الأربعاء، 26 فبراير 2014

حرية الفكر والعقل – وهما أداتا الإبداع والابتكار – هي الوجه الآخر للحرية السياسية، كما أنها في الوقت ذاته هي السبيل المعبد للوصول إلى هذه الحرية والحفاظ عليها – د.محمد فتحي فرج

مدخل إلى "طه حسين" :
طه حسين وقضايا العصر
د. محمد فتحي فرج

الميزة الكبرى لهذا الكتاب الممتع، والصادر بمناسبة مرور أربعين عاما على رحيل "طه حسين"، أنه يعمل عمل المرآة متعددة المستويات التي تنعكس عليها صور شاملة وعميقة ومتعددة لعميد الثقافة العربية. فقارؤه يشبه زائر بيت المرايا حيث يرى صورة العميد مكررة عشرات المرات من خلال عشرات القضايا الفكرية والمقولات الثقافية والتفاصيل الحياتية التي أهتم الباحث بدرس العميد من خلالها ومواقفه منها.
أما الميزة الأخرى فهي المفاجأة السعيدة الماثلة في أن يصدر الكتاب في بحث ودراسة عقل العميد ورؤاه عن واحد من أبعد محبيه عن التخصص في حقل النقد الأدبي الذي كان "طه حسين" أميره الذي لا ينازع وفارسه الذي لا يشق له غبار. فمؤلف الكتاب كما تقول سيرته الذاتية هو أ.د."محمد فتحي فرج بيومي"، أستاذ الفسيولوجيا المتفرغ ورئيس قسم علم الحيوان السابق بكلية العلوم جامعة المنوفية ونقيب المعلمين الأسبق بالمنوفية. وقد نشر أكثر من سبعين بحثا علميا في مجال تخصصه بالمجلات العلمية بمصر والعالم.
ولقارئ الكتاب ألا يعجب من صدور واحد من كتب الترجمة المهمة لـ"طه حسين"، والتي تصلح مدخلا عاما لفكره ومقدمة تعريفية لقراءة حياته، من أستاذ فسيولوجيا له اهتماماته واسهاماته الثقافية المرموقة. فهذا الإنجاز هو جزء من إنجاز "طه حسين"، وهذا السحر هو لون من سحره الباقي. فالعميد هو واحد من أعمدة الثقافة العربية الذين حببوا الناس في الثقافة والأدب، وفي النقد والتاريخ ودراساته الإنسانية، وجعلوا من ذلك كله بحق غذاء روحيا لكل أبناء العربية بغض النظر عن تخصصاتهم.
وكما يورد المؤلف هذه العبارة عن د."ناصر الدين الأسد": "لا يجوز أن يؤخذ الحكم على طه حسين ولا على أديب غيره من جملة قالها أو كتبها، ولا من فكرة وردت في أحد كتبه، ولا من قولة نطق بها في موقف دعته ظروف الارتجال أو ظروف الجدال والمخاصمة على قولها، إنما لابد أن تقرأ كتبه كاملة، وأن تستذكر أقواله في مجموعها في المناسبات والظروف المختلفة". نجح الكتاب نجاحا حقيقا بالتهنئة في أن يصحب قارئه إلى رحلة عميقة متوغلة في عقل وذهن وروح العميد، وما أشقها من رحلة، وما أتعبه من غوص. فأقام جدلا بين عقل القارئ وأفكار "طه حسين" وتحولاته، وسياحاته الفكرية والتاريخية والأدبية والفلسفية، ومعاركه المستفيضة ضد حصار الظلام والجهل والجمود، ومغامرته الكبرى – التي لاتزال مستمرة إلى اليوم بفضل تراثه الخالد - لتجديد الثقافة والعقل العربيين.
ينقسم الكتاب إلى أثنا عشر فصلا ومقدمة وثلاثة خواتيم. من بينها أحد عشر فصلا جعلها الكتاب مرايا أو وجوها لروح العميد بدء من الأول حتى الحادي عشر (طه حسين والحرية – والتعليم – والثقافة – والعروبة – والثورة – والمرأة – والجامعة – ومدنية الدولة – والدرسات الإسلامية ، وهذا ينقسم إلى فصلين داخليين يتناولان موقف العميد من إعجاز القرآن والسيرة النبوية – وطه حسين والتراث، وينقسم كذلك لفصلين داخليين يتناولان موقفه من التراث العربي ثم التراث اليوناني – وطه حسين واللغة العربية). ثم فصل وحيد يخصصه د.محمد فتحي فرج لسمة محورية ومتجذرة في شخصية العميد ومؤثرة في جملة مواقفه ونتاجاته العقلية والأدبية، وهو الفصل الثاني عشر بعنوان: (المرونة الفكرية عند طه حسين..ما لها وما عليها). ثم تأتي "خواتيم الكتاب": الأولى بعنوان (طه حسين أكبر من البكاء) يحشد فيها المؤلف طائفة مهمة من الأشعار التي كتبت بأقلام كبار الشعراء، مثل أمل دنقل ونزار قباني، في تأبين العميد. والخاتمة الثانية تدور حول (أوجه التكريم الذي صادف أهله) وعلى رأسها لقب الشرف ووسام النبل الأكبر "عميد الأدب العربي" الذي منحته له جماهير الأمة العربية. والجوائز والألقاب والأوسمة الفخرية التي منحتها له جامعات العالم والمجامع ومجالس الفنون والأداب التي منحته عضويتها الفخرية.
أخيرا تأتي الخاتمة الثالثة تحت عنوان (إنتاج طه حسين)، وهي ثبت – تمنيت شخصيا لو كان قد توسع المؤلف فيه – يشمل مؤلفات العميد من كتب النقد والأدب والتربية والتاريخ وأعماله المترجمة، ثم مقالاته وقصصه القصيرة في الدوريات. وهو يشير في نهايته إلى البيبلوجرافيا الهامة التي أنجزها د."حمدي السكوت" ود."مارسدن جونز" وأهم الإصدارات التي عنيت بجمع تراث "طه حسين" المتناثر في الصحف والمجلات.

صورة واحدة مجملة ثم صور مدققة تتابع
هذه العبارة تختصر تقريبا منهج بناء كتاب د."محمد فتحي فرج" عن طه حسين. حيث أتت مقدمته (بعنوان : طه حسين بين أعلام الجيل. صورة مجملة) على غير قياس بالنسبة لمقدمات الكتب، فلم تأت المقدمة - كما قد يتوقع القارئ - حديثا من المؤلف عن كتابه أو كلمة عمومية عن منهجه في تأليفه أو عبارات رثاء في تكريم صاحبه العظيم. لكنها مقدمة تشكل جزء لا يتجزأ من منهجيه العرض في الكتاب شكلا ومضمونا، حيث تشكل الممر الحافل بصور عظماء عصر "طه حسين" وعلاقاته بهم، وموضع كل منهم بالنسبة إليه. مقدمة الكتاب تشبه تماما "ممرا" ممهدا للكتاب يحفل بصورة ضخمة ملونة من الحجم الطبيعي لعميد الأدب العربي. وهو ممر يجتازه القارئ إلى "قاعة مرايا" بفصولها الإحدى عشر والتي تقدم الصور المتعددة الحافلة بالتفاصيل المثيرة والوجوه المختلفة لرؤى عقل العميد وأفكاره وحياته ومواقفه.
في هذه المقدمة يعلم القارئ ما كان بين "طه" وبين الشيخ "عبدالعزيز جاويش" من علاقة تلمذة وأستاذية. فقد كان "الشيخ" هو أستاذ "طه حسين" في مجال الصحافة وهو من فتح له بابها على مصراعيه، فعرف الرأي العام المصري في هذا الوقت المبكر من القرن العشرين هذا المفكر و"الشاعر" الناشيء. كما قدمه في منتديات الأدب ومحافل الفكر والإنشاد الشعري.
أما أستاذ الجيل "أحمد لطفي السيد" فقد كان أستاذ "طه حسين" في مجال الفكر وقائده إلى ميدان العقلانية و"شيخه" في مضمار "المنهج العلمي". حيث كان "لطفي السيد" يؤمن إيمانا كبيرا بالقدرة العقلية البشرية أكثر من إيمانه بالطاقة العاطفية. حيث يعتبر العاطفة مضللة دائما للعقل حيث تفقده القدرة على إتباع خط ثابت قائم على المنطق. وهو ما انعكس على فكر وعقل ومنهج "طه حسين" بعد دراسته في فرنسا بالذات وعودته من "باريس" التي تلاها خروجه على الناس بكتابه القنبلة "في الشعر الجاهلي" والذي أعتمد فيه على منهج الشك الديكارتي. وهو شك منهجي يشكل أداة من أدوات العقل الصارمة وأساسا من أسس منهجه للوصول إلى الحقيقة. يقول "طه حسين":
"كان أحمد لطفي السيد لي أبا وصديقا وأستاذا، وكان لي أكثر من هذا كله. لقد كتبت في "الجريدة"، وأنا مازلت طالبا في الأزهر، وكان لطفي السيد من أنصار اللغة العامية وكتب في "الجريدة" ينادي باستعمالها، وكنت أرى غير ما يرى أستاذي، فلم يضق بمعارضتي وأفسح لي صفحات "الجريدة"، لأنشر فيها أرائي وإن خالفت أراءه".
ويحكي طه حسين عن واحد من أكثر الاختلافات إثارة من تلك التي جمعت أحيانا بينه وبين أستاذه "لطفي السيد":
"حينما عملت بالجامعة كان الرجل مديرا لها، وكان لطيفا معي غاية اللطف، وتوثقت صلتنا جدا، وأذكر أنه حدث بيني وبينه خلاف في مجلس الجامعة حول مجانية التعليم الجامعي لأبناء الأساتذة، وكان من رأيي أن هؤلاء الأبناء يجب أن يتعلموا دون "مصروفات"، وخالفني لطفي باشا، ولكنه قال: "حينما يدخل مؤنس (يشير إلى نجل العميد مؤنس) الجامعة سنمنحه مجانية"، فقلت على الفور: أنا لا أقصد نفسي، وإنما أريده مبدأ عاما. ثم أعلنت استقالتي من مجلس الجامعة. فجاءني لطفي باشا في بيتي ومعه عبدالحميد بدوي، ورجاني أن أسحب استقالتي، وقد استجبت له وسحبت استقالتي".
أما علاقة العميد بالكاتب الجبار "عباس العقاد" فهي – في تقديري - واحدة من أدق وأعمق وأطرف العلاقات الثقافية التي نشأت بين قامتين فكريتين رفيعتين مثلهما خلال القرن العشرين كله. وعنها يقول "طه حسين": "قد يظن بعض الناس أنه كانت بيني وبين العقاد قطيعة، وهذا غير صحيح، فلا أعرف أن خلافا كان بيني وبين العقاد، وإنما كان العقاد لي صديقا حميما وأخا كريما".
وبالفعل، كان كلا العملاقين بالنسبة للآخر "صديقا حميما وأخا كريما" لكننا كذلك لا يمكن أن نختصر في هذه العبارة كل ما كان بينهما من علاقة. فلم يكن بينهما قطيعة ولا منافسة ولا صراعا ولكن كان بينهما في نفس الوقت شيئا من هذا كله. وقد عبر هذا الشيء عن نفسه في شيء من عباراتهما ومواقفهما. وربما كان هذا الشيء من القطيعة أو المنافسة أو الصراع يدور داخل مستوى ثقافي أبعد بكثير مما تعبر عنه "علامات السطح الظاهرة".
أدلى العميد ذات مرة في ندوة ببيته الشهير "رامتان" بتصريح قال فيه أنه لم يفهم كتاب :عبقرية عمر" للعقاد. وقد أخذ عليه هذا التصريح إذ كان العقاد متوفيا في هذه الآونة وكان كتابه مقررا على طلبة المدارس. لكنه عاد لتوضيح رأيه بعد أن وجه إليه اللوم وثارت ضجة، قائلا: "يبدو أني أخطأت حين قلت أنني لم أفهم كتاب "عبقرية عمر"، وليس هذا عيب العقاد، وإنما هو عيبي أنا، فقد عجزت عن فهم كتاب هو أقرب للفلسفة منه للتاريخ، وعلى كل حال فتقرير هذا الكتاب غير سديد، فهو ليس في مستوى التلاميذ وحتى بعض المدرسين".
وفي المقابل، تأتي هذه العبارة المشهورة للعقاد التي قال فيها: "إذا أرادوا أن يهاجموا الاستعمار..لجئوا إلى العقاد، وإذا أرادوا أن يكشفوا الصهيونية لجئوا إلى العقاد، وإذا أرادوا أن يكرموا أحدا..ذهبوا إلى طه حسين!".
ولعل العميد لم ينس مطلقا موقف العقاد منه أثناء أزمة كتابه العاصفة "في الشعر الجاهلي". إذ وقف العقاد موقفا مناوئا للموقف الرجعي لحزب "الوفد" وزعيمه التاريخي "سعد زغلول" من الكتاب. ووقف ناعيا على حكومته سلوكها المشين في مصادرة كتاب "طه حسين" حيث رأى أن "مصادرة الكتب ليست وسيلة ناجحة في علاج المشكلات الفكرية، التي تصطدم بمقدساتنا وعقائدنا، وإنما العلاج الناجع يكون بإصدار كتاب آخر، يضع تلك المشكلات موضعها الصحيح، لإبطال الشبهات التي أسس عليها المفكر نظريته".
وبعد أن قرأ "طه حسين" قصيدة "العقاد" الشهيرة "ترجمة شيطان" وتأثر بها كتب عنها. ثم انتهز فرصة تواجده في حفل تكريم للعقاد أقامه شباب الوفد ودعى إلى "إمارة العقاد الشعرية". قال:
"أما أنا أيها السادة فسعيد جدا بهذه الفرصة التي أتيحت لي ومكنتني أن أقول بالرغم من الذين سخطوا والذين يسخطون: إني لا أومن في هذا العصر الحديث بشاعر عربي كما أومن بالعقاد في الشعر الحديث: وأومن به وحده..وتسألون لماذا؟ وجوابي يسير جدا..لأنني أجد عند العقاد ما لا أجده عند غيره من الشعراء..يعجبني العقاد، لأنه يلتمس موضوعاته حيث لم يستطع شعراء العرب أن يلتمسوا موضوعاتهم، لأننا نحن الأساتذة أعلم بالعقاد من العقاد".
لقد كانت علاقة العملاقين تتموه عبر تاريخها بأطياف مختلفة من النبل والنقد والمؤازرة والمنافسة والغيرة والتكريم. وهي تستحق بكل شك توفر بحثي يجلو أبعادها الملتبسة، وقد نتبين وقتها – كما أظن – أن هذه العلاقة العميقة المعقدة تتجاوز بكثير - وبأعمق - أبعادها الشخصية الظاهرة.
أما العلاقة التالية – من حيث الأهمية في إلقاء الضوء على شخصية العميد – فهي علاقته بمفكر كبير آخر من ابناء عصره هو المفكر المعروف "أحمد أمين". وبقدر ما امتازت علاقة "طه حسين" بأستاذه "لطفي السيد" فوق الحب والإجلال من تعقيد، امتازت كذلك علاقة "أحمد أمين" به بالتعقيد. فقد كان العميد: "صاحب أياد بيضاء عليه – وهذا حق لا لبس فيه – وكان العميد يريد من "أمين" أن يظل يذكر هذا، ومن ثم كان طه حسين ينتظر من الرجل أن لا يعصى له أمرا، مهما كان! وهذا هو موضع العجب من تصرف العميد".
أدت لإحباط العميد مخالفة "أحمد أمين" لاتجاهاته إبان توليه عمادة كلية الأداب، وقد كرس "طه حسين" مجهودات جمة لإنجاح "أحمد أمين" في انتخاباتها. وقد روى العميد ذات مرة بعض فصول تعقيد هذه العلاقة، ويندهش القارئ كيف يتورط "إنسان" بحجم وعظمة طه حسين في ذكر أمور تعد من التوافه بهذا القدر!. لكنها الطبيعة البشرية وتناقضاتها العجيبة ولا عجب. قال:
"أذكر يوما في جلسة من جلسات المجمع أنه حدث خلاف بين الأعضاء فيمن يتولى الإشراف على المعجم الكبير، فلهذا الإشراف مكافأة مقدارها ثلاثون جنيها شهريا، ولما احتدم الخلاف، وكان أحمد أمين يصر على أن يعهد إليه بهذا الإشراف، وقفت وقلت: ما رأيكم فيمن يتولى الإشراف على هذا المعجم مجانا؟ فاعترض أحمد أمين على هذا، فقال له لطفي السيد، وكان رئيسا للمجمع: هل تشك في قدرة الدكتور طه العلمية؟ فرد أحمد أمين بالنفي، ولكنه أضاف: ولكن الدكتور طه بإعلان رغبته هذه يعلمنا دروسا في الأخلاق..!"
وفي مذكراته "حياتي" يجلو قلم "أحمد أمين" باتزانه المعهود مستويات علاقته بطه حسين:
"طه حسين أقرب إلى المثالية، وأنا أقرب إلى الواقعية..وهو فنان يحكمه الفن، وأنا عالم يحكمه المنطق..وهو يحب المجد ويحب الدوي، وأنا أحب الاختفاء وأحب الهدوء..وهو مغال في الحكم على الأشخاص وعلى الأشياء، وأنا بطئ..وهو عنيف إذا صادق أو عادى، وأنا هادئ إذا صادقت أو عاديت..وهو واسع النفس أمام الأحداث، وأنا قلق مضطرب غضوب ضيق النفس بها..وهو ماهر في الحديث إلى الناس فيجذب الكثير، وليست عندي هذه المقدرة فلا أجتذب إلا القليل..وهو في الحياة مقامر يكسب الكثير في لعبة ويخسره في لعبة، وأنا تاجر إن مسبت كسبت قليلا في بطء، وإن خسرت خسرت قليلا في بطء..يحب السياسة لأنها ميدان المقامرة، وأنا لا أحبها إذ لا أحب المقامرة. ولعل هذا الخلاف بيننا في المزاج هو الذي ألف بيننا، فأشعره أنه يكمل بي نقصا، وأشعرني أني أكمل به نقصي".
وقد جاء رثاء "طه حسين" لصديقه الجليل بمثابة اعتراف بظلمه له، حيث قال:
"أنكر كثير من الناس منه كثيرا من أمره، حتى نظر إليه زملاؤه وأصدقاؤه نظرة فيها كثير من التحفظ والاحتياط. فكانوا يتحدثون إليه مشفقين من ثورته، أو متوقعين لثورته. وكانوا يتكلفون من الرفق به أكثر مما كانوا يتكلفون حين كانوا يتحدثون إلى غيره من الأصدقاء..وربما تندر به زملاؤه وداعبوه في شيء كثير من الحب والرفق، فسموه "العدل"، ونادوه بهذا الإسم، وتحدثوا عنه بذلك فأكثروا الحديث، حتى كاد "العدل" يصبح له اسما ثانيا..ولم يكن لهذا كله مصدرا غير تحرجه المتصل، وتحفظه المقيم، وتعرضه لالتماس الصعب من الأمر، وتجنبه ما كان من الأمر يسيرا قريبا".
ظهر المفكر الجليل "أحمد أمين"، هذا القاضي الذي تمسك بضمير قاض، إنسانا عظيما وعادلا ومستقلا، بفضل كلمات العميد اللائمة عليه!. وما كان أشبه سمة "أمين" النفسية المتحرجة (العدل) بشخصية "الفاروق عمر" الذي – كما ذكر العميد عن نفسه ذات مرة - لا يلتمس قراءة سيرته إلا وبكى لها!.
الآن هل تشبعت أيها القارئ بصورة العميد الواقعية؟ وسوف تجد أيضا داخل صفحات الكتاب أبعادا جديدة ثرية تعمق خطوط هذه الصورة الواقعية. إذا كنت تشبعت من هذه الصورة المثيرة التي تحملها لك المقدمة الماتعة، فهلم لصحبة المؤلف في رحلة أخرى لزيارة أبعاد أخرى أكثر عمقا وسموا ونبلا وإشراقا في نفس العميد، إنها أبعاد صورة تشكل "طه حسين" الباقي لا "طه حسين" الزائل، "طه حسين" الحقيقي المؤثر، في عقل وروح وثقافة المصريين، تأثيرا خطيرا لا سبيل إلى محوه أو تجاهل جدارة وضرورة البناء عليه من أجل نهضة مصر، وتقدم الأجيال القادمة.

كل الناس يعلمون أن الأدب لا قيمة له إذا فقد الحرية..
يقول المؤلف د."محمد فتحي فرج" في فصل "طه حسين واللغة العربية":
"..حينما تذكر اللغة العربية يرد على الخاطر بسرعة، اسم الدكتور طه حسين، وتستوحي الذاكرة رسمه وسمته وهو يطلق عباراته موقعة منداة، في سهولة ويسر وإعجاز. والغريب حقا أن يستوي في ذلك ما نسمعه منه، أو ما نقرأه له سواء أكان مؤلفا أو مترجما، وفي أي لون أدبي كان، فكرا عقليا خالصا، أو أدبا إبداعيا على هيئة قصة أو مقال أدبي، أو حتى مقال نقدي أو سياسي..ولا أغالي حينما أقول أن طه حسين قد أحل اللغة العربية وأدرك من أسرارها ما لم يدركه الكثيرون".
ويتوسع ناقد آخر هو د."عبدالحميد إبراهيم" في رصد علاقة العميد باللغة العربية وجمالياتها الساحرة فيرى أنه كان: "تجسيدا لعبقريتها وإعجازا من وجوه إعجازها، إنه دائما في خدمة اللفظ يخلق منه منمنات لها حلاوة وعليها طلاوة، أو يرسم منه سجادة مزخرفة مزركشة كتلك التي تملأ القصور والمساجد، أو يشيد منه مشربية ذات خروم وثقوب ووحدات فنية متكررة ومتماثلة، وهو يستثمر في كل ذلك الوسائل التقليدية للغة العربية، فما أعظم الدور الذي يلعبه البديع عنده وبخاصة الجناس، وما أروع ذلك التركيب العربي البديع الذي يصافح الأذن، وكأنه وقع أخفاف الإبل وهي تضرب الصحراء، في ليل قمري يدعو فيه الكروان ويئز الجندب، وتتحرك ظلال الكثبان والثيعان والجلاميد وكأنها جن أو هواتف ليلية، فيخيل للساري أن أصواتا تصل إليه، وأن هذه الأصوات تملأ أرجاء المكان وأنحاء الصحراء وأقطار نفسه".
لغة "طه حسين" مرآة نفسه العالية وروحه الوثابة وعقله الشغوف. ولاتزال هذه اللغة الأدبية المعتنية بجمالياتها وإيقاعاتها تشبه الخمر المعتقة كلما مرت عليها الأجيال والعقود. وجماليات لغة مفكر كبير، تتميز بكل ما تتميز به اللغات الأدبية العالية من جمال ذاتي ومن مرونة ذهنية، هي بلاشك مرآة عقله القادرة بجمالياتها الخاصة على جلي أخص خصائصه الفكرية: "فقد كان الرجل حينما يدرك أنه على خطأ، لا يرى غضاضة في العودة الحميدة إلى الحق". وهذه السمة اللافتة في ذهن العميد (المرونة) يخصص لها المؤلف فصلا باسمها يجعل له عنوانا فرعيا هو (تحولاته..ما لها وما عليه). فالمرونة الفكرية تستدعي دائما التحول الفكري. والتحول لا يعني غياب المبدأ – فكريا أو أخلاقيا - بل تتصل بالتغيرات الحتمية لتطبيقات هذا المبدأ في الواقع، باختلاف الظروف، وباختلاف الزمن والمرحلة العمرية، وبتحول المدركات العقلية للإنسان بفعل النضج والقدرة على الاستيعاب الذهني والنفسي. ومن أكثر القضايا التي يمكنها أن توضح سمة المرونة في فكر وحياة "طه حسين" هو موقفه من التراث.
فالمبدأ أو المنهج الأساسي الذي استقر في وعي العميد حول الموقف من التراث هو أنه: "لا يطلب من هذا التراث، أو بالأحرى لا يبحث فيه عن تلك الأراء التي تتلاءم مع عصرنا ومتطلباته، وهذا لأن ذاك عصر يختلف تماما مع العصر الذي نعيش فيه. ولكل عصر توجهاته وتطلعاته وآرائه ومتطلباته. وإذا طبقنا المنهج ذاته مع مختلف أراء طه حسين الفكرية والنقدية والثقافية، سنجد ما نتفق معه فيه وما نختلف، بل إنه هو ذاته قد اختلف مع نفسه مرات عديدة".
هاهنا وبعبارة موجزة أتى "طه حسين" في موقفه الفكري من التراث العربي نائيا عن كثير من "أخطاء المنطق" التي فد تجر إليها الشوفينية (الاعتداد بالذات القومية) والنوستالجيا (الحنين للماضي). فقد انتقل بفكره ومواقفه من ضيق الإيديولوجيا إلى رحابة الثقافة. فالإيديولوجيا مفردة والثقافة متعددة. الإيديولوجيا تزعم لنفسها القدرة على تفسير العالم والاستغناء بمقولاته عنه، والثقافة تزعم لنفسها القدرة على تجسيد العالم بتناقضاته والحياة بطبقاتها المتعددة.
وقد أتى احتفال العميد بالتراث العربي أمرا طبيعيا: "فهو قد رضع لبانته منذ فترة الصبا، بل منذ فترة الطفولة الباكرة، حينما كان يستمع ويستمتع بقصص عنترة وسيف بن ذي يزن والزناتي خليفة، ويستمع إلى هذا الشعر القديم، ويشكل إيقاعه وموسيقاه ذائقته الأدبية". والتراث العربي بالنسبة للعميد هو مرآة من مرايا الذات الحاضرة في الزمن: "لقد أحب طه حسين رموز تراثنا القديم حبا جما، وصاحبهم فأطال صحبتهم، وذكر أطرافا كثيرة حول هذه الصحبة، وحول تأثره ببعضهم كأبي العلاء مثلا، ولم يكن يتحرج في كل مناسبة من عقد الصلات، وإقامة المقارنات بينه وبين أبي العلاء في كثير من المواقف والتصرفات، نطالع هذا كثيرا في رائعته "الأيام" وفي كثير من كتبه الأخرى".
أما التراث الآخر الذي محضه جانبا كبيرا من اهتمامه فقد كان التراث اليوناني: "حيث تكون الإلف لهذا التراث، في فترة الدراسة أيام الشباب في فرنسا، حينما طلب إليه أن يتقن اللغتين اليونانية واللاتينية، وأن يمتحن فيهما. فقد كان هذا شرطا ضروريا للحصول على الدكتوراه التي تغرب من أجلها. ولقد كان تحديا كبيرا لمن في مثل ظروفه وهو يحب التحدي ويقبل عليه بمتعة وشغف كبير، لأنه بانتصاره فيه يثبت وجوده". أما معنى التراث اليوناني القديم عند العميد فهو مرتبط بمعنى الحضارة الإنسانية ويوضحه بنفسه في تقديمه لفصول كتبها في مجلة "الهلال" حيث قال:
"وحسبنا أننا سنعرض في هذه الفصول لا لتاريخ أشخاص بعينهم، بل لتاريخ العقل الإنساني وما اعترضه من ضروب التطور وألوان الاستحالة والرقي حتى انتهى إلى حيث هو الآن".
وفي هذه العبارة تبدو الاستحالة على لسان العميد مرتبطة بالرقي وهو ما يقربنا من جوهر فهم وممارسة العميد لسمته الشخصية المائزة والتي بدأنا بها هذا الحديث: المرونة:
"من أخطر القضايا التي خاض غمارها الدكتور طه حسين، كانت قضية انتحال الشعر الجاهلي، وهي التي أثارها في كتابه المثير للجدل "في الشعر الجاهلي"، الصادر سنة 1926. وبغض النظر عن المنهج الذي اتبعه في ذلك، وهو منهج الشك الديكارتي الذي استحدثه الفيلسوف الفرنسي رينيه ديكارت، للبحث عن حقائق الأشياء، فقد أثار بعض النقاط الجوهرية التي اختلف فيها معه رجال الدين والفكر والأدب في هذه القضية الساخنة بطبيعتها، إضافة إلى السخونة التي أضفتها عليها الحياة الحزبية، في تلك الفترة من تاريخ مصر"
والمعروف أن العميد الذي ثبت بإصرار للعاصفة التي اثارها كتابه وأوشكت أن تقتلعه وتدمر مستقبله قد أعاد النظر، في مرحلة أخرى من حياته، في الكتاب "وحاول تنقيته من بعض الأفكار الصادمة، فنقحه وأضاف إليه الصفحات الطوال والأفكار الكثيرة، بل وغير عنوانه كما ذكرنا ليصبح: "في الأدب الجاهلي".
وقد ضمن "طه حسين" كتابه هذا رأيا مفاده: "أن الشعر العربي كله شعر غنائي، يتحلى بميزات الشعر الغنائي، فهو يمثل قبل كل شيء نفسية الفرد، وما يتصل بها من هوى، ولكن هذا لا يغض منه، ولا يقدم عليه الشعر الأجنبي، فالشعر لا يقاس بما اشتمل عليه من الأنواع، وإنما بالإجادة أو عدمها فيما اشتمل عليه". ثم "مرت الأيام وتوالت السنون..فعدل الرجل عن رأيه هذا، بل إنه عدل عنه إلى رأي آخر..جاء في كتابه "من حديث الشعر والنثر" الذي ذكر فيه: أنه ليس واثقا كل الثقة من أن الأدب العربي يخلو من القصص..,الشاهد على ذلك قصص أبي زيد الهلالي وعنترة بن شداد، التي تتصف بجمال فني لا يقل عن جمال الإلياذة والأوديسا".
وقد كان تأييد "طه حسين للجديد والتجديد هي من السمات الثابتة التي تتعلق بمرونته الفكرية. لكن أي جديد؟ إنه الجديد بشروطه هو "الطحسينية" كما يسميها المؤلف. الجديد الذي يعني حالة من حالات تحول الذات وإثرائها لا ضياعها أو تبديدها. وهو ما يبدو من موقفه في قضية تجديد الشعر في الشعر الحر الذي خرج على قوانين الشعر العربي بنمطه التقليده و"عاموده" العربي التليد:
"وبين المعارضين والمحافظين، والمؤيدين والمجددين، يخرج علينا طه حسين بتوليفته الطحسينية المؤيدة دوما للجديد. ولكن بشروطه هو كما عودنا، فماذا قال في هذه القضية؟ يقول في نهاية فصل "التجديد في الشعر"، من كتابه "من أدبنا المعاصر": الشعر كما أقول دائما صدى لعواطف القلب، وأهواء النفس، أو هو صوت العقل كما كان أبو تمام يقول. والأصل في الفن حرية خالصة من جهة وقيود ثقال من جهة أخرى. حرية في التعبير وطرائقه وما يبتكر فيه من الصور والمعاني، وقيود يفرضها صاحب الفن على نفسه في مذهب الأداء يلتزمها هو ولا يلزمه إياها أحد غيره".

مرايا
لن يستطيع عرض لكتاب شيق مثل "طه حسين وقضايا العصر" الذي هو في ذاته عرض لأفكار ومواقف ورؤى العميد إلا أن يكون هامشا على هامش وتلخيصا لتلخيص. لذلك تحير العارض في اختيار بعض من وجوه العميد الإحدى عشر – التي تشكل فصول الكتاب ومواقف العميد وهي بنفسها اختيارا من فكره ومواقفه - للتركيز عليها فيما تتيحه مساحة مناسبة.
ففي "فصل الحرية" يقول الكاتب: "كانت حياة طه حسين كلها، من مبتداها إلى منتهاها، كفاحا دائبا في سبيل الحرية والتحرر والانطلاق"..إذ أن حرية الفكر والعقل – وهما أداتا الإبداع والابتكار – هي الوجه الآخر للحرية السياسية، كما أنها في الوقت ذاته هي السبيل المعبد للوصول إلى هذه الحرية والحفاظ عليها، وعلى هذا فقد كان الرجل محاربا عنيدا لكل العوائق والحواجز التي تحول دون الوصول إلى هذه الحرية، والتأكد من ممارستها".
وقد رأى العميد في التعليم أساسا معرفيا وحيدا ولا غنى عنه من أجل بناء هذه الحرية. وتستعرض صفحات الكتاب نضاله من أجل إتاحة التعليم لكل طوائف الشعب المصري، ومعاركه التي خاضها تحت شعار "التعليم كالماء والهواء". وكان وفاؤه الصارم للبحث العلمي من أوجه الانحياز للحرية الفكرية، مهما كلفه هذا من معارك مع سدنة الجهل والجمود وتشكيك أصحاب الهوى والمتعصبين وأهل التنقيب في الضمائر. وقد قال في كتابه الشهير المصادر "في الشعر الجاهلي:
"نعم! يجب حين نستقبل البحث عن الأدب العربي وتاريخه أن ننسى قوميتنا وكل مشخصاتها، وأن ننسى ديننا وكل ما يتصل به، وأن ننسى ما يضاد هذه القومية وما يضاد هذا الدين، يجب ألا نتقيد بشيء ولا نذعن لشيء إلا مناهج البحث العلمي الصحيح. ذلك أننا إذا لم ننس قوميتنا وديننا وما يتصل بهما فسنضطر إلى محاباة وإرضاء العواطف، وسنغل عقولنا بما يلائم هذه القومية وهذا الدين..وهل أفسد علم القدماء شيء غير هذا؟"
أما في "فصل التعليم" فيستعرض المؤلف جهود "طه حسين" العظيمة في هذا المضمار. لكن والأهم يلحظ – كما قال واحد من كبار التربويين – أنه: "إذا كان طه حسين قد تميز عن التربويين بتناوله لقضية التعليم تناولا مجتمعيا حضاريا، فإنه أيضا قد تميز عن الأدباءبمناقشة قضية الثقافة من خلال مناقشته لقضية التعليم، التي أصبحت هما أساسيا له، في الوقت الذي لم يؤثر عن مفكرين آخرين معاصرين له أن فعلوا الشيء نفسه".
وقد أتت كلمات العميد التي حاولت أن ترشد إلى طريق الثورة، بعد قيام ثورة يوليو بأيام، دالة في هذا الاتجاه، حيث قال: "وهناك ناحية الإصلاح التعليمي الذي يحقق للشعب شعوره بكرامته ويحقق له شعوره بواجباته، وشعوره بحقوقه بعد ذلك. وما أعرف شيئا يجب على الثورة أن تأخذه بالحزم والعزم، وبالقوة والجد كشئون التعليم".
أما في "فصل الثقافة" فيثبت المؤلف حقيقة كبرى من حقائق حياة العميد وكذلك بقائه رمزا حيا من رموز ثقافتنا العربية المعاصرة، إذ يقول: "ليس بعيدا عن الحق القول بأنه ما من كاتب في تاريخ الثقافة العربية الحديثة، امتزجت حياته الخاصة بالحياة العامة في وطنه، كما حدث بالنسبة للدكتور طه حسين".
وقد ارتبطت قضية الثقافة بقضية الحرية ارتباطا حتميا في فكر العميد: "فقد طلب الدكتور طه حسين إلى الذين يقرءون الأدب، أن يبحثوا عن حرية العقل في خضم الشواغل والهموم، ومع هذا فما يزال يرى هذا الأمل بعيدا عن التحقيق، فحرية الأديب العربي القديم ندر أن تجول بخاطره، أما حرية الأديب العربي المعاصر فتدور فقط في إطار الأدب الواقعي. إلا أن الأدب الحقيقي فهو ذلك الذي يسلط ضوءه فيكشف الحرية في كل منحى من مناحي الحياة".
أما في "فصل القومية" فيؤطر المؤلف عبارة العميد المهمة التي تمزج الثقافة بالواقع وتجعل منها جزء منه: "ليس من بد للذين يقومون على حماية الأمة العربية من الضياع – وهم رجال الفكر، والثقافة، والفن – ليس من بد لهم عن أن يبينوا للشعب مقوماتها، ويبينوا لهم أن هذه القومية أشياء تصاحبهم في كل لحظة من لحظات حياتهم..فيشعرون بها مع شعورهم بأنفسهم على أنهم من أبناء هذه العروبة".
ويلاحظ المؤلف أنه رغم أن هذا البعد القومي العروبي لا وجود له في مؤلف العميد الهام "مستقبل الثقافة في مصر" إلا أن تطورات الوضع السياسي في هذا الآونة، والمتمثل في تصاعد المد القومي بالتناغم مع تصاعد حركة التحرر الوطني من الاستعمار في الوطن العربي، جعله حريصا على أن يؤكد ارتباطه بالثقافة والهوية. وعلى ذلك يعود المؤلف إلى ملاحظاته عن مرونة مواقف العميد:
"وهذا يكشف عن جانب من جوانب شخصيته، فهو على عنفه في مهاجمة أعداء أفكاره، وعلى حيويته في ترويج هذه الأفكار، فإنه مرن غاية المرونة، لا يحب أن ينطح رأسه في الصخر، ولا أن يطيل حبل عناده، فهو يوفر على نفسه الجهد والعنف، حينما يرى أن الظروف لا تواتي، وأن الناس لا يمنحونه آذانا صاغية، أو قلوبا واعية".
        

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق