرهابية.

إنه عام أطلق عليه "عام الدماء الأولى" حيث قُتل في هذا التاريخ "يوسف ترمبلدور" رفيق "جابوتنسكي" بعد اشتباكات مع العرب قرب الحدود الشمالية. وحزن عليه اليهود حزناً شديداً كما تعاهدوا على الأخذ بثأره؟ وهذا ما دفع جابوتنسكي لاقتراف مذبحة "يوم النبي موسى" في 4 أبريل 1920.

ولما اعتقل جابوتنسكي بحجة التسلل وتهريب السلاح، تدخل هربرت صموئيل وأفرج عنه، فأطلقوا على صموئيل – المندوب السامي البريطاني – اسم "امير إسرائيل الأول" ولقبوه أيضاً بعيزرا الثاني "بعد السبي البابلي".

وجاء مؤتمر "سان ريمو" بعد واحد وعشرين يوماً من "مجزرة الدماء الأولى" ليكرس اتفاقية "سايكس – بيكو" تكريساً قانونياً، توزع بموجبه الانتدابات على دول المنطقة، وليجعل فلسطين من حصة بريطانيا، فتتعاون الصهيونية مع نظام الانتداب الجديد بحرية أكثر، وتنتهز الفرصة تلو الأخرى حتى يتم لها السيطرة وإقامة دولة إسرائيل، وأسفر هذا التعاون عن ظهور تنسيق كامل بينهما في المصالح والرغبات، وإنشاء مراكز تجسسية في المنطقة تخدم مطامعها المشتركة.

مؤامرة قصر يلدز

"إذا تجزأت إمبراطوريتي يوماً ما، فإنكم قد تأخذونها بلا ثمن، أما وأنا حي فإن عمل المبضع في بدني لأهون علي من أن أرى فلسطين قد بترت من إمبراطوريتي، وهذا أمر لا يكون".

هكذا أجاب السلطان العثماني عبد الحميد الثاني "1876 – 1909م" على مطلب تيودور هرتزل بمنح اليهود حق سكنى فلسطين واستثمارها ... في أول وآخر مقابلة بينهما عام 1897.

ولما فشل اليهود مع السلطان عبد الحميد الثاني بأسلوب المكر والخديعة والرشوة، بدأوا في تنفيذ مخططاتهم السرية التي جاءت في "بروتوكولات حكماء صهيون" BROTOCOLSO OF LEARNED ELDERS OF ZION والتي نشرها بالروسية لأول مرة "سيرجي نيلوس عام 1902" فافتضحت نيات اليهود الإجرامية، وجن جنونهم خوفاً ورعباً، وعمت المذابح ضدهم في أنحاء روسيا، حتى لقد قتل منهم في إحداها عشرة آلاف يهودي مرة واحدة، واشتد هلعهم لذلك كله فقام هرتزل بإنكار ما جاء بالبروتوكولات، والادعاء بأنها ليست من عملهم.

ومع محاولات اليهود الجبارة إخفاء أمر البروتوكولات، انتشرت تراجمها بلغات مختلفة، فأقبلوا يشترون نسخ الكتاب من أسواق الدول بأي ثمن ... وعجزوا برغم نفوذهم وتهديداتهم، وانتشرت في ذلك الوقت مقولة "اليهودية فوق الجميع" JEWRY UEBBER ALLES بدلاً من "ألمانيا فوق الجميع" الذي جعلته ألمانيا شعارها أيام ازدهارها، وظل اليهود يعملون في الخفاء لتقويض نفوذ السلطان العثماني ... الذي أصدر قرارات تمنع استيطان أي يهودي جديد في فلسطين، وتمنع الهجرة اليهودية إليها.

فكان بذلك يقف حجر عثرة أمام أطماعهم وحلمهم الأعظم في بناء الدولة الصهيونية، إلى أن قام اليهودي "عمانوئيل قره صو" – أحد موظفي قصر يلدز YALDES العثماني – بتسليمه قرار خلعه عام 1909، لتحاك بعد ذلك أبشع مؤامرة لابتلاع أرض فلسطين وتشريد شعبها.

بيد أن ذلك ما كان يتأتى لليهود إلا بالدسائس والمؤامرات والرشوة، والاستعانة بيهود الدونمة وبأمهر الجواسيس، لتفحص مواضع الضعف في جيش الإمبراطورية بمعاونة جهاز المخابرات البريطانية، حيث كانت أطماع البريطانيين في المنطقة العربية لا حدود لها.

لذلك فقد أثارهم التعاون الوثيق بين ألمانيا والإمبراطورية العثمانية، وقيام المهندسين الألمان بإقامة خطة سكة حديد برلين – بغداد، وهو الخط الذي كان مقدراً له أن يصل إلى البصرة على الخليج العربي. وكانت البصرة في ذلك الوقت ميناء البترول الذي تتحكم فيه شركة البترول الإنجليزية الإيرانية. فكان معنى ذلك أن نفوذ ألمانيا في تركيا – صاحبة الولاية في المنطقة – سيؤدي حتماً إلى تقلص الوجود البريطاني .. والقضاء على أطماع البريطانيين في الشرق.

لذا فقد كان من الضروري العمل على تثبيت اليهود في المنطقة، وما كان ليتم ذلك للبريطانيين إلا بالخديعة وعمل المخابرات والجاسوسية.

ونظراً لتشابك الأطماع والمصالح – فالتعاون بين البريطانيين والصهيونية – ZIONISM - أمر مفروغ منه. حيث برع اليهود دائماً على مر الأزمان في اللجوء إلى المكر والخديعة والتجسس ... لاستخلاص مصالحهم والوصل إلى مآربهم.

وإذا تعرضنا للجاسوسية الصهيونية في لبنان أثناء الحرب العالمية الأولى، إبان حكم الدولة العثمانية، لرأينا مدى تشدد الأتراك حينذاك في مسألة الاختراقات والتجسس، وتعقب أعوان الصهيونية من الجواسيس وإعدامهم بلا شفقة، بل إن محاكمات البعض منهم كانت لا تستغرق سوى سويعات فقط، ينفذ بعدها حكم الإعدام في الحال، حتى أن بعضهم – في حالات قليلة – مات دون محاكمة أثناء التعذيب القاسي الشديد، مما يدل على مقت الأتراك للجاسوسية، ومحاولة ردع العملاء والخونة بعقوبات قاسية لا ترحم، ولا تحتمل التخفيف أو التسويف.

ولرأينا أيضاً أن حالات خاصة جداً، كان مصير الجواسيس فهيا بشعاً إلى أقصى تصور، كمصير الجاسوسي الصهيوني "التر ليفي" الذي قطعوا جسده وهو حي بالساطور، وإبراهام واتنبرج – الأعرج – الذي أبقوه مزروعاً فوق خازوق لعدة أيام في عالية بيروت.

غيرهما كان هناك جواسيس آخرون لاقوا نهايات تفنن فيها الأتراك تنكيلاً بعدما زاد عدد عملاء الصهيونية وتفشى خطرهم.

لكن الحال تبدل في لبنان منذ استقلاله، فالعقوبات الجنائية التي سنها المشرع – الخاصة بمحاكمة الجواسيس – إذا قيست بغيرها في الدول العربية، لوجدناها لا تفي بالمطلوب منها وهو الردع القاسي لمرتكبي جريمة التجسس، ذلك أن لبنان بلد اقتصادي حر، لديه حرية تامة للالتقاء بمختلف التيارات الفكرية والحزبية.

إذ عمد منذ استقلاله على الانفتاح على العالم ومنح الحرية في الإقامة والتنقل، وسرية الحسابات في البنوك، فضلاً عن الاهتمام بالعملية السياحية والترفيهية للزوار ..الذين يقوم اقتصاده على مقدار ما ينفقونه في الملاهي والفنادق.

لكل تلك الأسباب، ضجت بيروت بالجواسيس مع انشغال الأمن العام هناك بالحفاظ على إيقاع الهدوء، والانفراج السياحية التي تشهدها البلاد الأكثر تفتحاً في الوطن العربي واستمر ذلك حتى يونيو 1967.

ففي أعقاب النكسة تغير الوضع كثيراً، خاصة بعد تدفق الفصائل الفلسطينية المسلحة إلى لبنان، والتسلل من جنوبه صوب إسرائيل للقيام بعمليات فدائية وتفشي موجة من التفجيرات أرقت الشارع اللبناني .

تغير الوضع أيضاً بعدما حدث نوع من التعاون الوثيق بين أجهزة المخابرات السورية واللبنانية والفلسطينية، أثمر نتائج مدهشة عندما سقط العشرات من عملاء إسرائيل في لبنان، جميعهم استفادوا من القوانين غير الرادعة، والعقوبات التي قد تصل في النهاية إلى طرد الجواسيس خارج البلاد .

لقد انتبه المشرع في لبنان لميوعة المواد العقابية المتعلقة بأعمال الجاسوسية، فعدلت بعض القوانين في يناير 1975، لإحداث نوع من التوازن ما بين الجرم والعقاب، لكن التعديلات لم تنص صراحة على إعدام الخونة والجواسيس ، لبنانيين أو أجانب.

وإذا عدنا إلى الوراء، وبالتحديد إلى الخمسينيات من القرن الماضي، لرأينا كم كانت الجاسوسية الإسرائيلية في لبنان منتشرة على أوسع نطاق، وتستخدم كل طرق التفشي والانتشار لخلق أرضية واسعة من الخونة اللبنانيين، تدفع بنشاطها إلى الديناميكية من أجل التغلغل بين الأوساط الاجتماعية المختلفة، مستخدمة في ذلك شتى أساليب السيطرة بالمال والجنس، اعتماداً على فتيات يهوديات يتميزن بجمال مفرط، وأنوثة يانعة طاغية، وقوانين عقابية لا تقل رقة ووداعة عن نسائها.

عمار الحرازي07-22-2010, 02:31 AM

أخطر جاسوس زرعته إسرائيل في سوريا

ايلي كوهين

الياهو بن شاؤول كوهين يهودي من أصل سوري حلبي، ‏ولد بالإسكندرية التي هاجر إليها احد أجداده سنة 1924. وفي عام 1944 انضم ايلي كوهين إلى منظمة الشباب اليهودي الصهيوني في الإسكندرية وبدا متحمسا للسياسة الصهيونية وسياستها العدوانية على البلاد العربية،‏ وفي سنة‏ وبعد حرب 1948 اخذ يدعو مع غيره من أعضاء المنظمة لهجرة اليهود المصريين إلى فلسطين وبالفعل في عام 1949‏ هاجر أبواه وثلاثة من أشقاءه إلي إسرائيل بينما تخلف هو في الإسكندرية ‏.‏

وقبل أن يهاجر إلى إسرائيل عمل تحت قيادة إبراهام دار وهو أحد كبار الجواسيس الإسرائيليين الذي وصل إلى مصر ليباشر دوره في التجسس ومساعدة اليهود علي الهجرة وتجنيد العملاء‏،‏ واتخذ الجاسوس اسم جون دارلينج‏ وشكل شبكة للمخابرات الإسرائيلية بمصر نفذت سلسلة من التفجيرات ببعض المنشات الأمريكية في القاهرة والإسكندرية‏ بهدف إفساد العلاقة بين مصر والولايات المتحدة الأمريكية و في عام 1954 تم إلقاء القبض على أفراد الشبكة في فضيحة كبرى عرفت حينها بفضيحة لافون، وبعد انتهاء عمليات التحقيق‏ كان أيلي كوهين قد تمكن من إقناع المحققين ببراءة صفحته إلي أن خرج من مصر‏ عام 1955‏ حيث التحق هناك بالوحدة رقم ‏131‏ بجهاز أمان لمخابرات جيش الدفاع الإسرائيلي‏ ثم أعيد إلي مصر‏ ولكنه كان تحت عيون المخابرات المصرية‏ التي لم تنس ماضيه فاعتقلته مع بدء العدوان الثلاثي ضد مصر في أكتوبر ‏1956.‏

وبعد الإفراج عنه هاجر إلي إسرائيل عام 1957‏,‏ حيث استقر به المقام محاسبا في بعض الشركات‏,‏ وانقطعت صلته مع "أمان" لفترة من الوقت‏,‏ ولكنها استؤنفت عندما طرد من عمله‏ وعمل لفترة كمترجم في وزارة الدفاع الإسرائيلية ولما ضاق به الحال استقال وتزوج من يهودية من أصل مغربي عام 1959.

 

وقد رأت المخابرات الإسرائيلية في ايلي كوهين مشروع جاسوس جيد فتم إعداده في البداية لكي يعمل في مصر‏,‏ ولكن الخطة ما لبثت أن عدلت‏,‏ ورأي أن أنسب مجال لنشاطه التجسسي هو دمشق‏.‏

وبدأ الإعداد الدقيق لكي يقوم بدوره الجديد‏,‏ ولم تكن هناك صعوبة في تدريبه علي التكلم باللهجة السورية‏,‏ لأنه كان يجيد العربية بحكم نشأته في الإسكندرية‏.‏

ورتبت له المخابرات الإسرائيلية قصة ملفقه يبدو بها مسلما يحمل اسم كامل أمين ثابت هاجر وعائلته إلى الإسكندرية ثم سافر عمه إلى الأرجنتين عام 1946 حيث لحق به كامل وعائلته عام 1947 وفي عام 1952 توفى والده في الأرجنتين بالسكتة القلبية كما توفيت والدته بعد ستة أشهر وبقى كامل وحده هناك يعمل في تجارة الأقمشة.

وتم تدريبه على كيفية استخدام أجهزة الإرسال والاستقبال اللاسلكي والكتابة بالحبر السري كما راح يدرس في الوقت نفسه كل أخبار سوريا ويحفظ أسماء رجالها السياسيين والبارزين في عالم الاقتصاد والتجارة. مع تعليمه أصول الآيات القرآنية وتعاليم الدين الإسلامي.

وفي‏ 3‏ فبراير ‏1961‏ غادر ايلي كوهين إسرائيل إلي زيوريخ‏,‏ ومنها حجز تذكرة سفر إلي العاصمة التشيلية سنتياجو باسم كامل أمين ثابت‏,‏ ولكنه تخلف في بيونس ايرس حيث كانت هناك تسهيلات معدة سلفا لكي يدخل الأرجنتين بدون تدقيق في شخصيته الجديدة‏.‏

وفي الأرجنتين استقبله عميل إسرائيلي يحمل اسم ابراهام حيث نصحه بتعلم اللغة الاسبانية حتى لا يفتضح أمره وبالفعل تعلم كوهين اللغة الاسبانية وكان ابراهام يمده بالمال ويطلعه على كل ما يجب أن يعرفه لكي ينجح في مهمته.

وبمساعدة بعض العملاء تم تعيين كوهين في شركة للنقل وظل كوهين لمدة تقترب من العام يبني وجوده في العاصمة الأرجنتينية كرجل أعمال سوري ناجح‏ فكون لنفسه هوية لا يرقى إليها الشك,‏ واكتسب وضعا متميزا لدي الجالية العربية في الأرجنتين‏,‏ باعتباره قوميا سوريا شديد الحماس لوطنه وأصبح شخصية مرموقة في كل ندوات العرب واحتفالاتهم‏،‏ وسهل له ذلك إقامة صداقات وطيدة مع الدبلوماسيين السوريين وبالذات مع الملحق العسكري بالسفارة السورية‏,‏ العقيد أمين الحافظ.

وخلال المآدب الفاخرة التي اعتاد كوهين أو كامل أمين ثابت إقامتها في كل مناسبة وغير مناسبة‏,‏ ليكون الدبلوماسيون السوريون علي رأس الضيوف‏,‏ لم يكن يخفي حنينه إلي الوطن الحبيب‏,‏ ورغبته في زيارة دمشق‏ لذلك لم يكن غريبا أن يرحل إليها بعد أن وصلته الإشارة من المخابرات الإسرائيلية ووصل إليها بالفعل في يناير ‏1962 حاملا معه ألآت دقيقة للتجسس,‏ ومزودا بعدد غير قليل من التوصيات الرسمية وغير الرسمية لأكبر عدد من الشخصيات المهمة في سوريا‏,‏ مع الإشادة بنوع خاص إلي الروح الوطنية العالية التي يتميز بها‏,‏ والتي تستحق أن يكون محل ترحيب واهتمام من المسئولين في سوريا‏.‏

وبالطبع‏,‏ لم يفت كوهين أن يمر علي تل أبيب قبل وصوله إلي دمشق‏,‏ ولكن ذلك تطلب منه القيام بدورة واسعة بين عواصم أوروبا قبل أن ينزل في مطار دمشق وسط هالة من الترحيب والاحتفال‏.‏ و أعلن الجاسوس انه قرر تصفية كل أعماله العالقة في الأرجنتين ليظل في دمشق مدعيا الحب لوطن لم ينتمي إليه يوما.

وبعد أقل من شهرين من استقراره في دمشق‏,‏ تلقت أجهزة الاستقبال في أمان أولي رسائله التجسسية التي لم تنقطع علي مدي ما يقرب من ثلاث سنوات‏,‏ بمعدل رسالتين علي الأقل كل أسبوع‏.‏

وفي الشهور الأولي تمكن كوهين أو كامل من إقامة شبكة واسعة من العلاقات المهمة‏‏ مع ضباط الجيش و المسئولين الحربيين‏.‏

وكان من الأمور المعتادة أن يقوم بزيارة أصدقائه في مقار عملهم‏,‏ ولم يكن مستهجنا أن يتحدثوا معه بحرية عن تكتيكاتهم في حالة نشوب الحرب مع إسرائيل‏,‏ وأن يجيبوا بدقة علي أي سؤال فني يتعلق بطائرات الميج أو السوخوي‏,‏ أو الغواصات التي وصلت حديثا من الاتحاد السوفيتي أو الفرق بين الدبابة تي ـ‏52‏ وتي ـ‏54‏... الخ من أمور كانت محل اهتمامه كجاسوس.

وبالطبع كانت هذه المعلومات تصل أولا بأول إلي إسرائيل‏,‏ ومعها قوائم بأسماء و تحركات الضباط السوريين بين مختلف المواقع والوحدات‏.‏

وفي سبتمبر‏1962‏ صحبه أحد أصدقائه في جولة داخل التحصينات الدفاعية بمرتفعات الجولان‏..‏ وقد تمكن من تصوير جميع التحصينات بواسطة آلة التصوير الدقيقة المثبتة في ساعة يده‏,‏ وهي احدي ثمار التعاون الوثيق بين المخابرات الإسرائيلية والأمريكية.

 

ومع أن صور هذه المواقع سبق أن تزودت بها إسرائيل عن طريق وسائل الاستطلاع الجوي الأمريكية‏,‏ إلا أن مطابقتها علي رسائل كوهين كانت لها أهمية خاصة‏ سواء من حيث تأكيد صحتها‏,‏ أو من حيث الثقة في مدي قدرات الجاسوس الإسرائيلي‏.‏

وفي عام ‏1964,‏ عقب ضم جهاز أمان إلي الموساد‏,‏ زود كوهين قادته في تل أبيب بتفصيلات وافية للخطط الدفاعية السورية في منطقة القنيطرة‏,‏ وفي تقرير آخر أبلغهم بوصول صفقة دبابات روسية من طراز تي ـ‏54,‏ وأماكن توزيعها‏,‏ وكذلك تفاصيل الخطة السورية التي أعدت بمعرفة الخبراء الروس لاجتياح الجزء الشمالي من إسرائيل في حالة نشوب الحرب‏.‏

وازداد نجاح ايلي كوهين خاصة مع بإغداقه الأموال على حزب البعث وتجمعت حوله السلطة واقترب من أن يرشح رئيسا للحزب أو للوزراء!.

وهناك أكثر من رواية حول سقوط ايلي كوهين نجم المجتمع السوري لكن الرواية الأصح هي تلك التي يذكرها رفعت الجمال (رأفت الهجّان)الجاسوس المصري الشهير بنفسه.."... شاهدته مره في سهرة عائلية حضرها مسئولون في الموساد وعرفوني به انه رجل أعمال إسرائيلي في أمريكا ويغدق على إسرائيل بالتبرعات المالية.. ولم يكن هناك أي مجال للشك في الصديق اليهودي الغني، وكنت على علاقة صداقة مع طبيبة شابه من أصل مغربي اسمها (ليلى) وفي زيارة لها بمنزلها شاهدت صورة صديقنا اليهودي الغني مع امرأة جميلة وطفلين فسألتها من هذا؟ قالت انه ايلي كوهين زوج شقيقتي ناديا وهو باحث في وزارة الدفاع وموفد للعمل في بعض السفارات الإسرائيلية في الخارج، .. لم تغب المعلومة عن ذهني كما أنها لم تكن على قدر كبير من الأهمية العاجلة، وفي أكتوبر عام 1964 كنت في رحلة عمل للاتفاق على أفواج سياحية في روما وفق تعليمات المخابرات المصرية وفي الشركة السياحية وجدت بعض المجلات والصحف ووقعت عيناي على صورة ايلي كوهين فقرأت المكتوب أسفل الصورة، (الفريق أول على عامر والوفد المرافق له بصحبة القادة العسكريين في سوريا والعضو القيادي لحزب البعث العربي الاشتراكي كامل أمين ثابت) وكان كامل هذا هو ايلي كوهين الذي سهرت معه في إسرائيل وتجمعت الخيوط في عقلي فحصلت على نسخة من هذه الجريدة اللبنانية من محل بيع الصحف بالفندق وفي المساء التقيت مع (قلب الأسد) محمد نسيم رجل المهام الصعبة في المخابرات المصرية وسألته هل يسمح لي أن اعمل خارج نطاق إسرائيل؟ فنظر لي بعيون ثاقبة..

ابتسم قلب الأسد وأوهمني انه يعرف هذه المعلومة فأصبت بإحباط شديد ثم اقترب من النافذة وعاد فجأة واقترب مني وقال..

لو صدقت توقعاتك يا رفعت لسجلنا هذا باسمك ضمن الأعمال النادرة في ملفات المخابرات المصرية.."

وعقب هذا اللقاء طار رجال المخابرات المصرية شرقا وغربا للتأكد من المعلومة وفي مكتب مدير المخابرات في ذلك الوقت السيد صلاح نصر تجمعت الحقائق وقابل مدير المخابرات الرئيس جمال عبد الناصر ثم طار في نفس الليلة بطائرة خاصة إلى دمشق حاملا ملفا ضخما وخاصا إلى الرئيس السوري أمين حافظ.

وتم القبض على ايلي كوهين وسط دهشة الجميع واعدم هناك في 18 مايو 1965.

عمار الحرازي07-22-2010, 02:45 AM

الجاسوس ابراهيم شاهين

نشرت هذه العملية من جانب المخابرات الإسرائيلية (الموساد) كمحاولة للرد على نشر القاهرة لعملية رفعت الجمال، فقد واجهت المخابرات الإسرائيلية حملات صحفية عنيفة داخل إسرائيل وخارجها تقلل من شأنها.

بدأ نشر العملية عندما نشرت الصحف الإسرائيلية موضوعا موسعا في 26 نوفمبر 1989 تقول فيه أن المخابرات الإسرائيلية تلقت قبل حواليي شهر من حرب أكتوبر من أحد جواسيسها في مصر تحذيرات واضحة بأن مصر تنوى شن حرب ضد إسرائيل.وأن هذا الجاسوس بعث بمعلومات في غاية الدقة عن تحركات الجيش المصري في منطقة قناة السويس إضافة إلى تأكيده بأن المصريين قاموا بتحريك الجسور الخشبية العائمة الحاملة للجنود إلى ضفة القناة.

وأكد الموضوع أن هذا الجاسوس مواطن مصري مسلم عمل جاسوسا في مصر لصالح إسرائيل طوال سبع سنوات .. وأن اسمه هو إبراهيم شاهين.

وتبدأ القصة بنجاح المخابرات الإسرائيلية في تجنيد إبراهيم شاهين إبن مدينة العريش والذي كان يعمل موظفا بمديرية العمل بسيناء بعد أن لاحظت حاجته للمال. وعرض علية ضابط المخابرات الإسرائيلي "نعيم ليشع" إعطاءه تصريح للسفر إلى القاهرة ،وكانت كل مهمته كما كلفه "نعيم" هي السفر إلى القاهرة وإرسال أسعار الخضراوات والفواكه في القاهرة إلى شقيقة الذي كان يمتلك مكتب للتصدير والاستيراد في لندن ، واصطحبه "نعيم" إلى رئيسه المقدم "أبو يعقوب" المختص بتدريب الجواسيس المستجدين.

واتقن إبراهيم التدريب واصبح يستطيع التمييز بين أنواع الأسلحة والطائرات والكتابة بالحبر السري ، كما نجح إبراهيم في أن يجند زوجته انشراح للعمل معه وحمل معه إلى القاهرة العناوين التي سيرسل إليها رسائله من القاهرة وكانت كلها عناوين في مدن اوربية.

وبعد وصوله إلى القاهرة تقدم إبراهيم إلى إدارة المهجرين المصريين وحصل على منزل في منطقة المطرية ومعاش شهري تدفعه الحكومة للمهجرين من مدن المواجهة.

وواصل ابراهيم وزوجتة إرسال المعلومات المطلوبة ، إلى أن طلب منهما السفر إلى روما وهناك تم منحهما جوازي سفر باسم موسى عمر وزوجته دينا عمر، وسافرا من روما على طائرة شركة العال الإسرائيلية إلى اللد ومنها إلى بئر سبع وكان المغزى من هذه الرحلة هو عرض ابراهيم على جهاز كشف الكذب تحسبا وخوفا من أن يكون مدسوسا من المخابرات المصرية، واثبت الجهاز مصداقيته وتم تكليفه بموجب ذلك بمتابعة وتقصى وقياس الحالة المعنوية للشعب المصري إضافة إلى النواحي العسكرية، وبعد أن عادا من روما قاموا بتجنيد جميع أولادهم للعمل معهم.

وحقق ابراهيم وزوجته نجاحا كبيرا خاصة في النواحي المعنوية بسبب احتكاكهم بالمناطق الشعبية، وعاود الاثنين السفر إلى بئر سبع مرة أخرى لتلقى دورة تدريبية متقدمة في أعمال التصوير وحصلوا على كاميرات صغيرة تعمل تلقائيا في التقاط الصور ، كما تم زيادة أجرهم الشهري إلى ما يعادل 300 دولار، ومنح ابراهيم رتبه مقدم في جيش الدفاع الإسرائيلي وزوجتة رتبة ملازم أول، وعادا إلى مصر على أن يتلقوا التعليمات بشفرة خاصة من خلال الراديو.

وبرغم هذا النجاح إلا انهما فشلا في توقع نشوب حرب السادس من أكتوبر والتي كانت المخابرات الإسرائيلية قد وعدتهم بمبلغ مليون دولار كمكافأة في حالة توقعهما لميعاد الحرب وكان كل المطلوب منهما في هذه الحالة هو رسالة شفرية من كلمتين "يوم ......".

وتصادف أن سافرت انشراح وحدها إلى روما يوم 5 أكتوبر وقابلها "أبو يعقوب" يوم 7 أكتوبر وأمطرها بسيل من الأسئلة عن الحرب وأتضح أنها لا تعرف شيئا.

واخبرها أبو يعقوب إن الجيش المصري والسوري هجما على إسرائيل وان المصريون عبروا القناة وحطموا خط بارليف ، وأمرها بالعودة فورا إلى مصر .

ابراهيم شاهين

وفى بداية عام 1974 سافر ابراهيم إلى تركيا ومنها إلى اليونان ثم إلى تل أبيب وحضر اجتماعا خاصا على مستوى عال مع قيادات المخابرات الإسرائيلية الجديدة بعد أن أطاحت حرب أكتوبر بالقيادات السابقة.

وخضع ابراهيم للاستجواب حول عدم تمكنه من معرفة ميعاد الحرب وأجاب ابراهيم انه لم يلحظ شيئا غير عادي بل أن قريبا له بالجيش المصري كان يستعد للسفر للحج ، وانه حتى لو كان يعلم بالميعاد فليس لدية أجهزة حديثة لإرسال مثل تلك المعلومات الهامة.

واستضاف نائب مدير المخابرات الإسرائيلية ابراهيم وابلغه بأنه سيتم منحه جهاز إرسال متطور ثمنه 200 ألف دولار وهو احدث جهاز إرسال في العالم ملحق به كمبيوتر صغير في حجم اليد له أزرار إرسال على موجه محددة واخبره كذلك أن راتبه الشهري قد تم رفعة إلى ألف دولار إضافة إلى مكافأة مليون دولار في حالة أخبارهم عن موعد الحرب القادمة آلتي ستشنها مصر بواسطة الفريق سعد الشاذلي!.

وقامت المخابرات الإسرائيلية بتوصيل الجهاز المتطور بنفسها إلى مصر خشية تعرض ابراهيم للتفتيش، وقامت زوجته بالحصول على الجهاز من المكان المتفق علية عند الكيلو 108 طريق السويس وهى المنطقة التي تعرضت لثغرة الدفرسوار.

وبمجرد وصول انشراح للقاهرة اعدوا رسالة تجريبية ولكنهم اكتشفوا عطلا في مفتاح الجهاز وبعد فشل ابراهيم في إصلاحه توجهت انشراح إلى تل أبيب للحصول على مفتاح جديد.

لم يدر بخلد انشراح أن المخابرات المصرية التقطت رسالة لها عبر جهاز روسي حديث يسمى "صائد الموجات" وذلك أثناء تدريبها وتجربتها للجهاز الجديد.

وأيقن رجال المخابرات المصرية انهم بصدد الإمساك بصيد جديد ، وتم وضع منزل ابراهيم تحت المراقبة وتم اعتقاله صباح 5 أغسطس 1974 مع ولديه وانتظارا لوصول انشراح من تل أبيب أقام رجال المخابرات المصرية بمنزل ابراهيم لثلاثة أسابيع كاملة ، وبمجرد وصولها استقبلها رجال المخابرات المصرية وزج بهم جميعا إلى السجن.

وكانت المخابرات الإسرائيلية قد بثت رسائل بعد عودة انشراح من إسرائيل واستقبلها رجال المخابرات المصرية على الجهاز الإسرائيلي بعد أن ركبوا المفاتيح ، ووصل الرد من مصر.

" أن المقدم ابراهيم شاهين والملازم أول انشراح سقطا بين أيدينا .. ونشكركم على ارسال المفاتيح الخاصة بالجهاز .. كنا فى انتظار وصولها منذ تسلم ابراهيم جهازكم المتطور"

تحياتنا إلى السيد "ايلي زئيرا" مدير مخابراتكم.

وتمت محاكمة الخونة بتهمة التجسس لصالح إسرائيل وأصدرت المحكمة حكمها بإعدام إبراهيم وانشراح بينما حكم على ابنهما الأكبر نبيل بالأشغال الشاقة وأودع الولدان محمد وعادل باصلاحية الأحداث نظرا لصغر سنهما، ونفذ حكم الإعدام في إبراهيم شاهين شنقا، بينما تم الإفراج عن انشراح وابنها بعد ثلاث سنوات من السجن في عملية تبادل للأسرى مع بعض أبطال حرب أكتوبر.

وقد نشرت صحيفة يدعوت احرونوت عام 1989موضوعا عن انشراح وأولادها قالت فيه : أن انشراح شاهين (دينا بن دافييد) تقيم الآن مع اثنين من أبنائها بوسط إسرائيل وهما محمد وعادل بعد أن اتخذت لهما أسماء عبرية هي حاييم ورافي أما الابن الأكبر نبيل فقد غير اسمه إلى يوشي.

وتقول الصحيفة أن دينا بن دافيد تعمل عاملة في دورة مياه للسيدات في مدينة حيفا وفى أوقات الفراغ تحلم بالعودة للعمل كجاسوسة لإسرائيل في مصر !، بينما يعمل ابنها حاييم كحارس ليلي بأحد المصانع ، أما الابن الأكبر فلم يحتمل الحياة في إسرائيل وهاجر هو وزوجتة اليهودية إلى كندا حيث يعمل هو وزوجته بمحل لغسل وتنظيف الملابس.

الاستسلام قهراً

عاد عبد الفتاح من اليمن والغل يأكل قلبه من عصابات اليهود التي تنكرت لكل الشرائع، واغتصبت أرض فلسطين، وتتربص بدول الجوار تود نهش أرضها، والاستحواذ على قدر أكبر من الهيمنة على مقدرات المنطقة.

ولم يطل به المقام كثيراً في حضن عروسه ياسمين، فحرب وشيكة مع إسرائيل تدق طبولها وقد ظهرت في الأفق بوادر الأزمة .. فسارع بارتداء زيه العسكري وذهب إلى رفح، ثم تقدم إلى خان يونس فدير البلح، وعندما اشتعلت شرارة الحرب في 5 يونيو 1967... أبلى عبد الفتاح بلاءً حسناً مع وحدته العسكرية التي تمرست على القتال في اليمن. لكن صدرت الأوامر فجأة بالإنسحاب إلى الخلف، فاعتقد أنها خطة عسكرية إلا أن العدو كان قد أحكم الحصار، وبرغم ذلك لم يستسلم عبد الفتاح، وظل يقاوم إلى أن سقط أسيراً، واقتيد إلى معسكرات بئر سبع التي لا تبعد كثيراً عن موقع أسره.

كان لا يصدق أن سيناء كلها سقطت هي الأخرى أسيرة، وفقد ثقته بقادته الذين جعلوا لأولئك اليهود الخنازير شأناً، واستطاعوا – وهم قلة قليلة – التغلب على جيوش العرب، وفي عدة أيام اتسعت رقعة إسرائيل إلى أضعاف أضعافها.

كان يبكي في البداية للحال الذي وصلوا إليه، وبعد ذلك كان يرتجف لمرأى حوادث القتل الجماعية البشعة لأسرى الحرب، ويرتعد للقهر والذل والموت البطيء الذي يتحرك كل لحظة بين الأسرى ليقطف خيرة شباب الوطن.

لقد رأى من الأهوال مالا يوصف، وتوقف تفكيره عند أشياء كثيرة أهمها الموت بلا ثمن... ومعدته الخاوية من الطعام، وجفاف حلقه لشدة العطش، ولم يتفاءل كثيراً عندما استدعوه لمكتب قائد المعسكر باللغة العربية قائلاً له:

"إن الجيش الإسرائيلي يحتل الآن سيناء والجولان والضفة الغربية وقطاع غزة، ولا حول للعرب ولا قيام لهم من جديد".

أمر له الضابط الإسرائيلي بالماء والطعام، وجيء له بكوب من العصير البارد.. وعلى بعد عدة أمتار، شاهد بعينيه جندياً يهودياً يسوق أسيراً مصرياً، ويكبله في جذع نخلة ويطلق عليه النار عدة مرات في تشفٍ وانتقام.

عندها ... صرخ عبد الفتاح في هلع، فسحبوه إلى حجرة أخرى ورجى استجوابه لمعرفة كل ما عنده من أسرار العسكرية، وللمرة الثانية والثالثة يرى مشهد القتل لأسير مكبل، فيموت هلعاً... ويحاول في وهن خائر إقناعهم بأن معلوماته قاصرة بسبب تواجده لعدة سنوات في اليمن.

بعدها بأيام ذهبوا به لغرفة التحقيق، وأمروه أن يخلع ملابسه بكاملها أمام المحققين ثم تركوه وحده عارياً، ترتعد كل عضلاته خوفاً من اقتياده للقتل،فكل الأسرى الذين أطلقوا عليهم الرصاص أمامه كانوا عرايا.

فجأة دخلت الغرفة فتاة يهودية ترتدي زي الجيش الإسرائيلي، ودون أن تلتفت إليه شرعت في خلع ملابسها كلها، واقتربت منه في نعومة وطلبت منه بالعربية أن يتلطف. ومن فتحات سرية كانوا يلتقطون له صوراً بمختلف الأوضاع وهو يتهرب منها محاولاً الانزواء، بينما هي لا تكلف عن إغوائه ومطالبته. ومرة أخرى حاوره المحقق كثيراً واستفزه وأجبره على أن يسب بلده وقائدها، ولسابق معرفتهم بأسماء أهله وأقاربه ووظائفهم وعناوينهم... كانوا يزيدون الضغط على أعصابه مهددين بإيذائهم، في عملية "غسيل مخ" له ولغيره، ويستخدم الضباط الاسرائيليون التنويم المغناطيسي، والايحاء النفسي والامصال والعقاقير الطبية ومنها حقن "الصدق" وجهاز كشف الكذب، فضلاً عن التعذيب الجسماني بوسائل مختلفة، وإطلاق حرب معنوية شرسة لزلزلة عقيدته وعروبته.

لقد تم سجنه في زنزانة ضيقة تتسع بالكاد لجسده المنهك، وسلطت عليه كشافات كهربائية قوية ليل نهار، مع انبعاث موجات من الهواء الساخن تارة والبارد تارة أخرى، وذلك لمدة ستين يوماً وهو عار تماماً لا يدرك الليل من النهار، أو متى تجيء لحظة النهاية؟ بينما صوت المذياع لا يكف عن بث الدعاية المسمومة، والنصائح الموجهة اليه لكي يستسلم ويتعاون مع ما يسمى بـ "منظمة السلام" ويفرغ ما في جعبته من معلومات وأسرار للمحققين، مع تأكيدات مكررة بالاهتمام به صحياً ومعنوياً إذا ما استجاب لهم مع الوعد بأن يغدقوا عليه بالأموال والميزات التي لا تخطر بباله.

وبعد هذه الجرعة من الإغراءات قد يسقط الأسير مستسلماً، وقد يتماسك أكثر وأكثر لإيمانه بقضيته وبقيادته، فيقاد إلى غرفة "العمليات" حيث يجري إدخال خرطوم دقيق في جهازه البولي ينتهي طرفه بكيس شفاف، ويترك هكذا في زنزانته، ويمنع عنه الماء، وتسلط عليه الكشافات الحارقة من جديد مع الهواء الساخن، فينزف عرقه ويكاد يموت عطشاً فلا يجد سوى بوله فيشرب منه.

هناك أيضاً وسيلة أخرى لإجبار الأسير على الانخراط في سلك الجاسوسية تحت زعم الاشتراك في "منظمة السلام" لوقف الحرب بين العرب وإسرائيل، ألا وهي تكبيله بالجنازير وسلاسل الصلب المدببة، وعصب عينيه بعصابة سوداء، والحبس في زنزانة منفردة معزولة صوتياً عن العالم الخارجي لمدة أسبوع، فيكاد الأسير أن يجن، وينقل إلى غرفة التحقيق ليروا هل استسلم مقهوراً أم لا يزال صلباً لا يخاف الموت؟ فإن رأوا فيه صلابة فعندهم من وسائل التعذيب ما يكفي.

ويتم تصنيف الأسرى المطلوب تجنيدهم إلى مجموعات، والمجموعة التي يعتقد أنها الأسهل انقياداً... تتابع معها المحاولات من جديد وبصور أخرى من التعامل، ويتم عرض الأسير على أخصائيين في وسائل الإقناع والتأثير النفسي يصلون به ومعه إلى مرحلة من "الهدنة" التي يعقبها أحد أمرين: إما الاستمرار معه، أو تركه لحاله وعدم إضاعة جهدهم معه أكثر من ذلك.

يقول الملازم أول عبد الفتاح عبد العزيز عوض:

Ø في الزنزانة الانفرادية الضيقة... كنت عارياً منهكاً معصوب العينين مكبلاً بالجنازير، طعامي قطعة خبز جافة كل عدة أيام مع نصف كوب من الماء، كنت لا أكف عن التفكير في حالي وما سيؤول اليه مصيري المجهول. وكلما استحضرت صور أهلي من ذاكرتي... اتخيل حزنهم الشديد لفقدي فأتماسك، كثيراً ما كنت أستمد قوتي من صورة أمي، ونظرة الرجاء في عيني حبيبتي ياسمين ترجوني ألا أنساها... ، كنت أبكي حالي فلا تسقط مني دمعة واحدة، فالجسد الهزيل فقد ما به من ماء. وجفت المدامع ونضب معينها، وتصورت للحظة أنني بين أحضان أهلي وأصدقائي، لكن أوهام الخيال كانت لا تطول، فالواقع كان أقسى من أي تخيل، واقع قضى على لذة أحلام يقظة، ووأد الآمال في مهدها، الأسابيع طويلة مريرة تمر والحال لا يتبدل... عطش وجوع وموت يتربص... وعواء ذئاب تهوى افتراس أجساد الأسرى، وميكروفون يأتيني صوته من فوق راسي يذيع أغاني الحرب من إذاعة "صوت العرب"، وبيانات كاذبة وخطب وتصريحات سياسية تصيبني بالغثيان. وتساءلت مراراً:

هل يهتم بنا أحد؟؟

أجبت في نفسي :

; لا أظن أننا على خريطة المسؤولين في مصر.

فقد طالت مدة الأسر، وصرنا نكرة ونسياً منسياً. وعندما يجيئنا أعضاء الصليب الأحمر الدولي، يشفقون لحالنا ولا يملكون لأجلنا شيئاً.

عمار الحرازي07-22-2010, 02:55 AM

الجاسوس الأسير عبد الفتاح عوض

وسط رائحة الموت وصلصلة الجنازير في سراديب الأسْر .. لم أتخيل أنني قد أرى مصر ... أبداً.

وعندما عدت إليها... أحسست بالغربة لأسابيع طويلة ... وكان في قرارة نفسي يقبع ذنب جبار يزمجر في عنف ويتعاظم .. ويلتصق بجدران شراييني هاجس مؤلم يلسعني كل لحظة .. يذكرني بأنني مجرم .. آثم... لا أستحق الحياة.. !!

 

 

الحطام الهش

استغلت المخابرات الإسرائيلية حالات الضعف الإنساني لأسرى حرب 1967 وساومتهم بشتى الطرق لأجل التعاون معها بعدما تتم مبادلتهم.

لقد أغرتهم بالمال وبأجمل النساء .. وعرضتهم للتجويع والتنكيل والإرهاب والحصار النفسي حتى القتل .. وذلك للتحكم بأعصابهم وتوريطهم للانغماس في تيار الخيانة والجاسوسية..

وفي الملفات وجدنا حالات عديدة... تبين كيف لجأت مخابرات العدو لوسائل شيطانية للضغط على الأسرى... كيف ذلك...؟ وبأية طرق كانت تقود بعضهم إلى مستنقع الجاسوسية... ؟!!

بداية ...تقول بعض المصادرا لعسكرية إن أسرى مصر لدى إسرائيل في حرب 1967 يقارب عددهم الخمسة آلاف أسير... سقطوا في قبضة القوات الاسرائيلية عند اجتياح سيناء ... وانسحاب الجيش المصري مهزوماً بدون نظام أو قيادة أو غطاء.

لقد كان ضرب المعابر على القناة وتدميرها... خشية عبور العدو إلى الضفة الغربية للقناة ... أحد أهم أسباب اقتياد الآلاف من أفراد قواتنا إلى معسكرات الأسر... وتعرضهم للقتل الجماعي والإبادة في مذابح بشعة لن يغفلها التاريخ.

فعندما يدرك الأسير أن ما بين الحياة والموت ضغطة زناد من يهودي دموي .. يتوقف تفكيره عند تلك اللحظة ، وتتسمر عيناه على ارتعاشة إصبع مختل وصيحات آمرة، وكلما دوت رصاصات تحصد أرواح ضعفاء يرسفون في قيود الأسر... اشتهت النفس الحياة وطلبتها بإلحاح عنيد.

لقد نشط خبراء المخابرات الإسرائيلية في تعذيب الأسرى وإرهابهم، والتمثيل بجثث زملائهم على مرأى منهم لقتل أي آمال لديهم في الحياة. وعند اختيارهم لبعض الجنود والضباط من الأسرى الذين أبدوا ذعرهم الشديد، عملوا على منحهم فرصة النجاة من الموت الرخيص ليسهل إخضاعهم والسيطرة عليهم، وكان لابد للمرشح أن يمر بعدة اختبارات نفسية قاسية... مثل إطلاق النيران بشكل فجائي على مجموعات من الأسرى ودون سابق إنذار، والتنكيل بأحدهم بوسائل تعذيب وحشية لإرهاب الآخرين، وفتح النيران من خلف الأسرى بعد فترة سكون .. فيصابون بالرعب والذعر من طلقات رصاص غير متوقعة.

اتبع العدو الصهيوني أيضاً طرقاً أخرى عديدة، تحطم ما لدى الأسرى من مقاومة، وتدفعهم إلى التفكير في منجي لهم من الهلاك.

ولكثرة وسائل انتهاك آدمية الأسرى، كثيراً ما عادوا إلى بلادهم وبعضهم تشوشت أفكارهم وأصبحوا لا يضبطون، وفقد قلة منهم الثقة في القيادة العسكرية والسياسية، ورسموا صورة مغايرة للواقع الملموس، محتاطون لمحاولات اقتلاع ما آمنوا به فترة الأسر، إذ إن العدو أصبح لديهم هو الأقوى والأمهر، ومجرد التفكير في معاداته ضرب من جنون.

هكذا عاد بعض الأسرى من إسرائيل في صفقات متبادلة وغير متكافئة العدد أو المعنويات. فهناك فروق شاسعة ما بين الأسرى في الحالتين.

وكان من بين الأسرى المصريين الذين عادوا .. الملازم أول الاحتياطي عبد الفتاح عبد العزيز عوض. أشهر جاسوس لإسرائيل تم تجنيده في أحد معسكرات أسرى 1967 في بئر سبع. عاد بعدما أجريت له عملية غسيل مخ، وتحول منضابط مصري يدافع عن أرضه وعرضه... إلى عين من عيون إسرائيل ترى وتتحرك بيننا في ثقة.

هذا التحول الخطير ليس بأمر هين، إذا ما أجرينا مقارنة عادلة بين أسير مكبل يرتجف رعباً وجوعاً... تحيطه مجموعة كبيرة من خبراء المخابرات تتفنن في تجنيده، وبين شاب آخر تتصارع لديه الرغبات والطموحات على موائد القمار في أوروبا، وقد يسعى هذا الأخير بنفسه إلى رجال الموساد عارضاً عليهم خدماته.

فرق كبير بين الأسير والحر. فالأسير مجبر مضطر، والحر مخير مدرك. الأسير يرى الموت ملاصقاً له ومعدته خاوية وأعصابه في انهيار، والحر تلسعه حرارة الرغبة حينما تلتصق به حسناء مثيرة تصطاده، ومعدته ممتلئة بأشهى أنواع الطعام والخمور.

كلها أمور لا تقارن مطلقاً... ويكفينا أن ننقل إحساسات أسير مسلوب الإرادة، في معسكر إسرائيلي، تصم أذنيه صرخات زملائه حينما تدور بهم عجلة التنكيل، ولا يدري متى يجيء دوره هو الآخر؟!

إنه في تلك الظروف أضعف من الضعف نفسه أمام حيوانية الآسر وشهوته في التعذيب والقتل.

ولست ممن عاشوا تلك التجربة المرة حتى أصفها بحق... لكن الخبراء العسكريين والعلماء أفاضوا في وصف كل تلك الأمور وصفاً دقيقاً، وإن كان هذا أمر نستنكره بالمرة.. ولا يدفعنا إلى العطف على الأسير الذي سقط في بؤرة الجاسوسية، بقدر ما يدفعنا إلى الإحساس بمعاناته الشديدة إزاء ما تعرض له، فاضطر مقهوراً إلى الاستسلام، طمعاً في رشفة ماء، أو كسرة خبز تُسكْن صراخ معدته وأمعائه.

وعبد الفتاح عوض بطل هذه القصة... ضابط صغير برتبة ملازم أول في القوات المسلحة المصرية، لم يتجاوز الخامسة والعشرين من عمره، أنهى دراسته الجامعية وحصل على مؤهله العلمي... يملؤه طموح قوي في أن يعيش ويعمل ويخدم وطنه... ويتزوج من حبيبته ياسمين ابنة عمه الجميلة التي ارتبط بها، وتأجل زفافهما حتى ينتهي من فترة تجنيده.

لقد حزنت ياسمين كثيراً وهو يسوق لها نبأ اختياره ضابطاً في الجيش ... فمعنى ذلك أن فترة خدمته العسكرية ستطول، وبالتالي سيتأخر زواجهما، لكن عبد الفتاح طمأنها عندما وعدها بسرعة الزفاف، حيث إن راتبه كبير كضابط بالجيش بالقياس براتب الوظيفة التي لم تجيء بعد.

انخرط في سلك الحياة العسكرية وتفوق كثيراً في تخصهه الدقيق ...وشهد له قادته بالانضباط والشجاعة.. لذلك فقد أُرسل مع القوات المسلحة إلى اليمن للقضاء على حكم الإقطاع هناك... المتمثل في الإمام البدر.. الذي قامت الثورة اليمنية عليه في 26 سبتمبر 1962.

لكن الدوائر الاستعمارية وبالرجعية كانت تخطط لعودة الإمام المخلوع بالقوة.. واستعادة عرشه المفقود. ورسمت خطة جهنمية متشعبة الأطراف، حشدت لها جيشاً ضارياً من المرتزقة.. مهمته القيام بهجمات جانبية على أجنحة مأرب جهة الشرق، وفي صعدة من الشمال، وفي المحابشة بداخل المنطقة الجبلية، بينما تندفع بقيادة البدر قوة هجومية ضخمة تشق قلب البلاد.

غير أن هذه الخطة لم تكن محكمة، إذ حوصرت مواقع الحشود الملكية ودمرت تماماً في معركة "حرض" التي أبدع فيها عبد الفتاح قتالاً وتخطيطاً، واستحق شهادات التقدير عن جدارة، فقد كان يعلم بحق أن معركة اليمن في أساسها لم يكن المقصود منها إسقاط عرض وانتهاء نظام، إنما إنهاء حطام هش من الأنظمة البالية التي خلفتها القرون الوسطى دام لأكثر من عشرة قرون في هذه المنطقة.

 

الاستسلام قهراً

عاد عبد الفتاح من اليمن والغل يأكل قلبه من عصابات اليهود التي تنكرت لكل الشرائع، واغتصبت أرض فلسطين، وتتربص بدول الجوار تود نهش أرضها، والاستحواذ على قدر أكبر من الهيمنة على مقدرات المنطقة.

ولم يطل به المقام كثيراً في حضن عروسه ياسمين، فحرب وشيكة مع إسرائيل تدق طبولها وقد ظهرت في الأفق بوادر الأزمة .. فسارع بارتداء زيه العسكري وذهب إلى رفح، ثم تقدم إلى خان يونس فدير البلح، وعندما اشتعلت شرارة الحرب في 5 يونيو 1967... أبلى عبد الفتاح بلاءً حسناً مع وحدته العسكرية التي تمرست على القتال في اليمن. لكن صدرت الأوامر فجأة بالإنسحاب إلى الخلف، فاعتقد أنها خطة عسكرية إلا أن العدو كان قد أحكم الحصار، وبرغم ذلك لم يستسلم عبد الفتاح، وظل يقاوم إلى أن سقط أسيراً، واقتيد إلى معسكرات بئر سبع التي لا تبعد كثيراً عن موقع أسره.

كان لا يصدق أن سيناء كلها سقطت هي الأخرى أسيرة، وفقد ثقته بقادته الذين جعلوا لأولئك اليهود الخنازير شأناً، واستطاعوا – وهم قلة قليلة – التغلب على جيوش العرب، وفي عدة أيام اتسعت رقعة إسرائيل إلى أضعاف أضعافها.

كان يبكي في البداية للحال الذي وصلوا إليه، وبعد ذلك كان يرتجف لمرأى حوادث القتل الجماعية البشعة لأسرى الحرب، ويرتعد للقهر والذل والموت البطيء الذي يتحرك كل لحظة بين الأسرى ليقطف خيرة شباب الوطن.

لقد رأى من الأهوال مالا يوصف، وتوقف تفكيره عند أشياء كثيرة أهمها الموت بلا ثمن... ومعدته الخاوية من الطعام، وجفاف حلقه لشدة العطش، ولم يتفاءل كثيراً عندما استدعوه لمكتب قائد المعسكر باللغة العربية قائلاً له:

"إن الجيش الإسرائيلي يحتل الآن سيناء والجولان والضفة الغربية وقطاع غزة، ولا حول للعرب ولا قيام لهم من جديد".

أمر له الضابط الإسرائيلي بالماء والطعام، وجيء له بكوب من العصير البارد.. وعلى بعد عدة أمتار، شاهد بعينيه جندياً يهودياً يسوق أسيراً مصرياً، ويكبله في جذع نخلة ويطلق عليه النار عدة مرات في تشفٍ وانتقام.

عندها ... صرخ عبد الفتاح في هلع، فسحبوه إلى حجرة أخرى ورجى استجوابه لمعرفة كل ما عنده من أسرار العسكرية، وللمرة الثانية والثالثة يرى مشهد القتل لأسير مكبل، فيموت هلعاً... ويحاول في وهن خائر إقناعهم بأن معلوماته قاصرة بسبب تواجده لعدة سنوات في اليمن.

بعدها بأيام ذهبوا به لغرفة التحقيق، وأمروه أن يخلع ملابسه بكاملها أمام المحققين ثم تركوه وحده عارياً، ترتعد كل عضلاته خوفاً من اقتياده للقتل،فكل الأسرى الذين أطلقوا عليهم الرصاص أمامه كانوا عرايا.

فجأة دخلت الغرفة فتاة يهودية ترتدي زي الجيش الإسرائيلي، ودون أن تلتفت إليه شرعت في خلع ملابسها كلها، واقتربت منه في نعومة وطلبت منه بالعربية أن يتلطف. ومن فتحات سرية كانوا يلتقطون له صوراً بمختلف الأوضاع وهو يتهرب منها محاولاً الانزواء، بينما هي لا تكلف عن إغوائه ومطالبته. ومرة أخرى حاوره المحقق كثيراً واستفزه وأجبره على أن يسب بلده وقائدها، ولسابق معرفتهم بأسماء أهله وأقاربه ووظائفهم وعناوينهم... كانوا يزيدون الضغط على أعصابه مهددين بإيذائهم، في عملية "غسيل مخ" له ولغيره، ويستخدم الضباط الاسرائيليون التنويم المغناطيسي، والايحاء النفسي والامصال والعقاقير الطبية ومنها حقن "الصدق" وجهاز كشف الكذب، فضلاً عن التعذيب الجسماني بوسائل مختلفة، وإطلاق حرب معنوية شرسة لزلزلة عقيدته وعروبته.

لقد تم سجنه في زنزانة ضيقة تتسع بالكاد لجسده المنهك، وسلطت عليه كشافات كهربائية قوية ليل نهار، مع انبعاث موجات من الهواء الساخن تارة والبارد تارة أخرى، وذلك لمدة ستين يوماً وهو عار تماماً لا يدرك الليل من النهار، أو متى تجيء لحظة النهاية؟ بينما صوت المذياع لا يكف عن بث الدعاية المسمومة، والنصائح الموجهة اليه لكي يستسلم ويتعاون مع ما يسمى بـ "منظمة السلام" ويفرغ ما في جعبته من معلومات وأسرار للمحققين، مع تأكيدات مكررة بالاهتمام به صحياً ومعنوياً إذا ما استجاب لهم مع الوعد بأن يغدقوا عليه بالأموال والميزات التي لا تخطر بباله.

وبعد هذه الجرعة من الإغراءات قد يسقط الأسير مستسلماً، وقد يتماسك أكثر وأكثر لإيمانه بقضيته وبقيادته، فيقاد إلى غرفة "العمليات" حيث يجري إدخال خرطوم دقيق في جهازه البولي ينتهي طرفه بكيس شفاف، ويترك هكذا في زنزانته، ويمنع عنه الماء، وتسلط عليه الكشافات الحارقة من جديد مع الهواء الساخن، فينزف عرقه ويكاد يموت عطشاً فلا يجد سوى بوله فيشرب منه.

هناك أيضاً وسيلة أخرى لإجبار الأسير على الانخراط في سلك الجاسوسية تحت زعم الاشتراك في "منظمة السلام" لوقف الحرب بين العرب وإسرائيل، ألا وهي تكبيله بالجنازير وسلاسل الصلب المدببة، وعصب عينيه بعصابة سوداء، والحبس في زنزانة منفردة معزولة صوتياً عن العالم الخارجي لمدة أسبوع، فيكاد الأسير أن يجن، وينقل إلى غرفة التحقيق ليروا هل استسلم مقهوراً أم لا يزال صلباً لا يخاف الموت؟ فإن رأوا فيه صلابة فعندهم من وسائل التعذيب ما يكفي.

ويتم تصنيف الأسرى المطلوب تجنيدهم إلى مجموعات، والمجموعة التي يعتقد أنها الأسهل انقياداً... تتابع معها المحاولات من جديد وبصور أخرى من التعامل، ويتم عرض الأسير على أخصائيين في وسائل الإقناع والتأثير النفسي يصلون به ومعه إلى مرحلة من "الهدنة" التي يعقبها أحد أمرين: إما الاستمرار معه، أو تركه لحاله وعدم إضاعة جهدهم معه أكثر من ذلك.

يقول الملازم أول عبد الفتاح عبد العزيز عوض:

Ø في الزنزانة الانفرادية الضيقة... كنت عارياً منهكاً معصوب العينين مكبلاً بالجنازير، طعامي قطعة خبز جافة كل عدة أيام مع نصف كوب من الماء، كنت لا أكف عن التفكير في حالي وما سيؤول اليه مصيري المجهول. وكلما استحضرت صور أهلي من ذاكرتي... اتخيل حزنهم الشديد لفقدي فأتماسك، كثيراً ما كنت أستمد قوتي من صورة أمي، ونظرة الرجاء في عيني حبيبتي ياسمين ترجوني ألا أنساها... ، كنت أبكي حالي فلا تسقط مني دمعة واحدة، فالجسد الهزيل فقد ما به من ماء. وجفت المدامع ونضب معينها، وتصورت للحظة أنني بين أحضان أهلي وأصدقائي، لكن أوهام الخيال كانت لا تطول، فالواقع كان أقسى من أي تخيل، واقع قضى على لذة أحلام يقظة، ووأد الآمال في مهدها، الأسابيع طويلة مريرة تمر والحال لا يتبدل... عطش وجوع وموت يتربص... وعواء ذئاب تهوى افتراس أجساد الأسرى، وميكروفون يأتيني صوته من فوق راسي يذيع أغاني الحرب من إذاعة "صوت العرب"، وبيانات كاذبة وخطب وتصريحات سياسية تصيبني بالغثيان. وتساءلت مراراً:

هل يهتم بنا أحد؟؟

أجبت في نفسي :

لا أظن أننا على خريطة المسؤولين في مصر.

فقد طالت مدة الأسر، وصرنا نكرة ونسياً منسياً. وعندما يجيئنا أعضاء الصليب الأحمر الدولي، يشفقون لحالنا ولا يملكون لأجلنا شيئاً.

عمار الحرازي07-22-2010, 03:26 AM

أخطر رجال المخابرات المصرية في اسرائيل

في صباح يوم 13 يوليو من عام 1956 نشرت صحيفة الأهرام خبرا عابرا يقول : قتل العقيد مصطفى حافظ نتيجة ارتطام سيارته بلغم في قطاع غزة، وقد نقل جثمانه إلى العريش ومن هناك نقل جوا إلى القاهرة على الفور، ولم ينس الخبر أن يذكر أنه كان من أبطال حرب فلسطين وقاتل من أجل تحريرها .. لكنه تجاهل تماما انه كان أول رجل يزرع الرعب في قلب اسرائيل.

ومصطفى حافظ رجل مصري من مدينة الإسكندرية التي يحمل أحد ميادينها أسمه الآن، كما أن له نصبا تذكاريا في غزة تبارى الإسرائيليون في تحطيمه عندما احتلوها بعد هزيمة يونيو 1967.

كان (مصطفى حافظ) مسؤولاً عن تدريب الفدائيين وإرسالهم داخل إسرائيل كما انه كان مسؤولاً عن تجنيد العملاء لمعرفة ما يجري بين صفوف العدو ووراء خطوطه، فقد كان (مصطفى حافظ) باعتراف الإسرائيليين من أفضل العقول المصرية، وهو ما جعله يحظى بثقة الرئيس جمال عبد الناصر فمنحه أكثر من رتبة استثنائية حتى أصبح عميدا وعمره لا يزيد على 34 سنة، كما انه اصبح الرجل القوي في غزة التي كانت تابعة للإدارة المصرية بعد تقسيم فلسطين في عام 1947.

وبرغم السنوات الطويلة التي قضاها مصطفى حافظ في محاربة الإسرائيليين إلا انه لم يستطع رجل واحد في كافة أجهزة المخابرات الإسرائيلية أن يلتقط له صورة من قريب أو من بعيد، لكن برغم ذلك سجل الإسرائيليون في تحقيقاتهم مع الفدائيين الذين قبضوا عليهم انه رجل لطيف يثير الاهتمام والاحترام ومخيف في مظهره وشخصيته.

وكانت هناك روايات أسطورية عن هروبه الجريء من معتقل أسرى إسرائيلي أثناء حرب 1948، وقد عين في منصبه في عام 1949 وكانت مهمته إدارة كافة عمليات التجسس داخل إسرائيل والاستخبارات المضادة داخل قطاع غزة والإشراف على السكان الفلسطينيين، وفي عام 1955 أصبح مسئولا عن كتيبة الفدائيين في مواجهة الوحدة رقم 101 التي شكلها في تلك الأيام اريل شارون للإغارة على القرى الفلسطينية والانتقام من عمليات الفدائيين ورفع معنويات السكان والجنود الإسرائيليين، وقد فشل شارون فشلا ذريعا في النيل منه ومن رجاله وهو ما جعل مسئولية التخلص منه تنتقل إلى المخابرات الإسرائيلية بكافة فروعها وتخصصاتها السرية والعسكرية.

كان هناك خمسة رجال هم عتاة المخابرات الإسرائيلية في ذلك الوقت عليهم التخلص من مصطفى حافظ على رأسهم (ر) الذي كون شبكة التجسس في مصر المعروفة بشبكة "لافون" والتي قبض عليها في عام 1954 وكانت السبب المباشر وراء الإسراع بتكوين جهاز المخابرات العامة في مصر.

والى جانب (ر) كان هناك ضابط مخابرات إسرائيلي ثان يسمى "أبو نيسان" وأضيف لهما "أبو سليم" و"اساف" و"أهارون" وهم رغم هذه الأسماء الحركية من أكثر ضباط الموساد خبرة بالعرب وبطباعهم وعاداتهم وردود أفعالهم السياسية والنفسية.

ويعترف هؤلاء الضباط الخمسة بأنهم كانوا يعانون من توبيخ رئيس الوزراء في ذلك الوقت ديفيد بن غوريون أول رئيس حكومة في إسرائيل والرجل القوي في تاريخها، وكانت قيادة الأركان التي وضعت تحت سيطرة موشى ديان أشهر وزراء الدفاع في إسرائيل فيما بعد في حالة من التوتر الشديد.

وكان من السهل على حد قول ضباط المخابرات الخمسة التحدث إلى يهوه (الله باللغه العبريه) في السماء عن التحدث مع موشى ديان خاصة عندما يكون الحديث عن براعة مصطفى حافظ في تنفيذ عملياته داخل إسرائيل ورجوع رجاله سالمين إلى غزة وقد خلفوا وراءهم فزعا ورعبا ورغبة متزايدة في الهجرة منها.

وكان الحل الوحيد أمام الأجهزة الإسرائيلية هو التخلص من مصطفى حافظ مهما كان الثمن.

ووضعت الفكرة موضع التنفيذ ورصد للعملية مليون دولار، وهو مبلغ كبير بمقاييس ذلك الزمن، فشبكة "لافون" مثلا لم تتكلف أكثر من 10 آلاف دولار، وعملية اغتيال المبعوث الدولي إلى فلسطين اللورد برنادوت في شوارع القدس لم تتكلف أكثر من 300 دولار.

كانت خطة الاغتيال هي تصفية مصطفى حافظ بعبوة ناسفة تصل إليه بصورة أو بأخرى، لقد استبعدوا طريقة إطلاق الرصاص عليه، واستبعدوا عملية كوماندوز تقليدية، فقد فشلت مثل هذه الطرق في حالات أخرى من قبل، وأصبح السؤال هو: كيف يمكن إرسال ذلك "الشيء" الذي سيقتله إليه ؟.

في البداية فكروا في إرسال طرد بريدي من غزة لكن هذه الفكرة أسقطت إذ لم يكن من المعقول أن يرسل طرد بريدي من غزة إلى غزة، كما استبعدت أيضا فكرة إرسال سلة فواكه كهدية إذ ربما ذاقها شخص آخر قبل مصطفى حافظ.

وأخيرا وبعد استبعاد عدة أفكار أخرى بقيت فكرة واحدة واضحة هي: يجب أن يكون "الشئ" المرسل مثيرا جدا للفضول ومهما جدا لمصطفى حافظ في نفس الوقت كي يجعله يتعامل معه شخصيا، شئ يدخل ويصل إليه مخترقا طوق الحماية الصارمة الذي ينسجه حول نفسه.

وبدأت الخطة تتبلور نحو التنفيذ، إرسال ذلك "الشيء" عن طريق عميل مزدوج وهو عميل موجود بالفعل ويعمل مع الطرفين، انه رجل بدوي في الخامسة والعشرين من عمره يصفه أبو نيسان بأنه نموذج للخداع والمكر، كان هذا الرجل يدعى "طلالقة". لم يكن يعرف على حد قول ضابط الموساد أن مستخدميه من الإسرائيليين.

وبعد أن استقر الأمر على إرسال (الشيء) الذي سيقتل مصطفى حافظ بواسطة (طلالقة) بدأ التفكير في مضمون هذا الشيء، واستقر الرأي على أن يكون طردا بريديا يبدو وكأنه يحتوي على (شئ مهم) وهو في الحقيقة يحتوي على عبوة ناسفة.

ولم يرسل الطرد باسم مصطفى حافظ وإنما أرسل باسم شخصية سياسية معروفة في غزة وهو بالقطع ما سيثير (طلالقة) فيأخذه على الفور إلى مصطفى حافظ الذي لن يتردد فضوله في كشف ما فيه لمعرفة علاقة هذه الشخصية بالإسرائيليين، وفي هذه اللحظة يحدث ما يخطط له الإسرائيليون وينفجر الطرد في الهدف المحدد.

وتم اختيار قائد شرطة غزة (لطفي العكاوي) ليكون الشخصية المثيرة للفضول التي سيرسل الطرد باسمها، وحتى تحبك الخطة أكثر كان على الإسرائيليين أن يسربوا إلى (طلالقة) إن (لطفي العكاوي) يعمل معهم بواسطة جهاز اتصال يعمل بالشيفرة، ولأسباب أمنية ستتغير الشيفرة، أما الشيفرة الجديدة فهي موجودة في الكتاب الموجود في الطرد المرسل إليه والذي سيحمله (طلالقة) بنفسه.

وأشرف على تجهيز الطرد (ج) عضو (الكيبوتس) في المنطقة الوسطى، وقد اكتسب شهرة كبيرة في أعداد الطرود المفخخه وكان ينتمي إلى منظمة إرهابية تسمى (أيستيل) كانت هي ومنظمة إرهابية أخرى اسمها (ليحي) تتخصصان في إرسال الطرود المفخخه إلى ضباط الجيش البريطاني أثناء احتلاله فلسطين لطردهم بعيدا عنها.

 

مصطفى حافظ

وأصبح الطرد جاهزا وقرار العملية مصدق عليه ولم يبق سوى التنفيذ، وتم نقل الطرد إلى القاعدة الجنوبية في بئر سبع وأصبح مسئولية رئيس القاعدة أبو نيسان الذي يقول: "طيلة اليوم عندما كنا جالسين مع (طلالقة) حاولنا إقناعه بأننا محتارون في أمره، قلنا أن لدنيا مهمة بالغة الأهمية لكننا غير واثقين ومتأكدين من قدرته على القيام بها، وهكذا شعرنا بأن الرجل مستفز تماما، عندئذ قلنا له: حسنا رغم كل شئ قررنا تكليفك بهذه المهمة، اسمع يوجد رجل مهم جدا في قطاع غزة هو عميل لنا هاهو الكارت الشخصي الخاص به وها هو نصف جنيه مصري علامة الاطمئنان إلينا والى كل من نرسله إليه والنصف الآخر معه أما العبارة التي نتعامل بها معه فهي عبارة: (أخوك يسلم عليك)!.

 

ويتابع ضابط المخابرات الإسرائيلي : كنا نواجه مشكلة نفسية كيف نمنع طلالقة من فتح الطرد قبل أن يصل إلى الهدف ؟ وللتغلب على هذه المشكلة أرسلنا أحد الضباط إلى بئر سبع لشراء كتاب مشابه أعطاه لـ (طلالقة) قائلا: (هذا هو كتاب الشيفرة يحق لك تفقده ومشاهدته وبعد أن شاهده أخذه منه وخرج من الغرفة وعاد وبيده الكتاب الملغوم وسلمه له لكن (طلالقة) لعب اللعبة بكل برود على الرغم من بريق عينيه عندما تساءل: ولكن كيف ستعرفون أن الكتاب وصل؟ وكانت الإجابه: ستأتينا الرياح بالنبأ.

وفهم (طلالقة) من ذلك أنه عندما يبدأ (لطفي العكاوي) بالإرسال حسب الشيفرة الجديدة سيعرف الإسرائيليون انه نفذ المهمة وعندما حل الظلام خرج أحد رجال المخابرات الإسرائيلية المسئولين عن العملية ومعه (طلالقة) وركب سيارة جيب ليوصله إلى أقرب نقطة على الحدود وهناك ودعه واختفى (طلالقة) في الظلام لكن كان هناك من يتبعه ويعرف انه يأخذ طريقه إلى غزة.

في رحلة عودته إلى غزة كان الشك يملأ صدر (طلالقة).. وراح يسأل نفسه : كيف يكون (العكاوي) أقرب المساعدين الى مصطفى حافظ عميلا إسرائيليا؟، وفكر في أن يذهب أولا الى (العكاوي) لتسليمه ما يحمل وبالفعل ذهب الى منزله فوجده قد تركه الى منزل جديد لا يعرف عنوانه واحتار ما الذي يفعل؟ ثم حزم أمره وتوجه الى منطقة الرمال في غزة حيث مقر مصطفى حافظ.

وحسب ما جاء في تقرير لجنة التحقيق المصرية التى تقصت وفاة مصطفى حافظ بأمر مباشر من الرئيس جمال عبد الناصر فإنه في 11 يوليو عام 1956 في ساعات المساء الأخيرة جلس مصطفى حافظ على كرسي في حديقة قيادته في غزة وكان قد عاد قبل يومين فقط من القاهرة، كان يتحدث مع أحد رجاله والى جانبه الرائد فتحي محمود وعمر الهريدي وفي نفس الوقت وصل اليهم (طلالقة) الذي سبق أن نفذ ست مهام مطلوبة منه في اسرائيل.

 

وقابله مصطفى حافظ وراح يروى له ما عرف عن (العكاوي)، وهو ما أزعج مصطفى حافظ الذي كان يدافع كثيرا عن (العكاوي) الذي اتهم أكثر من مرة بالاتجار في الحشيش، لكن هذه المرة يملك الدليل على إدانته بما هو أصعب من الحشيش؛ التخابر مع إسرائيل.

وقرر مصطفى حافظ أن يفتح الطرد ثم يغلقه من جديد ويرسله إلى (العكاوي)، أزال الغلاف دفعة واحدة عندئذ سقطت على الأرض قصاصة ورق انحنى لالتقاطها وفي هذه الثانية وقع الانفجار ودخل الرائد فتحي محمود مع جنود الحراسة ليجدوا ثلاثة أشخاص مصابين بجروح بالغة ونقلوا فورا إلى مستشفى تل الزهرة في غزة.

وفي تمام الساعة الخامسة صباح اليوم التالي أستشهد مصطفى حافظ متأثرا بجراحه، وبقى الرائد عمر الهريدي معاقا بقية حياته بينما فقد (طلالقة) بصره، وأعتقل (العكاوي) لكن لم يعثروا في بيته على ما يدينه.

وبرغم مرور هذه السنين مازال يصر الإسرائيليون على أنهم لم ينفذوا مثل هذه العملية أبدا، وبقيت أسرارها مكتومة هنا وهناك إلى أن كشفها الكاتب الإسرائيلي " يوسف أرجمان" مؤخرا في كتاب يحمل أسم "ثلاثون قضية استخبارية وأمنية في إسرائيل"، والذي لا نعرف هل ما ذكره حقيقة أم خيال.


بقى أن نعرف إن الإسرائيليين عندما احتلوا غزة بعد حرب يونيو وجدوا صورة مصطفى حافظ معلقة في البيوت والمقاهي والمحلات التجارية وأنهم كان يخلعونها من أماكنها ويرمونها على الأرض ويدوسون عليها بالأقدام، وكان الفلسطينيون يجمعونها ويلفونها في أكياس كأنها كفن ويدفنونها تحت الأرض وهم يقرآون على روح صاحبها الفاتحة فهم لا يدفنون صورة وإنما يدفنون كائنا حيا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق