الأحد، 24 نوفمبر 2013

قائمة باسماء إعلام الاخوان المتأسلمين رقم 1

قائمة باسماء إعلام الاخوان المتأسلمين

المهندس إبراهيم غوشة على درب الجهاد

أولا : المقدمة

المهندس إبراهيم غوشة

إبراهيم غوشة أحد أعلام الحركة الإسلامية فى فلسطين حماس والناطق الرسمي باسمها في الفترة 1991-1999.

عاش فى فلسطين محنها المختلفة ، وقبل أن نتناول سيرته ، فمن الضرورى أن نعرج على عصره ببعض المعلومات التى تضىء لنا جوانب البيئة التى نشأ فى ظلها والمشكلات التى أحاطت به والتى عاصرها إبراهيم غوشة .

تطورت المقاومة الفلسطينية في منتصف الثلاثينات عندما أعلن الفلسطينيون الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 ثم انسحبت بريطانيا من فلسطين في 14 أيار / مايو 1948 ، وأعلنت المنظمة الصهيونية دولتهم.

وقد نشبت الحرب في عام 1948 عقب إعلان قيام دولة إسرائيل على أرض فلسطين ، واستمرت العمليات العسكرية حتىيناير/ كانون الثاني 1949 بعد أن سيطرت إسرائيل عمليا على مساحة كبيرة من فلسطين.

وفي ذلك التاريخ ولدت مسألة اللاجئين بخروج أكثر من 700 ألف فلسطيني من ديارهم.

وتم ضم الضفة الغربية إلى الأردن ، وضم قطاع غزة إلى مصر .

وبعد نكبة عام 1948م تم طرد وتهجير غالبيّة الفلسطينيين وتحولوا إلى لاجئين حيث لم يسمح إلا للقليل منهم بالعودة إلى مدنهم في حين صادرت العصباتالصهيونية البيوت العربية التي هُجِّرت منها أهلها.

ولما قام العدوان الثلاثى 1956على مصر امتد أثره إلى غزة ، وفي عدوان عام1967 تم احتلال باقي فلسطين (قطاع غزة والضفة الغربية) بالإضافة إلى احتلالسيناء من المصرية وهضبة الجولان من السورية.

وفي 15 أغسطس 2000 انسحبت إسرائيل بالكامل من قطاع غزة.

وأما مقاومة الشعب الفلسطينى للمشروع الصهيونى فى فلسطين، فتكونت حركات المقاومة مثل:حركة فتح وسرايا القدس وحماس التى أعلن عن تأسيسها أحمد ياسينبعد حادث الشاحنة الصهيونية في 6 ديسمبر 1987، وأصدرت حماس بيانها الأول فى نفس العام ، ثم صدر ميثاق الحركة في أغسطس 1988، وتعتبر حماس نفسها امتدادا لجماعة الإخوان المسلمين في مصر .

وفي عام 2008 وبعد فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية حاصرت القوات الإسرائيلية القطاع وقطعت عنها الكهرباء والوقود، وحرمت المرضى من الأدوية، ومنعت الدول العربية المُجاورة من إدخال الوقود إلى القطاع.

ثانيا : السيرة الذاتية

       ـ عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس".

       ـ ولد إبراهيم غوشة القدس في 26/11/1936م.

       ـ أنهى دراسته الثانوية من المدرسة الرشيدية بالقدس .

       ـ متزوج ولديه خمسة أبناء (3 إناث، 2 ذكور) .

       ـ التحق بالحركة الإسلامية في القدس عام 1950، وكان من الناشطين الإسلاميين في رابطة الطلاب الفلسطينيين في مصر .

       ـ تخرج من كلية الهندسة في جامعة القاهرة – تخصص هندسة مدنية عام 1961.

       ـ عمل مهندساً في قناة الغور الشرقية بالأردن في الفترة 1961-1962.

       ـ ذهب إلى الكويت، حيث عمل في بلدية الكويت في الفترة 1962-1966.

       ـ عاد إلى الأردن ليعمل في مشروع سد خالد على اليرموك 1966-1971.

       -وعاد غوشة للأردن وعمل في بناء سد خالد بن الوليد ثم بناء سد الملك طلال في الأردن منذ أواخر 1972.

       ـ عاد مرة أخرى إلى الكويت حيث عمل في أبراج الكويت لمدة عام واحد فقط 1971-1972. وشارك غوشة في بناء أبراج الكويت في أوائل 1971.

       ـ عمل مديراً لمشروع سد الملك طلال في الأردن في الفترة 1972-1978.

       ـ عمل في مكتبه الهندسي الخاص في الفترة 1978-1989.

       ـ تفرغ للعمل في حركة "حماس" منذ عام 1989م.

       ـ أعلن ناطقاً رسمياً باسم حركة "حماس" في عام 1991م.

       ـ يشغل حالياً موقع عضو المكتب السياسي لحركة "حماس" .

ثالثا : النشأة والتعرف على الإخوان

ولد بالقدس سنة 1936 أثناء الثورة الكبرى في فلسطين، وعاش فى طفولته محنة فلسطين وحرب 1948.

والتحق بالمدرسة الرشيدية بالقدس ، وأنهى بها دراستها الثانوية .

وقد ظلت القدس ماثلة فى ذهنه مهما تقادمت السنون وازداد الأزمات ، لذا نجده وهو يتحدث عن ذكرياته يصف القدس وأحياءها وأسواقها والمسجد الأقصى في الفترة التي سبقت حرب 1948.

ونظرا للظروف التى عاشها أبناء جيله ، فقد ساد الاهتمام بمشكلات الوطن في أوساط الفتيان والشباب، ومحاولة التعرف على الطريق الأمثل لتحرير فلسطين.

وبعد حرب فلسطين 1948اضطرت أسرته للانتقال إلى أريحا فترة من الزمن ثم عادت مرة أخرى إلى القدس .

والتحق بالحركة الإسلامية في القدس عام 1950فى مطلع شبابه ، ويتحدث إبراهيم غوشة عن تزايد الاهتمام السياسي في أوساط الفتيان والشباب ومحاولة التعرف على الطريق الأمثل لتحرير فلسطين.

 وقد تعرف على الإخوان المسلمين وهو فى مرحلة الطفولة وتحديدا عندما كان في الصف السادس الابتدائي ، فكان يحضر دروس الشيخ تقي الدين النبهاني التي كان يلقيها في شعبة الإخوان المسلمين، وأنه انتظم في الإخوان عندما كان في السابع الابتدائي متلمساً طريق أخيه الأكبر مرسي وابن خاله محمود العريان.

 ويذكر أنَّهُ انجذب عندما كان في الصف السادس الابتدائي إلى دروس الشيخ تقي الدين النبهاني التي كان يلقيها في شعبة الإخوان المسلمين، وأنه انتظم في الإخوان عندما كان في السابع الابتدائي، مُتَلَمِّسًا طريق أخيه الأكبر مرسي وابن خاله محمود العريان.

ويلقي إبراهيم غوشة إضاءات جديدة حول أنشطة الإخوان المسلمين في القدس حتى سنة 1954، فيتحدث عن بدايات حزب التحرير في القدس واستقلال أفراده عنالإخوان المسلمين ، وكيف تمكن النبهاني من استقطاب أغلب مثقفي ومعلمي الإخوان المسلمين، ولم يبق إلا عدد محدود من الإخوان أمثال زكريا قنيبي وإبراهيم أبو عرفة ، وكيف استعاد الإخوان زمام المبادرة، مستفيدين من أجواء انتشار الإخوان القوي في مصر وشرقي الأردن، ومن عودة الطلاب الدارسين من مصر، وكيف أسهم أمثال شحادة الأنصاري وسالم علي سالم ومحمد نمر وهبة في إعادة تنظيم وتقوية العمل الإخواني في القدس.

رابعا : أعمال المهندس إبراهيم غوشة فى البلاد العربية

 المهندس إبراهيم غوشة مع الشيخ الجمري

       1- الدراسة فى مصر .

انتقل إلى القاهرة لدراسة الهندسة فى بعثة من وكالة الأونروا فى أواخر الخمسينات ليتخرج من كلية الهندسة جامعة القاهرة سنة 1961فى تخصص الهندسة المدنية ، وفى مصر اشتراك فى الأنشطة الطلابية مع الطلاب العرب الذين كانوا يدرسون فى مصر، واشترك مع الطلابالفلسطينيين والإخوان المسلمين الأردنيين والفلسطينيين في مصر فى تأسيس الرابطة الفلسطينية ، وشارك فى التنسيق بين الإخوان القادمين من الأردن والقادمين من قطاع غزة.

تعرف فى أثناء الدراسة الجامعية فى مصر على ياسر عرفات وخليل الوزير، وتشكلت نواة حركة فتح وعلاقتها مع الإخوان المسلمين ، وما حدث من الانفصال والتمايز بين الطرفين.

وفى أثناء دراسته تم إنشاء التنظيم الفلسطيني للإخوان المسلمين في قطاع غزة سنة 1960 والذي شكل الأساس الذي بنيت عليه حركة حماس بعد عقود، وتم اختيار هاني بسيسو ليكون أول مراقب عام للإخوان المسلمين الفلسطينيين سنة 1963.

       2- فى الكويت .

لم يكد يحصل على بكالوريوس الهندسة من جامعة القاهرة حتى ولى وجهه شطر الكويت للعمل في بلدية الكويت خمس سنوات في الفترة (1962- 1966) ، وشارك فى إنجاز الكثير من المشروعات الحيوية ، وهو بجانب عمله لم ينس يوما قضيته فلسطين التى سيطرت على حياته ، فكان دائم الاتصال بالفلسطينيين فى الكويت والتنسيق معهم من أجل عمل موحد للمساعدة فى حل المشاكل التى يعانى منها الفلسطينيون .

وعاد مرة أخرى إلى الكويت حيث عمل في أبراج الكويت لمدة عام واحد فقط (1971-1972.

وأسند إليه مهمة تشكيل أول لجنة سياسية لحركة حماس في الخارج والتي تشكّلت في الكويت خلال فترة عمله فيها .

       3-الأردن.

وانتقل المهندس إبراهيم غوشة إلى الأردن لخمس سنوات أخرى للعمل في مشروع سد خالد على اليرموك فى الفترة (1966-1971) ، والتى وقعت فيها كارثة حرب 5 يونيو 1967 والتفاعل الإخوانى مع كارثة حرب يونيو/حزيران 1967، والعمل الفدائي الفلسطيني، والإسهام في معسكرات الشيوخ، ورؤية الإخوانلمعارك الجيش الأردني مع المنظمات الفدائية في 1970-1971.

وفي الفترة 1972-1978رجع إلى الأردن مديراً لمشروع سد الملك طلال في الأردن وانضم إلى نقابة المهندسين في الأردن ، وأسندت إليه رئاسة تيار الإخوانفيها سنة 1973، وزاد نشاطهم فى مجلس النقابة التاسع 1974-1975، إلى أن تمكنوا من استقطاب ليث شبيلات ودعموه ليصبح رئيساً للنقابة 1982-1983.

       3- وسيطا لحماس فى أزمة العراق والكويت 1990 .

بعد أن قامت العراق باحتلال الكويت فى 2/8/1990 ، أوفدت حماس المهندس إبراهيم غوشة مُمثلا لحماس مع الوفود في محاولاتِ رَأب الصدع، وإقناع القيادةالعراقية بالانسحاب.

خامسا : المهندس إبراهيم غوشة فى القلب من حماس

 إبراهيم غوشة-وخالد مشعل-وموسى أبو مرزوق-ومحمد نزال

       1ـ مشاركته فى تأسيس حركة حماس .

شارك المهندس إبراهيم غوشة فى تأسيس حركة حماس والمشاركة فى أنشطتها المختلفة ، وقد روى كثيرا من تلك الأنشطة فى سيرته الذاتية ( المئذنة الحمراء .. سيرة ذاتية ) ، ومن الأعمال التى شارك فيها والمهمات التى أسندت إليه مشاركته فى المؤتمر الداخلي الذي عقده الإخوان المسلمون لبحث قضية فلسطين سنة 1983، وشارك فى تأسيس جهاز فلسطين بعد ذلك بنحو سنتين بقرار من التنظيم العالمي للإخوان الذي بُنيت عليه حركة حماس ، وقد روى كثيرا من المواقف التى تعرضت لها حماس مع الأطراف المختلفة .

ويشير غوشة إلى بدايات تفرّغه في حركة حماس سنة 1989، بطلب من الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة المراقب العام للإخوان آنذاك ، واختيرمتحدثا رسمياً باسم حماس سنة 1991حتى1999.

وبالرغم من أن المهندس إبراهيم غوشة كان يرفض مشاركة حماس في الانتخابات التشريعية لما يخشاه من إضعاف محور المقاومة في عمل حماس، لكنه يؤكد على احترامه رأي الأغلبية والتزامه به.

       2ـ مع حماس فى الأردن .

وقد ازداد نشاط الإخوان السياسي في الأردن أثناء وجود المهندس إبراهيم غوشة سنة 1989والذى تزامن مع فوز حماس في انتخابات البرلمان 1989.

وقد تبع ذلك قدوم عددٍ من قيادات حماس من الكويت إلى الأردن ، وتم موافقة الحكومة الأردنية على استضافة المكتب السياسي لحركة حماس بعد مغادرتهللكويت على خلفية حرب الخليج الثانية 1990.

وتم سنة 1992 -1993 الاتفاق أن يسمح لحماس بالنشاط السياسي والإعلامي في الساحة الأردنيةعلى أنْ لا تتدَخَّل في الشأن الأردني، وألا تقوم بأي عملياتٍ عسكريةٍ انطلاقًا من الأردن.

ولم تلبث تلك العلاقة بين حماس والسلطات الأردنية أن توترت بعد تنامى دور حماس ،وتوجست السلطات الأردنية خيفة ؛ فتم إبعاد موسى أبو مرزوق، وعماد العلميمن الأردن سنة 1995، وتم التضييق على حماس في الأردن بعد مؤتمر "محاربة الإرهاب" في شرم الشيخ في سنة 1996، والذي انعقد على خلفيةِ سلسلة العملياتِ الانتقاميةِ التي قام بها الجناح العسكري للحركة، ردًّا على اغتيال يحيى عياش في مَطْلَعِ ذلك العام، وعن الاحتكاك مع المخابرات الأردنية في سنة1997.

وفى بداية عهد الملك عبد الله الثانى سنة 1999 تم إغلاق المكتب السياسى لحركة حماس فى الأردن واعتقال قياداتها ، وإيداعهم في السجن بسبب مواقفهم السياسية ، وتم إبعاد أربعة من قيادات حماس من الأردن إلى قَطَر كان أحدهم المهندس إبراهيم غوشة ،وهؤلاء الأربعة هم : هم خالد مشعل، وإبراهيم غوشة، وسامي خاطر، وعزت الرشق.

وقد حصل المهندس إبراهيم غوشة على الجنسية الأردنية خلال الفترة الطويلة التى عاشها فى الأردن ، وأصبح يحمل جواز سفر أردنى كأحد المواطنينالأردنيين إلا أن السلطات الأردنية منعت عودة قادة حماس إلى الأردن ، الأمر الذى أدى لحدوث أزمة عندما حاول المهندس إبراهيم غوشة العودة إلى الأردن فى العام التالى 2000م حتى تم تسوية الأمر وفق ترتيب جديد، فتم اصطحابه في طائرة إلى بانكوك ثم عاد إلى الأردن مرة أخرى ، وتم التضييق على حركته داخلالأردن .

       2- دوره فى الحوار بين حماس وفتح .

وقد شارك المهندس إبراهيم غوشة فى أنشطة المختلفة وأعمالها المتنوعة واجتماعاتها التشاورية مع الفصائل الأخرى ، وروى معلومات مهمة فى هذا الشأن .

فيشير إلى علاقة الإخوان بحركة فتح وينبه إلى أن الرواد الأوائل من فتح كانوا أعضاء في الإخوان أمثال خليل الوزير (أبو جهاد) الذي كان يُمثل إخوان غزةعندما كان يلتقي غوشة ممثلاً عن إخوان الأردن، ويشير إلى أسماء أخرى من أمثال عبد الفتاح حمود، ورياض الزعنون، ومحمد يوسف النجار ممن أصبحوا قادة في فتح.

كما يوضح كيفية الانفصال والتمايز بين من أسسوا فتح وبين الإخوان.

ومن لقاءات الحوار بين فتح وحماس التى أشار إليها  :

ـ أول حوار جمع حماس بفتح في صنعاء في الفترة 10-12/8/1990.

ـ لقاء الخرطوم بين الحركتين في أغسطس 1991.

ـ لقاء وفد حماس بياسر عرفات في تونس في أواخر سنة 1992 فى أعقاب الاشتباكات التي اندلعت بين حركتي حماس وفتح في قطاع غزة في يوليو 1992.

ـ الحوار مع فتح في الخرطوم في أوائل سنة 1993قبل انعقاد مؤتمر مدريد. وتناول موضوع اتفاق أوسلو وظهور تحالف القوى الفلسطينية العشر المعارضة للاتفاق.

ـ توتر العلاقة بين فتح وحماس فى الفترة 1994-1996 فى أعقاب اتفاق أسلو، ويُوَضِّح عددًا من أنشطة حماس ومواقفها في معارضة اتفاق أوسلو، وقيامها بالعمليات الاستشهادية ردا على استشهاد يحيي عياش.

ـ مباحثات فتح وحماس في الخرطوم سنة 1996 حول المشاركة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية الأولى، والتي قَرَّرَتْ حماس عدمَ المشاركة فيها.

ـ حوارحماس مع الجبهتين الشعبية والديمقراطية، ولقاء الفصائل العشرة سنة 1991 الذي شكّل فيما بعد تحالف الفصائل العشرة في مواجهة اتفاق أوسلو.

ـ مباحثات فتح وحماس في الخرطوم سنة 1996 حول المشاركة في الانتخابات التشريعية الفلسطينية الأولى، والتي قررت حماس عدم المشاركة فيها.

سادسا : المهندس إبراهيم غوشة مؤرخا لفلسطين

 أحد مؤلفات المهندس إبراهيم غوشة

وقد كتب المهندس إبراهيم غوشة سيرته فى كتاب "المئذنة الحمراء: سيرة ذاتية" ،وصدر في طبعة مجلدة في نوفمبر2008، عن مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات في بيروت، وهو مكوّن من 376 صفحة .

وهو كتاب غني بالمعلومات والمواقف التي يحتاجها أي باحث للتاريخ الحديث والمعاصر في قضية فلسطين.

تحدث الأستاذ إبراهيم غوشة بنفسه عن تجربة الإخوان المسلمين في الأردن وفلسطين وعن تجربة حماس ، ولأول مرة يُصدر أحد أبرز قيادات حماس في الخارج ومذكراته، وهي بحق شهادة على العصر، وعلى تجربة الإخوان وحماس من داخلها..

يتحدث غوشة في كتابه المكون من 15 فصلاً بلغة سهلة صريحة، يمتزج فيها الجانب الاجتماعي العائلي الإنساني بالجانب الحركي والدعوي، والجانب السياسي، والجانب المقاوم، بشكل لا تكلّف فيه.

ويتحدث عن نكبة 1948، واضطرار العائلة للانتقال إلى أريحا قبل العودة إلى القدس مرة أخرى ثم يتحدث عن بداياتحزب التحرير في القدس، ويلقي غوشة إضاءات جديدة حول أنشطة الإخوان المسلمين في القدس حتى سنة 1954.

ويتحدث غوشة عن باقي عقد الخمسينيات وخصوصاً مرحلة دراسته للهندسة في مصر، وعن العمل الإخواني السرّي للفلسطينيين والأردنيين تحت ظروف أمنية صعبة أيام حكم عبد الناصر.

ثم يتحدث غوشة عن فترة عمله في بلدية الكويت 1962-1966، ويقدم رؤية حول إنشاء منظمة التحرير وموقف فتحوالإخوان منها. ويتوقف للحديث عن أول مراقب عام للإخوان المسلمين الفلسطينيين الأستاذ هاني بسيسو الذي كان يعمل مدرساً في العراق، والذي استدعاه الإخوانلقيادة التنظيم الفلسطيني سنة 1963 .

ويكشف غوشة النقاب عن جوانب من العمل الإسلامي لفلسطين في الخارج أبرزها تشكيل قسم فلسطين الذي يتبع قيادة الإخوان في الأردن، وذلك بعد أن اندمج التنظيم الفلسطيني في قطاع غزة مع إخوان الأردن سنة 1978، ويتحدث عن المؤتمر الداخلي الذي عقده هذا القسم سنة 1983، بحضور عدد من قيادات الإخوانمن الضفة الغربية أمثال حسن القيق، ومن قطاع غزة أمثال عبد الفتاح دخان، ومن الكويت أمثال خالد مشعل... وغيرهم.

ويشير غوشة إلى بدايات تفرّغه في حركة حماس سنة 1989، بطلب من محمد عبد الرحمن خليفة المراقب العام للإخوان آنذاك.

وقد أسندت لغوشة مهمة تشكيل أول لجنة سياسية لحركة حماس حيث تفرغ للعمل فيها في الكويت.

ويلقي غوشة الضوء على علاقة حماس بفتح ومنظمة التحرير، وعن موقف حماس من الدخول في المنظمة عندما اشترطت سنة 1990 الحصول على 40% من مقاعد المجلس الوطني.

ويستعرض لقاءات الحوار مع فتح حيث كان أولها في اليمن 10-12/8/1990 والثاني في أغسطس 1991.

كما يتحدث عن الاحتلال العراقي للكويت ومشاركته ممثلاً لحماس مع الوفود في محاولات رأب الصدع وإقناع القيادة العراقية بالانسحاب.

كما يتحدث عن تصاعد الدور الإخواني في العمل السياسي في الأردن إثر فوزهم الكبير في انتخابات البرلمان 1989.

ويتحدث عن تطور علاقة حماس مع الأردن، وكيف تم ترسيم العلاقة بينهما سنة 1992-1993، وعن تطورات العلاقة مع فتح والموقف من اتفاق أوسلو، وعن بدايات اتصالات حماس الخارجية أوائل 1993 خصوصاً فيما يتعلق بالضغط من أجل إعادة مبعدي مرج الزهور، حيث تمّت مقابلة مسؤولين في السفارات الأمريكية والألمانية والبريطانية والإيطالية والنرويجية في عمّان.

غير أنه في نهاية مارس 1993 أصدرت وزارة الخارجية الأمريكية قراراً بحظر الاتصال بحماس.

يركز غوشة في الفصل العاشر على الفترة 1994-1996، ويوضح عدداً من أنشطة حماس ومواقفها في معارضة اتفاق أوسلو، والعمليات الاستشهادية واستشهاديحيي عياش، والعلاقة بفتح؛ وعودة العلاقات للتوتر مع الأردن واضطرار موسى أبو مرزوق وعماد العلمي لمفادرة الأردن سنة 1995، وانتخاب خالد مشعل رئيساً للمكتب السياسي خلفاً لأبي مرزوق في نهاية 1995.

وكتاب "المئذنة الحمراء" كتاب غني بالمعلومات والمواقف التي سيحتاجها أي باحث للتاريخ الحديث والمعاصر من قضية فلسطين.

وقد كان جميلاً أن الكتاب قد اختتم بفهرس للأسماء والأماكن والمؤسسات الواردة في الكتاب مما يسهّل عمل الباحثين.

سابعا : المراجع

1- المركز الفلسطينى للإعلام : إبراهيم غوشة .

2- إبراهيم غوشة: القدس تتعرض للتهويد فى كل لحظة ، جريدة الوفد المصرية ،الأحد , 6 مايو 2012 م.

       3- موقع الجزيرة نت :المئذنة الحمراء: سيرة ذاتية ،الخميس 15/11/1429 هـ / 13/11/2008 م.

       4- إبراهيم غوشة : المئذنة الحمراء .. سيرة ذاتية ، مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات ، بيروت .

       5- إبراهيم غوشة: تأملات في مفهوم الوحدة الوطنية ، موقع فلسطين اليوم،20 مارس0 0200.

       6- إبراهيم غوشة:"اختيار كامب ديفيد الثانية جاء لترسيخ معاني كامب ديفيد الأولى موقع أمة الإسلام , السبت 1 يوليو 2000 .

ألبوم صور

مقدمة

الأستاذ عمر التلمساني

ليس بوسع مؤمن يهمه أمر الإسلام و الدعوة إليه وتقصي أحوال دعاته أن يجهل اسم هذا الداعية، الذي قدر له أن يحمل أمانة القيادة لأكبر حركة إسلامية عرفها هذا القرن .

ولولا إلزامية المنهج بضرورة التعريف بالمترجم تعريفاً يحيط بشأنه وبيئته ومؤثرات حياته ، على وجه يقرب صورته(الشخصية) من أذهان القراء ، لكان عليّ أن أباشر الحديث عنه دون أي مقدمة اعتماداً على معلوماتهم الذاتية عنه .. هذا إلى أن في مثل هذه المقدمات المنهجية فائدة تتيح لمطالع الترجمة الإلمام بملابسات الأحداث والأسباب التي ساعدت على تكوين الاتجاهات النفسية والفكرية التي ميزت صاحبها على اختلاف الأحوال .

ومن هنا نبدأ بتقديم مترجمنا الفاضل . فهو عمر بن عبد الفتاح بن عبد القادر مصطفى التلمساني.. وهي نسبة تشعرنا بأن أصوله القريبة وافدة إلى مصر من تلمسان الجزائرية ، وأؤكد على قربها لما أراه في خطه من الطابع الأندلسي المحافظ على خصائصه حتى في شكل الحروف وطريقة التنفيذ ، مما لا يتوافر لجزائري قديم الهجرة في العادة ، أو لعل في ذلك دليلاً على شدة ارتباط الأسرة بالوطن الأول ، ارتباطاً يحفظ على أفرادها مميزاته الأصلية .

عمر التلمساني فى سطور

       ولد 4 نوفمبر عام 1904م ، في حارة حوش قدم بالغورية قسم الدرب الأحمر بالقاهرة واسمه بالكامل "عمر عبد الفتاح عبد القادر مصطفى التلمساني".

       والتلمساني ليس من أصل مصري فجده لأبيه من بلدة تلمسان بالجزائر، جاء إلى القاهرة واشتغل بالتجارة، وأصبح من كبار الأغنياء.

       تزوج عمر التلمساني في سن مبكرة في سن الثامنة عشرة وهو لا يزال طالبًا في الثانوية العامة، ولم يتزوج عليها حتى توفاها الله في أغسطس عام 1979م ، بعد أن رزق منها بأربعة من الأولاد: عابد، وعبد الفتاح، وبنتين".

       عندما حصل على شهادة ليسانس الحقوق، عمل بمهنة المحاماة وأفتتح مكتبًا في شبين القناطر ، وفي سنة 1933م التقى بالأستاذ "حسن البنا" في منزله، وكان يسكن في حارة عبد الله بك في شارع اليكنية في حي الخيامية، وبايعه، وأصبح من الإخوان المسلمين وكان أول محامٍ يعمل بتوكيل من الجماعة التي قبض عليهم للدفاع عنهم في المحاكم المصرية.

       دخل السجن في عام 1948 ثم 1954م وأفرج عنه في آخر يونيو 1971م جاءه ضابط المعسكر وقال: لقد أفرج عنك، فاجمع حاجتك لتخرج، وكان الوقت بعد العشاء، فقال للضابط: ألا يمكن أن أبيت الليلة هنا، وأخرج صباحًا فإني قد نسيت طرقات القاهرة ، فقال له الضابط: هذه مسئولية لا أستطيع تحملها، تفضل اخرج من السجن ، ومن على بابه إلى أي وقت تشاء، فطلب "تاكسي" فأحضره، وعاد الأستاذ إلى منزله.

       اختير مرشدًا للجماعة بعد وفاة المستشار الهضيبي ثم قبض عليه السادات مع المئات من مفكرين وأقباط وأساقفة وكتاب وغيرهم في عام 1981م ، وتوفي في يوم الأربعاء 13 من رمضان 1406هـ الموافق 22 مايو 1986 عن عُمْر يناهز 82 عامًا، ثم صُلِّي عليه بجامع "عمر مكرم" بالقاهرة ، وكان تشييعه في موكب مهيب شارك فيه أكثر من ربع مليون نسمة وقيل نصف مليون من جماهير الشعب المصري فضلاً عن الوفود التي قدمت من خارج مصر .

       وكان الشباب دون العشرين، وفوق العشرين، الذين جاءوا من مدن مصر ، وقراها، يشاركون في الوداع، وهم يجرون حفاة الأقدام خلف السيارة التي تحمل الجثمان، ودموعهم تكسو وجوههم، يبكون فيه الداعية ، وقد شاركت الحكومة في عزاء الإخوان المسلمين ، وفي تشييع الجثمان، وحضر رئيس الوزراء، وشيخ الأزهر؛

       وأعضاء مجمع البحوث الإسلامية ورئيس مجلس الشعب ، وبعض قيادات منظمة التحرير الفلسطينية، ومجموعة كبيرة من الشخصيات المصرية والإسلامية إلى جانب حشد كبير من السلك الدبلوماسي، العربي والإسلامي ، وشارك وفد من الكنيسة المصرية برئاسة الأنبا غريغوريوس في تشييع الجثمان.

المولد والنشأة

وقد ولد فضيلته في القاهرة بشارع حوش قدم بالغورية عام 1904م وكان جده ووالده كلاهما يعملان أول الأمر في تجارة الأقمشة والأحجار الكريمة،وتنشر تجارتهما هذه ما بين القاهرة وجدة وسنغافورة وسواكن والخرطوم، ثم صفيا عملهما ذاك ليتوجها إلى الزراعة حيث اشترينا مساحات واسعة من الأرضين في قرية نوى مركز شبين القناطر بمديرية القليوبية .. ومساحات أخرى في قرية المجازر مركز منيا القمح بمديرية الشرقية.

ويمتاز جده بالاتجاه السلفي في العقيدة، إذ كان على تعبير المترجم وهابي النزعة،وقد تولى طبع العديد من كتب الإمام الشيخ محمد بن عبد الوهاب على نفقته .. وفي هذا الجو الرخي الحياة ، البعيد عن البدع ، نشأ الأستاذ محاطاً بالنعمة والروح الديني ، إذ كان كل من في ذلك البيت قائماً بحقوق الله صلاة وصياماً وحجاً ، سواء في ذلك الرجال والنساء ، والفتيان والفتيات ، وفي هذه البيئة

يقول الأستاذ: طرق سمعه اسم ابن تيمية وابن قيم الجوزية ،أثناء المناقشات التي كانت تجري بين جده وزواره من أهل العلم.ويصف الأستاذ جده هذا بأنه ،إلى جانب ثقافته العلمية،يمتاز أيضاً بالدعابة اللطيفة ، ومن ذلك أنه يستقبل زائريه ومدعويه من هؤلاء مرحباً بقوله : (ما شاء الله .. وأتوني بأهلكم أجمعين .. أما فيكم من معتذر أو متخلف !!..)

حتى إذا ظهر في الفناء ديك رومي صاح فيه: " انج بنفسك ولا تلق بيدك إلى التهلكة ".

وفي مدارس الجمعية الخيرية هناك تلقى الأستاذ دراسته الابتدائية . فلما توفي الجد انتقلت الأسرة إلى القاهرة ، فالتحق بالمرحلة الثانوية من الإلهامية في الحلمية . حيث حصل على شهادتها ، ومن ثم انتظم في كلية الحقوق ، وبعد التخرج فيها بدأ التمرن على المحاماة ، ثم اتخذ له مكتباً في بندر شبين القناطر ، حيث مارس عمله القانوني بتوفيق مرموق ..

ويبسط الكلام عن عمله هذا قائلاً: لقد باشرت عملي في المحاماة على قواعد ديني جهد الإمكان ، فإذا جاءني ذو قضية مدنية درست مستنداتها ، فإذا رجح لدي جانب الكسب فيها قبلتها ، وإلا نصحت له بالصلح مع خصمه ..

وطبيعي أنه يفعل ذلك مع مراعاة جانب الحق بالدرجة الأولى ، بحيث لا يقبل المرافعة في قضية تخالف قواعد الدين التي أخذ بها نفسه كما تقدم . ولم تشغله المحاماة عن تثقيف نفسه بالعلوم الإسلامية إذ كان نزاعاً إلى المطالعة في كتب الفقه والتفسير والحديث والسيرة النبوية ..

ومع وفرة قراءاته ومحفوظاته من القرآن الكريم والحديث الشريف، لا يزعم لنفسه العلم وليس هو في رأيه عن نفسه سوى قارئ نهم لكل ما يتعلق بدينه يريد أن يتعلم منه ما لا يعلم ، ولا يسمح لنفسه أن يفتي في شيء ، فإذا سئل في أمر ديني أجاب : أذكر أني قرأت في هذه المسألة كذا .. وليس لك أن تستند إلى إجابتي بل عليك مراجعة المتخصصين في هذا الباب ، ويؤكد لنا أنه لا يزال على شأنه حتى اليوم . وذلك لعمر الله هو الورع لأن أجرأ الناس على الفتيا أجرؤهم على النار ، وما أكثرهم في هذه الأيام!..

ويتصل بهذا الجانب من حياة فضيلته أنه مع حفظه الآلاف من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ،لا يلقي بالأثر الذي يستشهد به مرفوعاً إلى مقام النبوة إلاً مصحوباً بقوله " أو ما هذا معناه " لأنه لا يحفظ مع الحديث سنده، ويخشى أن تكون له رواية أخرى أصح لفظاً منه ، فيعمد إلى ذلك الاستدراك لعلمه بأن أئمة الحديث يرون صحة روايته بمعناه ، ويتأيد ذلك لديه بالأثر النبوي القائل (نضر الله وجه امرئ سمع مقالتي فوعاها) حيث قيد سلامة الرواية المقبولة بالوعي ، والوعي أمر يختص بالمعنى دون حرفية اللفظ ، وقد أشرنا فيما تقدم إلى استظهاره كتاب الله ، وهو يقول أنه لا يزال يتعهده باستمرار خشية تفلته من الذاكرة .

وعلى سؤال عن آثاره المنشورة أو المعدة للنشر ، أجاب :

أن ليس في آثاره القلمية ما يستحق إلحاقه بالمؤلفات ، وإنما هي خواطر جمعت في كتب،منها : (شهيد المحراب الفاروق)، (قال الناس ولم أقل في حكم عبد الناصر) ، ثم (بعض ما علمني الإخوان المسلمون) و (الملهم الموهوب حسن البنا)و (يا حكام المسلمين ألا تخافون الله؟؟) و (ذكريات لا مذكرات)، وأخيراً(ثلاثة وثلاثون يوماً من حكم السادات) هذا إلى جانب افتتاحياته لمجلة (الدعوة) وما يكتبه حول الشئون الإسلامية في المجلات والصحف السيارة ..

ويردف هذه العنوانات بقوله:

إن من أجل نعم الله عليه كونه لا يحمل حقداً ولا كراهية لإنسان أياً كان مذهبه ، بل من عادته أن يترك ما يصيبه لله يتولى الفصل فيه بحكمته وعدله .. وهي إشارة لطيفة وغير مباشرة إلى مضمون هذه الآثار من حيث كونها عرضاً موضوعياً لوقائع أو أفكار مبرأة من أهواء النفس ، فلا مكان فيها لكراهية أو ضغينة ، إنما هي تجلية لحقيقة ، أو بيان لرأي الجماعة التي يمثلها .

أو مجرد نصيحة يوجهها إلى حاكم رجاء أن ترده على جادة الحق ، على الطريقة التي أمر الله بها نبيه والمؤمنين معه في قوله الحكيم أدع إلى سبيل الله بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن (سورة النحل 125).

ويتحدث عن الأعمال التي تولاها وأثرها في نفسه فيقول:شاء الله أن أبدأ عملي في المحاماة كما أسلفت ، استبعاداً لنفسي عن حيز الوظيفة التي لا أحتمل قيودها من الضغط على حرية الرأي ، وتحديد موارد الرزق ، فآثرت الحرية في العمل بحيث لا يكون لأحد عليّ من سلطان إلا مراقبة الله .

وأنا أمرؤ طبعت على الحياء حتى لأتساهل في كثير من حقوقي ، إلا أن مما أحمد الله عليه ، ولا حصر لفضله ، منحه إياي نعمة التجرد من الخوف ، فما خفت أحداً في حياتي إلا الله ، ولم يمنعني شيء من الجهر بكلمة الحق التي أؤمن بها ، مهما ثقل وقعها على الآخرين ، ومهما لقيت في سبيلها من العنت ..

أقولها هادئة رصينة مهذبة لا تؤذي الأسماع ولا تخدش المشاعر، وأتجنب كل عبارة أحس أنها لا ترضي محدثي أو مجادلي ، فأجد من الراحة النفسية في هذا الأسلوب ما لا أجده في سواه ، ولئن لم يكسبني الكثير من الأصدقاء ، فإني قد وفيت به شر الكثير من الأعداء ، هذا إلا أن ما نالني ورميت به منذ انتسابي إلىجماعة الإخوان المسلمين ، قد أصبح لي درعاً واقياً من الغضب والكراهية ، تنهال عليه النصال فيكسر بعضها بعضاً ..

ويستأنف فضيلته:

على أن العبء الوحيد الذي يبهظني وأنوء بحمله هو مسئوليتي عن الإخوان ، لأن نظام الهيئة التأسيسية للجماعة يقضي بأن يتولى الأمر أكبر الأعضاء فيمكتب الإرشاد سناً ، وشاء الله أن أكون الأكبر في هذه الظروف ، فكان الوفاء لبيعتي أن أحمل العبء ماضياً مستريحاً ، لا لأن في ذلك مخالفة للقانون الذي قضي بحل الإخوان؛

بل لأن الصلة الروحية بيني وبين الإخوان جعلتهم ينظرون إلي بهذه العين،وجعلتني أرتاح للنهوض بالواجب مهما واجهت من الصعاب والمشاق،وقد عاملني المسئولون في الدولة على أساس من هذا التصور..وهنا لا يفوتني الاعتراف بأن جانب الحرية الذي أتمتع به ، على ضآلته ، لا أعرف مثيلاً له في العالم الإسلامي ما بين إندونيسيا إلى أقصى المغرب ، ولا جرم أن لله حكمة في ذلك ...

وأنا أقول في ما أسلف فضيلته من حديث عن ملامحه النفسية :

لقد عرف جمهور الناس أسلوبه الحكيم من خلال حواره مع الرئيس أنور السادات ، يوم وجه هذا هجومه العنيف عليه وعلى الإخوان ، وساق إليهم أنواع التهم المفتراة ، وهو يظن أن خوف السلطة سيقطع لسانه عن الرد ، فإذا هو يخيب فأله ويلتف على مفترياته بالحجة الداحضة حتى يختمها بقوله : الشيء الطبيعي بإزاء أي ظلم يقع علي من أي جهة أن أشكو صاحبه إليك بصفتك المرجع الأعلى للشاكين بعد الله ، هأنذا أتلقى الظلم منك فلا أملك أن أشكوك إلا إلى الله .. وما كان أروعه رداً حطم سلاح الطغيان بأدب اللسان وقوة الإيمان، فإذا بالرئيس يلملم تهمه وينقلب مستعطفاً يسأل المظلوم إلغاء شكواه .. وكل ذلك على مرأى ومشهد من مئات الحاضرين لذلك الحفل ، وملايين المشاهدين عن طريق التلفاز حوار مع التلمساني

ولا أنسى كذلك ذلك الحياء الذي لمسته في أول لقاء أثناء زيارتي إياه مع بعض الأحبة في منزله أواخر المحرم 1404 هـ فقد دخل علينا مرحباً دون أن يوجه نظره إلى أحد ، وجعل يجيبني على بعض أسئلتي دون أن يرفع إليّ بصراً ، فلم يسؤني ذلك منه لما سبق أن عرفته عن طبيعته تلك .. وقد كان في بعض حوارنا ما يثير الأعصاب ولكن أناته الغالبة ألزمته الرقة التي ذكرها عن أسلوبه ، مما يشعر جليسه ومحاوره بأن الأحداث القاسية والطويلة التي عركته في ظلمات السجن قد صهرت نفسه ، حتى لم تدع فيها مكاناً لغير الحقيقة التي يؤمن بها ..

أما جانب الحرية التي يتمتع بها في مصر فهي واقع لمسناه أثناء تلك الأيام التي قضيناها هناك ، فالناس أحرار في تحركاتهم وتصرفاتهم مواطنين وزائرين ، ما داموا لا يتعرضون لتصرفات الحاكمين ، ولكن الويل لمن يحاول الخروج عن هذا الخط ، فإن هناك غياهب السجون ، وفيها كل ما لا يتصوره الخيال من ألوان الهوان ، الذي وكلت به مخلوقات من الكلاب وأشباه الكلاب ، دربت على تعذيب الناس وإذلالهم ، وبخاصة إذا كانوا من دعاة الإسلام وعلمائه ، مما يعتبر معه الموت من أحب أماني الإنسان .. ومن هنا انتقنا على السؤال التالي :

       من أكثر الرجال تأثيراً في حياتكم وأفكاركم ، وأهم الأحداث التي عاصرتموها ..

بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وصحابته الأبرار كان أكثر الرجال تأثيراً في حياتي هو الإمام الشهيد حسن البنا رضوان الله عيه . فقد حباه الله بكل ما يقربه إلى قلوب المسلمين ، يبغضه إلى كل خصوم الدعوة الإسلامية ، لا أتحدث عن غزير علمه ، فرسائله حوت ، على إيجازها ، كل ما يحتاجه المسلم للتفاني في سبيل دينه ، وما يعوز الداعية من منهاج واضح بين موضوعاً ووسائل وأساليب؛

فكل واحدة من رسائله متن صالح لمجلدات ضخمة تفسيراً وتبصيراً،لقد أفاض الله عليه ذكاءً عجيباً حتى ليكاد يجيبك على ما تريد قبل أن تتوجه إليه بالسؤال،وكان من الثقة بحيث يظن كل أخ من ملايين الإخوان المسلمين أنه أقرب الناس إليه ، وأحبهم لديه ، بسيطاً غاية البساطة في مظهره ومعاملاته وأحاديثه ، حتى إذا علا المنبر أخذ بكل جوانب النفس ، فتظل معلقة بكلامه في وعي خيفة أن يفوتها حرف منه ، حتى إذا فرغ من حديثه استرد كل سامع قلبه وفكره إلا شخصاً واحداً بقي قلبه مع الإمام الشهيد في روحاته وغدواته .

ولا جرم أن هذا المستثنى الأخير هو صاحب هذا الوصف ، ولكن من الواصف !.. هو الأستاذ التلمساني نفسه ، مع أنه يختم هذه الأسطر بقوله : وهذا الكلام هو لفضيلة الإمام المرشد الثاني أستاذنا حسن إسماعيل الهضيبي رحمه الله وحشره مع الصالحين الأبرار.. وسواء كان ذلك من كلام التلمساني أو المغفور لهالهضيبي ، فهو يصور رأيهما في إمامهما الأول الشهيد البنا دون ريب .

 الأستاذ عمر التلمسانى ويوسف ندا و الأستاذ إبراهيم شرف

ويستأنف الأستاذ التلمساني في وصف شخصية الإمام الشهيد قائلاً :

إذا كان في رحلة من رحلاته التي لا تعد ولا تحصى ، في الداخل والخارج ، فلا يأكل ولا يشرب ولا ينام ولا يستريح إلا بعد أن يطمئن على كل من في رفقته . كان جم التواضع ، نظيف العبارة حتى مع مهاجميه وخصومه ، لم يسئ إلى أحد منهم قولاً ولا عملاً ..

يربي أعوانه تربية عملية ، فيكل إليهم القيام بالأمور الهامة مثنياً عليهم ، مصححاً لأخطائهم ، محتملاً لكل تجاوزاتهم .. ولا أنسى يوم أن حصل خلاف بين الإخوان والوفديين في بور سعيد،فاستدعاني وكلفني الذهاب إلى هناك قائلاً لي : تصرف كما يوحي إليك الموقف دون الرجوع إليّ في شيء ، فكانت هذه اللفتة التربوية معواناً لي في استفراغ الوسع ، حتى انتهى الأمر إلى خير ما يمكن أن يصير إليه ذلك الموقف الشائك المعقد ..

كل ذلك وما أشبهه ربط قلوبنا جميعاً بإمامنا الشهيد بأوثق عرى المحبة و الوفاء والإخلاص .. ولهذا عشقت الدعوةوالداعية،ووقفت عليها حياتي إلى اليوم .

ويستأنف الأستاذ :

عاصرت الوفد وقيامه،وثورة 1919،وكانت بحق نابعة من مشاعر الشعب كله ، وكان المنتظر أن تأتي بأبرك الثمرات لمصر بخاصة وللأمة الإسلامية بعامة ، لولا المؤامرات الشخصية ، والانفعالات الزعامية ، والألاعيب السياسية ، التي مزقت الشعب المصري فرقاً وأحزاباً وشيعاً واتجاهات ، وأطاحت بكل ما أمله المصريون .

ولقد نابني من ذلك بعض الرشاش خلال تعصبي الوفدي وأنا في مطالع الشباب ، كذلك كان لانقلاب يونيو 1952 أثره الكبير ، إذ أيقظ المشاعر وحرك الرغبة في رؤية شرع الله مطبقاً في هذا البلد المسلم ، ومن أجل ذلك كان للإخوان المسلمين أكبر الأثر في نجاحه .. إذ كانوا يجوبون القطر كله في بث الدعوة الإسلامية ، وربط القلوب بعقيدتهم ، ونقد المفاسد والمظالم التي كانت تسود البلاد من قبل الاستعمار ، وطغيان الملكية وتهافت الأحزاب .

أما هيئة الضباط الأحرار فكانت تعمل في الخفاء ، ولم يكن يشعر بها أحد ، فلما أسفرت وجدت الطريق ممهداً والجو صالحاً ، والشعب على استعداد لتقبل الانقلاب ، ولكن لحكمة لا يعلمها إلا الله تغلب حب الزعامة والظهور ، فكان ما كان من انقلاب الضباط الأحرار على الإخوان المسلمين ، الذين أخلصوا لهم العون ، ومهدوا لهم السبيل ، ولا غرابة في ذلك ، فالسلطان ، كما يقال، عقيم لا يتورع أصحابه أن يتجاوزا من أجله كل شيء حتى أبسط مبادئ الأخلاق ..

وفتك عبد الناصر بـ الإخوان المسلمين استناداً إلى قوة الجيش والشرطة ، والقوى التي كانت تكيد للجماعة ، وبخاصة الصليبية والصهيونية والملاحدة .. ولو أن ما أنزله عبد الناصر كان في غير الإخوان المسلمين لكانوا اليوم واحداً من أخبار التاريخ ترويه الأجيال للعظة والاعتبار ، أما الإخوان فقد زادتهم المحن إيماناً ، ومكنت لحب الله ودعوته في قلوبهم ، وقد ذهب الظالمون وأعوانهم وبقيت دعوة الله على الرغم من محاولات القوى المحاربة للإسلام ، لأن كلمة الله ثابتة لا يعتريها زوال ..

وما من شك أن مواقف الإخوان المسلمين ودماءهم الطاهرة التي روت شجرة الإيمان على ثرى فلسطين وعلى ضفاف القناة،قد هزت المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها .. وهكذا أثبتت دعوة الإخوان للعالم بأسره أنها قوة ولاء عملي،رسخ الإسلام في صدرها ، وصدق العمل في حركاتها وتصرفاتها وتضحيتها وصبرها ومرابطتها،الأمر الذي ألهب نيران الكراهية في صدور أعداء الإسلام ، فهي تتكشف يوماً بعد يوم على كل بقعة من ربوع المسلمين ، وما الكيان الصهيوني إلا صورة بارزة لهذه الكراهية ، التي توهمهم أن القضاء على الإسلام والمسلمين أصبح وشيكاً ..

وخاب فألهم ، فلئن استطاع هؤلاء الأعداء أن يقضوا على بعض المسلمين فهم أعجز من أن ينالوا من الإسلام ، لأنه رسالة الله الخاتمة إلى الأرض ، فلو لم يبق على البسيطة سوى مؤمن واحد يحمل راية " لا إله إلا الله محمد رسول الله " وكانت السموات والأرض رتقاً عليه لفتقها الله له قوة وعزة ونصراً .. وكل شيء عنده بمقدار ..

       كان سجنكم طويلاً شهدتم أثناءه الكثير من الوقائع المؤثرة ، فما الحصيلة التي خرجتم بها من تلك الرحلة الشاقة ؟

خرجت من السجن وقد ازددت يقيناً بالحكمة القائلة (لو اطلعتم على الغيب لاخترتم الواقع) فالسجين قد استقر عند خاتمة المطاف ، فليس لدى ظالمه إلا سجنه أو قتله ، والسجين المستمسك بعقيدته تسليماً لأمر الله أشد إيلاماً لنفس الظالم من غيره ، لأن غيره يبيت ويصحو متوقعاً المجهول من البلاء ، وهذا التوقع قد يحول بينه وبين الكثير من العمل لدعوته .

وفي ذلك راحة لخواطر الظالمين . وإذن ففي ثبات السجين على دعوته انتصار للحق على الباطل ، وهزيمة للباغي في عجزه عن تحقيق بغيته ، فالباغي مهزوم مهزوم وصاحب العقيدة منصور منصور.. وهنا أسجل أن انتصار الدعاة لم يكن قط وليد شجاعتهم أو تحديهم أو صبرهم ، وإنما هو فضل الله في تثبيتهم (ولولا أن ثبتناك لقد كدت تركن إليهم شيئاً قليل) (سورة الإسراء 74).

أجل إن الله هو صاحب الفضل الأول في النعمة إذا اقترنت بالشكر، وهو صاحب الفضل الأول في المحنة إذا لازمها الصبر، وفي كل خير، وليس ذلك لغير المؤمن .

المسلمون ما كانت لتحز في نفوسهم كثيراً ، ولكن الموجع ما كنا نسمعه ونحن في ظلمات الزنازين من تأوهات المعذبين وأصوات العصي والسياط التي كانت تنهال متلاحقة عليهم .. وكم من أخ أدخل على إخوانه في المطبق وقد سال دمه وتمزق لحمه وبرزت عظامه ، وهو يبتسم ، وهم من حوله محزونون مغمومون لما أصابه ، لا لما سيلحق بهم بعد قليل .. لقد كانت العواطف الإسلامية دفاقة بالإيثار والتضحية والحب ، وكانت حياتهم في غمرة المحنة فداءً وصبراً وحمداً وشكراً وصلاةً وصياماً وذكراً.

فما أروع ما حصلناه في تلك السجون من نعم الله في الناحية الإيمانية ، فما استأثر واحد منا براحة دون أخيه ، وما اختص نفسه بمطعوم تسلل إليه .. لقد كان بعض القائمين علينا في السجون يبدي الكثير من الأسى على ما نحن فيه ولكنهم لا يملكون أن يقدموا غير هذا ، فسيوفهم علينا وقلوبهم معنا ، ولكنه خير كان ينفح ببعض الراحة على أي حال . حقاً إن السجون مدرسة للتطهر والصفاء وترسيخ اليقين .

       معلوم أن الدعوة التي تمثلونها متميزة بخطها المتفرد عن سائر الحركات المحلية العالمية .. وقد نشرت بعض الصحف خارج مصر ما يوحي بأن ثمة تقارباً بينكم وبين ممثلي هذه الحركات في مصر ، وبخاصة الماركسيين .. فما حقيقة ذلك ..؟

وكان لسؤالنا هذا وقع لم يستطع الأستاذ إخفاءه .. ولا بد أنه قد سمع مثله من غيرنا ، فجاء وكأنه نكأة لجرح لم يستوف برأه بعد .

يقول فضيلته: مما يصاب به بعض الناس أن يحكموا قبل أن يتبينوا،وهذا منهي عنه شرعاً ، فيجرون وراء أوهام تطوف بخواطرهم سواء استقام طريقهم أو اعوج ، فإذا قرأوا لأحد الإخوة مقالاً مثلاً رأيتهم يجتزئون بعض فقراته ليحكموا على المقال كله من خلالها ، مع أن العدالة تقتضي تقويمه كاملاً ، فإذا رجح سداده كان خيراً مشكوراً ، وإن غلب سيئه كان محل المؤاخذة ..

وذلك هو المعيار الذي يحاسبنا به الله يوم القيامة ، حيث توزن الأعمال بقسطاس الحق ، فإذا رجحت الحسنات أدخل المسلم الجنة بفضل الله على ما في صحائفه من السيئات ، أما إذا غلبت السيئات فإلى النار حتى تطهره عدالة الله .

وما أكثر ما يغفل البعض هذا العدل الرباني ، فيقصدون إلى التماس الخطأ في أعمال إخوانهم، فإذا ما عثروا على ذرة من ذلك طاروا بها فرحاً ، ثم راحوا يشهرون بها نقداً وتجريحاً .. كل ذلك وهم بعيدون عن ميدان المعركة ، لا يدري أحدهم ظروفها ولا ملابساتها ، ولا يقدر مسئولية القائد إن تقدم أو تأخر أو داور .. وما احسب مثل هذا الإنسان سليم الطوية أو سوي التفكير، وليس معنى ذلك ادعاء العصمة ، وهي لا تكون إلا للأنبياء ، والكمال لله وحده .

إن كتاب المسلمين يزنون كلماتهم وهم يخطونها ويقومون عباراتهم وهم يقدمونها ، لأنهم يعلمون بيقين أنهم ليسوا مسئولين عن أنفسهم فحسب . فرب كلمة تساق دون وعي ولا تقدير تلحق الضرر بالآلاف من حملة الدعوة ، وهي مسئولية ضخمة ثقيلة ما أظنها تخفى على أريب ، غير أن البعض يحب أن يتظاهر بالعلم والشجاعة والغيرة على الدعوة ما دام آمناً مطمئناً ، جرياً على طريقة القائل :

وفي الهيجاء ما جربت نفسي

ولكن في الهزيمة كالغزال

ولعل أعلى الناس صوتاً بالشجاعة والإقدام أسرعهم إلى الفرار يوم الزحام .. على أن هناك فريقاً من حسني النية يحرصون على ألا يسقط أخ لهم في محذور أو محظور، فهؤلاء تشفع لهم نواياهم ، وإن كنا ننصح لهم بالتأني والتروي قبل إصدار الحكم ، خشية المسألة أمام الله ، مع العلم بأن خلوص النية غير كاف حتى يصحبه سداد القول والفعل في الحياة الدنيا على الأقل .

ولا ننسى أن المسلمين مطالبون بالستر على بعضهم ، فلا يسيرون بالسيئة بين الناس معالنين ، حتى إذا ما عاتبهم أحد تذرعوا بحجة الخوف على أخيهم ، وحرصهم على أن يكون فوق الشبهات وهي حجة لو عرضوها على معيار الإسلام لوجدوها عليهم لا لهم ، ولأمسكوا أن يكونوا من الذين قال الله فيهم (وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به) (سورة النساء 83) لئلا يأخذوا البريء بجريرة المذنب ، فكم ظاهر في صورة الخطأ ينكشف عن محض الصواب حين تدقق الوقائع .. فليرحم هؤلاء أنفسهم ، وليشفقوا على المحاطين بالأخطار، فيعينوهم أو يدعوهم ، بدلاً من أن يلاحقوهم بإشاعاتهم وأذاهم !..

إن الثقة أحد عناصر الأخوة في الله ، فإذا توافرت سترت العيب وعالجته في مودة ، وإذا فقدت كان الغرض هو تضخيم الخطأ إذا وجد ، واختلاقه إن لم يوجد .. ولا شأن لنا مع هؤلاء المبتغين للبرآء العيب ، وإنما نخاطب إخوتنا في الله فنذكرهم بما قد يغفلون عنه من مشتبهات الأمور.ليكونوا لنا معينين لا معوقين ..

ويلاحظ القارئ من خلال هذه المقدمة مدى تأثر الأستاذ من تلك الإشاعات التي أطلقها بعض الصحفيين لخطأ أو غرض ، فالتقطتها بعض الألسن تلوكها من غير وعي ، وإنه لعرض جدير بأن ينقل ويقرأ لما فيه من التوجيه الحكيم ..

ونتابع الآن مع الأستاذ بقية جوابه حول الموضوع لنستمع منه إلى هذا التفصيل الدقيق:

يقول فضيلته: إن دعوة الإخوان قامت على الإيمان العميق . واليقين الخالص . في حين قامت الماركسية اللينينية على إنكار الرسالات بكل حقائقها ، ووصفت كل ذلك بكونه مخدرات للشعوب .. ففي عقل أي أبله أو معتوه يتصور أن هناك تقارباً بين الفريقين !.

وما نوع هذا التقارب .. وما وجهته !.. لقد علم الخاص والعام أن الإخوان يرفضون الدخول في جبهات ، لأن الجبهة الوحيدة لهم هي عقيدتهم الإسلامية ، فكيف يمكن أن يجتمع الإلحاد والإيمان في إهاب رجل واحد !.. وإذا فرضنا أن ائتلفنا مع غيرنا لإزالة حكم ما ، ثم وصلنا إلى ما نريده ، فأي منهم هو الذي سيحكم أو يسود !..

ألا نكون بذلك قد خرجنا من ائتلاف مع جهة واحدة إلى صراع مع عدة اتجاهات !.. ما لكم كيف تحكمون !.. ثم ما مضمون هذا التقارب ؟.. أيتنازل الإخوان عن شيء من معتقدهم،والأخرون عن شيء ليكونوا منهاجاً أسود، أبيض، أحمر، أخضر، أزرق، أصفر في وقت واحد ؟!..

أما القصة التي حيكت حولها كل هذه الأقاويل فإليكها :

كنت في معتقل القصر العيني ، وكان هناك بعض المعتقلين من مختلف الهيئات والاتجاهات ، فلم أجد إلا أدباً وحسن معاملة وتبادل احترام ..

وقد كان بعض المعتقلين من الشيوعيين يؤدون معنا صلاة الجماعة ، بل لقد قمت ذات ليلة للتجهد فرأيت أحدهم يتوضأ ليتهجد أيضاً ، فهل من حقي شرعاً إذا سئلت عنه أن أنكر رؤيتي لصلاته !. ألا يعلم المعترضون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دعي للصلاة على ميت سأل : هل رأوه يصلي ؟..فإذا جاء الجواب بالإيجاب صلى عليه ، وإلا فلا .. هل يريد المنتقدون أن أدع سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم اتقاء انتقادهم أو اعتراضهم !..ألا فمهلاً .. بعض هذا التدلل .

لقد أمرنا ديننا أن نحسن معاملة الناس أياً كان دينهم ، وكان يزور جاره اليهودي إذا مرض ، ومات ودرعه مرهونة عند يهودي .. أليس هذا هو أدب النبوة !.. أم يريدون أن نخاشن الناس ونجافيهم .. وإذا دعتني لجنة الحريات في نقابة المحامين للكلام في الموضوع .. أأرفض أم أذهب لأقول كلمة الحق والدين !.. ففيم الاعتراض ، وعلام الانتقاد ؟!..

وابن عباس رضي الله عنه كان يسلم في طريقه على المسلم وغير المسلم ، فلما قيل له في ذلك أجاب:حتى يعرفوا أننا مسلمون .. وماذا يقول هؤلاء الغاضبون في قول الله تبارك وتعالى:(وقولوا للناس حسناً) فقد عمم فذكر الناس ولم يخص المسلمين وحدهم !..

وكان بين أمراء المسلمين من الأمويين والعباسيين محالفات مع غير المسلمين ، فلم يعترض واحد من فقهاء تلك الأعصر ، وبينهم الشافعي وابن حنبل ثم ابن تيمية ، وغيرهم أأنتم أشد حرصاً على الدين من أولئكم !.. وقبل ذلك عقد رسول الله صلوات الله وسلامه عليه وآله محالفة مع يهود المدينة ، وقال عن حلف الفضول الذي حضره في الجاهلية:لو دعيت إلى مثله في الإسلام لأجبت .

ألا بربكم دعونا من شكلياتكم التي تصور الإسلام على غير حقيقته وأربعوا على أنفسكم ، فإننا نتصرف بفهم صحيح من ديننا ، ولسنا بالمترخصين في شيء يمس عقيدتنا الطاهرة من قريب أو بعيد . ولقد علمتم أن حضور الإخوان اجتماع الهيئات الناظرة في مستقبل الديمقراطية بمصر أدى إلى صدور بيان المجتمعين متوجاً بطلب التطبيق لشريعة الله ، وعودة الأئمة المبعدين إلى مساجدهم ، أفليس في ذلك ربح للدعوة وتأييد لمبادئ الإخوان المسلمين !.. فماذا تريدون بعد هذا .

لقد اتهمنا السادات بأننا المسئولون عما سمعناه بالفتنة الطائفية،فكان تعاملنا مع أقباط مصر ، وموقفهم منا أثناء مرض بعضنا ، أبلغ رد على تلك المفتريات . ولسنا نمن بعمل ولكننا نشهد الله أن المسلمين أبعد الناس عن التعصب ، وأن محمداً صلوات الله وسلامه عليه ما أرسل إلا رحمة للعالمين .

إن دعاة الإسلام في أمس الحاجة لإثبات هذه الحقيقة للناس جميعاً حتى يعلموا بيقين أن سماحة الإسلام وجماله وجلاله فوق كل الشبهات ، وقد رأينا ربنا تبارك اسمه حين يصف اليهود بأنهم أشد الناس عداوة للمؤمنين لم يجعل هذه العداوة متبادلة ، بل جعلها من ناحيتهم وحدهم ، لأن المسلمين مكلفون دعوة الناس إلى ما يسعدهم ويحييهم في الدنيا والآخرة ، ولن يكون ذلك بمعاداة الناس والتجهم لهم ، ولكن بالتودد إليهم ترغيباً وتحبيباً بدعوة الله .. هذه طريقتنا ولن يثنينا عنها مخالف أو معترض، والله نسأل الهداية والمغفرة للجميع ..

وبعد فهذه خلاصة مكثفة لما كتبه فضيلة الأستاذ التلمساني من جواب على استيضاحنا تلك الإشاعة غير المحققة بشأن موقف الإخوان المصريين من الشيوعيين ، والتي حاول بعضهم استغلالها ، وأساء البعض الآخر فهمها ، فكان في هذا العرض الوافي ما يكفي ويشفي .. وقد التزمنا بنقل هذا التفصيل من كلمات الأستاذ ، وعباراته ذات الطابع الخطابي ، الذي يميز أساليب الدعاة في ندوات الجماعة ..

بقي أن نتذكر أن صلاة يقوم بها شيوعي ذات يوم أو أيام لا تزيد على صلاة أولئك الذين كانوا يؤدونها وراء رسول الله من عصائب ابن أبي بن سلول (الأب)الذين يصور القرآن العظيم حقيقتهم بمثل قوله:(وإذا لقوا الذين آمنوا قالوا آمنا ، وإذا خلوا إلى شياطينهم قالوا إنا معكم إنما نحن مستهزئون) (سورة البقرة 14) وأي صلاة هذه التي يتظاهرون بها وقد كفروا بأصل العقيدة حين رضوا لأنفسهم ولأمتهم نظاماً للحكم غير الذي أنزله الله .. وحسبنا في أمثالهم قول ربنا القاطع المانع (فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً) (سورة النساء 65).

       كنت أحد الجهات المدعوة للشهادة في قضية الجهاد بيد أن الظروف حالت دون حضوركم يومئذ ولو قدر لكم الحضور ، فما الفكرة التي كنتم ستدلون بها إلى المحكمة في هذه القضية !..

ما كنت بزائد على ما قاله فضيلة الشيخ الجليل صلاح أبو إسماعيل عضو مجلس الشعب إلا أني أضيف إلى ذلك إقراري بأن الشباب أخطأ ، وأن الحكومة أخطأت كذلك . أخطأ الشباب في اتجاهه وأخطأت الحكومة في تصرفاتها معهم . إنه شباب مسلم حقاً ، ولكنه أخطأ الطريق في إقامة ما رآه من اعوجاج .

لقد فسحت الحكومة المجال لشرح وجهة نظرها،وحرمت الشباب حقه في عرض مفهوماته،وليس هذا بالمنهج المنشود في الإصلاح،فالحجة بالحجة والدليل بالدليل،وليس سوى هذا للإصلاح والتصحيح من سبيل،إلا أني أصبحت مرتاحاً لما يعرضه علينا التلفاز من الحوار الذي يقوم به أفاضل العلماء وهذا الشباب ... والله هو المسئول أن يأخذ بيد الجميع إلى خير الإسلام والمسلمين .

       وما مطالعاتكم في شأن الحوار القائم بين لجنة بالأزهر وفضيلة الشيخ صلاح أبو إسماعيل حول شهادته في هذه القضية ....

إنني أميل إلى الأخذ برأي فضيلة الشيخ صلاح ، لأن ما فصله في شهادته عن أوجه الإنحراف الاجتماعي والفردي والحكومي هو من الواقع الذي لا مندوحة من أن يؤخذ فيه بالرأي الحاسم ، والإجراء الفاصل ، لكي توضع الأمور في نصابها .. وإني لمع القائلين بعدم إسكات المتألم الباكي قبل أن أطلب من المتسبب في هذه الآلام أن يقلع عن كل ما دعا إلى التألم والشكوى .

وقد اعتبر عمر بن الخطاب نفسه مسئولاً عن ضرر العاثر إذا لم يكن قد سوى له الطريق ، فما بالنا ونحن نرى الصراصير والنمال تتهاوى على مقدسات العقيدة والأخلاق !!. إنني بطبيعتي لا أقر العنف أياً كانت صوره ، ولكني أصرح في الوقت نفسه بوجوب إزالة كل المسببات لطلقات المدافع والرصاص .

إن قضية الجهاد بين يدي قضاء عادل أثبت نزاهته ومراقبته لله الذي يحول بين المرء وقلبه ، وهو المسئول أن يلهمه الصواب ، وأن يجري الحق على لسانه أياً كان الحكم الذي سيصدره .. بل إني لأذهب إلى أبعد من ذلك فأطالب بالتقويم وسيادة الألفة والتعاون والتوادّ بين الجميع ، ولو افترضنا أن هناك إدانة فإن تصحيح المسيرة لا يزال في يد السيد رئيس الجمهورية ، لأن الدستور يمنحه العفو الشامل ، إذا ما قدر أن ذلك في مصلحة الوطن . إن لمثل هذه الخطوة فاعلية رائعة في نفوس الشباب ، إذ يؤمنون حينذاك أن أزمة البلاد في يد أمينة حانية ، ولا مرد لما حدث ، أما الإبقاء على الأحياء بالعفو والصفح فقد يكون من ورائه خير كثير ..

وجزى الله الأستاذ التلمساني كل خير على نصيحته الحكيمة هذه ، وكم نود لو أبلغها إلى رئيس الجمهورية قبل فوات الأوان ، فقد يتأخر ظهور هذا الكتاب إلى ما بعد صدور حكم القضاء في مئات من صفوة شباب مصر ، وقد يتم تصديق الرئيس عليه فيصير بهم أو بأكثرهم إلى لقاء الله ، ولو وصله مثل هذا التذكير الحكيم قبل ذلك لكان حرياً بأن يترك أثره في قلبه ..

وليس هذا بغريب في تاريخ ذوي السلطان ، فرب كلمة من عقل حكيم ، أو نفثة من قلب شاعر، قد هزت أريحية جبار فاستبدل بالعقوبة العفو ، وبالقسوة الرحمة ، ولم تزل قلوب العباد بين أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء ، ولا يزال في أهل الإسلام خير بفضل الله ، وسننقل هذا الرأي إلى فضيلة الأستاذ التلمساني عسى أن يلهمه الله العمل به ، والله الموفق والمستعان .

       على الرغم من كل المعوقات التي تواجه مسيرة الدعوة في معظم الديار الإسلامية يلاحظ أن ثمة نهضة إسلامية تتنامى بقوة وعمق ، ولا سيما في الأوساط الجامعية العلمية وبخاصة في مصر .. فما تفسير ذلك ، وما توقعاتكم بشأنه ، وما السبيل إلى ضبط هذه النهضة في طريق الإسلام الصحيح!..

لقد بلغ الفساد بالمجتمعات الإسلامية حداً لا يمكن تجاهله ، وآمن الجيل الحاضر والغابر ألا ملجأ ولا منجاة من ذلك التدهور إلا بدين الله ، فانبرى لحمله صادقاً مخلصاً ، وأخذ المد الإسلامي يرقى ويتسع ، فأنزل به أعداء الإسلام ضربات قاسمات حسبوا معها أنهم بذلك يقضون على الدعوة والدعاة ، وغالوا في تخبطهم فسلكوا إلى أغراضهم كل سبيل شيطاني ، وكل وسيلة جهنمية ، فاستباحوا الأعراض ، وانتهكوا الحرمات ، وتنكروا لكل معنى إنساني ..

وما كان أشد غيظهم عندما رأوا أن كل منة ينزلونها بأهل الحق تزيد من تصميمهم فيزدادون عدداً وإقبالاً على الله ، وكأنما كل تلك المحن مغريات بالمضي في سبيل الله . ومن هنا شرعوا في تعديل طرائقهم فجربوا وسائل الإغراء من المال والمباهج والمراكز ، وإذا بالنتائج عكس ما يتوقعون ، فلا الإغراء بمجد ، ولاالإرهاب بناجع ،فعادوا إلى الإجرام مرة أخرى ، ولن يفلحوا إذا أبداً ..

والسر في ذلك غاية في البداهة ، ذلك أن الإيمان إذا خالطت حلاوته القلوب ، وتمشى برده في الصدور ، هان على أهله كل ما يبتلون به .. وقد اقتدى شبابنا الطاهر بسلفه الصالح ، وراجع مواقفه الإيمانية ، فإذا هو مصمم على احتمال أمثالها في سبيل الله ، لم يزده البلاء إلا إصراراً وتسليماً ، فإذا ما اكتوى جسده الناحل بلذعات السياط ، انطلق لسانه بكلمة التوحيد ..

ذلك هو الطريق الوحيد لترسيخ العقيدة ونشرها وإنمائها وامتدادها إيمان بالله . وحب له يفوق حب المال والأهل والولد والجسد ، واحتساب لا شكوى معه ، ويقين راسخ بموعود الله (وكان حقاً علينا نصر المؤمنين).

أجل .. إن الوعي الإسلامي قد استيقظ في قلوب المسلمين وهيهات أن يناموا ، وقد لفتت هذه اليقظة أنظار الشباب إلى ما عليه أمتهم من ضعف وهوان ، فعز عليه أن يرى خير أمة أخرجت للناس في هذا الدرك المشين ، فعاهد ربه على العمل لعودة العزة السليبة أو الموت الكريم في طاعته .. وهكذا استهانوا بقوة الأعداء اعتزازاً بقوة الله ، فهم منتشرون في أرجاء الأرض داعين إلى الله على بصيرة ، مصممين على استرداد القياد الذي سلبتهم إياه القوى الباغية ، لتعود القافلة التائهة إلى المحجة الهادية ،فتقدم للبشرية الضائعة أكرم رسالة وأقوم منهاج يخرجها من الظلمات إلى النور ..

ذلك هو واقع الجيل الذي يمثل هذه النهضة في مصر بخاصة وفي العالم الإسلامي كله بعامة ، وما دام المنطلق صحيحاً سليماً فالعاقبة من النوع نفسه ، إن شاء الله (إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) (سورة النحل 128).

وعن ظاهرة الانحراف في مسيرة بعض الشباب والسبيل إلى ضبطها في طريق الإسلام الصحيح يقول فضيلة الأستاذ التلمساني :

إني لعلى يقين بأن الشباب المسلم سيركن في نهاية المطاف إلى الأخذ بالأساليب الإسلامية، إذ ما نشط الأزهر والدعاة والمسئولون في سبيل التوضيح والشرح والتبيين . إن أولئك الذين يرمونهم بالانحراف والتطرف قد عوملوا بقسوة لا مسوغ لها،وهذا دون ريب قد ترك في نفوسهم الكثير من المرارة والحفيظة.

والمسئولون هم المكلفون بالعمل الدائب على إزالة هذه الندوب ليأخذ كل شيء خطه المستقيم . وإني لواثق كل الثقة بأن معاملة الشباب على هذا المنهج النبوي الراشد الرحيم ستأخذ بيده إلى الجادة التي لا ضلال فيها لسالك .

إن الحاكم هو الطرف الأقوى ، وعبء إصلاح العوج واقع على كاهله،وعليه هو أن يبدأ حتى يحس الشباب أنه يتعامل مع عاطفين عليه محبين له ، لا مع كارهين له ناقمين منه .. إننا نطالب الشباب بالعدول عن العنف ، وفي الوقت نفسه نطالب المسئولين بأن يبينوا صلتهم بالشباب على هذا الأساس الصالح ، وحبذا لو فسحوا المجال أمام الدعاة الذين طال تمرسهم بمعالجة النفوس ، إذن لرجونا أن تؤتي جهودهم الثمرات الطيبة والمرجوة .

ذات يوم بعد أحداث العام 1981 طلبت مني وزارة الداخلية أن أذهب إلى سجن طرة للتحدث مع المعتقلين ، وفعلت والتقيت بالكثيرين منهم هناك ، وكانوا من مختلف الاتجاهات والأفكار، ودخلت معهم في حوار متفاوت الحرارة ، ساخن مرة وهادئ أخرى ، ولكن ما إن انتهى الحوار بعد ساعة ونصف حتى اندفع الشباب كلهم إلى احتضاني وتقبيل رأسي ويدي ، إعراباً منهم عن الإقتناع بما سمعوا ووعوا .

وهنا ، وقبل الانتقال إلى متابعة الحوار، يحسن بي أن أقف قليلاً لأعرب عن عميق إعجابي بهذا المنهج الذي يميز أفكار الأستاذ التلمساني في معالجة أدق الأمور وأشدها حساسة ، حيث يعطي كلاً من الشباب والحاكم حقه من التذكير والنصيحة ، فإذا كان من واجب الشباب الالتزام بأدب الإسلام في أسلوب العمل وفق التوجيه النبوي في قوله ، صلوات الله وسلامه عليه:

" إن الله رفيق يحب الرفق " (1) فمن واجب الحاكم أيضاً أن يلتزم بمنهج الإسلام في علاقته بذلك الشباب المتطلع إلى الأفضل وفق متطلبات دينه ، فيعمل بقانون الفاروق رضي الله عنه يوم أن خطب في جموع الحجيج قائلاً:

(ألا وإني إنما أبعث إليكم عمالي ليعلموكم دينكم وسنة نبيكم ، ولا أبعثهم ليضربوا ظهوركم ويأخذوا أموالكم .. (2) ويلتفت إلى عماله محذراً وتوعداً : (لا تضربوا المسلمين فتذلوهم ..) (3) وهي هي الخطة التي تعلمها الفاروق من أستاذه الأعظم رسول الهدى والرحمة القائل : " خيار أئمتكم الذين تحبونهم ويحبونكم وتصلون عليهم ويصلون عليكم (4) ويوم يعود الحكم إلى منطق الإسلام هذا لن يكون ثمة ظالم ومظلوم ، بل أسرة متضامنة متعاونة على تحقيق المنهج الذي يحبه الله "..

       وأخيراً . إن في حياتكم المباركة خبرات تستحق التسجيل لينتفع بها المسلم في كل مكان .. فهل لكم بكلمة توجهونها إلى الدعاة والشباب في ختام هذا الحوار المفيد إن شاء الله ؟..

الصعاب التي تعترض الدعاة في هذا العصر عاتية غاشمة . القوة المادية في يد أعداء الإسلام ، وقد اتحدوا مع اختلافهم على أهله ، وأكبر تركيزهم على الإخوان المسلمين . وعلى أساس الموازين البشرية لم يكن لجنود طالوت المؤمنين طاقة بجالوت وجنوده ، ولكن لما أيقنت عصبة الإيمان أن النصر من عند الله وليس مرهوناً بالعدد والعدة هزموا كتائب جالوت بإذن الله .

إنني لا أستهين بقوة العدد ، ولا أطلب من الدعاة أن يخلدوا إلى التواكل ومصمصة الشفاه ، وتحريك الأعناق يمنة ويسرة ، وضرب الأكف بعضها ببعض .. إنها نكبة النكبات القاضية الماحقة الساحقة ، ولكن التمسك بالوحي المنزل من عند الله ، والجهر بكلمة الحق في إصرار واستمرار، والاستهانة بكل صنوف الإيذاء ، وضرب المثل العالية من أنفسهم في الرجولة والبطولة والثبات ، ويقينهم بأن الله مبتليهم بشيء من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات ، ليعلم الصادقين من المزيفين .. هذا كله من أسباب النصر في سنن الله ، وقصص القرآن خير شاهد على ذلك .

أما الشباب فإن العزيمة التي تواكب وعيه العميق في غير حاجة إلى الكثير من التجارب ، ولكنها بحاجة إلى الكثير من الصبر ، والالتزام بتوجيهات الوحي من الكتاب والسنة.ثم من حيوات السلف الصالح الذين قيدوا تصرفاتهم بها فحقق الله لهم من العزة والسؤدد ما يشبه الخوارق.

إن شبابنا قد بلغ أشده واستوى وآتاه الله حكماً وعلماً وعزيمة ورشداً وفهماً سليماً ، فعلى بركة الله ، ومن تكن نصرته دانت له الدنيا على وجه اليقين ، ومن ينصره الله فلا غالب له .. و (قل الله ثم ذرهم) .

قالوا عن التلمساني

كتبت صحيفة (وطني) لسان حال الكنيسة المصرية في عددها الصادر في 25/5/1986م، عن عمر التلمساني فقالت:

توفي إلى رحمة الله الأستاذ الكبير عمر التلمساني بعد معاناة مع المرض، فشق نعيه على عارفيه في مصر وفي العالم الإسلامي الذي يعرف كفاحه من أجلالدعوة التي حمل لواءها، وامتاز فيها بأصالة الرأي ورحابة الصدر واتساع الأفق وسماحة النفس، مما حبب إليه الجميع من إخوانه ومواطنيه، كما كانت علاقته بإخوانه الأقباط علاقة وثيقة عميقة تتسم بالتفاهم التام والحب والصداقة.

رحل رحمه الله عن عمر أربى على الثمانين وكان يشكو في سنيه الأخيرة من وعكة مرضية إلى أن أصيب بتليف بالكبد اضطره إلى دخول المستشفى من شهر... ومن أسبوعين انتابته غيبوبة، فظل في غرفة الإنعاش على أن جاد بأنفاسه الأخيرة مأسوفًا عليه من الجميع.

و"أنطون سيدهم" يشاطر أسرة الراحل الكريم وإخوانه ومواطنيه مشاعر الحزن على فقد هذا الشيخ الجليل، رحمه الله رحمةً واسعةً.

وقال محرر (جريدة الأهرام) في 13/6/1986م:

عرفته منذ نحو عشر سنوات، فلم أر فيه غير الصلاح والتقوى، كان هادئ الطبع، قوي الحجة، يدعو إلى الله على بصيرة من الأمر، ذلك هو المغفور له الداعية الإسلامي الكبير عمر التلمساني الذي فقد العالم الإسلامي بفقده رجلاً من أعز الرجال وأخلصهم لدعوة الحق.

فقدناه في وقت نحن أحوج ما يكون فيه إلى أمثاله من ذوى الرأي السديد، والفكر الرشيد الذين يعرفون جوهر الإسلام ويدعون إليه بالحكمة والموعظة الحسنة.

إن حزني على رحيل عمر التلمساني شديد، فقد كان الرجل من الدعاة الذين يعملون في مجال الدعوة الإسلامية وفق المنهاج الإلهي الذي يصوره قول الله تعالى:﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا﴾ (البقرة: من الآية 286)... وقوله عز وجل: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ﴾ (البقرة: من الآية 185).

وإذا كان لي من دعوة أتوجه بها إلى الله عز وجل بعد رحيل هذا الداعية الكبير، فهي أن يوفق سبحانه وتعالى الذين يعملون في مجال الدعوة من بعده إلى العمل وفق هذا المنهاج وإلى السير على طريق الراحل الكريم الذي هو في واقع الأمر، صراط الله المستقيم الذي أمرنا الله بإتباعه.

وقال الأستاذ يوسف ندا:

﴿مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا (23)﴾ (الأحزاب).

المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين بكافة تنظيماتها المحلية والدولية والعالمية بعد سن قارب الاثنين والثمانين عامًا تكالبت عليه فيها أنياب الظلم فلم تنفذ إلى عمق توحيده للقادر على الرزق والأجل. عمل في صفوف الجماعة ثم في قيادتها ثم على رأسها ثلاثة وخمسين عامًا، قضى منهم في السجون والمعتقلات أكثر من عشرين عامًا منهم سبعة عشر عامًا متصلةً.

عاش بقلب كبير احتوى كل من أجهد نفسه في حرب معتقداته، وبخلق كريم أسبغه على الكريم وعلى اللئيم. وعاش عفيفًا ليس لغير الله عليه يد فكان جبلاً في الإباء والشمم. وفيًّا يذكر ويشكر الكبير والصغير على ما قدموه لغيره أو لدعوته.

عظيمًا في إيمانه وإسلامه، متواضعًا أفخر بالبساط في العيش والمظهر، أكبرته قلة زاده التي نافس بها الفقراء وطهارة القلب وبراءة الوجه وحياء الطفولة التي زينت هيئته وشيبته. عاش مجمعًا لكل من تفرق على فكر أو عمل أو دين أو مذهب عاش يدعو الناس حتى يكونوا مسلمين ويؤلف بين المسلمين حتى يكونوا إخوانًا.

وقال الأستاذ جابر رزق المتحدث الرسمي باسم جماعة الإخوان المسلمين:

 الأستاذ عمر التلمساني في سجن الواحات

لقد اختار الله الشيخ عمر التلمساني ليقود الجماعة في سنوات ما بعد محنة السجون التي استمرت قرابة ربع قرن من الزمان، فاستطاع بحكمه الشيخ الذي حنكته السنون، وأنضجته السجون، وبميزات شخصه منحه الله إياها. وبأخلاق الإسلام التي صبغت سلوكه وتصرفاته.

أن يفرض "الوجود الفعلي" لجماعة الإخوان المسلمين على الواقع المصري، والعربي، والعالمي، فعلى مدى العقدين الأخيرين: عقد السبعينيات وعقد الثمانينيات كانت كلمات التلمساني، وتصريحاته وكتاباته تبرز في مقدمة وسائل الإعلام محليًّا وعربيًّا، وعالميًّا، والإذاعة ووكالات الأنباء من كل أنحاء العالم، وجاءه مندوبو الصحف حتى اعتبر عام 1980 صاحب أكبر عدد من الأحاديث الصحفية والتليفزيونية على مستوى العالم.

وكتبت السيدة زينب الغزالي تقول:

عرفته، فقرأت في تقاسيم وجهه الحب لكل الناس. لا بأس من أن يرى العاصي يومًا، تقيًّا نقيًّا قريبًا من الله. يغفر للحاكم المسيء، كما يغفر للفقير الذي استغرقه الخطأ، ولكن لا يكف عن نصيحة الحاكم وتربية الفقير، لا يخشى إلا الله، ولكنه يستحيى أن يقول لإنسان أنت مسيء، فقط يدعو له ويعظه في جموع المسيئين والمحسنين.

يحمل الطهر في كل جوارحه، لحقيقةٍ جُبل عليها، عف اللسان مع من أساء. حيي كالعذراء البتول، قوي في الحق الذي اعتقده، مصر على نصرته، أب لكل أتباعه ومريديه، الشدة لا ترهبه، غياهب السجون لم تزده إلا إصرارًا على الحق، وتفانيًا في نصرته.

ولا أنسى ذلك اللقاء، وكان في ألمانيا، عندما سألته: المسلم إذا احتاجك وليس من جماعتك، وأنت قادر على مساعدته، ماذا تفعل؟ قال لا أتأخر لحظة واحدة على نصرة مسلم.

يقول الأستاذ صالح أبو رقيق من الرعيل الأول وعضو مكتب الإرشاد:

كان فقيدنا الجليل طيب الله ثراه، سمحًا يذوب رقةً وحياءً، ويتألق تواضعه في عزة المؤمن، وكبرياء الواثق من نفسه والمقدر لمكانته، دون صلف أو تكبر، من الذين قال الله فيهم ﴿أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ﴾ (المائدة: من الآية 54).

جاهد في سبيل الله أصدق جهاد، وتحمل في سبيل ذلك أشد العذاب وقدم أعظم التضحيات.. وكان متمكنًا في الفقه، عالمًا بجميع جوانب دينه الحنيف، متحدثًا مقنعًا. وخطيبًا مؤثرًا، تخرج الكلمات من أعماق قلبه، فيأتي وقعها على القلوب بردًا وسلامًا. عذب الأسلوب، مهذب المنطق، في جلال ووقار. تاريخه حافل بالمواقف المشرقة، ولم تثنه الأحداث الجسام وشرور اللئام عن قول الحق، والتمسك بالحق، والصمود من أجل الحق، الذي كان يؤمن به.

ولا أنساه في سجن الواحات الذي خصص أصلاً للإخوان المسلمين ومن بعد للشيوعيين، والجو قاري، وقارس البرد شديد الحر، مع العواصف الرملية الشديدة التي يدخل رملها في مسام الجلد، فتثير الأعصاب، وتقلق الراحة وتقض المضاجع وتزعج النفوس، ظروف غاية في الصعوبة لا يتحملها إلا أولو العزم، كان رحمه الله يقابلها بابتسامة الرضا العذبة، وجلد المؤمن القوي، الواثق من أن ابتلاء الله لعبده يحقق أسمى الغايات لكل مؤمن، يكفر عن سيئاته ويكون في ميزانه يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. ولسان حاله يقول قولة الصوفيين: "كل ما يأتي به المحبوب محبوب".

وقال الشيخ عبد البديع صقر أحد الرعيل الأول في حقه:

عرفته محاميًا ناشئًا يواظب على محاضرات الأستاذ حسن البنا في دار العتبة الخضراء سنة 1936م.. ثم عضوًا في الهيئة التأسيسية للجماعة ، ثم عضوًا فيمكتب الإرشاد العام.

كان رجلاً جميلَ الخلقة، متكاملَ الهيئة، تامَ الأناقة وكان أمثالنا من "المنتوفين" يقولون عنه وعن أمثاله من الوجهاء " مثل محمود أبو السعود وحسين عبد الرزاق ومحمد محمود الصواف ومصطفى السباعي" يقولون: هل هذه الأشكال تصلح للعمل الإسلامي؟ أو تقوى على "البهدلة" في سبيل الدعوة؟.. ولكن محيط الدعوة كان سوقًا كبيرًا يتسع "للمشطوفين" و "المنتوفين" على حد سواء.

والمحنة لا تحتاج لأسباب فهذا المحامي المترف الخجول لم يشتم أحدًا ولم يشترك في نقاش مع أحد فضلاً عن أن يضرب أو يجرح وكان مستغرقًا في مكتبه الناجح. ولكنه سيق إلى السجن ثلاث مرات قضى في بعضها سبعة عشر عامًا متوالية وفي الصحاري المحرقة.

قال الشيخ الدكتور عبد الستار فتح الله سعيد أستاذ التفسير بجامعة الأزهر الشريف:

رحم الله عمر التلمساني رضي عنه وأرضاه في الجنة فقد كان نفحةً من نفحات الله تعالى في حياته ومماته جميعًا. وذلك منذ بدأ رحلته في الدعوة الإسلامية منذ نصف قرن أو يزيد، وكان يومئذ شابًا يافعًا مترفًا، أنيقًا رقيقًا، يشفق عليه الخبراء بأثقال الطريق، وأعباء الدعوة ، وتبعات البيعة.

ثم حين ختم رحلة حياته وهو يحمل الراية، ويرفع لواء الإسلام ، ويقدم الصفوف جميعًا، يرى راحته في دعوته، رغم وهن العظم، واشتعال الشيب، وأنه "لم يعد في قوس العافية منزع" كما قال في آخر لقاء عام له في نقابة الأطباء في شهر ربيع الأول الماضي.

كان الرجل رحمه الله نفحة إلهية هادية، وهادئة. وكان نسمةً طيبةً. مطمئنة إلى جنب الله تعالى، اطمئنانًا راسخًا عبرت به رحلة هذه الحياة الصاخبة عبور الطيف المنير، حتى خلصت إلى ربها راضية مرضية بإذنه وفضله تعالى.

هل نذكره رحمه الله وهو في السجن المتطاول تعلوه بسمته، وأمله الدائم في الله رب العالمين؟ هل نذكره وهو يذوب حرصًا على هذه الدعوة ، ونصحًا لهذه الأمة، وإخلاصًا لهذه الجماعة المؤمنة، التي سلكت طريق الأنبياء عليهم السلام، ولا بد أن تشرب من نفس الكأس، وتخضع لسنة الله الدعوات وأصحابها؟

إننا لنذكره رحمه الله وهو يخط كلماته الندية من المعتقل، إلى الإخوان في السجون، تبشرهم بنصر الله وعظيم الأجر، وجميل التفويض.أن ألحق بإمامي الشهيدحسن البنا وقد وفيت بيعته.

وكتب الأستاذ فتحي رضوان رئيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان:

عرفت عمر التلمساني الذي استحق عن جدارة اللقب المهيب الجليل لقب "شيخ" وهو محامٍ في مدينة شبين القناطر يمارس عمله إلى آخر العمر متواضعًا لا يلفت إليه النظر، بصوت عالٍ، ولا بمشية يشوبها الخيلاء ولم نكن نعرف آنذاك عنه أمورًا منها أنه حفيد "باشا" من باشوات العرب الأغنياء الذين فاض الله عليهم رزقه؛

كما لم نفطن من مجرد اسمه أنه عربي من الجزائر مما يرفع قدره ويعلي من شأنه، فالجزائر هي موطن الجهاد والسلاح والوقوف في وجه استعمار الفرنسيين سافكي الدماء، وهاتكي الأعراض، وقاطعي الطرق فقد تصدى لهم عبدالقادر الجزائري بسلاح بسيط فأثخنهم جراحًا سبعة عشر عامًا، والعجيب أن السبعة عشر عامًا هذه، كانت من نصيب عمر التلمساني سجنًا متصلاً. احتملها صابرًا محتسبًا وخرج إلى الحياة فكأنه كان في نزهة فلم يحدث عن هذه الفترة الطويلة من القيد أو الحرمان والتضييق وتولى مكان الرياسة والصدارة بين جماعته.

وقال عنه الكاتب الصحفي محسن محمد تحت عنوان "من القلب":

قابلته في مكتب جريدة "الدعوة" بالقاهرة،لا توجد حوله سكرتارية ضخمة، أو قيود تمنع لقاءه. والمكتب الذي يجلس عليه صغيرًا للغاية فقد نبذ الرجل الأبهة، وقد كان من أغنياء الإخوان في شبابه.

وكتب الدكتور حلمي محمد القاعود أستاذ الأدب العربي بكلية الآداب بجامعة طنطا يقول:

لا أزعم أنني سأضيف جديدًا إلى ما كتب حول عمر التلمساني المسلم الصابر المحتسب، ولكني أزعم أن تقديم الرجل كقدوة هاجس يشغلني، بعد أن أصبح الذين يعنيهم تنوير هذا الشعب يكتفون بتقديم نماذج هامشية أو تحت مستوى الشبهات. لتكون الأسوة التي يحتذيها أبناء وبنات الوطن.

ولا أعتقد أن مرحلة حرجة من حياة الوطن أحوج ما تكون إلى تقديم عمر التلمساني كقدوة مثل هذه الفترة التي سادت فيها أخلاقيات الانتهازيين المرتشين والوصوليين والمنافقين والمصالح المتبادلة. فالرجل رحمه الله كان يمثل صورةً مضيئةً للمسلم الذي ظل طوال حياته "1904 - 1986م" يطمح إلى المثال الحي والقيم المضيئة.

وقال الشيخ محمد الغزالي عليه رحمة الله:

كنت في شبابي أرى الأستاذ عمر التلمساني يتردد على الأستاذ المرشد العام، ويتحدث معه في شئون الدعوة ، ويتزود منه بشتى التوجيهات: كان يومئذ يشتغل بالمحاماة، وله مكتبه في بلدة "شبين القناطر" وكان إلى جانب ذلك عضوًا في مكتب الإرشاد.

السمة العامة التي كنا نعرفه بها: وجهه البشوش وأدبه الجم وصوته الهادئ، وظاهر من حالته أنه كان على جانب من اليسار والسعة لا يسلكه في عداد المترفين، وإنما يخصه من متاعب الكدح ومعاناة التطواف هنا وهناك، ويحفظ عليه حياءه الجم.

وقد حمل الرجل في شبابه أعباء الدعوة الإسلامية في غربتها، ورأيته يومًا ينصرف من مكتب أستاذنا حسن البنا بعد لقاء لم أتبين موضوعه، ورأيت بصر الأستاذ المرشد يتبعه وهو يولى بعاطفة ناطقة غامرة، وحب مكين عميق، فأدركت أن للأستاذ عمر مكانة لم يفصح عنها حديث.

وقال الأستاذ أنور الجندي الكاتب والمفكر الإسلامي:

حياة عريضة خصيبة، كانت منذ يومها الأول إلى يومها الأخير خالصة لله تبارك وتعالى.. فقد كان "عمر التلمساني" نموذجًا كريمًا، وأسوةً حسنةً وقدوةً صالحةً يمكن أن تقدم للشباب المسلم في كل أنحاء الأرض لتصور له كيف يمكن أن يكون المسلم داعيةً إلى الله موقنًا بقوله تبارك وتعالى ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162)﴾ (الأنعام).

وكتبت مجلة (اليقظة) الكويتية تحت عنوان "الشيخ عمر التلمساني من حياة مترفة إلى سجن وتشريد" فقالت:

﴿مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيل(23)﴾ (الأحزاب) صدق الله العظيم.

هؤلاء الرجال الصادقون كانوا كثرة في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولما تطاول العهد وتقادم زمان النبوة قل أولئك الرجال الصادقون حتى أصبحوا في ندرة الدر والجوهر.

إذا كان في زماننا هذه أحد من أولئك الأبطال فإنه بلا ريب الشيخ عمر التلمساني الذي جاء نعيه منذ أيام ونزول خبر موته كالصاعقة على قلوب محبيه ومريديه والمعجبين به.

والشيخ عمر التلمساني كان محبوبًا لدى الجميع من عرفه عن قرب أو سمع عنه عن بعد، وذلك لدماثة أخلاقه، ورقة قلبه، وتسامحه العظيم حتى مع أعدائه ومخالفيه.

وكتب سيد هادي خسرو شاهي في جريدة (اطلاعات) الإيرانية في عددها الصادر في يونيو سنة 1986م يقول:

"كان وفيًّا لمبادئ الإخوان طوال حياته، قضى عشرين سنة من عمره في سجون الاشتراكيين وأتباع القومية العربية بعد المؤامرة الغادرة التي دبرها جهاز الأمن المصري ضدهم بأوامر الضباط الديكتاتوريين حكام مصر ، وذلك من أجل قمع الإخوان المسلمين .

يرحم الله الشيخ الذي بقي صامدًا في طريقه ولم يستسلم لليسار المزور أو اليمين المتطرف، وأسلم الروح في النهاية بجبين مرتفع وتاريخ وضاء وهو اليوم بلا شك في حضرة العدل الإلهي وينبغي على فراعنة مصر أن يقدموا لله حساب الظلم الذي ألحقوه به وبآلاف المسلمين المصريين الآخرين، والأمة المصرية والعالم العربي والإسلامي؟!"

وقالت (جريدة الرأي العام) في عددها الصادر في 30/51986/م تحت عنوان "المجاهد الإسلامي عمر التلمساني وداعًا":

فقدت الأمة الإسلامية مجاهدًا بارًا.. أعطى حياته لقضية الإسلام وظل حتى آخر رمق في حياته ينادي بتطبيق الشريعة الإسلامية كوسيلة لخلاص الأمة العربية من الأزمات والنكبات التي لاحقتها في السنوات الأخيرة بعد أن تعثرت قوانين الشريعة في دهاليز مجالسها النيابية، لقد كان عمر التلمساني.. المجاهد الإسلامي، لا يخاف لومة اللائمين، أو ظلم الحكام، أو إرهاب أعداء الإسلام ، وكان يقول كلمته لوجه الله تعالى.

وكان رحمه الله مناضلاً كبيرًا، لا يهادن، ولكن يجنح للسلم دون ضعف أو ترجع، وبالرغم من كبر سنه واعتلال صحته فإنه حمل مشعل الكلمة الطيبة المناضلة حتى آخر يوم من حياته، وحظي باحترام أعضاء جماعته والناس، و(الرأي العام) تنعى الأمة الإسلامية في فقدها المجاهد الإسلامي عمر التلمساني ، أسكنه الله فسيح جناته.

وكتب الأستاذ خالد محمد خالد تحت عنوان "الإخوان المسلمون بين وداع فارس شهيد وانتظار مرشد رشيد" فقال:

يوم الجمعة الماضي زفت إلى السماء في عرس عظيم روح فارس شهيد، أجل شهيد!!فالرجل الذي يواصل رحلته المضيئة في سبيل الله مغالبًا شيخوخته، ومقاومة أسقامه وأمراضه.

حاملاً رايته في ثبات وولاء ورشد حتى اليوم الأخير من أيام حياته الوهنانة، غير متجانف لكسل، ولا مجلد لراحة، يرى حياته تميل للغروب، وزورقه يترنح بعيدًا عن المرفأ والشاطئ ثم يصر على المقاومة. الراية ملء يمينه، والولاء لها ملء يقينه. ثم لا يكفكف من بلائه وعطائه سوى غيبوبة الموت، إنه إذن لشهيد وأي شهيد...!!

كذلكم كان "عمر التلمساني" رحمه الله ورضي عنه.وإني لأبصر في هذا الرجل "مَعلمًا" من معالم الدعوة التي فتح كتابها، واستهل شبابها الإمام الشهيد "حسن البنا" رضي الله عنه وأرضاه.

"عمر التلمساني" وحده، مَعلم من معالم هذه الدعوة بما أورثته من هدى ونور..!!ولقد كان الرجل المناسب في الوقت المناسب لقيادة "الإخوان المسلمين" الذين خرجوا من محنتهم التي تتضاءل أمامها كل المحن، يتلمظون برغبة طبيعية في الثأر والانتقام..!!

فجاءهم "عمر" وقد انتفع بالدرس القديم!! وحذق العبرة منه. وصادف ذلك طبيعة فيه وديعة، ومسالمة، فنبذ العنف ونسي الثأر.

وقال عنه الصحفي الكبير الأستاذ مصطفى أمين تحت عنوان "فكرة":

لو كان عمر التلمساني على قيد الحياة لاستنكر إحراق المسارح ومحلات الفيديو ومحل بقال في الزمالك. فالإسلام الذي سمعته من فمه دين يدعو إلى الحب والتسامح والبناء والتعمير، ويرفض العنف والحرق والتدمير. ولا إكراه في هذا الدين ولا حقد ولا بطش ولا انتقام.

وقد أمضيت سنوات طويلة مع التلمساني في سجن ليمان طرة . وكانت زنزانته في مواجهة زنزانتي، كنت أراه كل يوم وأتحدث إليه.

وكان أكثر ما حببني فيه سعة صدره واحتماله الغريب، ومواجهته للبطش والاستبداد بسخرية واستهزاء، فقد كان يشعر أنه أقوى من الذين قيدوه بالأغلال، وكان مؤمنًا بأن المحنة لا بد أن تنتهي ويخرج من السجن ويكتب رأيه وينشر الفكر الذي آمن به. كان يعتقد أن العنف يضر ولا ينفع. يسيء للفكرة ولا يخدمها. كم تدخل ليهدئ الثائرين ويهدى الضالين.

وكان التلمساني يرى أن الإسلام يلعن الطاغوت، أي الذي يفرض إرادته على الناس، ويكتم أنفاسهم ليتكلم، ويقيدهم ليتحرك فوق أشلائهم. وكان يعارض الاغتيالات وأعمال العنف. ويرى أن مقاومة الطاغية تكون بالصمود والإيمان والثبات.

وقال عنه المفكر والكاتب الصحفي اليساري أحمد بهاء الدين:

تركت وفاة المرحوم عمر التلمساني مرشد عام الإخوان المسلمين مذاقًا مرًّا لدى جميع الناس، فالفترة التي وقف فيها الرجل في مقدمة جماعته مرشدًا وممثلاً لهم، تميز فيها أمام الناس بعفة اللسان، وسعة الأفق، واتساع الصدر للحوار، والأدب الجم في هذا الحوار، مهما كان خلاف الآخرين معه.

ولي معه تجربة شخصية جرت هنا على صفحات (الشرق الأوسط) فقد كان المرحوم عمر التلمساني ينشر مذكراته في جريدة (الشرق الأوسط)

وجاء على ذكر واقعة محاولة اغتيال جمال عبد الناصر في ميدان المنشية،ووقائع أخرى، ونشرت في هذا المكان ردودًا من وجهة نظري على ما قال ورد على، وكررت الرد عليه، فوجئت بعدها بخطاب شخصي منه، رقيق وطويل، يقول فيه بعد كلمات تقدير كريمة منه خلاصته أنه يفضل لو نقلنا الحوار إلى لقاء شخصي وحوار متبادل بطريقة لا تبلبل الناس ولا تستثير مشاعر متناقضة.

وما زلت أحتفظ بهذا الخطاب، معتزًا به، وبلهجة الاحترام مع الخلاف الذي تنطوي عليه، لا لأنه من عادتي الاحتفاظ بالأوراق الشخصية، فأنا شديد الإهمال في ذلك، ولكن لأنني أحب أن أظهره لبعض من لا يعرفون من الخلاف السياسي إلا اللدد في الخصومة والعناد في الحوار، الأمر الذي ينقص ساحتنا العربية كتابةً وخطابةً وصحافةً وإذاعةً إلى حد مرضي تعيس!

ولم نلتق، فبعد أسابيع كنت في حجرة مستشفى المقاولون العرب واكتشفت أن المرحوم الشيخ عمر التلمساني في الحجرة الملاصقة لي، اكتشف هو ذلك قبلي، فكان بعض زواره يمرون على للتحية قائلين إنهم يحملون معهم تحية الشيخ عمر التلمساني.

وقال الأستاذ محمد حامد أبو النصر المرشد العام:

لقد افتقدنا مجاهدًا عظيمًا، ومرشدًا عظيمًا، ومرشدًا راشدًا، حمل الأمانة ونصح للأمة، وأدى الرسالة على أكمل الوجوه، في ظل ظروف صعبة وقاسية ومريرة، ولن نهدأ نحن الإخوان المسلمين حتى نرى شجرة الإسلام قد نمت وترعرعت، لقد كان رحمه الله عف اللسان، عف القلم، عف السلوك.

وقال الشيخ عبدالحميد كشك الداعية الإسلامي الكبير:

الراحل الكريم، يرحم الله جهاده، ويرحم الله صبره بعد الإرهاب والسجون والمعتقلات ، ظل في السجون سبعة عشر عامًا فما لانت له قناة، وما انحنى إلا لله، وما ركع إلا لمولاه، وما سجد إلا للواحد الديان، يا عمر نم هادئًا بجوار الحق سبحانه، نم إلى جوار ربك بعد أن صبرت واحتسبت.نشهد أنك والحمد لله قد صبرت واحتسبت وبلغت وأديت فإلى جوار الله في جنات ونهر.

وقال الدكتور الحبر نورالدين مراقب عام الإخوان المسلمين في السودان:

رحم الله عمر التلمساني الذي قاد دعوة عالمية لا تعرف تجزيئًا ولا تفريقًا، إنها الدعوة الربانية الأصيلة التي لن تموت أبدًا، فأصلها ثابت وفرعها في السماء، لقد كان رحمه الله الوجه الطلق البشوش، لقد كان الخلق الكريم، والأدب الجم، لقد كان ذا عزيمة لا تقاوم، وقناة لا تلين.

لقد كان يعامل الجميع معاملة الأب الرحيم الشفوق، وقد كان ينظر إلى الإخوة من السودان وغير السودان نظرةً واحدةً.

ولقد كتب الشيخ حافظ سلامة الداعية المسلم وقائد المقاومة الشعبية في مدينة السويس الباسلة:

لقد اجتمعت الأمة بكافة ممثليها لتشييع قائد من خيرة قوادها فلم يحدث ما يعكر الصفو ويخدش الأمن، إنه عمر التلمساني الرجل الذي لم يضعف أمام جبروت السلطان.لقد عاش الرجل في سبيل دعوته كل حياته، ولقد مرت به وبإخوانه وتلاميذه ومريديه الكثير من المحن ومع ذلك ظل صابرًا محتسبًا.

وذكر الدكتور عبد الصبور شاهين ممثل هيئة التدريس بجامعة القاهرة:

لقد كان عمر التلمساني رجل المرحلة، فقد كانت الدعوة قد أساء إليها أعداؤها أيما إساءة، فجاء عمر التلمساني ليطرح على الدنيا وجه الدعوة المشرق فكان صورةً حيةً من صور التسامح والتوازن والاعتدال، صورة الصدر الذي يتسع لسفاهات الأعداء، ولست أنسى يوم واجه السادات وقال له: إني أشكوك إلى الله.

وقال الأستاذ محمد رزق المحامي مندوب نقابة المحامين المصريين:

إن انتساب سيدي وأستاذي الفقيد الذي كان يفيض رقةً وعلوًّا كان شرفًا لنقابة المحامين، إن الأستاذ عمر مات جسده من سنوات ولكن قلبه حي وروحه حية فلم يستسلم للضعف وظل يدعو إلى الله إلى أن سقط وهو في الميدان، اعتقل وعذب، ولكنه خرج أقوى من الحكومة.

إن جماعة الإخوان ليست بحاجة إلى أن تعود بقانون.. فجنازة الراحل الكريم كانت استفتاءً على شرعيتها القانونية، والمحامون يشرفون بانتساب التلمساني إلى نقابتهم.

ويقول الأستاذ محمد سعيد عبد الرحيم في كتابه (عمر التلمساني المرشد الثالث للإخوان المسلمين):

".. هلك الطاغية وخرج المعتقلون الذين قضوا في السجون سنوات طويلة، خرجوا وقد صقلتهم المحنة فقويت نفوسهم واشتدت عزائمهم، لئن كانت أبدانهم قد وهنت فإن أرواحهم أصبحت أكثر تعلقًا بما عند الله واستصغارًا لكل عرض زائل، وانتفى من قلوبهم الخوف، خرجوا من المحنة رجالاً كالجبال في شموخهم وصمودهم، في السجن حفظوا القرآن الكريم ونهلوا من العلم، وفي السجن تغلبوا على شهوات أنفسهم، وفي السجن خبروا الناس وعرفوهم على حقيقتهم، لقد كانالسجن لهم مدرسةً أي مدرسة، أعطتهم أكثر مما أخذت منهم، ومن هؤلاء الرجال خرج الأخ عمر التلمساني.

إن الله سبحانه قد أعده ليقود الجماعة في هذه المرحلة، فكان هو القائد المناسب الذي قاد السفينة وسط الأعاصير بحكمة وصبر، ولين وأناة مع إيمان ثابت وعزم لا يلين، لقد انتشرت الدعوة في عهده انتشارًا لم يسبق له مثيل، وأقبل الشباب على الإسلام ، حتى أصبح التيار الإسلامي هو التيار الغالب في الجامعات وفي النقابات، بل في مصر كلها؛ لأنه استطاع أن يقود السفينة بخبرة القائد المحنك، ومهارة الربان القدير، وتمكن من أن يجتاز بها المزالق والمخاطر ويوصلها إلى بر الأمان.

لقد عاش رحمه الله كل المحن وقضى في سجون مصر قرابة عشرين عامًا، وكان من أكثر الإخوان صبرًا وجلدًا على تعذيب الزبانية في السجون ، ومع ذلك ورغم قسوة العذاب وسوء المعاملة كان لسانه لا يفتر عن ذكر الله ودعوة إخوانه إلى الصبر والثبات، وكان كذلك عفّ اللسان لم تُسمع منه كلمة نابية في حق جلاديه وظالميه، وإنما كان يوكل أمرهم إلى الله فهو حسبه ونعم الوكيل.

وقال إبراهيم سعده رئيس تحرير (أخبار اليوم) عنه بالحرف الواحد: مات عمر التلمساني، صمام الأمان، لجماعة، وشعب، ووطن!!

ومن كتاباته

1.       "ذكريات لا مذكرات

2.       شهيد المحراب

3.       حسن البنا الملهم الموهوب

4.       بعض ما علمني الإخوان

5.       وفي رياض التوحيد

6.       المخرج الإسلامي من المأزق السياسي

7.       الإسلام والحكومة الدينية

8.       الإسلام ونظرته السامية للمرأة

9.       قال الناس ولم أقل في حكم عبد الناصر

10.     من صفات العابدين

11.     ياحكام المسلمين.. ألا تخافون الله؟

12.     لا نخاف السلام ولكن

13.     الإسلام والحياة

14.     حول رسالة نحو النور

15.     من فقه الإعلام الإسلامي

16.     أيام مع السادات

17.     آراء في الدين والسياسة.

الشيخ أبو الحسن علي الندوي

تعريفه

  العلامة أبو الحسن علي الندوي

هو الشيخ العلامة أبو الحسن علي بن عبد الحي الحسني (نسبة إلى الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما) النَّدْوي(نسبة إلى ندوة العلماء)، الهندي الجنسية ، العالمي العطاء ، شيخ الأمة ، ولسانها الناطق بالحق .

وهو أحد مؤسّسي رابطة الأدب الإسلامي العالمية ورئيسها الأوّل، عضو المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي بمكّة المكرّمة، أمين عام ندوة العلماء في الهند، عضو مراسل للمجمع العلمي العربي بدمشق واللغة العربيّة بالقاهرة، عضو المجلس التنفيذي لدار المصنّفين في أعظم كرّة، مؤسس المجمع الإسلامي بالهند

ولد بقرية (تكيّة كلان) من مديرية (رائي بريلي) قرب لكهنؤ، ونشأ في أسرة متديّنة متعلّمة، نبغ منها عدد من العلماء والدعاة، كان من أبرزهم أبوه الشيخ عبد الحي الذي يعدّ بحق (خلّكان الهند)

وهو صاحب (نزهة الخواطر وبهجة السامع والناظر) العالم المصلح والداعية المخلص، أستاذ التفسير والأدب في دار العلوم، وكانت أمّه (خير النساء) شريفة النسب، شاعرة عابدة حافظة للقرآن ومؤلّفة للكتب، وتولّى أخوه عبد العلي تربيته بعد وفاة والده عندما بلوغ التاسعة من العمر.حفظ القرآن في البيت وجوّده، تعاونه أمه.

درس العربيّة على خليل محمد اليماني، والأدب العربي على محمد تقي الدين الهلالي، بجامعة لكهنؤ، وأتقن الإنكليزيّة والفارسيّة، إلى جانب لغته الأورديّة، وقرأ التفسير على الشيخ أحمد بن علي في لاهور، أكمل تعليمه في دار العلوم بندوة العلماء، ودار العلوم في ديوبند، وجامعة لكهنؤ، وتلقى تربيته الروحيّة على الشيخ عبد القادر الرائي فورى. تأثّر بفكر الإمام أحمد بن حنبل، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وأحمد بن عبد الأحد السرهندي، وشاه ولي الله الدهلوي، وكان الشيخ محمد الياس من أعظم أساتذته.

عمل مدرّساً بدار العلوم في لكنهؤ مدّة عشر سنوات ، واشتغل بالصحافة، وساهم في تحرير مجلّة (الضياء) التي تصدر بالعربيّة، والتي ترأّس تحريرها مسعود الندوي، ثم ترأس تحرير مجلّة (الندوة العلميّة) التي كانت تصدر عن ندوة العلماء بالأورديّة، ثم أصدر (مجلّة التعمير) النصف شهريّة بالأورديّة، ويعتبر أحد رؤساء التحرير لمجلّة (معارف) الأكاديميّة التي تمثّل المسلمين في شبه القارّة الهنديّة.

وأسّس جمعيّة لنشر الإسلام بين الهنود، وتولّى رئاسة (جامعة دار العلوم –ندوة العلماء) وأنشأ المجمع الإسلامي (أكاديمية البحوث الإسلاميّة) سنة 1959 زار الأمصار والحواضر، وعاش صدر حياته في قصر صدّيق حسن خان العالم السلفي، الأمير الكبير، أسكنوه فيه بعد موت أبيه، فذاق حياة الترف والنعيم، ولكنه زهد فيها.

اشتغل بالدعوة مع جماعة (التبليغ الإسلامي) بعد لقائه بالشيخ محمد الياس.

كانت بدايةُ معرفة أعلام الشرق العربي به عن طريق كتابه العظيم (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين ؟) ، ثم إنه خرج في سنة 1370هـ - 1951م ، في رحلة جاب فيها عواصمَ الشرق العربي ، مستطلعاً أحوالها الدينيةَ والاجتماعيةَ والثقافيةَ، وكانت شهرتُه قد سبقته بكتابه الذي تناولته الأيدي والقلوب والعقول في بلاد العرب ، وكان في رحلاته يلقى علماءَ وأعلامَ الدول العربية واحداً واحداً ويُحدِّثُ كلاًّ منهم باهتمامه واختصاصه ، فيزيد إعجابُ العرب به ويُقدِّرون منزلته ويكرمون محضره ، ويطلبون إليه إلقاء المحاضرات في المساجد ودُور العلم والجمعيات؛

ويتحدث عنه العلامةُ الشيخ محمد الغزالي فيقول:

(عندما قرأنا للداعية الإسلامي الجليل العلامةِ أبي الحسن الندوي رسائلَه التي سبقت مقدمَه إلى مصر، ثم عندما قرَّت عيونُنا برؤيته وطابت نفوسُنا بعِشرته ، تأكدت لنا هذه الحقيقةُ الكريمة وزِدنا بها إيماناً ، وهي أن الإسلام على اختلاف الأمكنة والأزمنة يصنع نفوسَ أتباعه على غرار واحد ، ويجعل المَشابِهَ قريبةً جداً بين نظرتهم إلى الأشياء وأحكامهم على الأمور) .

وفي دمشق كان قد التقى أيضاً كثيراً من الدعاة والمصلحين آنذاك ، كالشيخ مصطفى السباعي المراقبِ العام للإخوان المسلمين ، والشيخ أحمد كفتارو و محمد المباركو عمر بهاء الدين الأميري وغيرهم رحمهم الله تعالى جميعاً .

وكان الشيخُ كفتارو يُكِنُّ له مَودَّةً كبيرة ، ويبدو أن العلامةَ الندوي عاتبه على صلته بالمسئولين الحكوميين الفاسدين ، فدافع الشيخ كفتارو عن ذلك بأنه يريد أن يستفيد منهم لصالح المسلمين قدر الإمكان .

وكان مما يميز العلامةَ الندوي قُربُه من جميع التيارات الإسلامية المعاصرة ، وصِلتُه الوثيقةُ بأعلامها ومُبَرّزِيها ، سواء منها السلفية أو الصوفية أو الإخوانية أو غيرها ، مما أتاح له أن يدرس مناهجها ويتعرَّف على أفكارها عن قرب ، وأن يتوصَّل في النهاية إلى التيار الذي رآه الأَصلحَ والأقدرَ على النهوض بالأمة من بين تلك التيارات ، فقال في مذكرات رحلته بعد بحثه الطويل :

(أصبحتُ أَعتقدُ بعد زيارة بعض البلاد العربية والاطلاع على أحوالها ، أن حركةَ الإخوان المسلمين إذا قَوِيَتْ وانتظَمَتْ على خطوط ثابتة ، هي المنقذُ الوحيد بحول الله تعالى للعالم العربي من الانحلال والاندفاع القوي إلى الهاوية ، لذلك أصبحتُ أُعَلِّقُ عليها أهمية كبيرة ، وأَحملُ لها بين جوانحي حُباً عميقاً) .

أَسَّسَ العلامةُ الندوي الكثيرَ من المؤسسات الإسلامية سواءً في الهند أو في العالم ، وحصل على كثير من عضويات الهيئات والمؤسسات الدعوية والعلمية والعالمية ، وكان من أبرز مُؤَسِّسي رابطة الأدب الإسلامي العالمية واختير أولَ رئيس لها ، وترك ثروةً علمية كبيرة من المؤلفات الدعوية والفكرية والأدبية قاربت ثلاثمائة عنوان باللغة العربية فقط ، إذ كان رحمه الله يتقن إلى جانب اللغةِ العربيةِ الأورديةَ والإنجليزيةَ .

بنى للإسلام في نفوس تلاميذه حصوناً أمتن من حصون الحجر، بنى أمّة من العلماء الصالحين، والدعاة المخلصين، وكان لمحمد إقبال أثر كبير في توجيهه الأدبي والفكري.

تميّزت مؤلّفاته بالدقّة فكتب عن روائعه وأفكاره، وتأمّلاته الفلسفيّة.

رأى أن الأحداث التي عاصرها وعلى رأسها سقوط الخلافة، دعمت إيمانه بأن الإسلام لابدّ أن يتولّى الزمام لإنقاذ العرب والعالم، لأن الحل الوحيد لمأساة الإنسان يكمن في تحوّل قيادة العالم إلى أيد مؤمنة بقيم الإنسانيّة، وكان محور إصلاحه: مكافحة الغزو الفكري، وبثّ روح الاعتزاز بالإسلام في المسلمين، ومقاومة الردّة وآثارها، وخاطب العرب وركّز عليهم اهتمامه، لأنّهم يحملون استعداداً روحيّاً ومعنويّاً وماديّاً لقيادة العالم الإسلامي، وبالتالي لقيادة العالم أجمع، وكان حريصاً على نهضة العرب بمواهبهم وكفاءاتهم.

وحدّد واجب العلماء والطبقة المثقفة في مقال منشور بمجلّة (البعث الإسلامي) قائلاً:

إن مسؤوليّة العلماء والمفكّرين المسلمين في العصر الحديث بعد مواجهتهم للتحدّيات المعاصرة وإثباتهم أن الإسلام قادر على قيادتها وترشيدها والسموّ بها هي أن يفضّلوا الإسلام على كل جماعة، ومؤسّسة، ومدرسة، وطائفة، وحزب، وإذا رأوا أن بقاء الإسلام يتطلب أن نحمي جميع الأسماء واللافتات والشعارات والشاراتوالأحزاب والجماعات؛

فليكن ذلك موضع عنايتهم ولا يقعن تلكؤ منهم أو إحجام للحظة واحدة، وليكن مصلحة الدين والعقيدة مفضّلة على عمل كل مصلحة حزبيّة، أو جماعيّة، وليكن واضحاً أن الدين والإيمان وازدهارهما هو الهدف، سواء رجع الفضل إلينا أو لغيرنا من الإخوان في العقيدة والدين.

قام برحلات إلى السعودية ومصر وسوريا، وغيرها من البلدان الإسلاميّة، ولم يكتف بتأليف الكتب، أو إلقاء المحاضرات، بل راسل الحكّام والملوك، وأشار إلى مواطن الضعف والخطر، الذي يحدق بالأمّة الإسلاميّة، وانتصر لقضايا المسلمين السياسيّة والثقافيّة، وأنشأ مدرسة فكريّة وأدبيّة، ظهر طابعه في كتابات المتخرّجين منها، تلك المدرسة التي جمع روّادها العناصر والشروط الفنيّة الموافقة للإسلام.

من أبرز تأمّلاته

قضيّة الإصلاح والتغيير، حيث رأى أنّ المنهج الاصلاحي الذي نريده ينبع أساساً من تكوين الفرد تكويناً نوعيّاً، ويحمل على بعض المصلحين الذين خلطوا الواقع الاصلاحي بالتجربة والروح الغربيّة، وكان يندهش من المسلمين الذين اطمأنّوا لتدريس أبناءهم في المؤسسات العلميّة الغربيّة، وغفلوا عن هدف الغرب في القضاء على الهويّة الإسلاميّة لهم، وتنبّه إلى ضرورة إحداث تغيير شامل في الجامعات الإسلاميّة من خلال ربط العلم بالتربية ؛

وأولى اهتماماً كبيراً بالمنهل العلمي الذي يتلقّاه الشباب، فلا بدّ من تصفية هذا المنهل من خلال توحيد التعليم ليكون وحدة شاملة تجمع بين الوسائل والغايات ؛ وتحفّظ واحترز في التعامل مع حريّة المرأة في بداية نضوجه العلمي عام 1951 وأبدى اعتراضه على دخول المرأة المؤسّسات التعليميّة، لكنّه أشار عام 1983 إلى ضرورة أن تتكامل المرأة مع الرجل في المجتمع الذي يحياه كلاهما، إذ أنّ للمرأة قدرةً للبلوغ إلى الكمال.

وصفه الشيخ علي الطنطاوي لما زاره سنة 1373/1954 في لكهنؤ فقال:

وجدته في الأحوال كلّها، مستقيماً على الحق، عاملاً لله، زاهداً حقيقّياً زهد العالم العارف بالدنيا وأهلها.

ووصف الدكتور ليث القيسي الإمام الندوي بأنّه:

رمز بارز من رموز الدعوة الإسلاميّة، ومعلم ظاهر في الحقبة التاريخيّة التي عاشها، وطاقة فعّالة وجذوة لم تنطفئ، قضاها كاتباً ومحاضراً ومشاركاً في الندوات والمؤتمرات ؛ وتحدّث القيسي عن جهوده في خدمة السيرة النبويّة فأشار إلى أنّ جهود الندوي في السيرة لا تفهم إلاّ من خلال خلفيّة تاريخيّة ميّزت كتاباته وتزامنت مع طبيعة التحوّلات الفكريّة السياسيّة التي مرّت بها الأمّة الإسلاميّة خلال القرن العشرين الذي علت فيه الفكرة الغربيّة في صراعها للفكرة الإسلاميّة؛

وشخّص العلّة وبيّن ما خسره العالم بتراجع المسلمين عن القيادة إلى التبعيّة ثقافيّاً وفكريّاً وسياسيّاً، وانطلق إلى طرح قضايا الأمّة معالجاً لها من خلال توظيف السيرة توظيفاً فعّالاً، وكان منطلقه من (الطريق إلى السنّة) وثمرته كتاب (السيرة النبويّة) الذي ضمّنه منهجاً خاصّاً في كتابة السيرة؛أمّا منهجه في كتابةالسيرة فينطلق من خلال البعد التاريخي، والبعد الحضاري، والبعد الإنساني، والبعد الدعوي والتربوي، والبعد العقائدي، والتكامليّة بين العلوم.

أكّد على عالميّة الرسالة وإنسانيّتها، وفي ذلك ما يبعث على الغيرة، وما يبعث على أن يتنافس العرب، وأن يسبقوا لأنّهم أهل الفضل وأهل الرسالة، وأهل الدعوة، وأشاد بدور العرب لأنهم الذين أشركونا في هذه الثروة السماويّة السامية الأخيرة، وأنّ هذه الدعوة قد لبيّت تلبية حسنة، وكانت مستجابة استجابة كريمة تليق بإخواننا العرب وبشرفهم وبمكانتهم وبزعامتهم وقيادتهم.

أسس رابطة الأدب الإسلامي وترأّسها، وفي حفل افتتاح مؤتمر الهيئة العامّة لرابطة الأدب الإسلامي الذي عقد في إستانبول سنة 1410/1989 لفت الأنظار أنّ الأدب قد أصبح عاملاً من أقوى العوامل للإفساد والإصلاح، وأنّه أصبح يلعب دوراً ناقضاً للقيم، وناقضاً للكليّات وناقضاً للمسلّمات.

رأى أنّ النقد للأدب بمثابة الميزان للعمل الأدبي، ويندرج نقده المعياري عند خمس قضايا جوهريّة هي: حدود الأدب الإسلامي ومفهومه، وأهميّة الشكل والمضمون في النص، والطبع والصنعة، والأجناس الأدبيّة وخصائصها، ووظيفة الأدب وغايته.

وكان كاتباً غزير الانتاج، صاحب منهج متميّز عن غيره من المفكّرين والباحثين المعاصرين بسبب معرفته لعدد من اللغات كالعربيّة والأورديّة والانجليزيّة والفارسيّة، وسعة اطّلاعه على مصادر الحضارات غير الإسلاميّة، فضلاً عن تعمقه في التاريخ الإسلامي، بلغت مؤلّفاته مائة وستّة وسبعين ما بين رسالة وكتاب وبحث، تميّزت كلّها بالغوص العميق في تفهم أسرار الشريعة، والتحليل العميق لمشاكل العالم الإسلامي منها:

كتاب: العرب والإسلام

كتاب: الصراع بين الفكرة الإسلامية والفكرة الغربية

كتاب: النبوة والأنبياء

كتاب: ماذا خسر العالم من انحطاط المسلمين

كتاب: مذكرات سائح في الشرق العربي

كتاب: الإسلام والحياة

كتاب: المسلمون وقضية فلسطين

كتاب: المسلمون في الهند

كتاب: روائع إقبال

كتاب: رجال الفكر والدعوة في الإسلام (أربعة أجزاء)

كتاب: القادياني والقاديانية

كتاب: الصراع بين الإيمان والمادية

كتاب: إلى الإسلام من جديد

كتاب: الطريق إلى المدينة

كتاب: العاقبة للعرب والمسلمين

كتاب: العرب يكتشفون أنفسهم

كتاب: روائع من أدب الدعوة

كتاب: التفسير السياسي للإسلام

كتاب: قصص النبيين للأطفال (خمسة أجزاء)

كتاب: إذا هبت ريح الإيمان

كتاب: بين الصورة والحقيقة

كتاب: الإسلام والعلم

كتاب: حديث من الغرب

كتاب: القراءة الراشدة (ثلاثة اجزاء)

كتاب: الدين والمدنية

كتاب: ردة ولا أبا بكرٍ لها

كتاب: نظرات مبدعة في الأدب

نال جائزة الملك فيصل العالميّة لخدمة الإسلام سنة 1400/1980.

وفاته

انتقل إلى رحمة الله تعالى في يوم الجمعة 23 من رمضان 1420هـ ، قبل صلاة الجمعة وبعد أن توضأ استعداداً للصلاة وشَرَعَ بقراءة سورة الكهف .

رَحِمَ الله تعالى الشيخَ أبا الحسن رحمة واسعة ، وحشره مع نبيه وحبيبه محمدٍ صلى الله عليه وسلم وأَوردَه حوضَه الشريف .

الدكتور محمد فريد عبد الخالق

مسيرة حياة

 عندما يصبح الإنسان حيرانا عندما يجد الإنسان نفسه ملئً بالهموم والأحزان ، عندما يفقد الإنسان بصيص نوره علي الطريق , لابد من إطلالة علي النور ، وسنطل الآن علي شخصية لم ينقطع بها الأمل حتى التسعين من عمرها .

نحن الآن مع حجة علي كل شاب تكاسل في طلب العلم ’ لا حجة لك .

نحن الآن مع فضيلة الدكتور "محمد فريد عبد الخالق" المشهور بالدكتور "فريد عبد الخالق"

شهدت مدينة فاقوس بمحافظة الشرقية في الثلاثين من نوفمبر لعام 1915 م مولد الدكتور" فريد عبد الخالق"، حيث انتقل بعد ذلك مع عائلته إلي مدينة القاهرة و أكمل دراسته في معهد التربية العالي وتخرج منه عام 1936م، ولقد جمع في دراسته العليا بين القانون والشريعة ، والعلوم والرياضيات.،

كما أنه كان خطيبًا وشاعرًا وباحثًا ومفكرً، وبعد تخرجه عمل مديرا عاما لدار الكتب المصرية ودار الوثائق القومية في السبعينيات .

ثم وكيلا لوزارة الثقافة لشئونهم.

التحاقه بالإخوان

يعتبر فريد عبد الخالق واحدا من الرعيل الأول للإخوان المسلمين، الذي كان له دور كبير فى تاريخ الجماعة، واتُهم واعتقل أكثر من مرة بمحاولة قلب نظام الحكم قبل الثورة وبعدها .

حيث تعرف علي الجماعة بعدما سمع الإمام "البنا" في احتفال إسلامي بمدينة إيتاي البارود بمحافظة البحيرة عندما كان في زيارة لصهره الأستاذ "صلاح شادي"، وفي ذلك يصف الأستاذ "فريد"ذلك بقوله: أنه منذ سمع الإمام "البنا" في هذه الاحتفالية، وقد تغير وجدانه وانقلب تفكيره حيث وجد ضالته في جماعة قربت المسافات بين الالتزام الديني والواجب السياسي ، وفي رجل يقودها له طريقته التي تميزه عن مشايخ وعلماء الدين، رغم أنه أحدهم ، كما كان له أسلوبه السياسي المميز والخلاب ، الذي اختلف اختلافًا شاملاً عن كلام رجال الأحزاب والسياسة الذين تجمعهم المصالح وتفرقهم الواجبات ، ويصف الأستاذ "فريد عبد الخالق" شعوره بعد اللقاء الأول مع الإمام "البنا" بأنه أوصله لأن يكون مسلمًا نافعًا يجعل مصلحة وطنه من العبادات مثلها مثل الصلاة والزكاة .

وسط الإخوان

تولى الدكتور فريد أحد الأقسام المهمة في الجماعة وهو قسم الطلبة، ثم اختير عام 1948م عضوا في الهيئة التأسيسية لجماعة الإخوان المسلمين , كما أنه كان عضوا بمكتب الإرشاد، وليس ذلك فحسب بل عمل لفترة سكرتيرا للإمام حسن البنـا ، ويعتبر من طرف كثيرين "كاتِـم أسرار" الجماعة وأحد "الآباء الرّوحيين" للكثير من شباب الإخوان.

كان الأستاذ فريد عبد الخالق أيضًا أحد القيادات التى اختارت المرشد الثاني للجماعة المستشار حسن الهضيبي عام 1951، وهو أحد الذين تفاوضوا مع جمال عبد الناصر قبل وبعد قيام ثورة يوليو عام 52.

ويعتبر أحد الشخصيات الهامة التي عاصرت وعايشت الثورة في مهدها، ثم اكتوت بنارها بعد ذلك.

وترجع أهمية شهادة الأستاذ "فريد عبد الخالق" إلى أنه كان صديقًا للرئيس الراحل "جمال عبدالناصر"، كما أنه هو الذي أبلغ المستشار "حسن الهضيبي"- المرشد العامللإخوان المسلمين وقتها- بموعد الثورة وحصل على تأييده وتأييد الإخوان للضباط الثوار.

محنته

اعتقل الأستاذ فريد عبدالخالق أكثر من مرة فقد اعتقل بعد مقتل الخازندار بتهمة أنه كان المسئول عن قسم الطلبة وأن من قام بهذا الحادث بعض الطلبة غير أنه أفرج عنه بعد فترة لعد ثبوت التهمة عليه، وأيضا وبعد حل الجماعة في 8 ديسمبر من عام 1948م تم اعتقاله هو وكثير من الإخوان وتعرض للتعذيب على يد زبانيةإبراهيم عبدالهادي –رئيس الوزراء آنذاك- أو ما سمى عصره بالعسكري الأسود، ولم يخرج إلا بعد أن أقال الملك إبراهيم عبدالهادي.

وبعد قرار حلِّ الجماعة الذي أصدره قادة الثورة أوائل عام 1954م اعتُقل في يناير عام 54 مع جميع قيادات الإخوان، ثم أُفرج عنه في مارس، ثم اعتُقل مرةً أخرى في أكتوبر عام 54م بعد حادث المنشية الذي وقع في 26 أكتوبر 1954م، وحُكم عليه بالسجن عشر سنوات في القضية التي اتُّهم فيها الإخوان المسلمون بمحاولة قلب نظام الحكم واغتيال جمال عبدالناصر، ثم أُفرج عنه عام 1958م بسبب ظروفه الصحية.

قال عن الإخوان

الحق لا يمكن أن يقوم أو ينتصر إلا إذا وجد ممن يحملونه الصبر والتضحية فكان وقوف الإخوان المسلمين ده بعتبره أنا تجسيد لما جاء بعد بما تدفعه المقاومة, والمقاومة النهاردة بتدفع الثمن غالي ولكن ليس غاليا بالنسبة للنتائج المرغوبة منه ومفيش أمة بتتحرر إلا بندفع ثمن، ثمن غالي مفيش لا تأتي الحرية إلا بثمن يُدفع.

مؤلفاته

للدكتور فريد عبدالخالق كثير من المؤلفات الموجودة فى المكتبات ويعتبر أول نتاجه العلمي بحث قيم بعنوان: أساسيات في موضوع "الإسلام والحضارة"، وألقي في "الندوة العالمية للشباب الإسلامي" بالرياض عام 1979م، وبحث بعنوان "الإخوان المسلمون.. فكرة وحركة" وألقي في ندوة البحرين بتكليف من مكتب التربية للخليج العربي عام 1984م، ثم "الإخوان المسلمون في ميزان الحق" كتاب صدر له عام 1987م، وتلاه "مأساة المسلمين في البوسنة والهرسك" ملحمة شعرية عام 1993م، وتبعه "ديوان المقاومة" تقديم فهمي هويدي عام 2003م، ثم "تأملات في الدين والحياة" عام 2003م، وأخيرًا "في الفقه السياسي الإسلامي" عام 2007م.

قدم الدكتور رسالة الدكتوراه وكان موضوعها"الاحتساب على ذوى الجاه والسلطان" وحصل عليها وعمره تجاوز 94 عاما، ولقد وصفها بقوله:


أعترف بأن الرسالة أخذت وقتًا طويلا، ربما بسبب اعتقالي لعدّة مرات، فضلا عن وجودي خارج مصر لفترات طويلة، لكن ما أودّ أن أقوله، إنه منذ اليوم الأول الذي بدأت فيه العمل بتلك الرسالة وأنا شَـغوف لأن انتهي منها، بسبب أهميّـتها الشديدة جدا هذه الأيام ولمعرفتي بأن المجتمع في أشدّ الحاجة لموضوعها، فكل القوى الموجودة في المجتمع باختلاف اتِّـجاهاتها الفكرية، يسارية ويمينية وإسلامية وحتى الليبرالية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق