الخميس، 6 فبراير 2014


 نادر فرجانى

الولاية الثانية للمؤسسة العسكرية بعد الثورة الشعبية

نادر فرجانىالخميس 06-02-2014 22:05
(1) المؤسسة العسكرية تعود لحكم مصر
لقد قُضى الأمر على ما يبدو، وأصبح المشير -المُرقّى على عجلٍ، من دون الشروط الاستحقاقية الواجبة للرتبة، أى الانتصار الضخم فى معركة ميدانية كبرى- مرشح المؤسسة العسكرية لرئاسة مصر. وذلك بعد إقرار دستور يضع المؤسسة العسكرية والقضاء، كليهما، فوق المساءلة الشعبية، على الأقل فيما يتصل بمراجعة موازناتهما.
هناك فروق، لا شك، بين الولايتين، السابقة والآتية للمؤسسة العسكرية. فى الولاية الأولى كان المجلس الأعلى للقوات المسلحة يحكم فى الظاهر، لكن التقليد العسكرى فرض أن يكون المشير طنطاوى قائماً بعمل رئيس الدولة وباستثناء مهام محددة لأعضاء المجلس، وكان من بينهم الرئيس المحتمل القادم؛ فقد كان المشير طنطاوى رأس الحكم فعلياً طوال المرحلة الانتقالية الأولى. أما فى الولاية الآتية فسيكون هناك على الأرجح رئيس من خلفية عسكرية، تماماً كما كان محمد حسنى مبارك. وإن لم يحكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة مباشرة فسيكون الرئيس وفق التقليد العسكرى مُلتزماً بمشيئة المؤسسة، لا سيما أن وزير الدفاع الجديد سيكون محصّنا من العزل وفق الدستور الحالى، على الأقل إلى أن يجرى تعديل النص المعنى، ما قد يتسبب فى شقاق داخل المؤسسة ينعكس على الجيش والسياسة فى مصر سلبياً.
لقد قطعت قيادة المؤسسة العسكرية قول كل خطيب عندما أعلنت ترشيح الفريق أول السيسى للرئاسة. وللعلم، فأصل المثل العربى: «قطعت جهيزة قول كل خطيب» أن قوما اجتمعوا يخطبون فى صلح بين حيين قتل أحدهما من الآخر قتيلا، ويسألونهم أن يرضوا بالدية، فبينما هم فى ذلك النقاش إذ جاءت جارية يقال لها جهيزة فقالت: «إن القاتل قد ظفر به بعض أولياء المقتول فقتلوه». فقالوا عند ذلك: قطعت جهيزة قول كل خطيب. أى قد استغنى عن الخُطب، والمثل يضرب لمن يقطع على الناس ما هم فيه بمباغتة يأتى بها.
نصاً، أعلن المجلس الأعلى للقوات المسلحة أنه «يتطلع باحترام وإجلال لرغبة الجماهير العريضة من شعب مصر العظيم فى ترشيح الفريق أول عبدالفتاح السيسى، القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع والإنتاج الحربى، لرئاسة الجمهورية»، وهو يعتبره «تكليفاً والتزاماً». وقال المجلس الأعلى، فى بيان له، عقب عقده جلسة طارئة، إنه استمع إلى الفريق أول عبدالفتاح السيسى وقدر أن «ثقة الجماهير فيه نداء يفترض الاستجابة له فى إطار الاختيار الحر لجماهير الشعب». وقرر المجلس أن «للفريق أول عبدالفتاح السيسى أن يتصرف وفق ضميره الوطنى ويتحمل مسئولية الواجب الذى نودى إليه، خاصة أن الحكم فيه هو صوت جماهير الشعب فى صناديق الاقتراع، وأن المجلس فى كل الأحوال يعتبر أن الإرادة العليا لجماهير الشعب هى الأمر المطاع والواجب النفاذ».
يُحمد للمجلس، لا شك، الإعلان ولو شكلياً عن إعلاء إرادة الشعب، لكن الخبرة من الولاية الأولى أن مثل هذا الإعلان الابتدائى يمكن أن ينقلب وعيداً وتهديداً، بل وعسفاً بالإرادة الشعبية ومذابح لم يُقتص من أى من المسئولين عنها حتى اليوم.
لقد انقلب الوعد الأولى للمجلس الأعلى للقوات المسلحة بحماية الثورة والشعب بعد الموجة الكبيرة الأولى من الثورة الشعبية إلى حكم أحرص على النظام الذى قامت الثورة الشعبية لإسقاطه وعلى حماية رؤوسه أكثر من رعاية الشعب ومناصرة الثورة ذاتها. ومنذ «موقعة الجمل»، فى 2 فبراير 2011، التى مر عليها ثلاث سنوات وثارت الشبهات حول عدم تصدى قوات الجيش المحيطة بميدان التحرير لمنعها، إلى وقوع شهداء وضحايا فى مواقع العباسية والبالون وماسبيرو ومحمد محمود ومجلس الوزراء، على سبيل المثال لا الحصر.
وبصرف النظر عن المحسّنات اللفظية، فإن إعلان المجلس الأعلى للقوات المسلحة هذا قد أعلن عن رغبة قيادة المؤسسة العسكرية فى العودة لحكم مصر، للمرة الثانية بعد اندلاع الثورة الشعبية العظيمة فى يناير 2011.
وعلى وجه الخصوص، فقد ألقمت قيادة المؤسسة العسكرية حجرا لكل من يحاول تبرئة قيادة القوات المسلحة لشعب مصر من تهمة الانقلاب العسكرى فى 3 يوليو 2013؛ بحيث يذكّر الإعلان بالقول المأثور «يكاد المريب يقول خذونى». فى الحقيقة اعترف الإعلان باثنين من الشروط التى وضعها سابقا، باستقامة ونقاء خالصَين ومحببين، اللواء أحمد وصفى، قائد الجيش الثانى الميدانى. فقد جرت ترقية الفريق أول السيسى إلى رتبة المشير من دون شروطها المتعارف عليها. والرتبة تقابل بالإنجليزية رتبة «الفيلد مارشال»، وشرطها الأصولى فى التقاليد العسكرية، عالميا ومصريا، هو الانتصار الضخم فى معركة ميدانية كبيرة. لكن فى الواقع لقد رُقّى الفريق أول السيسى بواسطة مجلس يترأسه هو شخصيا، وليس القرار التنفيذى للرئيس المؤقت بمنح الرتبة إلا تحصيل حاصل. هذه الترقية تبدو من قبيل منح طالب علم الدرجة النهائية بينما لا يزال يخوض الامتحان. والشرط الثانى الذى حدده اللواء وصفى هو ترشيح المشير للرئاسة، وهو يوشك أن يتحقق. والحق أن الترقية تزيّد فى التكريم لا مبرر له ما دام الرجل سيترك سلك العسكرية حتما قبل إعلان الترشح ويشى بالمغنم الشخصى لوزير الدفاع من خلال إغداق المؤسسة على قائدها من أموال الشعب.
إذ ترى وجهة نظر أن الفريق/ المشير لم ينجح باهراً فى المعركة الكبرى التى كلفه الشعب بشنها، بناء على طلبه، وبدأها ولم تنته بالنصر المؤزر. فوقت ترقية الفريق كانت طائرات القوات المسلحة لشعب مصر ومعسكراتها لا تزال تُستهدف بالصواريخ المتطورة وتُغتال قيادات الشرطة وأفرادها بشكل شبه يومى، وتنفجر العبوات الناسفة فى جميع أنحاء البلاد، وتواجه الشرطة متظاهرين غاضبين بعنف غير مبرر فى أحيان، بينما يفلح قيادات الإخوان الضالون والداعون للإرهاب فى الهروب إلى نعيم المنافى الآثمة، ولا تستطيع كل أجهزة الأمن، المدنية والعسكرية، القضاء على الواجهات الإرهابية مثل «أنصار بيت المقدس»، التى تدعى المسئولية عن تكدير الحياة على الشعب والجيش والشرطة وإزهاق أرواح بريئة يوميا. وهكذا، من دون إنكار الإنجازات التى تحققت فى مواجهة الإرهاب التكفيرى الخسيس فى سيناء وما حولها، وفى عموم البلاد، فإن المعركة التى كان يجب أن يُتوِّج النصر فيها مبررات ترقية الفريق السيسى إلى رتبة المشير، ما زالت، مع الكرم فى الحكم، مفتوحة ونتائجها الختامية محل نظر. ولا يحتج هنا بأن هذه المعركة مسئولية السلطة المؤقتة بكاملها؛ حيث يلعب الرئيس المرجح القادم الدور الأهم فى قراراتها الرئيسية.
مع كل ذلك، لا جدال فى أن الفريق السيسى قد طوّق عنق كل مصرى بجميل يدوم أبد الدهر لإقدامه على دعم الشعب المصرى بعون من قواته المسلحة الباسلة لإسقاط حكم اليمين المتأسلم فى منتصف 2013، وهذا سبب شعبيته الجارفة فى نظر قطاعات واسعة من شعب مصر، واستحقاقه للقتل فى نظر قلة باغية من أتباع اليمين المتأسلم.
وبناء على ما سبق، فإن الترشح لمنصب الرئاسة يقلل فى نظرى من القيمة التاريخية والمجد الشخصى المترتب على موقف المشير السيسى فى 3 يوليو، الذى يرفعه لمصاف البطل الشعبى التاريخى. بينما يضعه منصب الرئاسة -الذى أصبح شغله له شبه مؤكد- فى مرمى الانتقاد المباح من شعب أصبح لا يهاب إسقاط الرؤساء. ومن هنا فإن المغامرة بالترشح للرئاسة، والفوز بها على الأرجح، لا يمكن إلا أن تُقلل من الرصيد التاريخى للرجل كزعيم وكبطل شعبى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق