الأحد، 24 نوفمبر 2013

اسماء اعلام الاخوان كما يدعون رقم ..4

محمد كمال الدين السنانيري

محتويات

١ توطئة

٢ الشخصية في سطور

٣ المولد والنشأة

٤ التحاقه بجماعة الإخوان المسلمين

٥ مأساة سنة 1954م

٦ حياته في السجن

٧ نشاطه بعد الإفراج عنه

٨ اعتقاله واغتياله في المعتقل

٩ مراثي زوجته

١٠ المصادر

توطئة

الشهيد محمد كمال الدين السنانيري

لا يخلو عصر من العصور من قائم لله بحجة يدعو الناس إلى الحق، ويجلو لهم معالمه، ويأخذ بأيديهم إلى جادة الطريق، وينير لهم سبله، ويكشف لهم زيف الباطل، ويفند لهم مزاعمه، يتقدم الصفوف غير هياب ولا وجل، يستشعر أمانة المسئوليه، وأنه على ثغرة من ثغور الإسلام فلا يتركها إلا متحرفًا لقتال أو متحيزًا إلى فئة، يقف أمام الأعاصير العاتية صلبًا لا يلين، ثابتًا لا يهتز، لا ترهبه سطوة سلطان، ولا يغريه منصب أو مال، تمضي به الحياة وهو موصول الصلة بالله، يجد الأنس في اللجوء إليه والعزة في طاعته.

مثل هؤلاء نماذج قليلة تمر بالناس كالطيف الجميل، تُذكّرهم بما كان عليه السلف الصالح من الثبات واليقين، كما أن ما تقصه علينا كتب التاريخ من أخلاقهم وأفعالهم.

إنما هي حقائق ثابتة لا أقاصيص متوهمة أو حكايات مخترعة...

وكان السنانيري واحدًا من هؤلاء، بقية من السلف الصالح، وترجمة حية لما نقرأه عن النماذج البشرية الرفيعة التي حفل بها تاريخنا.

الشخصية في سطور

- ولد في القاهرة سنة 1336 هجريًّا = 1918 ميلاديًّا

- نشأ في أسرة ميسورة الحال، تلقى تعليمه في المدارس المدنية.

- حصل على الثانوية العامة، ولم يكمل تعليمه العالي.

- التحق بجماعة الإخوان المسلمين، وصار من كبار رجالها.

- تعرض للاعتقال بعد حادث المنشية سنة1954 م.

- ظل في المعتقل عشرين عامًا حتى أفرج عنه في سنة1974 م.

- تزوج في أثناء سجنه من أمينة قطب أخت الشهيد سيد قطب.

- استأنف نشاطه الدعوي بعد خروجه من المعتقل، وكان له دور بارز في ميدان الجهاد بأفغانستان

- تعرض للاعتقال بعد قرارات سبتمبر الشهيرة التي أصدرها الرئيس السادات سنة1981 م.

- في السجن عُذّب شديدًا، حتى تُوفي من هول ما لقي من التعذيب في سنة1981 م.

المولد والنشأة

ولد محمد كمال الدين بن محمد علي السنانيري في القاهرة في (28 من جماد الأولى 1336 هجريًّا = 11 من مارس 1918 ميلاديًّا)، ونشأ في أسرة ميسورة الحال، وتلقى تعليمه في المدارس المدنية.

وحصل منها على الشهادتين الابتدائية والثانوية، ولم يستكمل تعليمه العالي في الجامعة، وفضل العمل في الحكومة، فالتحق بوزارة الصحة، عقب حصوله على الشهادة الثانوية سنة (1353ه=1934 م).

وبعد أربع سنوات من العمل الحكومي قدم استقالته من وظيفته، وأعد نفسه للسفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية لدراسة الصيدلة في إحدى جامعاتها للعمل بعد رجوعه في الصيدلية التي يملكها أبوه، غير أن أحد علماء الدين أقنعه بعدم السفر إلى الولايات المتحدة الأمريكية، فاستجاب له "السنانيري"، وعدل عن السفر بعد أن أعد عدته، وهيَّأ نفسه لمغادرة البلاد.

التحاقه بجماعة الإخوان المسلمين

في هذه الفترة كانت دعوة جماعة الإخوان المسلمين تلقى نجاحًا بين الناس، ويقبل عليها كثير منهم، وامتد نشاطها إلى أماكن كثيرة في البلاد، وكان لطريقتها في الدعوة وتمسكها بالإسلام دينًا ودُنْيا، خلقًا وسلوكًا، علمًا وعملاً، حركة ونشاطًا، أبلغ الأثر في تعاطف الناس معها، وانضمام كثيرين إلى صفوفها، وكذلك لم يكن غريبًا أن يجد "السنانيري" ضالته في جماعة الإخوان المسلمين ، فانضمَّ إليها سنة (1360 هـ=1941م)، وعَمِل معها بكل طاقته؛ ولذلك تقدم الصفوف، وأُوكل إليه القيام بعدد من المهام الدعوية والتنظيمية. ولم تشغله أعماله الدعوية ومسئولياته عن متابعة أسرته، فقد توفي أبوه تاركًا ثلاثةً من الأشقاء وثلاثًا من الشقيقات، فقام على أسرته خير قيام، يسعى لها، ويحرث في حقول الدعوة وميادينها، ويغرس الغراس التي ستؤتي أكلها بعد ذلك.

مأساة سنة 1954م

اصطدمت حركة الجيش بجماعة الإخوان سنة (1374 ه=1954م) بعد أن فشلت- أي حركة الجيش- في احتوائها أو اختراقها ورغبتها في حكم البلاد حكمًا منفردًا دون اعتبار بشرع أو دين أو احترام لقانون أو دستور، لذلك قامت بحل جماعة الإخوان ، واعتقال كثير من أبنائها، غير أن ما حدث أدى إلى موجة عارمة من السخط الشعبي على رجال حركة الجيش، وقامت مظاهرةٌ عارمةٌ أشرفت عليها جماعة الإخوان المسلمين، واتجهت إلى قصر عابدين، وكان يقود هذه المظاهرة "عبد القادر عودة"، وكان السنانيري واحدًا ممن يشرفون على تنظيم المظاهرة العارمة، التي أجبرت الحكومة على الإفراج عن المعتقلين. غير أن ما حدث جعل رجال الجيش يعيدون الكرة للإطاحة بجماعة الإخوان، ودبَّروا حادث المنشية المعروف؛ للتنكيل بجماعة الإخوان ورجالها، واعتُقِل السنانيري مع من اعتقل في سنة (1374ه = 1954 م)، وقُدِّم لمحاكمة صورية حكَمت عليه بالسجن، فأمضى في السجن عشرين عامًا، حتى خرج سنة (1394 ه = 1974 م ).

حياته في السجن

للعودة إلي معرض الصور.

<<:: صور الأستاذ كمال السنانيري ::>>

إضغط علي الصورة للحجم الكامل

الأستاذ كمال السنانيري

الأستاذ كمال السنانيري فى الوسط مع المستشار العقيل

الأستاذ كمال السنانيري

الأستاذ كمال السنانيري

وفي أثناء محاكمته تعرض- مثل غيره من الإخوان - إلى تعذيب وحشيٍّ فاق كل خيال، حتى إن والدته لم تتعرف عليه في أثناء حضورها الجلسة الأولى للمحاكمة؛ لشدة ما وقع عليه من عذاب، فقد نحل جسمه، وكسر فكه؛ حتى تغيرت طريقة كلامه، وبلغ من شدة تعذيبه أن شقيق زوجته الأولى- وكان معتقلاً معه- أصيب بالذهول من هول المآسي التي نزلت على السنانيري، ولم تتحمل أعصابه المرهفة آثارالعذاب الوحشية البادية على الجسد الواهن، ففقد عقله، ونقل إلى مستشفى الأمرض العصبيَّة.

وظل في السجن لا يلبس إلا الثياب الخشنه، ورفض ارتداء الثياب الداخلية التي كان لكل سجين حق شرائها من مقصف السجن، وعاش سجنه متجردًا من كل ما يعتبره ضابط السجن منحة توهب للسجين ترغيبًا أو يحرم منها ترهيبًا، آثر أن يتجرد من كل ما يمكن أن يحرم منه؛ ليملك من نفسه ما يعجز الآخر أن يملكه منه.

وهذا السلوك يجلي نفس "السنانيري" التي ملكها، وجعلها طوع بنانه، وأخلى قلبه من التطلع إلى الدنيا بعد أن ملأه زهدًا وصلاحًا، يصوم النهار، ويقوم الليل، ويأخذ نفسه بالشدة؛ ولذلك لم يكن غريبًا أن يرفض ما يطلبه منه ضباط السجن من تأييد نظام عبد الناصر طلبًا للسلامة، وطريقًا للخروج من جحيم السجن.

وفي فترة سجنه طلق زوجته الأولى بعد أن ضغط رجال المباحث على أهلها لتطلب الطلاق، وكان قد خيَّرها من قبل بين البقاء زوجة له أو الطلاق، ولكنها آثرت أن تظل زوجة له، لكن أهلها أجبَروها على الطلاق منه .. ثم مُنَّ عليه وهو في السجن بأن عقد قرانه على "أمينة قطب" أخت الشهيد "سيد قطب"، وبنى بها بعد خروجه من السجن، ولم يرزق منها بأطفال.

نشاطه بعد الإفراج عنه

وبعد خروجه من السجن عاود نشاطه الدعوي، ولم يركن إلى الدعة والراحه بعد المعاناة الطويله التي تحملها في صبر وثبات، فالدعاة والمصلحون لا يتخلون عن رسالتهم مهما عانوا من تبعاتها.

وكان من أبرز نشاطاته دوره في ميدان الجهاد في أفغانستان ، التي تعرضت للغزو الروسي، ووقعت في قبضته، وقد بذل السنانيري وقته وجهده في دعم المجاهدين الأفغان، ورأب الصدع بينهم، وإصلاح ذات البين بين قادته الذين أحبوه جميعًا، وعرفوا قدر إخلاصه وحرصه على وحدتهم، ودانوا له بالطاعة والاحترام، فلا يكادون يخالفون له أمرًا في أثناء وجوده معهم.

اعتقاله واغتياله في المعتقل

وبعد عودته من أفغانستان تعرض للاعتقال مع غيره من أبناء الحركة الإسلامية وقادة العمل الوطنى في مصر، وكان الرئيس السادات قد أصدر- في (ذي القعدة 1401هـ = سبتمبر 1981 م)- قرارات التحفظ الشهيرة على معارضي سياسته، وألقى بهم في المعتقلات بعد أن اشتدت المعارضة لاتفاقيات الصلح مع العدو الإسرائيلي، وتعرّض السنانيري في أثناء اعتقاله لتعذيب رهيب؛ أملاً في معرفة معلومات عن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ، ووقع عليه أهوال من العذاب بعد أن تجاوز الستين من عمره، ولم يتحمل جسده هذه الأهوال التي تفتق زبانية التعذيب في إلحاقها به.. ولم يكن لمن في سنه أن يتحمل هذه الأهوال ففاضت روحه الطاهرة في (10 من المحرم1402 = 8 من نوفمبر 1981 م).

ولم يكتف هؤلاء الجلادون بقتله، بل حاولوا اغتياله معنويًا، فأشاعوا أنه قد انتحر بأن ربط عنقه بفوطة، ثم ربطها بكوع الحوض الموجود بالزنزانة، وصار يجذب نفسه حتى مات، وفى الصباح اكتشف السجَّان الجثة، وجاء الطبيب الشرعي، وعاينها وأثبت سبب الوفاة.

ولم يصدق أحد هذه القصة الملفقة، التي لايمكن أن يقبلها عقل طفل صغير… فتاريخ السجون المصرية في عهد الثورة مليء بمثل هذه المآسي، وخبرة رجالها في اغتيال المعتقلين العزَّل أمر يعرفه الناس جميعًا، وتلفيق التهم الكاذبة عن ادعاء هروبهم بعد القيام بقتلهم معروف بين الكافة.. ولا يمكن لمن صمد عشرين عامًا ثابت النفس، راسخ الإيمان أن يجزع لاعتقاله فترة قليلة من الزمن، فيقدم على مثل هذا العمل.

مراثي زوجته

عرف الأدب العربي مراثي الأزواج لزوجاتهم، وهي تفيض ألمًا وحزنًا على فراق أحبتهم، ومن الشعراء من خصص ديوانًا كاملاً لرثاء زوجاتهم، مثل "عزيز أباظه" و"عبد الرحمن صدقي" و"محمد رجب البيومي".. غير أن رثاء الزوجات لأزواجهن نادر في الشعر العربي، وقد رثى السنانيري زوجته "أمينة قطب" في أكثر من قصيدة، وكان لها في ذكرى استشهاده من كل عام قصيدة حزينة مؤثرة، ولو جمعت هذه القصائد في ديوان لكان حدثًا كبيرًا في دنيا الشعر العربي المعاصر.

ومن تلك القصائد، وهي أول ما رثت بها زوجها الشهيد قولها:

'ما عدت انتظر الرجوع ولا مواعيد المساء

ماعدت أحفل بالقطار يعود موفور الرجاء

ما عاد كلب الحي يزعجني بصوت أو عواء

وأخاف أن يلقاك مهتاجًا يزمجر في غباء

ماعدت انتظر المجيء أو الحديث ولا اللقاء

ماعدت أرقب وقع خطوك مقبلاً بعد انتهاء

وأضيء نور السلم المشتاق يسعد بارتقاء

ماعدت أهرع حين تقبل باسمًا رغم العناء'

الداعية الشهيد نزار أحمد الصباغ (1361 ـ 1402هـ = 1941 ـ 1981م)

محتويات

١ مولده ونشأته

٢ بداية صلتي به

٣ صفاته ومواقفه

٤ جهوده العلمية والدعوية

٥ استشهاده

٦ للمزيد عن الإخوان في سوريا

مولده ونشأته

الشهيد نزار أحمد الصباغ

وُلد نزار أحمد الصباغ في مدينة (حمص) بسوريا يوم 15/7/1941 م، ودرس في مدارسها الابتدائية والإعدادية والثانوية، ثم تتلمذ على يدي الشيخ عبد العزيز عيون السود والشيخ عبد الغفار الدروبي.

وخلال المرحلة الثانوية انضم إلى جماعة الإخوان المسلمين في حمص. وقد ألقي القبض عليه في أعقاب الانقلاب البعثي عام 1963م، ثم خرج من السجن ليتابع نشاطه الإسلامي وسافر إلى مصر 1964م ليكمل دراسته الجامعية هناك وانتسب إلى كلية الهندسة المدنية بجامعة القاهرة؛ ولم يمض على وجوده هناك عدة أشهر، إلا وجاء أمر من المخابرات المصرية بترحيله عن مصر، فعاد إلى مدينته: (حمص) سنة 1965 م.

ثم اقترح عليه بعض إخوانه السفر إلى إسبانيا للاستفادة من نشاطه الإسلامي هناك فرحل إليها سنة 1967 م على أمل أن يلتحق بكلية الصيدلة في جامعة غرناطة، ولكنه انشغل في أمور المسلمين ولم يتابع الدراسة وانطلق يعمل في حقل الدعوة الإسلامية بين الطلبة العرب والجاليات العربية والإسلامية ووسط الإسبان أنفسهم، فأسّس أول كيان إسلامي في إسبانيا منذ سقوط آخر معاقل الدولة الأندلسية سنة 1492 م، كما أقام في العام نفسه أول اتحاد للطلبة المسلمين في إسبانيا.

وقد كرّس جهوده لفتح المراكز الإسلامية والمساجد وتربية النشء تربية إسلامية وأسس داراً للترجمة والنشر قدّم من خلالها ثلاثة عشر كتاباً باللغة الإسبانية آخرها (حياة محمد).

بداية صلتي به

بدأت صلتي بالأخ الشهيد نزار أحمد الصباغ في الستينيات الميلادية حيث كان يدرس بكلية الصيدلة في أسبانيا ويعمل في حقل الدعوة الإِسلامية هناك بين الطلبة العرب والجاليات العربية والإسلامية ووسط الإسبان أنفسهم.

ولقد أجرى الله على يديه الخير الكثير، حيث تمكّن بفضل الله ثم بمساعدة بعض الشباب العرب المسلمين من تجميع صفوف الشباب المسلم وبخاصة الطلاب وإنشاء المراكز الإسلامية التي يمارسون من خلالها نشاطهم، وعقد المؤتمرات والندوات والمخيمات والدورات وإلقاء الخطب والمحاضرات، وكانت إقامته الأولى في (غرناطة) لسنين طويلة انتقل بعدها للإقامة في (برشلونة)، وقد تعدّدت المراكز الإسلامية وأقيمت المساجد في أكثر من مكان.

كان نزار الصباغ خطيب الجمعة بالمركز الإسلامي في (برشلونة) التي انتقل إليها سنة 1978 م والذي تؤمّه جموع كثيرة من الطلاب والمقيمين والمسلمين الإسبان، وكانت خطبه الحماسية تستجيش مشاعر المصلين وتلهب عواطفهم وتستنهض هممهم حيث يعرض أوضاع المسلمين في العالم وما يتعرضون له من المحن على أيدي البغاة والطغاة الذين يكيدون للإسلام والمسلمين ويمكرون الليل والنهار لمحاربة دعاة الحق وأعلام الهدى وجند الله ودعاته، ويناشد المسلمين للعمل الجاد المنظم للتصدي لأهل الباطل من عملاء الشرق والغرب على حد سواء.

صفاته ومواقفه

كان صلباً قوي الحجة ثابت الجنان رابط الجأش لم تلن له قناة ولم تزده الأحداث الجسام إلا قوة ورسوخاً وصلابة وثباتاً، حيث يفزع إليه الشباب المغترب حين تدلهمّ الخطوب وتشتد الأمور فيواسيهم ويثبّتهم ويبذل وقته وعافيته وماله وجهده لقضاء حوائجهم وتفريج كربهم وإزالة العقبات التي تعترض طريقهم متوكلاً على الله ومستعيناً بإخوانه من أهل السابقة بالدعوة الذين خرجوا من أتون المحن أصلب عوداً وأشد مراساً فكانوا نماذج صادقة للإسلام الحق بعلمهم وعملهم وخلقهم وسلوكهم، رهباناً في الليل فرساناً في النهار، يعيشون الإسلام بشموله وكماله وينتصبون لحمل الدعوة الإسلامية وإبلاغها للناس كافة.

جهوده العلمية والدعوية

الداعية نزار الصباغ يلقي خطبة الجمعة في المركز الإسلامي الإسباني

كان نزار الصباغ صوت الحق في إسبانيا ومركز الثقل لتحمّل مسؤولية الدعوة الإسلامية فيها وكان من الشخصيات القيادية المميّزة. فلقد أسهم في نشر الكتب باللغة الإسبانية، وترجمة معاني القرآن الكريم، التي استشهد قبل أن يكملها، وترجم كتب الحديث الشريف والسيرة النبوية إلى اللغة الإسبانية، واعتنق الإسلام على يديه كثيرون من الإسبان وغيرهم رجالاً ونساء، شيباً وشباناً حتى تكونت منهم مجموعات تشكّل مجتمعات صغيرة تعيش في أجواء الإسلام وتستظل في ظلاله.

ولقد سعدنا بلقاء الكثير من هؤلاء الإسبان المسلمين في أسبانيا وأثناء زيارتهم لنا في البلاد العربية كانوا يذكرون الشهيد نزار الصباغ بكل خير ويردّون له الفضل بعد الله في هدايتهم إلى الطريق المستقيم، طريق الإسلام الصحيح.

كما كانت له مشاركته الفعالة في المؤتمرات الإسلامية التي تعقد في إسبانيا وأوروبا والبلاد العربية والإسلامية حيث يصدع بكلمة الحق، ويطرح الحلول لمشكلات المسلمين المعاصرة على ضوء الكتاب وهدي السُّنَّة، كما كان عضواً عاملاً في الاتحاد الإسلامي العالمي للمنظمات الطلابية، وفي الندوة العالمية للشباب الإسلامي، ورابطة العالم الإسلامي وغيرها من المنظمات الإسلامية ذات الطابع العالمي الإسلامي.

كما كانت له جهود مشكورة في رفد العمل الإسلامي في شمال إفريقيا وبخاصة في المغرب والجزائر وفي أوروبا عموماً حيث كان من مراكز التنسيق فيما بينها.

وكان كخلية النحل دائم الحركة والتنقل في أنحاء المدن الإسبانية، ودول المغرب العربي وتركيا، وبلدان الجزيرة والخليج.

وقد أسهم أيما إسهام في رفد العمل الإسلامي في أوروبا عموماً وإسبانيا والمغرب العربي خصوصاً، وكان له الكثير من الأتباع والمحبين الذين يُجاهدون الليل والنهار لإعلاء كلمة الله، ونشر دينه والتصدي لدعاة العلمانية والفرق الهدامة وأنصار الاستعمار الشرقي والغربي على حد سواء، مما أسخط الكثير من الجهات ضده وتحالفت جميعاً على وقف نشاطه وشل حركته بكل وسائل المكر والكيد والمحاصرة والتضييق والمطاردة، بتسخير العملاء وشراء الذمم لوقف هذا النشاط الإسلامي، وعرقلة سير دعاته وبخاصة في ديار الغرب حيث كانت الحرية النسبية تعطي المجال للدعاة المسلمين ليقولوا كلمة الحق، ويُسمعوا رأيهم للناس دون خوف أو وجل.

هكذا كان نزار الصباغ وتلك كانت سيرته، ومن أجل هذا ضاق به الطغاة ودبروا المؤامرات للتصدي له والنيل من جهاده مرات ومرات.

استشهاده

نزار الصباغ يتوسط عمر الدايل على اليسار والمستشار العقيل على اليمين

ولم يقف الأمر عند هذا الحد بل لجؤوا إلى اغتياله بأيدي عملائهم أمام باب مكتبه في (برشلونة) جهاراً نهاراً فخرَّ مضرجاً بدمه شهيداً في سبيل الله، وسجّل بذلك اسمه في سجل الشهداء الذين سبقوه إلى الله وكان ذلك ليلة السبت 22/11/1981 م وقد أوردت وكالات الأنباء المحلية والعالمية نبأ استشهاده وأذيع في الإذاعات ونشر في الصحف وتوجّهت أصابع الاتهام إلى عملاء السفارة السورية المأجورين هناك.

وفي يوم 25/11/1981 م نقل جثمانه إلى مدينة (غرناطة) ودفن في السفح المطل على (قصر الحمراء) بالقرب من (جنة العريف) حيث توجد مقبرة إسلامية كان قد دفن فيها فيما بعد المفكر المسلم النمساوي الأستاذ محمد أسد سنة 1992 م. وقد حضر تشييع الشهيد الصباغ وفود غفيرة من الجاليات والجماعات الإسلامية من عدة دول أوروبية وعربية ومن المسلمين المقيمين بإسبانيا ومن أبناء البلاد والطلاب والعمال وغيرهم.

ومن الجدير بالذكر: أن استشهاده كان وهو في طريقه إلى المركز الإسلامي ببرشلونة ليكمل موضوع الأسبوع السابق وكان بعنوان (الشهادة ومكانة الشهيد في الإسلام) وهذه من المبشرات التي يفرح بها المؤمنون.

ولقد كانت بينه وبين أستاذنا الشهيد محمد كمال الدين السنانيري بيعة وميثاق كنت من الحضور الشاهدين عليها، فشاء الله أن يستشهد نزار الصباغ بعد استشهاد السنانيري ببضعة أيام في نوفمبر 1981 م ليلحق به إن شاء الله في جنة عرضها السموات والأرض أُعدّت للمتقين.

رحم الله أخانا نزاراً وألحقه بالنبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.

رائد "الجهاد الأفغاني" .. عبد الله يوسف عزام 1941م

محتويات

١ مولده ونشأته

٢ جهاده

٣ من أقواله المأثورة في الدعوة والجهاد

٤ مؤلفاته من الكتب

٥ مقتطفات من كتاب آيات الرحمن في جهاد الافغان

٥.١ أرسلان يصيبه النعاس

٥.٢ حفظ الله للمجاهدين

٥.٣ الطيور مع المجاهدين

٦ وصية الشهيد عبد الله عزام

٧ المصادر

٨ للمزيد عن جهود الإخوان تجاه فلسطين وحرب 1948م

مولده ونشأته

المجاهد الكبير عبدالله عزام

هو شخصية إسلامية يوصف بأنه رائد "الجهاد الأفغاني"،كان منتميا لجماعة الإخوان المسلمين، وكان شخصية محورية في تطوير الحركات الإسلامية المسلحة. أسس عبد الله عزام مدرسة فكرية وبنية تحتية شبه عسكرية كانت تركز على الصراعات الوطنية ، الثورية والتحررية المنفصلة.

كانت فلسفة عزام في ترشيد الجهاد العالمي وتبني أسلوب عملي لضم وتدريب المسلحين المسلمين من أنحاء العالم قد أثمرت أثناء الحرب ضد الإحتلال السوفييتي في أفغانستان، وكانت مؤثرة تأثيرا حرجا على التطور اللاحق لحركة القاعدة العسكرية.

هو عبد الله يوسف عزام، ولد سنة 1941 في قرية سيلة الحارثية، في جنين بفلسطين، تربى في أسرة ريفية متدينة، في كنف والده الوقور يوسف عزام. وتلقى علومه الابتدائية والإعدادية في مدرسة القرية، وبدأ دراسته الثانوية في مدرسة جنين الثانوية ولم يمكث فيها طويلاً حيث قبل للدراسة في المدرسة الزراعية الثانوية (خضورية) في مدينة طولكرم. وحصل على شهادتها بدرجة امتياز عام 1959.

تنقل عبد الله عزام وهو طفل بين مرابع القرية، وكان يرى أمام ناظريه سهول مرج ابن عامر الذي اغتصبه اليهود عبر المؤامرات الدولية، فأخذ يهيئ نفسه ويعدها إعداداً إيمانياً، فكان منذ صغره محافظاً على الصلوات، دائباً على تلاوة القرآن، كما كان ملازماً لمسجد القرية.

عاش عبد الله عزام منذ يفاعته في سيلة الحارثية مع الأستاذ شفيق أسعد، الذي كان يتولى رعاية مجموعة من أبناء القرية، يربيهم على أخلاق وأفكار ومبادئ دعوة الإخوان المسلمين، فكان الشيخ عبد الله عزام في أوائل الدعاة في القرية.

كما تعرف الشيخ عبد الله في مدينة جنين على الداعية المربي الشيخ فريز جرار، الذي كان هو والأستاذ شفيق أسعد من أنشط الدعاة في تلك الفترة تربية للشباب، وأكثرهم عقداً للندوات والمحاضرات في مركز الجماعة في مدينة جنين، وأخذ عبد الله عزام يكثر من زيارة مركز الجماعة ويحضر الندوات واللقاءات التي كان يشرف عليها الشيخ فريز جرار، حتى أصبح من أكثر الشباب نشاطاً ومشاركة في هذه اللقاءات، وأخذ يكثر من الجلوس إلى الشيخ فريز ويصحبه في أكثر الجولات.

بعد حصوله على شهادة (خضوري) الزراعية تم تعيينه معلماً في قرية أدر بمنطقة الكرك جنوب الأردن، وبقي فيها سنة واحدة، حيث نقل إلى مدرسة برقين الإعدادية بالقرب من مدينة جنين.

سكن عبد الله مع أخوين له في الدعوة غرفة في دار الجماعة، فكانت له فرصة طيبة لممارسة ألوان متعددة من النشاط الفكري والتربوي والرياضي... كما كان كثير المطالعة لكتب الدعوة وخاصة كتب الإمام حسن البنا و عبد القادر عودة وسيد قطب و محمد قطب.

تابع عبد الله عزام دراسته الجامعية في كلية الشريعة بجامعة دمشق، ونال منها شهادة الليسانس في الشريعة بتقدير جيد جداً سنة 1966، وفي دمشق التقى مع بعض علماء الشام فتتلمذ عليهم وصاحبهم.

كان للشيخ عبد الله خمسة أولاد ذكور وهم: محمد نجله الأكبر الذي ذهب إلى ربه شهيداً مع والده وعمره 20عاماً، وكذلك ولده إبراهيم الذي استشهد وعمره 15عاماً، وحذيفة وحمزة ومصعب. ومن الإناث: فاطمة ووفاء وسمية.

بعد عام 1967، وسقوط الضفة الغربية وقطاع غزة في أيدي اليهود، دخل اليهود سيلة الحارثية، وحاول عبد الله عزام مع مجموعة من الشباب من أهل القرية الوقوف في وجه الدبابات الإسرائيلية، فنصحهم أهل القرية بالتريث لأنه ليس بمقدورهم ذلك.

فخرج عبد الله عزام مشياً على الأقدام مع غيره من أهل القرية إلى الأردن، ولكن خروج عبد الله عزام من بلده ما زاده إلا عزماً وتصميماً على الجهاد في سبيل الله، فبدأت فكرة التدريب على السلاح للوقوف في وجه اليهود تلح عليه.

وكان الشيخ عبد الله عزام من أوائل التشكيلات الإسلامية التي انضوت مع حركة فتح للتدريب على الجهاد. قرن الشيخ عبد الله عزام جهاده وتدريبه بانتسابه إلى جامعة الأزهر في مصر لدراسة الماجستير في أصول الفقه.

حصل الشيخ على الماجستير في عام 1969. وقد اشترك الشيخ في تلك الفترة بعدة عمليات جهادية كان أشهرها معركة الحزام الأخضر عام 1969 ومعركة 5 حزيران سنة 1970.

وقد تكبد اليهود في هذه المعارك أعداداً كبيرة من القتلى إلا أن شباب الحركة الإسلامية لم يحاولوا أن ينسبوا هذه العمليات إليهم لأنهم يجاهدون في سبيل الله لا من أجل اكتساب شعبية أو الحصول على الثناء.

وفي عام 1971 ذهب الشيخ عبد الله إلى مصر لتحصيل درجة الدكتوراه وحصل عليها في عام 1973.في مصر وجد الشيخ لنفسه مهمة جهادية أخرى هي مد يد المساعدة لأسر المعتقلين من الإخوان على الرغم من مضايقة المخابرات المصرية له.

لما عاد الشيخ عبد الله عزام إلى الأردن عمل مسؤولاً لقسم الإعلام بوزارة الأوقاف، فكان له الفضل في تنشيط المساجد والوعاظ حيث طعم القسم بطاقات شابة قادرة على الدعوة، وأصدر نشرات لنشر الوعي الإسلامي.

ثم عمل مدرساً وأستاذاً بكلية الشريعة في الجامعة الأردنية مدة سبعة أعوام من عام 1973 ـ 1980، عمل فيها في مجال الدعوة والتدريس، وكان متميزاً بطريقته وأسلوبه في الدعوة إلى الله، ولذلك كان كثيرا من الشباب خارج الجامعة يحرصون على حضور محاضراته، وكان له الفضل في فصل البنات عن البنين في المحاضرات.

كان الشيخ في هذه الأثناء على اتصال دائم مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عن طريق اتحاد الطلبة المسلمين حيث كانوا يوافونه بأخبار الجهاد أولاً بأول.

وكان يعد الشباب الذين لديهم التصاريح ويستطيعون الذهاب إلى فلسطين، ويرسلهم بعد الإعداد وينصحهم بأن يبقوا في فلسطين وينضموا إلى المجاهدين هناك، وكان كثيراً ما يجمع التبرعات أثناء جولاته في المدن العربية باسم الجهاد في فلسطين ويدعو الله دائماً أن يجعل له سبيلاً وطريقاً للجهاد في فلسطين من أجل تحرير مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كان الشيخ عبد الله عزام شخصية فريدة من نوعها، وقد استطاع أن ينشر أفكاره في صفوف الطلبة والطالبات في مختلف كليات الجامعة. وفي عام 1981 سافر إلى السعودية للعمل في جامعة الملك عبد العزيز في جدة، ثم طلب العمل في الجامعة الإسلامية بإسلام أباد في باكستان قريباً من الجهاد الأفغاني، فانتدب لهذا العمل، وعندما اقترب من المجاهدين الأفغان وجد ضالته المنشودة وقال: (هؤلاء الذين كنت أبحث عنهم منذ زمن بعيد).

جهاده

بدأ الشيخ عبد الله عزام عمله الجهادي في أفغانستان عام 1982 باستقبال القادمين للجهاد من الشباب العرب، ثم قام في عام 1984 بتأسيس مكتب خدمات للمجاهدين وتفرغ له. ليكون مؤسسة إغاثية جهادية متخصصة بالعمل داخل أفغانستان وقد ساهم هذا المكتب في:

نقل قضية الجهاد الإسلامي في أفغانستان إلى قضية إسلامية عالمية، والعمل على إيقاظ الهمم واستنفار المسلمين في أرجاء العالم للوقوف بجانب هذا الجهاد المبارك.

التعريف بقضية الجهاد عن طريق مجلة الجهاد، ونشرة لهيب المعركة والكتب والمنشورات التي كان يصدرها الشيخ عبد الله عزام في باكستان، بالإضافة إلى خطبه في المساجد والمحاضرات المتخصصة التي كان يلقيها للتحريض على الجهاد، وتصوير بطولات المجاهدين إلى العالم أجمع حيث كان النافذة التي يطل الأفغان من خلالها إلى العالم.

في ميدان التربية والتعليم: إقامة الدورات التدريبية لقادة الجهاد، فتح المدارس داخل الخنادق، وإقامة المراكز التربوية في أرض المعركة، فتح دور القرآن الكريم تحت قصف المدافع، وطباعة الكتب، فقد طبع أربعمائة ألف نسخة من القرآن الكريم في سنة 1988 وأدخل معظمها إلى المدارس في أفغانستان.

تزويد القوافل وترحيلها وتجهيز الجبهات.

الاعتناء بضحايا الحرب وجرحاها: بإنشاء خمس مستشفيات في داخل أفغانستان (جاجي، تخار، غزني، فارياب، بنجشير، بالإضافة إلى تأسيس مستشفى مكة المكرمة والمختبر المركزي وعيادة الطب الطبيعي).

إيقاف سيل الهجرة المتدفق: بكفالة العلماء والقادة الذين يحرضون على الجهاد بين الحمم المتساقطة.

العناية بأبناء الشهداء وذلك بفتح قسم كفالة الأيتام والأرامل في داخل أفغانستان، وبناء دور للأيتام.

رفع معنويات الأخوة المجاهدين الأفغان (سنشد عضدك بأخيك).

انصهار الطاقات الجهادية في بوتقة إسلامية: عربيها وأفغانيها.

تشكيل لجنة العلماء لإصدار الفتاوى واستنهاض الهمم ودحض الآراء الفاسدة.

ولقد كان الشيخ عبد الله عزام من أوائل السباقين للجبهة يقدم الشباب ويقدم نفسه أمامهم قدوة لهم في الإقدام والتضحية.

من أقواله المأثورة في الدعوة والجهاد

إن الأبطال الحقيقيين هم الذين يخطون بدمائهم تاريخ أممهم ويبنون بأجسادهم أمجاد عزتها الشامخة.

لقد رأيت أن أخطر داء يودي بحياة الأمم هو داء الترف الذي يقتل النخوة ويقضي على الرجولة، ويخمد الغيرة ويكبت المروءة.

لقد عودتنا التجارب أن نرى التكالب العالمي على كل قضية إسلامية تقترب من النصر، أو على كل داعية أصبح شامة في جبين الدهر.

الجهاد بالنفس ضرورة حياتية للمسلم ليتحرر من الخوف والوهم والرعب الذي يغتصب به الطواغيت حقوق الأمم.

إن البشر لا يملكون إزاء القدر رداً، ولا يبني الأمم إلا الجماجم والأجساد.

الشهداء هم الذين يخطون تاريخ الأمم، لأن تاريخ الأمم لا يخط إلا بالعرق والدم.

الشهداء هم الذين يحفظون شجرة هذا الدين من أن تضمحل أو تذوي، لأن شجرة هذا الدين لا تروى إلا بالدماء.

المسلم أعز ما يكون حينما يكون مجاهداً في سبيل الله.

لا فرق بين رصاصة شيوعي في باكستان ورصاصة شيوعي في أفغانستان، ورصاصة عميل لليهود أو الأمريكان... الكل قتل في سبيل الله مادامت النية خالصة له... ولقد اخترنا الموت طريقاً للحياة.

استشهد الشيخ عبد الله عزام في مدينة بيشاور في باكستان، حيث يقطن وعائلته رحمه الله بتاريخ 24/11/1989 في أثناء توجهه لتأدية صلاة الجمعة عندما تعرضت سيارته لانفجار مروع دبرته يد أعداء الإسلام الغادرة، مما أدى إلى استشهاده مع ولديه (محمد وإبراهيم) الذين تناثرت أشلاؤهم على مساحة واسعة حول السيارة التي انشطرت إلى قسمين من قوة الانفجار.

الشهيد عبد الله عزام خاض تجربة رائدة في العمل الإسلامي الجهادي... ومن خلال هذه التجربة اكتسب عمقاً بعيداً في الجهاد، وقدم تراثاً ضخماً ليكون زاداً للأجيال.

ويتمثل هذا التراث في :

مؤلفاته من الكتب

كتاب (العقيدة وأثرها في بناء الجيل).

كتاب (الإسلام ومستقبل البشرية).

كتاب (السرطان الأحمر).

كتاب (آيات الرحمن في أفغانستان).

المنارة المفقودة.

الدفاع عن أراضي المسلمين أهم فروض الأعيان.

إلحق بالقافلة.

في الجهاد آداب وأحكام.

عبر وبصائر للجهاد في العصر الحاضر.

جهاد شعب مسلم.

بشائر البصر.

حماس (الجذور التاريخية والميثاق).

كلمات من خط النار الأول الجزء الأول.

جريمة قتل النفس المؤمنة.

في خضم المعركة، في ثلاثة أجزاء.

مجموعة محاضرات مسجلة على أشرطة كاسيت تزيد على (300) شريط.

مجموعة محاضرات مسجلة بالفيديو كاسيت تزيد على (50) محاضرة.

مجموعة مقابلات صحفية نشرت في عدد من الصحف والمجلات.

عشرات المحاضرات التي ألقاها في عدد من البلدان العربية والأجنبية في أثناء جولاته من أجل الجهاد.

مئات المقالات التي كتبها في الصحف والمجلات وخاصة مجلة الجهاد ونشرة لهيب المعركة التي كان يصدرها في بيشاور.مجموعة من الكتب لم تطبع بعد.

مقتطفات من كتاب آيات الرحمن في جهاد الافغان

حدثني (عمر حنيف) في بيت (نصر الله منصور) قائد جبهة الإنقلاب الإسلامي و(عمر) هذا اسمه (قائندا محمد) وهو قائد عسكري في منطقة (زرمت وأرجون) في محافظة (بكتيا) أفغانستان فقال:

لم أنظر شهيدا واحدا متغير الجسم أو منتن الرائحة.

لم أر (أشاهد) شهيدا واحدا نهشته الكلاب رغم أن الكلاب تأكل الشيوعيين.

لقد كشفت عن اثني عشر قبرا بنفسي بعد سنتين أو ثلاث ولم أجد واحدا متغير الرائحة.

لقد رأيت شهداء بعد أكثر من سنة جروحهم حية تنزف دما .حدثني إمام قال: رأيت الشهيد (عبد المجيد محمد) بعد قتله بثلاثة أشهر كما هو ورائحته كالمسك.حدثني (عبد المجيد حاجي): رأيت إمام مسجد قرية لايكي بعد استشهاده بسبعة أشهر كما هو إلا أنفه.

حدثني الشيخ (مؤذن) عضو مجلس الشورى للجهاد مكث الشهيد (نصار أحمد) تحت التراب سبعة أشهر ولم يتغير.

حدثني عبد (الجبار نيازي): رأيت أربعة شهداء بعد ثلاثة إلى أربعة أشهر؟ فأما ثلاثة منهم فهم كما هم وطالت لحاهم وأظافرهم وأما الرابع فقد ظهر تلف في جزء من وجهه.واستشهد أخي (عبد السلام) وبعد أسبوعين أخرجناه كما هو.

حدثني (أرسلان) استشهد معنا (عبد البصير) طالب علم وفي الظلام جئت أبحث عنه مع مجاهد آخر اسمه (فتح الله) فقال لي (فتح الله) أن الشهيد قريب لأني أشم رائحة طيبة ثم بدأت أشم نفس الرائحة فوصلنا الشهيد متتبعين رائحته؟ ولقد رأيت لون الدم في الظلام على النور الذي ينبعث من الجرح.

أرسلان يصيبه النعاس

حدثني مولوي (أرسلان): أنه نام في أثناء المعركة في (شاهي كو) مدة عشرة دقائق والقذائف من جميع الأنواع تلقى علينا.

حدثني (عبد الرحمن): في معركة (دبكي) هاجمتنا الدبابات وكان عدد الدبابات والآليات (150-200) ولكثرة القذائف صار المجاهدون لا يسمعون لمدة يومين أو ثلاثة؟ ثم ألقي النوم علينا أثناء المعركة وقمنا مطمئنين؟ وضرب أحد المجاهدين دبابة فأحرقها وسقطت قطعة محترقة على سيارة ذخيرة فانفجرت نتيجة لذلك سبعة سيارات وغنمنا خمسة سيارات.

حدثني (عبد الله) حارس حكمتيار قال: ألقي النوم علي عدة مرات في أثناء المعارك فكنت أعتبر هذا أمنة من الله ونعمة.

حدثني (عبد الرشيد عبد القادر) بغمان: شاهدت ثلاثة مرات النعاس يصيب (يغشى) المجاهدين عند هجوم الروس فينام المجاهدون (2-3) دقائق فيقومون بعزم جديد وينتصرون على الروس.

حفظ الله للمجاهدين

(وما كان لنفس أن تموت إلا بإذن الله كتابا مؤجلا ) (آل عمران: 145) (فالله خير حافظا وهو أرحم الراحمين) (يوسف: 64)

(1) أختر محمد الدبابة تمر عليه:

حدثني (محمد منجل) (غزني-شلجر) قال: رأيت بعيني الدبابة مرت على (أختر محمد) فلم يمت وعندما رأوه حيا عادت ومرت عليه فلم يمت؟ ثم أخذوه مع اثنين من المجاهدين وأطلقوا على الثلاثة النار من الرشاش فلم يمت؟ واستشهد الاثنان وسقط الثلاثة على الأرض؟ وجاءوا وواروه بالتراب؟ وبعد أن ذهب الشيوعيون قام وعاد إلى المجاهدين؟ ولا زال حيا يجاهد.

(2) (نصر الله) تصيبه رصاصتان وتسقطان في جيبه:

حدثني (محمد منجل) حدثني (نصر الله) وكان مجاهدا في غزني؟ فأصابته رصاصتان ولم تجرحاه وسقطتا في جيبه فأراهما للمجاهدين معه وشهد له المجاهدون.

(3) (حضرت شاه) تصيبه رصاصة دوشكا في عينه فلم تضره:

حدثني (أرسلان) قال: أصابت (حضرت شاه) رصاصة دوشكا في عينه ولم تؤذ عينه فاحمرت فقط.

(4) أربعة عشرة قذيفة نابالم حول الدوشكا:

حدثني (محمد نعيم) قائد بغمان أن طائرة ألقت عليهم أربعة عشرة قذيفة انفجرت ثلاثة عشرة على مقربة منه ولم تصب أحدا .

(5) الرصاص لا يخترق أجسادهم:

أنا (عبد الله عزام) رأيت بعيني قميص (خوجا محمد) محروقا من شظايا قذيفة هاون فيه خمسة ثقوب ولم يجرح إلا جرحا واحدا .

(6) حرقت الخيمة وفيها ثلاثة ولم يجرح واحد منهم:

حدثني (إبراهيم) شقيق (جلال الدين) أنه في يوم (8/3/1983م) ضربت علينا المدفعية قذيفتين فأحرقت الخيمة في تسعة أماكن وكان في الخيمة ثلاثة من الأخوة ولم يصب أحد منهم بأذى.

(7) أحرقت ثيابي وكنت مع عشرين شخصا معظمهم أحرقت ثيابهم ولم يجرح منهم أي واحد:

حدثني (إبراهيم) قال: في العشرين من شعبان عام (1402هـ) في معركة (بجي-خوست-بكتيا) ألقيت علينا قذائف فانكسر المنظار واحترق سروالي وأنا (عبد الله عزام) رأيت سروال (إبراهيم) بنفسي محترقا من الشظايا وما زال السروال عندي؟ ولم يجرح وأصيب معظم الموجودين وقطع حزام الرصاص لبعضهم واحترقت ثياب معظمهم؟ ولكن لم يجرح واحد منهم.

(8) سيارة إبراهيم تمر على لغم ولم ينفجر وانفجر بدبابة:

حدثني (إبراهيم) كنا ثلاثين رجلا في زرمت وكان العدو معه ثلاثمائة بين دبابة ومصفحة وناقلة فهزم العدو وغنمنا مدفعين وسيارة وثلاثمائة قذيفة وألغام وثلاثين ألفا من الرصاص وستة كلاشنكوفات؟ فوضعنا الذخيرة في السيارة وكان السائق اسمه (محمد رسول) وأنا بجانبه ومرت السيارة على لغم ولم ينفجر ومرت دبابة على نفس اللغم فانفجر بها.

(9) رأيت بعيني قذيفة (آر بي جي) خرقها الرصاص وهي في داخل المدفع ويحملها أحد المجاهدين ولم يجرح.ورأيت المنظار وكان مع المجاهد (خليل) شقيق (جلال الدين حقاني) وقد تحطمت زجاجة المنظار ولم يجرح.

 

(10) حدثني (فتح الله): أن الرصاصة حرقت جيب (زرغن شاه) وكسرت المرآة في جيبه وأحرقت الدفتر ولم يجرح.

(11) حدثني (فتح الله): أن طائرة ألقت قذيفة فاحترقت الخيمة ولم يصب أحد من المجاهدين بداخلها.

(12) القذيفة تنفجر بين رجلي (عقل دين) وبجانب (عبد الرحمن) ولم يجرح واحد منهم؟ حدثني القائد عبد الرحمن هذه القصة.

(13) الألغام تنفجر تحت دبابة المجاهدين ولم تصب إلا العمائم:

دخل (فتح الله) بالدبابة مع (إبراهيم) لتحرير (حصن باري) فانفجرت الألغام وطارت العمائم ولم يجرح أحد.

(14) حدثني (عبد الكريم) قال: رأيت الضابط السيد (عبد العلي) يخرج وثيابه محترقة بالرصاص ولم يجرح.

(15) حدثني مولوي (يوردول) قائد وردك أن ثمانية طائرات هاجمتني وأنا أمشي بين قريتين والمسافة عشرة كيلومتر ولم أجرح وكنت أرى ركاب الطائرات منها وكان معي سلاحي.

الطيور مع المجاهدين

أصبح من المتواتر أن الطيور تأتي قبل الطائرات فيعرف المجاهدون بقدوم الطائرات؟ وإذا جاءت الطائرات تكون الطيور تحت الطائرات تسابقها؟ مع العلم أن سرعة الطائرات ضعفي أو ثلاثة أضعاف سرعة الصوت.ويجمع المجاهدون أنه إذا اشتركت الطيور تكون الخسائر قليلة أو معدومة.

وممن حدثني أنه رأى الطيور كثيرا جدا : (محمد كريم).... رأيتها أكثر من عشرين مرة؟ (جلال الدين حقاني)... رأيتها كثيرا جدا ؟ (أرسلان)... رأيتها كثيرا جدا .

وممن رأى الطيور كثيرا (محمد شيرين) ومولوي (عبد الحميد) و(علم جل فضل محمد) و(جان محمد) و(خيار محمد) و(وزير باد شاه) و(سيد أحمد شاه) و(علي جان).

عموما هناك من أثنى على هذا الكتاب كالشيخ ابن باز رحمه الله وهناك من يرى أن به مبالغات كثيرة عن خوارق وكرامات المجاهدين الافغان.

وصية الشهيد عبد الله عزام

 

الكاتب: عبد الله عزام

وصية العبد الفقير إلى الله تعالى عبد الله بن يوسف عزام:

من بيت القائد البطل الشيخ جلال الدين حقاني وفي عصر الإثنين الثاني عشر من شعبان (1406هـ) الموفق للعشرين من نيسان (أبريل 1986) أكتب هذه الكلمات:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلا ، وأنت تجعل الحزن إذا شئت سهلا .

لقد ملك حب الجهاد علي حياتي ونفسي ومشاعري وقلبي وأحاسيسي، إن سورة التوبة بآياتها المحكمة التي مثلت الشرعة النهائية للجهاد في هذا الدين وإلى يوم الدين، لتعتصر قلبي ألما وتمزق نفسي أسى وأنا أرى تقصيري وتقصير المسلمين أجمعين تجاه القتال في سبيل الله.

إن آية السيف التي نسخت قبلها نيفا وعشرين آية أو أربعين آية بعد المائة من آيات الجهاد لهي الرد الحاسم والجواب الجازم لكل من أراد أن يتلاعب بآيات القتال في سبيل الله أو يتجرأ على محكمها بتأويل أو صرفها عن ظاهرها القاطع الدلالة والقطعي الثبوت.

وآية السيف { وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة واعلموا أن الله مع المتقين } ، أو آية: { فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم }.

إن التبرير للنفس بالقعود عن النفير في سبيل الله، وإن تعليل النفس بعلل تخدر مشاعرها فترضى بالقعود عن القتال في سبيل الله لهو ولعب، بل اتخاذ دين الله لهوا ، ولعبا ونحن أمرنا بالإعراض عن هؤلاء بنص القرآن { وذر الذين اتخذوا دينهم لهوا ولعبا وغرتهم الحياة الدنيا... }.

إن التعلل بالآمال دون الإعداد لهو شأن النفوس الصغيرة التي لا تطمح آن تصل إلى القمم ولا أن ترقى إلى الذرى:

وإذا كانت النفوس كبارا

تعبت من مرادها الأجسام

إن الجوار في المسجد الحرام وعمارته لا يمكن أن يقاس بالجهاد في سبيل الله، وفي صحيح مسلم أن آية: { أجعلتم سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن بالله واليوم الأخر وجاهد في سبيل الله لا يستون عند الله والله لا يهدي القوم الظالمين الذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله وأولئك هم الفائزون * يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم، خالدين فيها أبدا إن الله عنده أجر عظيم }.

هذه الآيات نزلت عندما اختلف الصحابة في أفضل الأعمال بعد الإيمان فقال أحدهم عمارة المسجد الحرام، وقال آخر: بل سقاية الحجيج . وقال الثالث: بل الجهاد في سبيل الله. فهذه الآيات نص في المسألة أن الجهاد في سبيل الله أعظم من عمارة المسجد الحرام، وخاصة أن صورة سبب النزول هي خلاف الصحابة حول هذه المسألة. وصورة سبب النزول لا يجوز تخصيصها ولا تأويلها لأن معناها قاطع في النص.

ورحم الله عبد الله بن المبارك إذا يرسل إلى الفضيل بن عياض:

يا عابد الحرمين لو أبصرتنا

لعلمت أنك بالعبادة تلعب

من كان يخضب خده بدموعه

فنحورنا بدمائنا تتخضب

أرأيت قول الفقيه المحدث ابن المبارك للفضيل: أنه يرى أن جوار الحرم والعبادة فيه في الوقت الذي تنتهك فيه الحرمات وتسفك الدماء وتستباح الأعراض ويجتث فيه دين الله من الأرض، أقول يراه لعبا بدين الله.

نعم... إن ترك المسلمين في الأرض يذبحون ونحن نحوقل ونسترجع ونفرك أيدينا من بعيد دون أن يدفعنا هذا إلى خطوة واحدة تقدمنا نحو قضية هؤلاء لهو ولعب بدين الله ودغدة لعواطف باردة كاذبة طالما خدعت النفس التي بين جنباتها.كيف القرار وكيف يهدأ مسلم والمسلمات مع العدو المعتدي

إني أرى كما كتبت في كتاب (الدفاع عن أراضي المسلمين أهم فروض الأعيان) ، كما يرى شيخ الإسلام ابن تيمية من قبلي : ( والعدو الصائل الذي يفسد الدين والدنيا ليس أوجب بعد الإيمان من دفعه ).

إني لا أراى والله أعلم أي فرق اليوم بين تارك القتال في سبيل الله وبين تارك الصلاة والصيام والزكاة.

إني أرى أن أهل الأرض جميعا الآن أمام مسؤولية عظيمة أمام رب العالمين ثم بين يدي التاريخ.

إني أرى أنه لا يعفى عن مسؤولية ترك الجهاد شيء سواء كان ذلك دعوة أو تأليفا أو تربية أو غير ذلك.

إني أرى أن كل مسلم في الأرض اليوم منوط في عنقه تبعة ترك الجهاد القتال في سبيل الله وكل مسلم يحمل وزر ترك البندقية، وكل من لقى الله غير أولي الضرر دون أن تكون البندقية في يده فإنه يلقى الله آثما لأنه تارك القتال. والقتال الآن فرض عين على كل مسلم في الأرض غير المعذورين وتارك الفرض آثم لأن الفرض: ما يثاب فاعله ويحاسب أو يأثم تاركه.

إنني أرى والله أعلم أن الذين يعفون أمام الله بسبب تركهم الجهاد هم الأعمى والأعرج والمريض والمستضعفون من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا ، أي لا يستطيعون الإنتقال إلى أرض المعركة ولا يعرفون الطريق إليها.

والناس كلهم آثمون الآن بسبب ترك القتال ، سواء كان القتال في فلسطين أو في أفغانستان أو أية بقعة من بقاع الأرض التي ديست من الكفار ودنست بأرجاسهم.

وإني أرى أن لا إذن لأحد اليوم في القتال والنفير في سبيل الله، لا إذن لوالد على ولده، ولا لزوج على زوجته، ولا لدائن على مدينه، ولا لشيخ على تلميذه ولا لأمير على مأموره. هذا إجماع علماء الأمة جميعا في عصور التاريخ كلها: أنه في مثل هذه الحالة يخرج الولد دون إذن والده، والزوجة دون إذن زوجها، ومن حاول أن يغالط في هذه القضية فقد تعدى وظلم، واتبع هواه بغير هدى من الله.

قضية حاسمة واضحة لا غبش فيها ولا لبس، فلا مجال لتمييعها ولا حيلة لأحد في التلاعب فيها وتأويلها. إن أمير المؤمنين لا يستأذن في الجهاد في حالات ثلاث:

إذا عطل الأمير الجهاد.

إذا فو ت الإستئذان المقصود.

إذا علمنا منعه مقدما .

إنني أرى أن المسلمين اليوم مسؤولون عن كل عرض ينتهك في أفغانستان وعن كل دم يسفك فيها. إنهم والله أعلم مشتركون في دماءهم بسبب تقصيرهم لأنهم يملكون أن يقدموا لهم السلاح الذي يحميهم، والطبيب الذي يعالجهم والمال الذي يشترون به الطعام، والحفارة التي يحفرون بها الخنادق.

وقد جاء في حاشية الدسوقي الشرح الكبير (2/111-112):

( أن من كان يملك {1} فضل طعام ورأى جائعا وتركه حتى مات فإن كان صاحب الطعام متأولا يظنه لا يموت فإنه يدفع ديته من عاقلته أقاربه وإن كان عامدا فقد جاءت روايتان في المذهب: إحداهما أنه يدفع ديته من ماله الخاص، والرواية الثانية أنه يقتص منه لأنه قاتل ).

فأي حساب وأي عقاب ينتظر أصحاب الثروات والأموال التي تهدر على الشهوات وتراق عبثا على الأهواء والكماليات.

فيا أيها المسلمون :

حياتكم الجهاد، وعزكم الجهاد، ووجودكم مرتبط ارتباطا مصيريا بالجهاد.

يا أيها الدعاة :

لا قيمة لكم تحت الشمس إلا إذا امتشقتم أسلحتكم وأبدتم خضراء الطواغيت والكفار والظالمين.إن الذين يظنون أن دين الله يمكن أن ينتصر بدون جهاد وقتال ودماء وأشلاء هؤلاء واهمون، لا يدركون طبيعة هذا الدين.

إن هيبة الدعاة وشوكة الدعوة وعزة المسلمين لن تكون بدون قتال ، " ولينزعن الله من قلوب أعدائكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن "، قالوا: وما الوهن يا رسول الله؟ قال : ( حب الدنيا وكراهية الموت ) ، وفي رواية: ( وكراهية القتال ) ، { فقاتل في سبيل الله لا تكلف إلا نفسك وحر ض المؤمنين عسى الله أن يكف بأس الذين كفروا والله أشد بأسا وأشد تنكيلا }.

إن الشرك سيعم ويسود بدون قتال { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } ، والفتنة هي الشرك.

إن الجهاد هو الضمان الوحيد لصلاح الأرض: { ولو لا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض }.

إن الجهاد هو الضمان الوحيد لحفظ الشعائر وبيوت العبادة { ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا }.

يا دعاة الإسلام :

إحرصوا على الموت توهب لكم الحياة ولا تغرنكم الأماني ولا يغرنكم بالله الغرور، وإياكم أن تخدعوا أنفسكم بكتب تقرأونها، وبنوافل تزاولونها، ولا يحملنكم الإنشغال بالأمور المريحة عن الأمور العظيمة { وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم... } ، ولا تطيعوا أحدا في الجهاد : لا إذن لقائد في النفير إلى الجهاد، إن الجهاد قوائم دعوتكم وحصن دينكم وترس شريعتكم.

يا علماء الإسلام :

تقدموا لقيادة هذا الجيل الراجح إلى ربه، ولا تنكلوا وتركنوا إلى الدنيا وإياكم وموائد الطواغيت، فإنها تظلم القلوب وتميت الأفئدة وتحجزكم عن الجيل وتحول بين قلوبهم وبينكم.

يا أيها المسلمون :

لقد طال رقادكم، واستنسر البغاث في أرضكم، وما أجمل أبيات الشاعر:

طال المنام على الهوا

ن فأين زمجرة الأسود

واستنسرت عصب البغا

ث ونحن في ذل العبيد

قيد العبيد من الخنو

ع وليس من زرد الحديد

فمتى نثور على القيود

متى نثور على القيود

يا معشر النساء :

إياكن والترف، لأن الترف عدو الجهاد والترف تلف للنفوس البشرية، واحذرن الكماليات واكتفين بالضروريات، وربين أبناءكن على الخشونة والرجولة وعلى البطولة والجهاد، لتكن بيوتكن عرينا للأسود {2}.

وليس مزرعة للدجاج الذي يسمن ليذبحه الطغاة، اغرسن في أبنائكن حب الجهاد وميادين الفروسية وساحات الوغى، وعشن مشاكل المسلمين وحاولن أن تكن يوما في الأسبوع على الأقل في حياة تشبه حياة المهاجرين والمجاهدين، حيث الخبز الجاف ولا يتعدى الإدام، جرعات من الشاي.

يا أيها الأطفال :

تربوا على نغمات القذائف ودوي المدافع وأزيز الطائرات وهدير الدبابات، وإياكم وأنغام الناعمين وموسيقى المترفين وفراش المتخمين.

أما أنت أيتها الزوجة :

ففي النفس الكثير والكثير أريد أن أبثه إليك يا أم محمد، جزاك الله عني وعن المسلمين خير الجزاء. لقد صبرت معي طويلا على لأواء الطريق وتجرعت معي كؤوس الحياة حلوها ومرها. وكنت خير عون لي على آن أنطلق في هذه المسيرة المباركة وأن أعمل في ميدان الجهاد؛

لقد تركت على كاهلك البيت سنة (1969م) أيام أن كان لدينا طفلتان وولد صغير فعشت في غرفة واحدة من الطين لا مطبخ لها ولا منافع، وتركت على عاتقك البيت يوم أن ثقل الحمل وزادت العائلة، وكبر الأولاد وكثرت معارفنا وزاد ضيوفنا، فاحتملت لله ثم من أجلي القليل والكثير، فجزاك الله عني خير الجزاء ولولا الله ثم صبرك على غيابنا الطويل عن البيت ما استطعت أن أحتمل هذا العبء الثقيل وحدي.

لقد عرفتك زاهدة في الحياة، ليس للمادة أي وزن في حياتك، لم تشتكي أيام الشدة من قلة ذات اليد ولم تترفي ولم تبطري أيام أن فتح علينا قليل من الدنيا، لم تكن الدينا في قلبك بل كانت معظم الوقت في يدك، إن حياة الجهاد ألذ حياة ومكابدة الصبر على الشظف أجمل من التقلب بين أعطاف النعيم وجوانب الترف، الزمي الزهد يحبك الله، وازهدي بما في أيدي الناس يحبك الناس.

القرآن هو متعة العمر، وأنس الحياة، والقيام وصيام النافلة والإستغفار في الأسحار يجعل للقلب شفافية، وللعبادة حلاوة وصحبة الطيبات وعدم التوسع في الدنيا والبعد عن المظاهر وعن أهل الدنيا راحة القلوب، وأمل من الله أن يجمعنا في الفردوس كما جمعنا في الدنيا.

وأما أنتم يا أبنائي :

إنكم لم تحظوا من وقتي إلا بالقليل، ولم ينلكم من تربيتي إلا اليسير، نعم لقد شغلت عنكم ولكن ماذا أصنع ومصائب المسلمين تذهل المرضعة عن رضيعها، والأهوال التي ألمت بالأمة الإسلامية تشيب نواصي الأطفال، والله ما أطقت أن أعيش في قفص معكم كما تعيش الدجاجة مع فراخها، لم أستطع أن أحيا بارد النفس ونار المحنة تحرق قلوب المسلمين.

لم أرض أن أبقى بينكم طيلة وقتي وأحوال المسلمين تمزق كل من له قلب أو بقية من لب، ليس من المروءة أن أعيش بينكم أتقلب بين أعطاف النعيم، توضع لي صحفة وترفع صفحة بين أطباق اللحوم وأنواع الحلويات، والله لقد كنت في حياتي أمقت الترف سواء كان ذلك في ثياب أو طعام أو مسكن، وحاولت أن أرفعكم ما استطعت إلى مقام الزاهدين وأبعدكم عن مستنقع المترفين؛

أوصيكم بعقيدة السلف أهل السنة والجماعة وإياكم والتنطع، أوصيكم بالقرآن تلاوة وحفظا ، وبحفظ اللسان، وبالقيام والصيام، وبالصحبة الطيبة، وبالعمل مع الحركة الإسلامة، ولكن اعلموا أنه ليس لأمير الحركة أي سلطة عليكم بحيث يمنعكم من الجهاد أو يزين لكم البقاء للدعوة بعيدا عن مصانع الرجولة وميادين الفروسية، لا تأخذوا إذن أحد للجهاد في سبيل الله، إرموا واركبوا ولأن ترموا أحب إلي من أن تركبوا.

أوصيكم يا أبنائي بطاعة أمكم واحترام أخواتكم (أم الحسن وأم يحيى) وأوصيكم بالعلم النافع الشرعي، وأوصيكم بطاعة أخيكم الكبير محمد واحترامه وأوصيكم بالمحبة فيما بينكم، وبروا جدكم وجدتكم وأكرموهما كثيرا وبروا عمتيكم (أم فايز وأم محمد) فلهما بعد الله فضل كبير علي ، و صلوا أرحامنا وبروا أهلنا، وأوفوا بحق صحبتنا لمن صاحبنا.

وأما مكتب الخدمات :

على الإخوة أن يحفظوا لأهل السابقة سابقتهم وكل مجاهد وسابقته في هذا المضمار، واحفظوا للإخوة القدماء قدرهم خاصة الإخوة أسامة وأبا الحسن المدني ونور الدين وأبا الحسن المقدسي وأبا سياف وأبا برهان، وأما أبا مازن فلقد خبرته فوجدته أطهر من ماء السماء، صواما قواما غيورا على الجهاد.

ولقد ساقه الله هدية إلى الجهاد فخدم بصمت وكان أحد أعمدة الجهاد. وتغاضوا عن زلاتهم، واحفظوا لهم مكانتهم، ولا تنسوا فضل الأخ أبي الحسن المدني ودوره في خدمة الجهاد، وتقبلوا نصائح أبي هاجر وليصل بكم فإن فيه رقة وخشوعا.

وادعوا كثيرا لمن تكفل هذا المكتب بماله الخالص الأخ أبو عبد الله أسامة بن محمد بن لادن، أدعو الله أن يبارك له في أهله وماله ونرجوا الله أن يكثر من أمثاله، ولله أشهد أني لم أجد له نظيرا في العالم الإسلامي، فنرجو الله أن يحفظ له دينه وماله وأن يبارك في حياته.

ولا تنسوا أن أبا حذيفة قد كفل كثيرا من أعمال المكتب بماله الخاص فادعو الله له كثيرا وكان عمود الخيمة للمكتب.

وأما الأحزاب الجهادية :

فاهتموا كثيرا بسياف وحكمتيار ورباني وخالص.. لأننا نأمل منهم مسيرة الجهاد وأن يحفظوا مسيرته من الإنحراف ولا تنسوا القادة في الداخل خاصة جلال الدين وأحمد شاه مسعود وإنجنير بشير وصفي الله أفضلي ومولوي أرسلان وفريد، ومحمد علم وشير علم/بغمان، وسيد محمد حنيف لوجر.

وسبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك.

الثلاثاء : 13 / شعبان / 1406هـ

الموافق : 22/4/1986م

عبد الله بن يوسف عزام

الواعظ الموفق .. الشيخ حسن طنون

بقلم: المستشار عبدالله العقيل

محتويات

١ النشأة والنشاط الدعوى

٢ رحلته إلى الكويت

٣ تعرضه للبلاء

٤ زملاؤه وتلامذته

٥ من أقواله

٦ قالوا عنه

٧ معرفتي به

٨ وفاته

٩ للمزيد عن الإخوان في السودان

النشأة والنشاط الدعوى

الشيخ حسن طنون

ولد الشيخ حسن طنون عام 1916م في مدينة وادي حلفا بالسودان، وتدرج في مراحله التعليمية وحفظ القرآن الكريم.

واستفاد من حلقات العلم للعلماء والدعاة والوعاظ، واستفاد كثيراً من كبار العلماء أمثال: الشيخ محمد جنة، والشيخ إبراهيم الغرباوي، والشيخ عبدالحفيظ الشناوي، والشيخ محمود إبراهيم طيرة، والشيخ علي رفاعي، والشيخ سيد جعفر، وغيرهم من كبار العلماء والوعاظ في مصر والسودان.

مارس الوعظ والإرشاد وإلقاء الدروس في المساجد والزوايا والحلقات والتجمعات في أنحاء متفرقة من السودان، وكانت له دروس ومواعظ منتظمة، وزيارات متعددة لمعظم المدن والقرى السودانية، واستمر يدعو إلى الله في السودان طيلة عشرين سنة.

وترك آثاراً طيبة، وتأثر به الكثيرون، لصدقه وإخلاصه، ورقة مواعظه، فكان كثير البكاء والتأثر، يبكي السامعين، ويعيش معهم في أجواء روحانية إيمانية تنقل الجماهير من ثقل المادة، والالتصاق بالأرض، والانغماس بالدنيا، إلى آفاق الروح الصافية، والنفس المؤمنة المستشرفة لما عند الله من الخير والفضل.

رحلته إلى الكويت

ثم رحل إلى الكويت أواخر الستينيات، فاستقبله أهل الكويت أحسن الاستقبال، ورحبوا به أجمل الترحيب، وظل يؤدي دوره الدعوي في تذكير الناس ووعظهم لسلوك سبل الخير والصلاح، وطريق النجاح والفلاح، وكان يعظ الناس في معظم مساجد الكويت، وعلى الأخص مسجد الملا صالح.

وكانت جموع المسلمين تتدفق على المساجد، خاصة من الشباب الذين أحبوه وتعلقوا به، وتأثروا بمواعظه، وهداهم الله على يده، فكان مجيئه للكويت من أعظم البركات على هذا البلد، وكان تأثيره على الكبار والصغار والنساء والفتيات عظيماً جداً، بحيث التزم الكثير ممن لم يكونوا ملتزمين، وأصبح هذا الجمهور من السامعين والمتأثرين بالشيخ حسن طنون، يشكلون القاعدة العريضة من المجتمع الكويتي.

فهو إذن عالم جليل، وداعية بليغ، وواعظ مؤثر، أمضى حياته في الدعوة والإرشاد والإصلاح في السودان طيلة عشرين عاماً، وفي الكويت قرابة ثلاثين عاماً، كان استقراره بها حتى وافاه الأجل.

تعرضه للبلاء

ولقد ابتلاه الله بحادث سيارة أثناء زيارته البيت الحرام، حيث انقلبت به السيارة، وأصيب إصابة بالغة، وترتب عليها شلل نصفي في الجزء السفلي من جسده، وظل صابراً على هذا البلاء ما يزيد على الخمس عشرة سنة، لا يُرى إلا ذاكراً لله، تالياً للقرآن الكريم.

وكان محبوباً من جميع الناس وسائر الطبقات، يحظى بالتقدير من أهل الكويت جميعاً، الشيوخ والشباب الذين ألحوا على بقائه بالكويت، حتى بعد إصابته وعجزه.

ولقد بقي فترة الأزمة التي تعرضت لها الكويت بالاحتلال العراقي، ولم يغادرها، وفاء منه لأهلها، ولم يعط الطاغية أي كلمة رضا، بل كان يصدع بكلمة الحق، وإنكار الظلم الذي وقع على أهل الكويت، غير مبال بكل التهديدات التي أطلقها الظالمون المعتدون.

زملاؤه وتلامذته

كان زملاؤه في الدعوة الذين يسير وإياهم على نفس النهج والأسلوب، المشايخ: محمد الغزالي، وحسن أيوب، ومحمد متولي الشعراوي، وعبدالحميد كشك، ومن تلامذته الذين يعتز بهم: الشيخ أحمد القطان، والشيخ طايس الجميلي، ويقول: "أحب في الشيخ طايس إخلاصه وجرأته، إنه لا يخشى في الله لومة لائم".

وأحب في الشيخ أحمد القطان "إخلاصه ودعوته إلى الله بصدق، ولا يخشى في الله لومة لائم، ولو كان السيف على عنقه".

من أقواله

"أنا مريض منذ أكثر من خمس عشرة سنة، وهذه المحنة التي أنا فيها، أعدّها منحة من الله، وما دمنا في هذه الدار، دار الابتلاء يجب علينا أن نصبر، ولا نستغرب وقوع الأقدار.. ومن لم يقبل على الله بملاطفات الإحسان، قيّدت يداه بسلاسل الامتحان، "أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون" (العنكبوت:2).

وأنا لست صابراً، ولكني راض بقضاء الله وقدره، وكل يوم يمر عليَّ، وأنا في هذه المحنة، أجد حلاوة في قلبي.. وهذه السنون الطويلة التي مرت عليَّ كأنها سنة واحدة، وأشكر جميع الإخوان الذين يترددون عليَّ لزيارتي، جزاهم الله خيراً.. ولو أن من حق المسلم على المسلم زيارة المريض، ويسرّني ويثلج صدري أن الكثير من الشباب يزورونني يومي الإثنين والخميس، وهم على صيام.

ونصيحتي للشباب هي نصيحة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى ابنه الحسين حين قال:

"يا بني أوصيك بتقوى الله عز وجل في الغيب والشهادة، وكلمة الحق في الرضا والغضب.. والقصد في الغنى والفقر.. والعدل في الصديق والعدو.. والعمل في النشاط والكسل، والرضا عن الله عز وجل في الشدة والرخاء.

يا بني: من كثر كلامه كثر خطؤه، ومن كثر خطؤه قلَّ حياؤه، ومن قلّ حياؤه قلَّ ورعه، ومن قلَّ ورعه مات قلبه، ومن مات قلبه دخل النار.

يا بني: رأس العلم الرفق.. وآفته الحمق.. من كنوز الإيمان الصبر على المصائب.

يا بني: لا شرف أعلى من الإسلام، ولا كرم أعلى من التقوى، ولا شفيع أنجح من القصد به، ولا لباس أنجح من العافية..

يا بني: من رضي برزق الله لم يحزن على ما فاته، ومن سلَّ سيف البغي قتل به.. ومن حفر بئراً لأخيه وقع فيها.. ومن هتك حجاب غيره انكشفت عورات بيته".

و من أقواله أيضاً:

"من واجب العلماء والدعاة إلى الله أن يتصلوا بولاة الأمور، ويقدّموا لهم النصيحة، لا لغرض دنيوي، ولا لمأرب شخصي، كما كان السلف الصالح رضوان الله عليهم".

قالوا عنه

قالت مجلة المجتمع الكويتية الغراء:

"هناك رجال يقيِّضهم الله تعالى لإحياء هذا الدين في نفوس الناس كلما ضعف وذبل، ويجددون لهذا الدين رفع لوائه، والدعوة إليه، وقلّما تنجب الأمهات في زمن الانتكاسات مثل هؤلاء الرجال الذين منهم فضيلة الشيخ المجاهد حسن طنون الغني عن التعريف، الذي قدم إلى الكويت في الستينيات.. وكانت له صولات وجولات في مساجد الكويت.. وقد هدى الله على يديه كثيراً من الشباب والناس وبارك الله هذه الجهود الطيبة المثمرة، فهو كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء "تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها" (إبراهيم).

معرفتي به

عرفت الشيخ حسن طنون بعد وصوله للكويت، وقيامه بالوعظ والإرشاد في المساجد، واللقاءات في المجالس والدواوين مع جماهير الناس، وبخاصة الشباب وشدّني إليه عاطفته الصادقة والحساسية المرهفة، وكثرة البكاء أثناء الوعظ، حيث ينفعل مع الموضوع الذي يتحدث به، أو القصة التي يوردها، فيبكي بصدق وحرارة، ويُبكي من حوله لفرط التأثر.

وكان الشيخ بشوش الوجه، بسّام الثغر، يتودد إلى الجميع بحسن الحديث، وجمال العرض، والأدب الجم، والتواضع ولين الجانب مع الصغير والكبير على حد سواء، وهذا ما حبّب الناس إليه، وجعل الكثرة الكاثرة من الرجال والنساء والشباب تقبل على مواعظه وخطبه، ويهدي الله على يديه الكثيرين ممن لم يكونوا على الطريق المستقيم من قبل، وهذا فضل من الله، آتاه هذا الداعية المخلص،

فكانت تلك القاعدة العريضة من محبّي الشيخ في الكويت، سواء من الكويتيين أو المقيمين الذين حفظوا له هذا الفضل حين ابتلاه الله بحادث السيارة أثناء ذهابه إلى العمرة، فكان التعاطف معه منقطع النظير، وكان الوقوف إلى جانبه من الجميع من حكام البلاد، ومن جماهير الناس، وهذا ما زاد تعلقه بأهل الكويت وتقديره لهذا الوفاء الرائع، فآثر البقاء في الكويت، رغم عجزه عن الحركة، مستمتعاً بهذا الحب الأخوي، والصلة الربانية، وقد وافاه الأجل في الكويت، فبكاه الجميع بالقلوب كما بالعيون، ودعوا له بحسن الختام.

وفاته

تُوفي مساء الجمعة 6-11-1992م بمدينة الكويت، وشيِّع في جنازة مهيبة تحمل طابع الوفاء لهذا الداعية المؤمن العامل، والواعظ البكَّاء.

رحم الله أستاذنا الشيخ حسن طنون رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقاً.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة

سفير الإسلام المتجول خليل أحمد الحامدي "1350 1415ه- 1929-1994م"

بقلم: المستشار عبدالله العقيل

محتويات

١ تعريف

٢ مشايخه

٣ معرفتي به

٤ نشاطه العلمي والدعوي

٥ مؤلفاته

٦ قالوا عنه

٧ وفاته

تعريف

الشيخ خليل الحامدي

هو الشيخ خليل بن أحمد الحامدي، ولد في 23-6-1929م بقرية "حامد" الواقعة في محافظة "فيروزبور" الهندية، وحفظ القرآن الكريم في طفولته، ثم التحق بالمدرسة الأعظمية في مدينة "كرنال" وتخرج فيها سنة 1945م، وكان من مشايخه والده مولانا فتح محمد، والمحدث الكبير الشيخ مولانا أنور شاه كشميري..

توفي والده وعمره ثماني سنوات. وكان التحاقه بالجماعة الإسلامية بالهند مبكراً جداً، حيث كان طالباً لم يتجاوز الرابعة عشرة، ومع هذا كانت له إسهاماته في أنشطتها المختلفة من سنة 1943م ثم ازداد نشاطه وكثرت مشاركاته لاجتماعات الجماعة الإسلامية سنة 1945م، وبعد أربع سنوات، أي في عام 1949م أصبح عضواً عاملاً في الجماعة، ولازم منذ ذلك الحين الشيخ أمين أحسن إصلاحي، أحد رموز الجماعة الإسلامية ومن قبله الشيخ محمد علي، أمير الجماعة الإسلامية بمدينة "فيروزبور" وفي سنة 1955م اُختير الأستاذ الحامدي مساعداً لمدير دار العروبة للدعوة الإسلامية، ثم صار مديراً لها بعد ثمانية أعوام.

وكان يخطب الجمعة بالمساجد ومعظم خُطبه مقتبسة من كتاب المودودي "خطب الجمعة"، حيث كان يحفظ الكثير منها عن ظهر قلب في شبابه، كما أنه عمل واعظاً بالسجن المركزي بمدينة لاهور لمدة عام، وهدى الله على يديه كثيراً من السجناء، وكان يصلي بهم صلاة الجماعة ومعهم مدير السجن الذي كان يحب تلاوة القرآن الكريم.

مشايخه

إن العلماء والمشايخ الذين أخذ منهم العلوم كثيرون، منهم:

مولانا فتح محمد، الشيخ أمين الدين، الشيخ مظهر الدين، الشيخ ظريف أحمد، الشيخ محمد علي، الشيخ عبدالعليم القاسمي، الشيخ عبدالحليم القاسمي، السيد أبوالأعلى المودودي ، الشيخ محمد أمين المصري ، الشيخ محمد عاصم الحداد وغيرهم.

معرفتي به

بدأت معرفتي بالأخ الداعية خليل أحمد الحامدي في الستينيات الميلادية، حين تولى إدارة دار العروبة للدعوة الإسلامية بمقر الجماعة الإسلامية بباكستان، خلفاً للأخ محمد عاصم الحداد الذي التحق بالعمل في رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة.

ثم التقيته مرات عديدة بالسعودية والكويت، وكذلك بباكستان حين لقاءاتنا المتكررة مع الإمام أبوالأعلى المودودي أمير الجماعة الإسلامية ثم خليفته من بعده الشيخ ميان طفيل محمد ثم الأمير الحالي للجماعة الأستاذ قاضي حسين أحمد

كما جمعتني به رحلات مشتركة سافرنا فيها إلى أوروبا وأمريكا وإيران والفلبين وغيرها، كما زارنا بالكويت أكثر من مرة وشرّفني في منزلي، وحضر الندوة الأسبوعية مساء الجمعة، وشارك في موضوعاتها. وألقى العديد من المحاضرات والكلمات في جمعية الإصلاح الاجتماعي والتجمعات الإخوانية في الكويت.

وقال لي:

إنني أعرفك يا أبا مصطفى من خلال قراءتي لكتاب شيخنا مسعود عالم الندوي "شهور في ديار العرب"، الذي نشره بالأوردية سنة 1949م ثم ترجم إلى العربية، حيث ذكر أنكم استقبلتموه بالبصرة والزبير بحفاوة بالغة، وحدثكم عن الجماعة الإسلامية بباكستان، وحدثتموه عن الإخوان المسلمين في العالم العربي، وزودكم بمؤلفات المودودي وزودتموه بمؤلفات الإمام الشهيد حسن البنا وإخوانه وتلامذته، وكان هذا أول اتصال للإخوان المسلمين والجماعة الإسلامية بباكستان.

وظلت صلتي بالأخ الحامدي وثيقة جداً، ففي جميع رحلاتي إلى باكستان كان يرافقني ويترجم كلماتي ومحاضراتي في الندوات والمؤتمرات إلى جمهور السامعين باللغة الأوردية ويترجم لي ما يقال بالأوردية.

ومن أمتع الرحلات التي رافقته بها، رحلتنا إلى جنوب الفلبين، حيث زرنا مناطق المسلمين واطلعنا على أحوالهم كما زرنا معسكرات تدريب المجاهدين من حركة تحرير مورو الإسلامية، والتقينا رئيسها المرحوم سلامات هاشم وهو قائد فذ وداعية موفق وفقيه متمكن.

كما ترافقنا في رحلة إلى إيران بعد سقوط نظام الشاه، حيث التقينا المسؤولين وعلى رأسهم الخميني، وكان معنا في تلك الرحلة الأخ سعيد حوى رحمه الله والأخ جابر رزق رحمه الله والأستاذ محمد عبدالرحمن خليفة وآخرون.

وقد تحدثنا جميعاً عن ضرورة العمل على وحدة المسلمين، والبعد عن النزاع والشقاق ومواجهة أعداء الإسلام كأمة واحدة تحت راية واحدة، لا إله إلا الله محمد رسول الله، ونبذ التعصب المذهبي والطائفي، ووقف التسلط الذي تمارسه بعض الحكومات على المسلمين والدعاة والحركات الإسلامية المعاصرة.

نشاطه العلمي والدعوي

لقد كان الأستاذ خليل الحامدي همزة الوصل بين الجماعة الإسلامية بباكستان والحركات الإسلامية في البلاد العربية والإسلامية، وسافر إلى السعودية برفقة الإمام المودودي وقابل الملك سعود سنة 1960م بناءً على طلبه لتقديم مشروع الجماعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وقد رحب الملك سعود بالمودودي ترحيباً كبيراً جداً، وكان مع المودودي بالإضافة للشيخ الحامدي السيد غلام محمد، فقدم المودودي خطته المقترحة للجامعة إلى الملك سعود الذي شكل لجنة لمناقشتها مؤلفة من الإمام المودودي والشيخ محمد بن إبراهيم والشيخ عبداللطيف بن إبراهيم، و أبوالحسن الندوي ، ومحمد علي الحركان، فوافقوا على الخطة بعد إدخال تعديلات بسيطة عليها.

وقد بقي المودودي وغلام محمد وخليل الحامدي عشرة أيام بمدينة الرياض، حيث ألقى الإمام المودودي كلمة قيمة في قصر الملك بالناصرية، وكذا في معهد العاصمة النموذجي للأنجال، ثم سافر الحامدي مع المودودي لمكة المكرمة للعمرة، ثم إلى المدينة المنورة لزيارة مسجد الرسول { وزاروا المكان المخصص للجامعة، حيث تم إنشاؤها في وادي العقيق قرب قصر سلطانة.

وفي سنة 1962م سافر الحامدي مع المودودي للحج وكان الملك سعود دعا لمؤتمر إسلامي في موسم الحج لمواجهة فتنة الإلحاد والفساد في صورة الشيوعية والإشتراكية التي كان يتبناها بعض الحكام العسكريين العرب.

وقد تمَّ عقد هذا المؤتمر وانبثق عنه تأسيس رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة وكان من أبرز مؤسيسها:

أبوالأعلى المودودي ، أبوالحسن علي الندوي ، محمد أمين الحسيني ، مكي الكتاني، عبدالله القلقيلي، عبدالرحمن الأرياني، البشير الإبراهيمي، حسنين مخلوف، علال الفاسي، عبدالله كنون، الطاهر أبوعاشور، محمد ناصر، مفتي محمود، الشيخ إبراهيم السنغالي، محمد فال الموريتاني، أبوبكر جومي، محمد بن إبراهيم، عبدالله بن حميد، عبدالعزيز بن باز، محمد علي الحركان وغيرهم.

كما أن الحامدي كان المترجم لكلمات ومحاضرات ودروس وكتب الإمام المودودي مؤسس الجماعة وأميرها الأول. وقد أسهم الحامدي في ترجمة مؤلفات الإمام المودودي مقتفياً أثر الأخوين قبله: مسعود عالم الندوي، ومحمد عاصم الحداد.

كما قام بترجمة الكثير من مؤلفات الإمام الشهيد حسن البنا والشهيد سيد قطب والسيدة زينب الغزالي وغيرهم، بالإضافة إلى بعض الكتب الأخرى مثل: البوابة السوداء، دور الدول الإشتراكية في بناء إسرائيل، الوابل الصيب من الكلم الطيب، معالم في الطريق، أيام من حياتي... إلخ.

وقد تولى الأستاذ الحامدي مهمة الإشراف على معهد الإمام المودودي لطلبة البعوث الإسلامية بباكستان، والإشراف على دار العروبة للدعوة الإسلامية، والمجلس التعليمي الإسلامي، ومجمع المعارف الإسلامية، كما كان عضواً في الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية بالكويت، والمجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية بالأردن.

والأستاذ خليل الحامدي متمكن من اللغة العربية، يملك ناصية بيانها، متحدثاً وكاتباً، كما أنه صاحب قلم سلس، وأسلوب مشرق الديباجة وتعبير عذب أنيق كأنه عربي الجذور.

مؤلفاته

وبالإضافة إلى الكم الكبير من الكتب التي ترجمها من العربية إلى الأوردية، ومن الأوردية إلى العربية، فإن له مؤلفات كثيرة نذكر بعضها:

الإمام أبوالأعلى المودودي.

الإسلام في مواجهة التحديات المعاصرة.

بر الأمان.

حول تطبيق الشريعة الإسلامية في العصر الحاضر.

ختم النبوة في ضوء القرآن والسنة.

المبادئ الأساسية لفهم القرآن.

وغيرها كثير لا تحضرني أسماؤها.

ويروى أنه حين سافر إلى السعودية لتسلم جائزة الملك فيصل نيابة عن الإمام المودودي، ألقى كلمة قصيرة جداً على لسان المودودي قال فيها:

"... لا أريد الجائزة على الخدمات التي قمت بها في سبيل الله وسبيل الإسلام، لا أريد الجائزة عليها من الملوك في هذه الدنيا، وإنما أريد وأتمنى أن أنال الجائزة من الله عز وجل يوم لا ينفع مال ولا بنون، وإن كنتم مصرّين على أن آخذ هذه الجائزة فتسلم عن طريق مندوبي الحامدي لصرفها في سبيل الله ولا أصرفها في مصلحة شخصية".

قالوا عنه

يقول الشيخ ميان طفيل محمد:

"إن الشيخ خليل أحمد الحامدي كان من الذين قام الإمام المودودي بتربيتهم بنفسه وجعلهم شخصيات لا تموت بسبب أعمالهم، وكان نموذجاً تركه المودودي بعد وفاته للناس، كان مخلصاً ونشيطاً في أداء واجباته نحو الأمة الإسلامية، وكان يعمل كخلية النحل من الصباح إلى الليل، وإن وفاته خسارة للجماعة الإسلامية والمسلمين جميعاً".

يقول الشيخ قاضي حسين أحمد:

"من أوصاف الشيخ الحامدي أنه لا ييأس مهما كانت الظروف، وكان يرشد الشباب بأن المستقبل للإسلام. وكان لجولاته في الدول العربية والإسلامية طيلة ثلاثين عاماً الأثر الكبير لمعرفة أحوال الشعوب الإسلامية والدعاة العاملين للإسلام".

يقول الدكتور عبدالغفار عزيز:

إن الشيخ خليل أحمد الحامدي كان اليد اليمنى للإمام الراحل السيد أبو الأعلى المودودي، كما كان الحامدي درة في تاج الحركات الإسلامية في العالم كله وليس الجماعة الإسلامية بباكستان وحدها...".

يقول العلامة يوسف القرضاوي:

"... لقد كان الأخ الكريم العالم الجليل والداعية الصادق الشيخ خليل أحمد الحامدي عزيزاً على نفوسنا وحبيباً إلى قلوبنا، وكان خير سفير للجماعة الإسلامية في المجامع والمجتمعات العربية والإسلامية، لما يتحلى به من علم نافع وعقل ناضج، وخلق فاضل، وإخلاص نادر، وبصيرة نيّرة، ونشاط دائب، ومعرفة في الدعوة الإسلامية في العالم ورجالاتها، وإجادة اللغة العربية كأنه أحد أبنائها الخُلص...".

وفاته

ولقد وافته المنية يوم 21-5-1415ه الموافق 25-11-1994م، إثر حادث مروري بباكستان، وكان يوم وفاته يوماً مشهوداً، حيث انتشر الخبر بسرعة مذهلة، ومن ثم بدأت وفود التعزية ورسائل المواساة، تتقاطر، وحضر الجنازة آلاف المشيعين، ومنهم عدد كبير من رجالات الفكر وزعماء السياسة وممثلي الحركات الإسلامية في العالم كالدكتور أحمد العسال من إخوان مصر، والأستاذ علي شفق من حزب الرفاه بتركيا، والسفير عبدالملك الطيب من اليمن، والدكتور الطيب زين العابدين من السودان، والأستاذ عنصر علي من بنجلاديش وغيرهم كثيرون.

هذا هو الأخ الكريم والداعية الكبير الشيخ خليل أحمد الحامدي، وهذا غيض من فيض من جهوده المباركة في سبيل الله، نسأل الله أن يتقبله في الصالحين من عباده وأن يحشرنا وإياهم مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

مصطفى مشهور

محتويات

١ النشأة

٢ الجهاز الخاص

٣ قضية سيارة الجيب

٤ الاعتقال الثاني

٥ الاعتقال الثالث

٦ استئناف العمل

٧ سائح في سبيل الدعوة

٨ العودة إلى الوطن

٩ مشهور مرشداً أو قائداً

١٠ الرحيل

١١ أصداء وفاته

١٢ ألبوم صور

١٣ للمزيد عن أ.مصطفى مشهور

النشأة

الأستاذ مصطفى مشهور في صورة لقطت منتصف الثلاثينيات

ولد الأستاذ مصطفى مشهور في الخامس عشر من شهر أيلول (سبتمبر) عام 1921، في قرية السعديين التابعة لمحافظة الشرقية بمصر، من أسرة دينية كريمة، معروفة بتدينها، وفضلها، وكرمها، وانتمائها العربي الأصيل، واعتزازها بإسلامها.

دخل الكتاب وهو صغير، ليحفظ ما يمكنه حفظه من القرآن الكريم ، كعادة أهل الريف في مصر ، وفي سائر البلاد العربية، ثم التحق بالمدرسة الابتدائية في القرية، وأكمل دراسته الثانوية بالقاهرة ، ثم التحق بكلية العلوم التابعة لجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة الآن) وتخرج فيها عام 1942 حاملاً شهادة البكالوريوس في العلوم، وكان متفوقاً في دراسته، وبسبب تفوقه هذا نال مكافأة من الجامعة.

وبعد تخرجه في كلية العلوم، عمل بوظيفة(متنبئ جوي) في مصلحة الأرصاد الجوية.

في جماعة الإخوان المسلمين

نشأ الشيخ مصطفى نشأة دينية في بيئة تعلي من قدر الدين والمتدينين، وصاحبه تدينه هذا إلى حيث ذهب ويذهب إلى (الزقازيق) وإلى القاهرة ، وسواها، كان يرتاد المساجد يصلي فيها ويستمع إلى ما يلقى من دروس ومواعظ وبيده مصحفه، يتلو كل يوم ما يشاء الله له من آياته البينات، وذات يوم .

وفيما كان يقرأ القرآن في مسجد الحي الذي يقيم فيه، تعرف إلى شاب متدين يكبره بفرق سنتين، وكان ذلك الشاب من الجماعة ، ولم يتعب الشاب في إقناع الفتى مصطفى ابن الخمسة عشر خريفاً، بدعوة الإخوان ، فقد صحبه إلى شعبة الحي، ثم إلى المركز العام ليستمع إلى محاضرة لمرشد الإخوان ، الأستاذ حسن البنا.

فاستمع الفتى في انبهار إلى المحاضر الذي يقطر الشهد من لسانه العف بتقاطر الكلمات المحملة بالحكمة والموعظة الحسنة، وهكذا صار الفتى مصطفى عضواً في جماعة الإخوان المسلمين عام 1936 ومنذئذ التحم كيانه كله في جسم الجماعة ، فما فارقها لحظة واحدة في عسر ولا في يسر، وحيا فيها بجسمه وروحه، عاش سراءها وضراءها، وكانت روحه تحلق في أجوائها وهو يمشي على قدميه في أحياء القاهرة وأريافها، وفي الصعيد و المدارس يدعو إلى الله، فقد كان كتلة من حيوية ونشاط، لفت إليه أنظار القائمين على (الجهاز الخاص) فوضعوا عيونهم عليه، وراقبوه واختبروه ثم لم يلبثوا إلا قليلاً ليضموه إليهم، وليكون من أنشط أعضاء الجهاز سرية وانضباطاً، وتنفيذاً لما يطلب منه تنفيذه.

الجهاز الخاص

وهو الذي يسموه الجهاز السري لما كان يكتنفه من سرية مطلقة أنشأة الأستاذ المرشد عام 1940 من خيرة شباب الإخوان ديناً، وأخلاقاً وإخلاصاً لفكرة الجهاد، وكان الهدف من إنشائه، تدريب الشباب تدريباً قتالياً عالياً، من أجل تحرير مصر من الاستعمار الإنجليزي، و تحرير فلسطين من الإنجليز الذي يستعمرونها ويتآمرون مع اليهود لإنشاء وطن لهم فيها وإقامة دولتهم على أرضها.

وقد خاض رجالها معارك هائلة في مصر ضد الإنجليز في القنال خاصة وحيث وجد للإنجليز منشآت في بعض مدنها، كما خاضوا معارك باسلة في فلسطين ، وأبلوا أحسن البلاء، ولو لا تآمر المتآمرين على فلسطين وعلى المجاهدين ، لكان لأبناء هذا الجهاز الحيوي دور هائل في إحباط ما يفكر به للإنجليز و اليهود وعملائهم ولكن المؤامرة كانت لئيمة وخسيسة، وكانت أكبر من أولئك الرجال الذين قدموا أرواحهم ودماءهم فداءلفلسطين و القدس و الأقصى وكانوا ينفقون - أي شباب النظام الخاص - على تنظيمهم السري هذا من جيوبهم الخاصة، وكان مفتي فلسطين الحاج محمد أمين الحسيني رئيس الهيئة العربية العليا في فلسطين ، يقدم لهم بعض المال ليشتروا به السلاح.

وكان الشاب مصطفى مشهور واحداً من رجال ذلك النظام أو التنظيم ، يأتمر بأوامر مسؤوليه، ويطيعهم في المنشط والمكره.

قضية سيارة الجيب

الاستاذ.مصطفى مشهور

لعل أول تجربة قاسية يمر بها الشاب مصطفى ما أطلق عليه (سيارة الجيب) عام 1948 تلك التي استغرقت جلساتها تسعاً وثمانين جلسة (من عام 1948 – 1951) وتحكي وقائع المحاكمة أن الأستاذ مصطفى مشهور لم يتبرأ مما اتهم به، ولم يطلب العفو من المحكمة، بل إنه أبى أن يطعن في إجراءات الاعتقال لأنه كان على يقين بأنه محق فيما فعل، وإن اعتقلوه وحاكموه وحكموا عليه بالسجن ثلاث سنوات بسببه.

والطريف في الأمر، أن رئيس المحكمة المستشار أحمد كامل بك وكيل محكمة استئناف القاهرة ذكر في حيثيات الحكم الذي نطقت به المحكمة التي كان يرأسها ما يلي: وحيث إنه سبق للمحكمة أن استظهرت كيفية نشأة جماعة الإخوان المسلمين ، ومسارعة فريق كبير من الشباب إلى الالتحاق بها، والسير على المبادئ التي رسمها منشؤها والتي ترمي إلى تطهير النفوس مما علق أو عساه أن يعلق بها من شوائب، وإنشاء جيل جديد من أفراد مثقفين ثقافة رياضية عالية، مشربة قلوبهم بحب وطنهم، و التضحية في سبيله بالنفس والمال، وقد كان لا بد لمؤسسي هذه الجماعة لكي يصلوا إلى أغراضهم أن يعرضوا أمام الشباب مثلاً أعلى يحتذونه وقد وجدوا هذا المثل في الدين الإسلامي وقواعده التي رسمها القرآن الكريم والتي تصلح لكل زمان و مكان فأثاروا بهذا المثل العواطف التي كانت قد خبت في النفوس وقضوا على الضعف والاستكانة والتردد وهي الأمور التي تلازم – عادة – أفراد شعب محتل مغلوب على أمره، وقام هذا النفر من الشباب ، يدعو إلى التمسك بقواعد الدين ، والسير على تعاليمه، و إحياء أصوله سواء أكان ذلك متصلاً بالعبادات و الروحانيات، أم بأحكام الدنيا.

(ولما وجدوا أن العقبة الوحيدة في سبيل إحياء الوعي القومي في هذه الأمة ، هو جيش الاحتلال – الإنجليزي – الذي ظل في هذا البلد قرابة سبعين عاماً، تخللتها طائفة من الوعود بالجلاء .. كما كان بين المحتل وبين فريق من الوطنيين الذين ولوا أمر هذا البلد مباحثات و مفاوضات على أقرائها الأمور، ليخلص الوادي (مصر) لأهله، ولم تنته المفاوضات والمجادلات الكلامية إلى نتيجة طيبة، ثم جاءت مشكلة فلسطين وما صاحبها من ظروف و ملابسات) إلى آخر هذه الحيثيات التي قدمها رئيس المحكمة قبل النطق بالحكم على الشاب مصطفى مشهور مع 27 عضواً من إخوانه البررة في حين حكمت عليه المحكمة الثورية بالسجن عشر سنوات مع الأشغال الشاقة، خلال ثلاثة دقائق فقط، يا للعجب والتفاهة!!

ومن الطريف أن نذكر أن رئيس المحكمة الأستاذ المستشار كان مقدراً لهؤلاء الشباب الذين يحاكمهم، وأعجب بجراءتهم وإخلاصهم، وتفانيهم في سبيل دعوتهم ، الأمر الذي جعله يستقيل من القضاء وينضم إلى جماعة الإخوان المسلمين ويؤلف كتاباً وينشر ويقول: (كنت أحاكم.. و أصبحت منهم) دعا فيه الشيوخ و الشباب إلى الالتحاق بتنظيم الإخوان الذي أفرز هؤلاء الرجال الذين أقنعوا قاضيهم بحقهم، وبأصالة ما يدعون إليه.

الاعتقال الثاني

الأستاذ.مصطفى مشهور

كان هذا الاعتقال بعد حادث المنشية المفتعل والمفبرك بين جمال عبد الناصر وبين المخابرات الأمريكية وبتدبير منهما.

وبالرغم أن الشاب مصطفى مشهور حينها (1954) كان موظفاً في ( مرسى مطروح) أي كان بعيداً عن مسرح الحادث ، وعن القاهرة ، فقد اعتقلوه من مقر عمله، وساقوه إلى السجن الحربي ، سيء الذكر هو ومديره الهالك حمزة البسيوني وضباطه وجلادوه وجلاوزته، وتعرض الشاب مصطفى لأقسى أنواع التعذيب وهو صابر محتسب، لا يسمع الجلادون منه سوى كلمة التوحيد (لا إله إلا الله) ثم عرض على محكمة الثورة ، لتحكم عليه بالسجن عشر سنوات مع الأشغال الشاقة، وقد استغرقت هذه المحاكمة المهزلة ثلاث دقائق، كما تقدم.

ثم نقل إلى سجن (ليمان طره) ليلقى و إخوانه الآلام من مدير السجن وجلاديه، ثم نقل إلى معتقل (الواحات الخارجية) وهو عبارة عن خيام مفتوحة في الليل والنهار وفي الصيف والشتاء القارس، ومحاطة بالحراس الغلاظ، وبالأسلاك الشائكة.

أمضى الشيخ مصطفى مدة السجن وخرج من المعتقل في تشرين الثاني (1964م).

الاعتقال الثالث

وفي تموز 1965 فوجئ الناس بقرار جديد من جمال عبد الناصر يقضي بإعادة اعتقال كل من كان معتقلاً سابقاً وأفرج عنه، وجاءت عناصر المخابرات لتعتقل مصطفى مشهور ولم يمض على الإفراج سوى بضعة أشهر.

وكان نصيب الرجل من التعذيب شديداً وهو صابر محتسب، ويدعو إخوانه إلى الصبر و الثبات على هذه المحنة التي جاءتهم من موسكو، حيث كان عبد الناصر يزور قبر لينين، ويعلن عن كشف مؤامرة لقلب نظام حكمه بقيادة سيد قطب .. وبقي في السجن حتى هلك عبد الناصر ، وجاء السادات وأمر بالإفراج عن الإخوان المعتقلين من أوائل السبعينات (1971) .. وهكذا أمضى الشاب الكهل الشيخ مصطفى مشهور ست عشرة سنة في معتقلات الطواغيت.

استئناف العمل

ما كاد الشيخ مصطفى يخرج من السجن ، حتى بادر إلى الاتصال بالجماعة ، ليعيد التنظيم إلى سابق عهده بالحياة والحيوية والنشاط، غير عابئ بما قد يصيبه في سبيل الدعوة التي سكنت قلبه وعقله.

وعندما بويع الأستاذ عمر التلمساني رحمه الله تعالى مرشداً ثالثاً للجماعة ، كان الشيخ مصطفى من أقوى أعوانه، وكان يعمل مع لفيف من الإخوان الكرام لتأسيس التنظيم وتثبيت أركانه عبر مؤسسات تصمد في وجه الأعاصير.

وقد التقيته أول مرة في شباط (1977) في مجلة الدعوة، مع الأستاذ المرشد والأستاذ الشهيد كمال السنانيري رحمه الله رحمة واسعة، وقد لاحظت حضور الأستاذ مصطفى في مناقشة الأمر الذي سافرت إلى القاهرة من أجله، وعندما شكوت الدكتور الملط – رحمه الله – دافع الشيخ مصطفى عن تصرفه، وقال لي: سامحونا إذا وجدتم منا مالا يرضيكم، فظروفنا قاسية، وأمن الأستاذ المرشد على كلامه، وقال الأستاذ السنانيري: هل ترضى أن أكون أنا العبد الفقير وسيطاً بينكم وبين فضيلة الأستاذ المرشد ؟

وبعد الانتهاء مما نحن فيه، استأذنت بالانصراف، فهب الشيخ مصطفى نحوي، واعتذر لي وهو الكبير وأنا التلميذ الصغير في هذه المدرسة الربانية ، وعانقني وقال: ادعوا لنا أيها الإخوان السوريون فأنتم مظلومون، ودعواتكم مجابة إن شاء الله تعالى.

سائح في سبيل الدعوة

تم كشف حلقة قالب: قالب:مصطفى مشهور

غادر الشيخ مصطفى مشهور القاهرة إلى الكويت في أيلول (1981)، وبعد مقتل السادات، التقيته مع بعض أعضاء مكتب الإرشاد ، وسمعته يقول: (ليس لنا أي دور في مقتل السادات ، فنحن كما قال المرشد الثاني رحمه الله: دعاة لا قضاه، ونحن لم نستعمل القوة و العنف في حياتنا، وسبيلنا إلى الناس دعوتهم بالحكمة والموعظة الحسنة، ومع ذلك، اعتقلوا منا بضعة آلاف، ونريد رأيك في التصرف المناسب بناء على تجربتك في سورية).

قلت للأستاذ الفاضل ولمن معه من أساتذتي في مكتب الإرشاد: (اصبروا وصابروا، ولا تتورطوا في الصراع مع النظام، مهما كانت الاعتقالات والمضايقات، وسوف يعرف النظام المصري أنكم برءاء من دم السادات ، وسوف يخرج شبابكم من المعتقلات بإذن الله ويستأنفون العمل وبقوة و إخلاص إن شاء الله).

وبعد حوار ونقاش استقر الرأي على التهدئة و الابتعاد عن سائر أساليب الاستفزاز والتصعيد، وكذلك كان.

ثم سافر الأستاذ إلى ألمانيا، واستقر فيها خمس سنوات كانت عملاً دائباً في التخطيط للجماعة بروح متفائلة، وعقل متفتح ونشاط يشد به الهدوء.

وقد التقيته في مدينة فرانكفورت عام (1986)، وكان مع بعض أعضاء مكتب الإرشاد ، وشرحت لهم ما سمي حينها بالمسألة السورية، وفيما كنت أشرح لهم ما كلفت بشرحه، قاطعني أحد أعضاء مكتب الإرشاد بحدة وفاجأني فأسكتني، ولكن أخاً كريماً انبرى لذلك العضو وكان مما قاله له: (لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم)، و الأخ عبد الله يشرح بأدب إخواني، ولا يجوز لك مقاطعته، وقال بحنان: (تكلم يا أخي، قل كل ما في نفسك، ونحن مصغون لك).

قلت بحزن: لو كنت أعلم أن حضوري وحديثي يزعجان أحداً منكم ما حضرت ولا تحدثت، ولكن الأمر خطير، ونحن مقدمون على انشقاق لا سمح الله، ولذلك حضرت .

قال الشيخ مصطفى: تفضل نحن نستمع إليك.

قلت: الآن مستحيل، فقد فوجئت وذهلت من موقف رجل كنت و إخواني نقرأ كتبه، ونستفيد منه.

ثم استأذنت ونهضت، فنهض معي الأستاذ الكبير مشهور وجاءوا لاسترضائي وأن أبقى معهم في الشقة. فاعتذرت وخرجت، ثم كان لقاء اليوم التالي مع الشيخ مصطفى الذي استقبلني بهدوء وحنان وعانقني واعتذر مما حصل في اليوم السابق.

لقد بدا لي الشيخ مصطفى ذا رأي حصيف وحازم، ليستمع ويستمع ويستمع ولا يقاطع، ويتكلم بهدوء، وبلسان عفيف، يشاور ويحاور وينصت، ويجادل بالحسنى ومن الصعوبة بمكان أن يتنازل عن رأيه بسهولة.

وفي ألمانيا استطاع و إخوانه أن يرسوا دعائم التنظيم الدولي (التنظيم العالمي لجماعة الإخوان المسلمين فيما بعد) .. كان حركة دائبة، حتى يحس به من يراه أنه المرشد ، وأنه هو صاحب الكلمة الفصل في الشئون الاستراتيجية.

العودة إلى الوطن

وبعد وفاة المرشد الأستاذ التلمساني – رحمه الله تعالى – وبتسوية ما مع المسؤولين في مصر ، قادها الأستاذ الكبير صلاح شادي ، تغمده الله بفيض رحماته ورضوانه، عاد الشيخ مصطفى إلى القاهرة عام (1986)، وتسلم منصب نائب المرشد العام (كان المرشد الأستاذ محمد حامد أبو النصر – رحمه الله تعالى – وكان الساعد الأيمن والأيسر في ميدان الدعوة ، ومعه ثلة طيبة من إخوانه أعضاء مكتب الإرشاد، بل إن بعض المراقبين والمطلعين يعتقدون أنه كان القائد الفعلي للجماعة منذ رحيل المرشد حسن الهضيبي رحمه الله رحمة واسعة عام (1973) وحتى وفاته أي طوال ثلاثة عقود.

وفي الأيام الأخيرة من حياة المرشد الأستاذ أبي النصر الذي كان يرقد على فراش المرض الشديد عرف الإخوان أن مرشدهم يرحل عن هذه الحياة الفانية، فاستبقوا الموت ، وانتخبوا الشيخ مصطفى مشهور مرشداً للجماعة ، حال وفاة المرشد أبي النصر ، وتكتموا على هذا الأمر، إلى ما بعد وفاة المرشد ودفنه في شباط فبراير 1996، عندها أعلن المستشار محمد المأمون الهضيبي نبأ انتخاب الأستاذ مشهور ليكون خير خلف لخير سلف، فتقدم الأخ الأستاذ لا شين أبو شنب وبايع المرشد الجديد، وطلب من الإخوان أن يتقدموا ويبايعوه، فتقدم عدد كبير من الإخوان وبايعوا الأستاذ مصطفى مشهور مرشداً للجماعة لمدة ست سنوات ، ثم جدد انتخابه مرة ثانية في شباط 2002 لمدة ست سنوات أخرى، حسب أنظمة الجماعة .

مشهور مرشداً أو قائداً

الاستاذ.مصطفى مشهور

كان الشيخ مصطفى يحمل أعباء المرشد ومكتب الإرشاد قبل أن يصبح هو المرشد ، فقد كان المرشد الفعلي أيام سلفيه الشيخ أبي النصر والشيخ عمر التلمساني، وكان يتحمل المسؤولية كاملة عن تلك الفترة، وخاصة بعد أن غادر مصر إلى الكويت فألمانيا، ثم بعد تسوية وضعه، وعودته إلى بلاده.

وعندما تسلم منصب الإرشاد ، تابع مخططه الذي رسمه للجماعة مع أعضاء مكتب الإرشاد، وعمل بجد واجتهاد لتنفيذه، وقد لجأ إلى التحالفات السياسية مع بعض الأحزاب وخاضت الجماعة الانتخابات البرلمانية والنقابية، وحققت نجاحات رائعة.

لقد اتسم عهده بالعقلانية المفرطة في ابتعاده عن أي صدام مع الدولة، مهما بلغت تجاوزات الحكومة والأجهزة الأمنية، وعده بعض المفكرين السياسيين والإعلاميين كالدكتور عبد الوهاب الأفندي، أفضل عهود الحركة، فلم تعد الإخوان حركة هامشية على الساحة السياسية ، ولم تدخل في مواجهة شاملة مع الدولة ، ولم تتعرض قياداتها للقتل و الإعدام والتشريد و السجن ، فقد كان دائماً يرفض الاستدراج إلى المواجهة الشاملة.

إنه سياسي محنك، و داعية حكيم يضبط نفسه و نفوس إخوانه، مع أنه كان في خط المواجهةالأول، منافحاً عن مبادئه و جماعته باليد واللسان والقلم .

لم تشغله السياسية عن الدعوة و التربية ، كما لم تبعده الدعوة و التربية عن العمل السياسي ، فقد كان يكتب في هذه المجالات كلها، ويصول ويجول في ميادينها بحنكة تدل على تجاربه العميقة في هذه المجالات التي كان يوازن بينها، بحيث لا تغطي إحداها على الأخريات، وإن كان العمل التربوي هو المقدم عنده، لأنه أمضى سنوات مديدة مع طلبة الجامعات ، يربيهم ويغرس غراس الإيمان والتضحية والبذل في نفوسهم، ليكونوا مؤهلين لتسلم العمل المناسب لكل منهم، وليكونوا قادة المستقبل وحملة الراية من بعد.

كان يعتبر تغليب العمل السياسي على العمل الدعوي و التربوي انحرافاً عن مسار الجماعة نحو أهدافها وغاياتها، مع أن العمل الدؤوب لإقامة الدولة التي تحكم بما أنزل الله ، لم يغب عن باله قط.

ويرى الدكتور الأفندي أن الجماعة في عهده صارت المعارضة الأولى في البرلمان المصري ، وقد حققت صموداً عجيباً، بل حققت معجزة الانتصار على محاولات الإفناء والتغييب، ولم تكتف الحركة بالمحافظة على بقائها في ظروف صعبة تمثلت في عداء نشط من قبل الأجهزة و الدولة ، ومن المناخ العالمي، بل تفوقت كذلك على كل منافسيها، بحيث أصبحت الحركة السياسية الأولى في البلاد.

والذي يقرأ كتاباته في كتبه وفي الصحافة ، يعرف أي جراءة في الحق كانت تعتمل في نفس الرجل ، فتتفجر على سنان قلمه، فيكتب ما يكتب في نصاعة بيان، ووضح ، بلا جلجلة ولا غموض.

والذي يطالع رسالته التي بعث بها إلى الرئيس الأمريكي بوش الابن، بعيد انتخابه، يعرف أي رجل هذا الشيخ رأيته آخر مرة عام 1988 وهو يمشي على قدميه فوق أحد الكباري الضخمة في القاهرة ، وكان غاصاً بالسيارات وبشمس القاهرة المحرقة، إنه قائد ولديه الكثير من مقومات القيادة الرصينة الزاهدة معاً.

الحق يقال: إن الشيخ مصطفى مشهور صاحب مدرسة فكرية و سياسية و دعوة تحتاج إلى دراسة دقيقة لاستخلاص أطرها وعناصرها ومقوماتها وما فيها من دروس وعبر، وهذا ما سوف أنهض به إن شاء الله تعالى إن فسح الله في العمر ووهب الصحة والفراغ، ولكنني أدعو إخوانه وأولاده وتلاميذه الأقربين، وطلاب الدراسات العليا، أن يسعوا إلى جمع آثاره، فمقالاته منثورة في عدد من الصحف والمجلات التي قد لا تصل إليها أيدينا هنا خارج مصر .. هذه أمانة نضعها في أعناق محبيه ومحبي دعوته وأبناء جماعته.

الرحيل

جنازةالاستاذ.مصطفى مشهور

دخلت عليه ابنته في غرفته قبيل العصر فرأته مرتمياً على الأرض في غيبوبة ما لبث أن أفاق منها، وقام ليتوضأ، رجته ابنته أن يشفق على نفسه ويصلي العصر في البيت، فأبى وخرج إلى المسجد ، وبعد صلاة العصر أصيب بجلطة دماغية ألقته أرضاً، ليدخل في غيبوبة استمرت سبعة عشر يوماً، منذ التاسع والعشرين من تشرين الأول، وحتى وفاته في الساعة السادسة مساء الخميس التاسع من رمضان المبارك 1423هـ الرابع عشر من تشرين الثاني2002م.

شيع جثمانه الطاهر عقب صلاة الجمعة (15/11/2002) من مسجد السيدة رابعة العدوية بمدينة نصر في القاهرة .

صلت عليه جموع غفيرة، أمهم المستشار الشيخ محمد المأمون الهضيبي ، ثم حمل جثمانه في صندوق خشبي متواضع وضع في سيارة ميكرو باص، وسار خلفه المشيعون، وكانوا مئات الآلا ف وصل تقرير بعضهم إلى نصف مليون، وقال آخرون: كانوا مليوناً يسيرون في موكب مهيب، يبكون في صمت وحزن وخشوع.

وشارك في التشييع عدد من رؤساء الأحزاب المصرية، وأساتذة الجامعات ، والعلماء ، والشخصيات الاعتبارية، وأعضاء مكتب الإرشاد، ونواب الإخوان في البرلمان ، وكان حضور الصحافة العالمية كبيراً.

وكان شباب الإخوان يرفعون المصاحف إلى الأعلى من حين خروج الجنازة من المسجد إلى أن ووري في مثواه الأخير، وفي مقابر (الوفاء والأمل) التي تضم جثماني المرشدين السابقين التلمساني وأبي النصر ، رحمهم الله رحمة واسعة، وقد استغرقت الجنازة مدة ساعتين من المسجد حتى القبر.

وألقى المستشار الهضيبي كلمة وداع ووفاء على قبر الفقيد الغالي.

وفي المساء تقبل الإخوان العزاء الذي حضره عشرات الآلاف، تحدث الأستاذ مأمون الهضيبي عن مسيرة المرشد الفقيد في ميادين للعمل الدعوي طوال خمسة وستين عاماً، تحدث عن نضاله وعن فترات السجن الطويلة، وما لقي فيها من ألوان العذاب، كما تحدث عن جهوده في إعادة الجماعة إلى الحياة المصرية، وتعاونه مع الأستاذ عمر التلمساني في سبيل ذلك.

حضرت العزاء شخصيات سياسية وفكرية مرموقة ومعروفة، مصرية وعربية، وكان الحضور (الناصري) كثيفاً ولافتاً للأنظار، ونعى رئيس الحزب الناصري الأستاذ (حامد محمود)، المرشد الفقيد بقوله: (رحم الله مرشدنا) وأضاف: (يدرك الحزب الناصري أهمية حركة الإخوان المسلمين في العمل الوطني، وإذا كان الشيخ مصطفى مشهور قد فارقنا، فإن إخوانه يحملون الراية).

أصداء وفاته

نعت الصحف المصرية والأردنية والفلسطينية واللبنانية واليمنية والسودانية وسواها، وكثير من الأحزاب والهيئات الفكرية والاجتماعية، المرشد الفقيد، ورثاه العالم الجليل الشيخ حامد البيتاوي ، خطيب المسجد الأقصى ، ورئيس رابطة علماء فلسطين ، وكان مما قاله:

(ها هي مصر ، أرض الكنانة، بل الأمة الإسلامية ، فقدت علماً من أعلام المسلمين في هذه العصر، فقدت قائداً من قادة الفكر والدعوة والسياسة.. إنه رجل حمل هموم المسلمين و راية الدعوة الإسلامية ، منذ أكثر من ستين عاماً، وتربت على يديه، ومن خلال كتاباته في فقه الدعوة ، أجيال من الدعاة ، وهو خير من كتب في هذا الموضوع الذي تلقاه يافعاً، ومارسه شاباً، وعاشه واقعاً مع الإمام المؤسس: حسن البنا فترة من الزمان تقرب من عشر سنوات قبل أن يلقى البنا ربه شهيداً، فأفاد من ذلك كثيراً .. لقد عاش – مشهور – المسيرة الإسلامية فيما تعرضت له من ابتلاء وتمحيص صبر وثبت، وواصل السير على طريق الدعوة دون انحراف أو تبديل إلى أن لقي الله عز وجل في هذه الأيام المباركة، مرشداً لهذه الدعوة).

رحم الله فقيدنا الغالي، وأسكنه فصيح جناته، مع الأنبياء والشهداء والصديقين والصالحين وحسن أولئك رفيقا.

المصدر: مجلة المجتمع

الداعية المجاهد والقائد الجريء المحامي محمد عبدالرحمن خليفة (1338 -1427هـ / 1919 - 2006م)

بقلم/ المستشار عبدالله العقيل

محتويات

١ المولد والنشأة

٢ معرفتي به

٣ سيرته العملية

٤ قيادة الجماعة

٥ مرحلة السجن والنفي

٦ نشاطاته وأعماله

٧ أول أعماله

٨ خليفة وقضية فلسطين

٩ خليفة ومغريات الحياة

١٠ خليفة والقدس

١١ قالوا عنه

١٢ وفاته

١٣ المراجع

١٤ للمزيد عن الإخوان في الأردن

المولد والنشأة

ولد محمد عبدالرحمن خليفة في مدينة «السلط» عام 1919م، وهو ينتمي إلى عشيرة النسور، تلقَّى تعليمه في كُتَّاب الشيخ «عفيف زيد»، ودرس في مدرسة «السلط» الثانوية.

وبعد أن أنهى الصف العاشر، أُرسل في بعثة إلى كلية «خضوري» في «طولكرم»، لدراسة الزراعة، وحصل على دبلوم زراعة منها، وانتسب بعدها إلى معهد المعلمين في القدس، ليحصل على دبلوم تربية، ليعمل مدرسًا ومديرًا في العديد من مدارس المملكة الأردنية، ولكنه عاد إلى القدس لدراسة الحقوق، ليلتحق بعدها بالسلك القضائي عام 1946م، ليعمل قاضيًا ومدعيًا عامًا.

معرفتي به

الشيخ محمد عبدالرحمن خليفة

عرفت الأستاذ محمد عبدالرحمن خليفة بعد توليه منصب المراقب العام للإخوان المسلمين في الأردن بسنوات قليلة، حيث التقيت به في الأردن، واستضافني في منزله أكثر من مرة وبدار الإخوان المسلمين ب«عمان»، حيث اللقاء به وبإخوانه.

كما التقيت به في «القدس» بمقر المؤتمر الإسلامي، وفي مدينة الخليل بدار الإخوان، وبضيافة عائلة «عيسى عبد رب النبي»، ثم تكررت لقاءاتنا في «الكويت»، و«السعودية»، و«سورية»، و«الباكستان»، و«تركيا»، و«أوروبا» وغيرها، من خلال المؤتمرات الإسلامية واللقاءات الإخوانية وغيرها.

وكان غيورًا على الإسلام ودعوته، محبًا لجماعة الإخوان وقيادتها، ملتزمًا ببرامجها ومناهجها، باذلاً كل الجهد لنصرة الدعوة وإعلاء كلمة الإسلام، والوقوف إلى جانب المسلمين في كل مكان، والتصدي لطواغيت العصر من المفسدين والظالمين، تعيش القضية الفلسطينية في كل جوانب نفسه وهي همّه بالليل والنهار، لا يكل ولا يمل من العمل الدؤوب للتصدي لأعداء الإسلام من اليهود وأعوانهم في الداخل والخارج على حد سواء، وكان صاحب المواقف الجريئة، والآراء الصريحة، والالتزام العقدي الذي لا يعرف المهادنة، ولا يرضى بالدنية، ولا يتراجع أمام كيد الطغاة ولا ألاعيب السياسة، ومداهنة المنافقين.

وكان في المقدمة من رجال الحركة الإسلامية المعاصرة الذين يتصدون لمؤامرات الخصوم من المستعمرين وعملائهم، ويكشف عوارهم، ويفضح مؤامراتهم ومخططاتهم، ويبطل مكائدهم كما كان له دور كبير مع الأخ كامل الشريف، في احتضان الدعاة المهاجرين بدينهم من كيد الظالمين، وبذل كل الجهود لاستقرارهم، وتهيئة ظروف العمل المناسب لهم، والعيش الكريم لهم ولأسرهم، وهذا ما يشهد به القريب والبعيد، ويسجل بمداد من نور لهذين الرجلين الكريمين.

أما جهده وجهاده فكان في رفد العمل الجهادي ضد الصهاينة، وتهيئة كل الأسباب لإقامة معسكر الشيوخ في الأردن سنة 1968م، الذي ضم خيرة شباب الحركة الإسلامية من مصر، والسودان، والأردن، وفلسطين، وسوريا، واليمن، وغيرها، حيث قدموا النماذج الصادقة من المجاهدين الذين رووا بدمائهم الزكية ثرى الأردن وفلسطين، وكان منهم الشهداء الأبرار.

سيرته العملية

عمل محمد عبدالرحمن خليفة في المحاماة لمدة سنتين، ثم اختاره المجلس القضائي في عمان قاضيًا، شغل وظائف عدة، منها أنه عمل مدعيًا عامًا وقاضيًا، كما عمل في المحاماة منذ استقالته من القضاء عام 1953م، ثم عضوًا في مجلس النواب الأردني في الفترة من عام 1956 إلى 1961م، وأخيرًا عمل رئيسًا لجمعية المركز الإسلامي الخيرية منذ عام 1963 حتى 2000م.

ومن القدس التي كانت لها مكانة خاصة في نفسه يبدأ العمل السياسي الإسلامي هناك، فعندما وصلت إليه أخبار حركة الإخوان المسلمين في مصر وفكرها ومسارها، بدأ مراسلاته مع مؤسس الجماعة الإمام حسن البنا، كما أنه حرص على لقاء الحاج «محمد أمين الحسيني»، لكي يؤكد له وقوف الناس معه، من أجل الدفاع عن «فلسطين» و«القدس»، وكان يترأس تحرير صحيفة «الكفاح الإسلامي»، منذ صدور عددها الأول في التاسع من أغسطس 1954م، وذلك قبل أن يتولى رئاسة تحريرها الأستاذ يوسف العظم.

قيادة الجماعة

في عام 1953م، تم انتخاب خليفة مراقبًا عامًا للجماعة، بناءً على طلب مجلس الشورى في جماعة الإخوان المسلمين، لتبدأ الحركة الإسلامية مرحلة جديدة، سواء على صعيد بناء المؤسسات، أو الانتشار الحركي والجماهيري.

حيث تعرف فضيلته على دعوة الإخوان المسلمين مبكرًا عندما كان تلميذًا في «كلية خضوري» بفلسطين، ومن الذين كانوا يزورون الأردن من الإخوان المصريين وغيرهم، ومن النشرات الإسلامية التي كانت تصل إلى فلسطين، حيث عرفت دعوة الإخوان هناك قبل غيرها من بلاد الشام، ويقول فضيلة الأستاذ: «وللعلاقة الطيبة والأخوة المتينة التي كانت تجمعنا بالحاج «عبداللطيف أبي قورة»، والتي كان لها أثرها الكبير في إقبال عدد كبير من الشباب المسلم المثقف على دعوة الإخوان، فقد كان - رحمه الله - يدعوني وبعض الإخوة لاستقبال الدعاة والعلماء الذين كان يرسلهم الإمام الشهيد حسن البنا - رحمه الله - إلى الأردن، لنشر الدعوة وأفكارها، وشرح خصائصها وسماتها.

ومن أبرز هؤلاء الدعاة الأستاذ سعيد رمضان، والشيخ عبد المعز عبد الستار، والأستاذ عبد الحكيم عابدين، وكان لمحاضراتهم القيمة في المساجد وفي شعب الإخوان أثرها البالغ في إقبال الكثيرين من أبناء الأردن - خاصة المتعلمين والموظفين - على هذه الدعوة المباركة، فكنت أحد هؤلاء الذين ملأت الدعوة عقولهم وقلوبهم ووجدانهم».

مرحلة السجن والنفي

يروي الكثير من قيادات الحركة الإسلامية أن المراقب العام نُفِيَ إلى دمشق في عام 1955م بقرار من «كلوب باشا»، وأنه مُنع من دخول الأردن ما يقارب ستة أشهر، ولكنه عاد إلى الأردن ليكمل معارضته لأي وجود بريطاني في الأردن أو في المنطقة، كما أنه سُجن أكثر من مرة في الخمسينيات وبداية الستينيات، وكان قرار سجنه يأتي من رؤساء الحكومات، ولكن ما يلبث أن يتم الإفراج عنه، حتى قال له أحد رؤساء الوزارات الذي سجنه في الجفر وبعض إخوانه: «والله، لن تخرج وأنا حي».

فقال له: الحياة بيد الله، وكان يحرص على أن يوصي قيادة الإخوان عندما يُسجن بألا تتغير سياسة الإخوان، ويذكرهم بأنهم ضد الصدام مع السلطة، ويرفض أي صدام، كما أن له مواقفه المميزة تحت قبة البرلمان، حيث أصبح نائبًا للأمة بعد فوزه في انتخابات 1956م.

نشاطاته وأعماله

عكف «خليفة» منذ تسلمه الموقع الأول على إنشاء مؤسسات خيرية تسهم في إعانة الناس، وتقديم الخير لهم عبر مساعدة الفقراء والمحتاجين، وكفالة الأيتام، وعلاج الفقراء، والاهتمام بالأرامل والعجزة.

واستمرارًا في العمل الخيري، شارك فضيلته عددًا من الإخوان وغيرهم في تأسيس جمعية المركز الإسلامي الخيرية، واختير رئيسًا لها للفترة من عام 1963 إلى عام 2000م، حيث تقدم الجمعية خدماتها الإغاثية والخيرية في المجالات التعليمية، والتثقيفية، والصحية، والاجتماعية، ورعاية الأسر الفقيرة وكفالة الأيتام، وقد انتشرت فروعها لتقدم الخدمات ذاتها في جميع محافظات المملكة الأردنية وقراها ومضارب البدو.

وفي سنة 1968م بعد نكبة يونيو بعام، شكّل أستاذنا لجنة «إنقاذ القدس» بمناسبة مرور سنة على الاحتلال اليهودي للمدينة المقدسة، وحيث إنه كان محبًا للجهاد ويحرص عليه، فقد شارك الإخوان في هذا العام في العمل الفدائي تحت مظلة «فتح»، ولكن في قواعد خاصة سميت «قواعد الشيوخ»، واستشهد ثلاثة عشر مجاهدًا منهم من جنسيات مختلفة من أنحاء العالم العربي.

لقد أصبح للجماعة في عهده الزاهر دور مهم في الحركة الإسلامية العالمية، وذلك عندما عزز دورها كجماعة منظمة ذات مؤسسية وأهداف ورؤية واضحة، وحركة تشكل دورًا مهمًا ورئيسًا في الواقع السياسي والاجتماعي والفكري والتربوي والاقتصادي.

وقد استقبلت الدعوة في عهده أعظم رموز الحركة الإسلامية في العصر الحديث، أمثال: أمجد الزهاوي، وأبي الأعلى المودودي، ونواب صفوي، وسيد قطب، وحسن الهضيبي، ومحيي الدين القليبي، وعلال الفاسي، ومحمد محمود الصواف، وكامل الشريف، وغيرهم، وبخاصة في «مؤتمر بيت المقدس» الذي أنشأته الجماعة عام 1953م، مع حركات إسلامية أخرى ليكون منطلقًا لتحرير فلسطين من اليهود الغاصبين.

وشارك في تشكيل وفد الحركات وقيادته عام 1990م على إثر دخول العراق الكويت، والحشد الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، لحرب الخليج الثانية، حيث زار الوفد كلاً من السعودية، وإيران، والعراق، وغيرها من البلدان العربية والإسلامية، لتفادي وقوع الحرب وحل الأزمة سلميًا.

ومن أعماله المشكورة والشاهدة على صدقه وأمانته في حمل هذه الدعوة أنه أرسل برسائل إلى أولي الأمر وحكام الدول العربية والإسلامية سنة 1993م، يدعوهم إلى نبذ الفرقة، وإزالة الخلافات من بينهم، واستنهاض الهمم لاستعادة الأقصى والمقدسات الإسلامية، ورفع الظلم عن الفلسطينيين القابعين تحت نيران الاحتلال اليهودي الغاشم، الذي فاق النازية في همجيته وعدوانه وإفساده.

كما جاب كثيرًا من بلدان العالم وهو ينافح ويدافع عن قضايا المسلمين، وتحمل مشاق الأسفار وسهر الليالي الطوال مع إخوانه يذودون عن مصالح الأمة وكرامتها، ولم يترك جبهة من الجبهات إلا وتقدم الصفوف لإعلاء شأن الدعوة الإسلامية.

قاد الأخ «أبو ماجد» الدعوة في ظروف بالغة الدقة، واجتاز بها مراحل عصيبة أثبتت عمق إيمانه، وأصالة تجربته، وبُعد بصيرته وقوة عزيمته، مما أسهم في تجنيب البلد (الأردن) الفتن التي كادت تعصف بها.

أول أعماله

كانت جماعة الإخوان المسلمين في الأردن، تعمل بموجب قانون الجمعيات والأندية، ولذلك فإن جهد الأستاذ خليفة بعد أن أصبح المراقب العام للجماعة، انصبّ على وضع قانون أساس لجماعة الإخوان المسلمين، ليتمكن بعدها من أخذ موافقة رئيس الوزراء على اعتبار الجماعة هيئة إسلامية عامة شاملة، وفي ذلك يقول الأستاذ محمد خليفة:

«أول عمل فكرت في إخراجه هو إصدار قانون أساس لجماعة الإخوان المسلمين في الأردن، وقد صدر أول قانون سنة 1953م، استعنتُ على إصداره بالقانون الأساس للجماعة الأم في مصر، لأنه يجب أن يكون منبع الدعوة لما وضعه مؤسسها الأول الأستاذ الإمام حسن البنا، ولذلك فقد أنشأنا الهيئة العامة لكل شعبة، وتم تنظيم جميع الإخوان المسلمين العاملين في تلك الشعبة.

والهيئة العامة تنتخب أعضاء مجلس أعضاء مجلس الشورى حسب القانون الأساس الذي يحدد عددهم، ومجلس الشورى هو القيادة العليا، ومن وظائفه انتخاب المراقب العام، وانتخاب المكتب العام «المكتب التنفيذي»، وقد وضعت ومعي لجنة هذا القانون مع النظام الداخلي، وجمعنا مجلس الشورى الذي دام اجتماعه يومين، قرأنا فيه القانون الأساس والنظام الداخلي، وقد تمت الموافقة عليهما من قبل مجلس الشورى بالإجماع، وقد تمت هذه الإجراءات بعد أخذ موافقة مجلس الوزراء، على اعتبار أن الإخوان المسلمين هيئة إسلامية عامة شاملة، وليست حزبًا سياسيًا.

وكنا نؤمن أن الدولة جزء من الإسلام، وليست جمعية خيرية، رغم أن عمل الخير من صميم دعوتنا، ولسنا ناديًا رياضيًا، وإن كنا نرى أن التربية الجسمية تسير جنبًا إلى جنب مع التربية الروحية والثقافة الفكرية، وبذلك خرجنا من أسر قانون الجمعيات والأندية، وقد سبق ذلك أن اجتمعت مع رئيس الوزراء في ذلك الحين، السيد توفيق أبو الهدى، وعرضت الأمر عليه بعد تمهيد سابق بالاتفاق مع أحد الوزراء، الذي كان أخًا لامعًا في دعوة الإخوان المسلمين، وهو الأستاذ أحمد الطراونة «أبو هشام»، وكان وزيرًا للزراعة في وزارة توفيق باشا «أبو الهدى».

وسبب حرصي على إخراج الجماعة من قانون الجمعيات والأندية، هو أن الدولة كانت ترسل - بحكم القانون، وبعد السماح من الحاكم الإداري وقائد الشرطة - مندوبًا للأمن ومندوبًا للإدارة، ولا يُعقد اجتماع عام مع الناس لمحاضرة أو غيرها إلا بموافقة الحاكم الإداري وقيادة الشرطة.

وهذا لا يتماشى مع طبيعة نشر الدعوة والتربية الإسلامية الصحيحة، فكان صدور قرار رئيس الوزراء بناءً على الإرادة السنية بالسماح للجماعة بنشر دعوتها في المساجد وفي الأماكن العامة، وفي دور الجماعة، وبفتح فروع لها في أنحاء الأردن كافة، وأن تُدار هذه الفروع من قبل هيئات عامة بحرية تامة ومن دون تدخل من السلطات الأمنية، إلا في حالة وقوع ما يسبب مخالفة للقانون».

خليفة وقضية فلسطين

الشيخ محمد عبدالرحمن خليفة

بعد أن تمكن الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة من إصدار القانون الأساس لجماعة الإخوان، ونظامها الداخلي، وإقناع الحكومة بالسماح للجماعة بممارسة نشاطاتها، على اعتبار أنها هيئة إسلامية عامة شاملة لا جمعية خيرية، ركّز عمله على نشر الدعوة في الأردن من أجل تحقيق غايتين:

أولاهما: التربية للمستقبل.

وثانيتهما: الاهتمام بقضايا الأمة المصيرية كقضية فلسطين.

وفي هذا يقول فضيلته: «ركزت على القضية الفلسطينية كقضية سياسية عاجلة، تنذر بأسوأ العواقب على الأمة الإسلامية كاملة، إذا لم تسد هذه الثغرة، لكن مع الأسف ما كان يصل إلى الحكم إلا من استرضى دائرة الاعتماد «المعتمد البريطاني»، وهؤلاء الذين يسترضون المعتمد البريطاني وعملاءه يجب ألا يعملوا أي عمل يغضب الإنجليز، وأهم شيء أنهم كانوا يرضون هؤلاء الإنجليز من خلال حصر الإسلام في الصلاة والصوم والحج، وغير ذلك من الأمور التعبدية، وهذا المعنى شب وأثّر في نفسي منذ صغري عندما كنت في الصف الرابع الابتدائي، فقد دخل علينا الأستاذ «عبد الرازق أدهم» - وهو خريج مدرسة الزراعة في «سلمية» بسوريا - وأخذ يتكلم معنا بلهجة أبوية متعاطفة، في ثلاثين دقيقة، وقال: فإذا وعيتم هذا الدرس فسأخصص لكم ما تبقى من الحصة لشيء يهمكم جدًا، وليس له علاقة بالزراعة، تشوقنا جدًا لما سيقوله لنا، فكنا آذانًا صاغية وامتحننا في دقائق، ثم قال بصوت منخفض: إني أريد أن أشرح لكم أهمية الإسلام كدين للدنيا والآخرة؛ لأن الإسلام هو الحياة، ثم قال: إن الدين عند الله الإسلام، ولا يقبل من أي إنسان إلا الإسلام، لذلك أطلب منكم أن تغلقوا الشبابيك، حتى لا يسمعنا من يتجسس على درسي، فإنهم إن عرفوا أني أشرح لكم عن الإسلام وأهميته في الحياة، فسوف يكون عقابي الفصل من عملي، قفزنا بسرعة إلى الشبابيك لنغلقها، ومن ثمَّ جلسنا وكلنا آذان صاغية نتلقف من فمه كل كلمة يقولها، فكان الأستاذ عبد الرازق أدهم أول معلم في حياتي زرع حب الإسلام بصورته النقية الواضحة في قلبي.

وتعلمت في حياتي الدعوية أن الجلوس مع عدد من التلاميذ، وإن كانوا قلة، فيه نفع وبركة، وخير للدعوة وللإسلام من إلقاء المحاضرات في حشود كبيرة من الناس، ولاحظت أن معلم الدين محارب في رزقه، فكان المختص في الشريعة يأخذ اختصاصه من الأزهر، بعد اثنتي عشرة سنة من الدراسة، بينما المختص في العلوم الأخرى لا تزيد دراسته في أغلب الأحيان على أربع سنوات، سواء في الجامعة الأمريكية في بيروت أو غيرها، فيعين معلم الدين في الدرجة العاشرة، ويبقى فيها حتى يحال على المعاش، بينما خريج الأمريكية، أو اليسوعية، أو غيرهما من أصحاب الاختصاص في الزراعة، أو العلوم، أو الرياضيات، أو الاجتماعيات... إلخ، يترقى في السلم الوظيفي حتى يصل إلى مدير مدرسة، أو مفتش، أو مدير دائرة.

كان مجال الدعوة الخطب والدروس في المساجد، وإلقاء المحاضرات القصيرة التي كنا نقيمها للطلاب في دور الإخوان، وننتخب المحاضر الشاب الذي يحسن مخاطبة أبناء جيله، فنحبب إليهم الإسلام حتى نجعله هدفًا يجب أن يعمل من أجل تحقيقه كضرورة لنجاته في الدنيا والآخرة، ولتخليص بلاده من الأحكام الفاسدة، التي تمهد لوقوعها فريسة سهلة للاستعمار بكل أشكاله، فكنا نحرص على كشف عيوب الحضارة الغربية الغازية لبلادنا عن طريق الجيل الجديد بلباسه، وعاداته، وتقاليده، وتفكيره، وآماله، فكانت الألبسة الأجنبية تفرضها المدرسة على طلابنا وطالباتنا، دون مراعاة لديننا وتقاليدنا الإسلامية، فصارت هذه الألبسة - وهي المظهر الدال على الجوهر - علامة الشاب المتعلم المتحضر المتقدم المقلد للغربي كما يظن نفسه، بينما بقية الألبسة التي تستخدمها الأمة من آباء وأمهات، التي عرفت لباسًا عربيًا إسلاميًا، هجرت على اعتبار أنها مؤشر على التخلف لارتباطها بالماضي، وهذا ما زرعه المستعمر في أذهان هؤلاء الشبيبة.

ضربت مثالاً على خطر غزو الحضارة الغربية لعقول شبابنا، بما تقذفه مصانعه من جميع أنواع «الموضة»، التي كان يتلقفها منها لا لشيء إلا لأنها جاءت من هناك، من لندن، أو باريس، أو واشنطن، لأقول: إن الذي كان «يقلد الغربي بلباسه، يقلده أيضًا في سلوكه وتصرفاته وعاداته وتقاليده، لذلك فإن جهود الإخوان المسلمين انصبت على إنقاذ هؤلاء الشباب بداية، ليتم بهم إنقاذ الأمة، فبهم تنتصر الشعوب والأمم».

خليفة ومغريات الحياة

قول: «وأذكر أن محكمة عمَّان كانت في «سوق السكر»، بجانب الجامع الحسيني، فكنت كلما سمعت الأذان أذهب للصلاة، فكان وجود قاض بين المصلين - الذين أغلبهم من كبار السن - أمرًا مستغربًا ومستهجنًا، فكان الكل يرقبني بعينيه، وكأنه غير مصدق أن قاضيًا يأتي للصلاة، ومن هنا ندرك أن دور الإخوان كان كبيرًا وكبيرًا جدًا في هذه النقلة النوعية، حتى أصبحت مساجدنا - على كثرتها - لا تسع المصلين، وأي مصلين؛ الشباب المتحمس الغيور على دينه.

أذكر أن بعض أقاربي وبعض المحبين، من وجهاء «السلطة» جاءوا إلى والدي، عندما استقلت من القضاء لأتفرغ للدعوة، وقالوا له: يا أبا خليفة، كيف تسمح لابنك محمد بك أن يترك عمله كحاكم صالح له مستقبل كبير، من أجل خاطر بعض الأولاد يعلمهم الدين؟ وكأنه لم يبق في البلد مشايخ يعلمون الناس الصلاة والصوم، ولذلك فإننا ننصحك أن تحجب له عند الفتاحين.

إن هؤلاء «الأولاد» الذين عاتبوا والدي فيهم، هم الآن الدكتور عبد اللطيف عربيات، والدكتور إسحاق الفرحان، والدكتور فاروق بدران، وغيرهم كثير من دعاة الإسلام في هذا البلد المرابط، ومن ذوي الأماكن الحساسة التي تمكنهم من إتمام الدور وتبليغ الدعوة، ولم تكن تلك المعاتبات إلا عقبة بسيطة تجاوزناها أمام عقبات أقوى وأصلب من السخريات والإشاعات والاتهامات.

وأذكر أن الأستاذ «أنور الجندي» أخبرني يومًا أن بعض المغتابين جلسوا إليه، والدنيا لا تسعهم من الفرح، لأنهم أمسكوا بدليل قوي جدًا ضدي، فقالوا له: ألم يصلك يا أستاذ أنور، خبر بنات الشيخ محمد عبد الرحمن خليفة؟ قال: وما خبرهن؟

قالوا: إن هذا الذي يدعو إلى تطبيق الإسلام غير قادر على منع بناته من الخروج سافرات كاسيات عاريات، فقال لهم: اتقوا الله أيها الناس، إن أكبر بنات الأستاذ محمد تسمى «أميمة»، وهي طالبة عندي في الكلية «الكلية العلمية الإسلامية»، والأخرى في الصف الأول الابتدائي، وأخوها «ماجد» في الصف الثاني الابتدائي».

خليفة والقدس

كان للقدس مكانة كبيرة في نفس الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة، فقد درس وعاش فيها، ودائمًا كان يزورها قبل سقوطها، ويقول الدكتور ماجد خليفة «ابنه البكر»: إن أكثر شيء أحزن والدي في حياته هو سقوط القدس.

ويروى أن بابا الفاتيكان يوحنا السادس في عام 1964م عندما زار الأردن وفلسطين، كان يريد الطلب من الحكومة الأردنية السماح له بإقامة مقر له في قطعة أرض محددة في «أبو ديس»، فعلم أبو ماجد بالطلب، فقام بجمع العديد من الرجال من «عمان» والسلط، والكرك، وحملوا عبر سيارات النقل في ذلك الوقت أسمنتًا وحديدًا وأدوات البناء، وذهبوا إلى منزل كامل عريقات في القدس، وأخبروه بأنهم يريدون أن يبنوا مسجدًا في تلك القطعة، ليرفعوا الحرج عن القيادة السياسية، وفعلاً قاموا ببناء المسجد بسرعة، ولم يتركوا موقع البناء حتى فرغوا من بناء المسجد، وصلى الجميع صلاة الجمعة فيه قبل أن يعودوا إلى بيوتهم.

اشترك الأستاذ خليفة في بعض العمليات الفدائية الجهادية، مع بعض إخوانه من أبناء الجماعة، الذين كانوا يتخذون من القدس مقرًا لهم، وتعرض عدة مرات للاعتقال، وأودع السجن بسبب مواقفه، ومواقف الجماعة التي يرأسها.

روايات كثيرة عن «القدس» نسمعها من إخوان خليفة، ليس أولها المؤتمر الإسلامي في القدس، الذي كانت تعقده جماعة الإخوان سنويًا في الخمسينيات، ويحضره علماء الأمة الإسلامية ومفكروها من كافة أنحاء العالم، وليس آخر ما ذكر أنه كان يجمع المتطوعين من أجل الدفاع عن القدس عندما اندلعت الحرب.

وللأستاذ «خليفة» مواقفه المميزة تحت قبة البرلمان، فقد كان نائبًا للأمة فيه، بعد فوزه في انتخابات عام 1956م في الدائرة التي نافسه فيها «سليمان النابلسي»، الذي سقط أمامه في تلك الانتخابات، مع أنه كان يتمتع بمساندة كل القوى غير الإسلامية في تلك الدائرة، وفي عام 1968م، شكل الأستاذ خليفة «لجنة إنقاذ القدس»، بمناسبة مرور سنة على احتلال القدس.

قالوا عنه

وصفه الأستاذ حسين حجازي في كتابه «جماعة افتدت أمة» بقوله: «كان فضيلته شعلة من النشاط، وحركة لا تمل، كما أنه كان ساخطًا على الأوضاع العربية المتردية، ولم يكن يخفي ما يخالجه من شعور وإحساس، رغم مركزه الحساس الذي كان يشغله في الحكومة الأردنية».

ويصفه الدكتور إسحاق الفرحان الذي عرفه لأكثر من خمسين عامًا «بأنه شخصية متكاملة من حيث تكوينه»، دراسته للزراعة في البداية، ثم القانون كوَّنت لديه الصبر واحترام القانون، فكان فكره معتدلاً ووسطيًا.

ويخبرنا الدكتور الفرحان بأنه كان يشاور إخوانه، وكان يؤمن بالعمل المؤسسي، ولا يقبل أن يفرض إنسان رأيه على الجماعة.

ويروي الدكتور عبد اللطيف عربيات أنه عندما تم انتخابه مراقبًا عامًا في عام 1953م قدم خليفة استقالته من موقعه في القضاء، فاستغرب الكثير من الناس استقالته، بل إن البعض قال له: لماذا تستقيل ومن معك من رجالات الأردن حتى تضحي؟

ويقول عربيات: إن خليفة جاء لموقع المراقب العام الذي كان ذا شخصية قوية، وعزيمة قوية، ومحبًا للناس، ولديه حماس في جو سياسي مسيطر عليه الوهج والصراع الحزبي، ولم تكن جماعة الإخوان معروفة لدى كل الناس، ويشير عربيات إلى أن طموح المرحوم كان أكبر من الواقع المعيش في تلك الفترة، والحماس لديه كبير من أجل النهوض بالدعوة.

ويقول حمزة منصور: إن قضيتين كانتا تشغلان «أبو ماجد»، الأولى: الإسلام بمفهومه الشامل، والثانية: فلسطين وكيفية تعزيز صمود الشعب الفلسطيني.

وشهد له خصومه وأصدقاؤه في حياته وبعد مماته رحمه الله، استمعت إلى أحدهم قبل عدة سنوات في ندوة عامة مفتوحة من غير الإسلاميين يقول أمام الملأ: «حفظ الأردن - بعد الله - في مسيرته التاريخية في العصر الحديث رجلان، أولهما: جلالة الملك حسين بن طلال، ثم صمت وانتظر السامعون ليعرفوا من الرجل الثاني، فقطع صمتنا بقوله: والثاني هو محمد عبد الرحمن خليفة».

وفاته

ترك الأستاذ محمد عبد الرحمن خليفة موقع المسؤولية في الإخوان في عام 1994م، وبسبب المرض قرر «المراقب العام التاريخي» ترك الموقع الأول لغيره، فكان اجتماع مجلس الشورى للجماعة صاحب الولاية في اختيار المراقب العام، أعلن أبو ماجد أنه يرغب بإخلاء الموقع الأول بسبب المرض، ونتيجة لإصراره على ترك الموقع انتخب المجلس مراقبًا عامًا، فكان خليفة أول المبايعين له، فقام المراقب العام الجديد بتقبيله في جو من الحزن والبكاء، فبكى الحضور من شدة التأثر بالموقف.

ومع تركه للموقع الأول بقيت قيادات الإخوان في زيارته، والاستماع إلى مشورته ورأيه في قضايا مختلفة.

توفي رحمه الله تعالى يوم الخميس 2 من ذي القعدة 1427هـ - الموافق 200623/11/م، ودُفن في مدينة «السلط» مسقط رأسه، حيث شهدت جنازته المهيبة حشدًا من القيادات الرسمية، وقيادات الحركة الإسلامية، والشخصيات الوطنية، وحضورًا شعبيًا من مختلف مناطق الأردن.

إن الدارس لتاريخ العمل الإسلامي في الأردن سيرى وبوضوح تام بصمات الأستاذ خليفة ظاهرة على مسيرة جماعة الإخوان المسلمين، فقد قادها وعبر عدة عقود في أحلك الظروف وأصعبها، واجتاز معها أشد العقبات، إلى أن أصبحت الجماعة حركة يحسب حسابها ويطلب ودها.

رحم الله هذا المجاهد الكبير رحمة واسعة، وأسكنه فسيح جناته، وحشرنا الله وإيّاه مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا.

الدكتور حافظ عبد النبي النتشة المراقب الأسبق لجماعة الإخوان في فلسطين

بقلم: عبده مصطفى دسوقي

محتويات

١ حافظ النتشة والعطاء المستمر

٢ بداية الرحلة

٣ حياته العملية

٤ بين صفوف الإخوان

٥ رائد في العمل والدعوة

٦ مع الإمام الشهيد حسن البنا

٧ جهوده

٨ رسالته الأخيرة للإخوان

٩ وفاته

١٠ المصادر

١١ وصلات خارجية

١٢ للمزيد عن الإخوان في فلسطين

حافظ النتشة والعطاء المستمر

الدكتور حافظ النتشة

ليس من اليسير على المرء أن يتحدث عن شخصية فذة مضى صاحبها رحمه الله رحمة واسعة إلى رحاب الله، وقد مضى في ركب من قال الله تعالى فيهم : ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا )

مضى المجاهد وخلف آثارا من مواقف ومعالم هي في ميزان حسناته إن شاء الله، نقول مضى المجاهد الكريم رجلا من رجالات الدعوة الخالدة , وعلما من أعلامها الشوامخ .

لقد تفتحت عيوننا على تراث الإخوان المسلمين من خلال الرسائل العميقة القيمة للإمام الشهيد حسن البنا، وسيرة هؤلاء المجاهدين، الذين لم يفرقوا بين كونهم قادة وكونهم جنود فهما سواء.

تربوا على معاني الإخلاص الصادقة، فلم يكن للنفس حظا مما عملوا (نحسبه كذلك) ومن هؤلاء الجنود القادة المجاهد الطبيب حافظ النتشة.

بداية الرحلة

ولد حافظ عبد الغني عبد المغني عبد النبي النتشة بمدينة الخليل عام 1924 في حارة السواكنة بمنطقة الزاهد، التحق بمدرسة الإصلاح الإسلامية، ثم انتقل إلى مدرسة باب الزاوية الابتدائية ثم إلى المدرسة الرشيدية والتي أتم فيها التعليم حتى الصف الثاني ثانوي، والتحق بكلية الطب بالقاهرة عام 1945م وحصل على بكالوريوس الطب والجراحة بكلية القصر العيني جامعة القاهرة في ديسمبر سنة 1951 بدرجة امتياز وعمل في مهنة الطب منذ سنة 1951، فقد عمل رئيسا لمستوصف الإخوان المسلمين في الخليل لمدة 26عاما ، ويعتبر من أوائل المؤسسين لرابطة الجامعيين سنة 1953م.

وقد أصبح د.حافظ عضواً في مجلس بلدية الخليل المكون من ثمانية أعضاء وذلك بالتزكية للدورة (3/10/1955-16/1/1959) لكنه أعلن استقالته في 16/1/1956 بسبب نجاحه كعضو في مجلس النواب الأردني ، فقد كان من أوائل الشخصيات الإخوانية التي اقتحمت قبة البرلمان الأردني حيث أصبح نائبا في مجلس النواب الأردني عن حركة الإخوان المسلمين بين الأعوام 1956 حتى 1961 وعمل أيضا في الدورة الثانية من عام 1967 إلى أن فك الارتباط عام 1988، حيث كانت رؤية الإخوان حينها بأن الإخوان المسلمون حركة لها حضورها وبرنامجها وترتيبها قادرة على إحداث التغيير أو على الأقل الوقوف في وجه الباطل كما أنهم إذا لم يدخلوا البرلمان سوف يدخله غيرهم وسيصعدون على ظهورهم وسيطمسون وجودهم وفي عام 1958 قام الدكتور حافظ النتشة بدور المراقب العام للإخوان على مستوى فلسطين.

يقول الأستاذ إبراهيم غرايبة: وفي عام 1956 بعد تغييرات قيادية كبيرة جرت داخل الجماعة- شارك الإخوان في الانتخابات النيابية، ونجح منهم أربعة نواب من بين أربعين نائباً، وهم: محمد عبد الرحمن خليفة، وعبد الباقي جمو، وعبد القادر العمري، وحافظ النتشة. وشكلت حكومة حزبية برئاسة (سليمان النابلسي) قائمة على الحزب الوطني الاشتراكي، والحزب الشيوعي، وحزب البعث، وقد منح نواب الإخوان الثقة لتلك الحكومة.

اختير عضواً في الوفد الفلسطيني في هيئة الأمم المتحدة برئاسة أحمد الشقيري عام 1963 ومن المؤسسين لجمعية أصدقاء المريض في الخليل في العام 1976 وعمل بعدها رئيسا للمستشفى الأهلي الذي كان ثمرة من ثمرات الجمعية ، كما كان عضواً في مجلس الأوقاف والشؤون الإسلامية في القدس منذ عام 1982.

تزوج ورزقه الله بأربعة بنات وخمسة أولاد.

حياته العملية

حصل الدكتور النتشة (83 عاماً)، وله من الأبناء أربع بنات وخمس أبناء، على بكالوريوس طب وجراحة من كلية القصر العيني في جامعة القاهرة، حيث تخرّج في أيلول (سبتمبر) سنة 1951 بدرجة امتياز.

عمل في مهنة الطب منذ سنة 1951، رئيساً لمستوصف الإخوان المسلمين في الخليل لمدة 26 عاماً، وهو من أوائل المؤسسين لرابطة الجامعيين سنة 1953 وعمل عضواً في المجلس البلدي لمدينة الخليل سنة 1954 ونائب في مجلس النواب الأردني بين الأعوام 1956 حتى 1961 وعمل أيضا في الدورة الثانية من عام 1967 إلى أن فك الارتباط سنة 1988.

عمل أيضاً كعضو في الوفد الفلسطيني في هيئة الأمم المتحدة برئاسة أحمد الشقيري سنة 1963 ومن المؤسسين لجمعية أصدقاء المريض في الخليل ورئيسا لمستشفى الأهلي في الخليل حتى وفاته ليل الأربعاء 7/11/2007.

بين صفوف الإخوان

انتمى الدكتور حافظ لحركة الإخوان في العام 1953 م عندما عاد الى فلسطين على الرغم من إنه درس في مصر وهي الدولة الأولى التي أسست فيها حركة الإخوان المسلمين إلا إنه لم ينتسب لها في مصر بل انتسب لها في الخليل.

في بداية الخمسينيات أسس مركز تابع للإخوان المسلمين مع مجموعه صغيرة من الرعيل الأول وأطلق عليه اسم الحركة (مركز الإخوان المسلمين) وكان ولا يزال موجوداً في شارع الإخوان المسلمين، وهو عبارة عن مبنى مكون من طابقين وست غرف وكانت تنفذ من خلاله كافة الفعاليات والأنشطة الخاصة بالحركة.

وكان أعضاء أول مجموعة هم: المرحوم عبد الحافظ مسودي، الشيخ محمد رشاد الشريف، والمرحوم زين الدين مسودي وعبد الرزاق الشوبكي وحمادة شاهين وعيسى عبد النبي النتشة وحلمي زير.

أما بالنسبة لنشاطهم الدعوي فقد كان عبر نظام الأسر المعتمد في الحركة حيث كانوا بشكل مجموعات تتلقى الدروس الدينية وكل مجموعة مؤلفة من ستة أشخاص بالإضافة للمسئول عن المجموعة وكانوا يقدمون برنامجا تربوياً علمياً وبيئياً مميزاً يعتمد على المواعظ ودورات تحفيظ القرآن وأحكام التجويد والدروس من خلال المساجد .

رائد في العمل والدعوة

الدكتور حافظ النتشة يطبب أهل الخليل

وكان الفقيد النتشة يشارك في تقديم المساعدات العينية للأعضاء المنتسبين والأسر المحتاجة على حد سواء، وكان رحمه الله يقدم خدمات إنسانية أخرى مثل العلاج والتطبيب، حيث كان من المؤسسين لمستوصف في بناء الدبويا (المعروف حاليا بالبؤرة الاستيطانية بيت هداسا) وكان يقوم بنفسه بتطبيب بكشفية رمزية ويقدم لهم العلاج برسوم بسيطة جداً، وقد كان مسؤولاً بشكل مباشر عن مستوصف الإخوان المسلمين منذ سنة 1954 وحتى عام 1982، وهي السنة التي قامت فيها عدد من المستوطنين باقتحام المبنى والاستيلاء عليه فيما بعد، وكان يدعم المستوصف عدد من رجال ووجوه الخليل والمتبرعين وأصحاب الخير.

وقد ساهم أيضاً فيما بعد بتأسيس جمعية أصدقاء المريض في الخليل سنة 1976 والتي كانت تقدم الخدمات الكثيرة من خلالها ثم ساهم بشكل فاعل في تأسيس المستشفى الأهلي وبفعل دعمه ونشاطه كان لجمعية أصدقاء المريض سبعة فروع عاملة في محافظة الخليل والآن لم يبق سوى المركز الرئيسي وسط المدينة.

مع الإمام الشهيد حسن البنا

التقى الدكتور حافظ رحمه الله والإمام الشهيد حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين ضمن وفد من الطلبة الفلسطينيين أبان مجزرة دير ياسين، وقد التقوا به للاسترشاد، وعندما علم أنه من الخليل، فوجئ الوفد بأنه يعرف عن تاريخ الخليل أمور كثيرة، كان أبناء الخليل يجهلونها، وقد التقى به وقتها في المركز العام للإخوان المسلمين. كما التقى النتشة العديد من القياديين والسياسيين ومسؤولي الأنظمة العربية.

في حرب سنة 1948 كان الدكتور حافظ يدرس الثانوية العامة، وقد عاد إلى غزة، وخلال مكوثه هناك انقطع اتصاله بأهله وانتظر هناك عدة أيام في فندق، وقد حضر الملك فاروق لتفقد الخطوط الأمامية وقد أطلقت النار على موكبه وكانت هناك الهدنة الأولى.

وقد حصل الدكتور حافظ على عضوية البرلمان الأردني، ممثلا عن حركة الإخوان المسلمين، وبصفة عشائرية، حيث كانت لحركة الإخوان المسلمين حضوراً بارزاً في الأردن.

وقد عاصر الدكتور النتشة المرحلة الحرجة التي مرت بها جماعة الإخوان المسلمين في الخمسينيات .

جهوده

كان الدكتور النتشة يقوم هو ومن معه بتقديم الخدمات والمساعدات العينية للأعضاء المنتسبين والأسر المحتاجة على حد سواء فكانوا يفرضون رسوم اشتراك غير محددة على الأفراد كلٌ حسب استطاعته وكانت هذه الرسوم تسخر في خدمة العامة ، وكانوا يقدمون أيضاً خدمات إنسانية أخرى مثل العلاج والتطبيب حيث افتتحوا مستوصف في بناية الدبويا (المعروف حاليا بالبؤرة الاستيطانية بيت هداسا) وكانوا يأخذون من المواطنين كشفية رمزية ويقدمون لهم العلاج برسوم بسيطة جدا وقد كان د-حافظ مسئولاً بشكل مباشر عن مستوصف الإخوان المسلمين منذ عام 1954 وحتى عام 1982 وهي السنة التي قام فيها بعض من نساء المستوطنين باقتحام المبنى والاستيلاء عليه فيما بعد وكان يدعم المستوصف عدد من رجال و وجوه الخليل والمتبرعين وأصحاب الخير.

رسالته الأخيرة للإخوان

وفي أيامه الأخيرة؛ وجه الدكتور حافظ النتشة رسالة إلى جماعة الإخوان المسلمين في كل مكان دعاهم فيها للتمسك بالثوابت التي أنشئت الحركة لأجلها، وذكرهم بقول الله سبحانه "ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب"، و "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذا كنتم أعداء فألف بين قلوبكم".

وطالب النتشة في رسالته الإخوان المسلمين بأن يركزوا عملهم في البناء والتأسيس وتقديم الخدمات وأن يحرسوا ذلك كله بالتقوى والعبادة.

وفاته

توفي الدكتور النتشة مساء الأربعاء 7 نوفمبر 2007م الموافق 26 شوال 1428 هـ بعد مرض المّ به لمدة أربعة أشهر حيث توفي وهو يرقد في المستشفى الأهلي في مدينة الخليل عن عمر يناهز (83) عاما.

الأستاذ أبوالحسن الطنوبي .. فقيه النفوس

الأستاذ أبو الحسن الطنوبي

بقلوب موجوعة بألم الفراق.. وَدَّعَت الساحةُ الإسلامية واحدًا من أخلص أبنائها وأعمقهم فهمًا وأشملهم استيعابًا للفكرة الإسلامية، وأثبتهم قلبًا، وأرسخهم قدمًا على طريق الدعوة إلى الله على بصيرة.. فكان مُتَمَيِّزًا في تجسيد مبادئ الإسلام وقِيَمِ عقيدته أحَقَّ تجسيد، على الرغم مِنْ مَحْدُودِيَّةِ عِلْمِهِ قياسًا بغيره مِنَ الذين ملئوا الدنيا ضجيجًا وجعجعة بلا طحنٍ

أولئك إخواني فجئني بمثلهم

إذا جمعتنا يا جرير المَجامِعُ

وُلِدَ أبُو الحسن سعادة علي الطنوبي مغرب شمس اليوم الأخير من عام 1957م بقرية دفرية مركز كفر الشيخ من أعمال دلتا النيل المصري الأصيل، فنشأ وترعرع في أكناف أسرة ديِّنَةٍ كريمةٍ.. كان لها عميقُ الأثر في سرعة استجابته الدعوة الله والانخراط في سلكها المبارك، وتعرف الدعوة الإسلامية المباركة وهو في ريعان شبابه؛

حيث التحق بركب الحركة الإسلامية مطلع الثمانينيات من القرن العشرين، وَظَلَّ يعمل في دواليبها حَتَّى وافاه الأجل المحتوم ليلة الأربعاء الثامن عشر من نوفمبر 2009م وهو يودِّع مَنْ حوله بابتسامةٍ مُشرقةٍ بالشهادتين.

كان ذا هيئةٍ صوفيةٍ سُنِّيَّةٍ جادّةٍ ومُلْتَزِمَةٍ... على الرغم من بساطتها، بيد أنها كانت مُثيرةً للتأمّلِ والانجذاب الوجداني الذي لا يملك المرء إزاءه حيلةً سوى تحريك لسانه بذِكْرَ اللهِ، وانشداد قلبه لذلك النموذج الذي يملك من فصاحة القلب وبيان المشاعر وإشراق الوجدانِ وسداد الرأي؛ ما كان جديرًا بلقب الأستاذية لدى مُحِبِّيه وعارِفي فضله.

وغير خافٍ على أحدٍ ما تمتاز به دعوة الإخوان المسلمين عن غيرها بفراسة دُعاتها وموهبة روّادِها في استخلاص أنفس المعادن الإنسانية من الجبال الصَمّاء، واستخراج اللآلئ من البحار اللُّجِّيَّةِ الظَلّماء... ولقد كان أبو الحسن من تلك الجواهر التي تُمَثِّلُ إضافةً حقيقية لتلك المُكْتَسَباتِ القَيِّمَةِ للحركة الإسلامية المُعاصرة.

فَعَلَى الرغم مِنْ أنَّ ثقافَةَ التَّجَرُّدِ والاختِفاءِ والتواضع وإنكار الذّاتِ ولين الجانبِ وَخَفْضِ الجناحِ والتي تتوخَّى جماعة الإخوان المسلمين غرسها وتأصيلها في نفوس أبنائها قد صَهَرتهم في بوتقةٍ نفسية وأدبية وأخلاقية واحدة.. حتى صاروا وكأنَّما ينبثقون مِنْ مِشكاةٍ واحدةٍ في رؤاهم وتصوراتهم، وفي مبادئهم وأخلاقهم، وفي سلوكهم وَمُجْمَلِ سعيهم الديني والدنيوي المستند بطبيعة الحالِ إلى قناعاتٍ وَحْيَوِيَّةٍ ومنطَلَقَاتٍ وتوجُّهاتٍ تَتَغَيّا رضوان الله سبحانه وتعالى عنها..

على الرغم من ذلك فإن كثيرين داخلِ مجالِ الحركة الإسلامية وخارجِها يَكادُ يجهل الكثير عن شخصية أبي الحسن الطنوبي... بَيْدَ أنَّ مآثِرَهُ وآثارَهَ كانت دليلاً على إنسانيته الفاضلة وحكمته العاقلة وَتَمَيُّزِهِ الدَّعْوِيِّ، بل كانت كاشفةً عن سِرِّهِ وبَرَكَةِ سَعْيِهِ وَسِرِّهِ

كان يبدو لوهلة النظر الأولى إليه مقتصدًا في الهَدْيِّ الظاهر.. قليلَ العِلْمِ.. مَحْدُودَ الإمكانات.. ولكن سعة أُفْقِهِ وَثَراءَ تجربَتِهِ وَخِبْرَتِهِ المُتَمَيَّزَةِ بنفوس الناس وفهمه معادِنَهُم كانت مؤشِّرًا على أننا بصَدَدِ رَجُلٍ من طرازٍ فريدٍ؛

ولدينا مئاتُ الأمثلة التي تدل على مواهبه ومهاراته في مجال العمل الاجتماعي والإصلاح بين الناس وإدخال البهجة والسرور على كثير من البيوتات التي أظلمتها الخلافات العائلية، ومزَّقَتْها النزاعات والانشقاقات الزوجية شرَّ مُمَزَّقٍ وَشَرَّدَتْ بهم مَنْ خَلْفَهُم!، كان أبو الحسن ضمادًا لِجِراحِها وَبَلْسَمًا لآلامها، وإكسِيرًا لسعادِتها..

كانَ فقيهًا مُتَخَصِّصًا في مجالٍ قَلَّ أنْ تَجِدَ له فيه نظيرًا، إنه فقه النفوس وفهم طبائع الناس وحيازة مفاتيح قلوبهم... فلم يكن لِيَهْدأَ له بالٌ أو يروق له حالٌ إلاّ والبسمة قد أشرقت بها وُجُوهُ مَنْ حَولَهُ من المُتَخاصِمِين وقد باتوا في وئامٍ وانسجامٍ..

وكان في كُلِّ ذلك مُسْتَودَعًا غائرًا بأسرار الناس.. وكان مقيلاً لِعَثْراتهم، ساترًا لنقائصهم، مشجعًا إياهم على التوبة والاستقامة والارتباط بحبل الله جَلَّ في عُلاه

أُشْهِدُ اللهَ أنَّهُ على الرغم مِنْ حُبِّهِ لِدَعْوَتِهِ وإيثارِهِ إيّاها على ما عداها ثِقةً فيها وإيمانًا بصلاحيتها وَتَمَيُّزِها وَتَفَرُّدِها بشمول الرؤية وعمق الفكرة واتِّزانِ المنهج؛ فإنه لم يتحزب ولم يتعصب، وكان أعَفَّ ما يكون لسانُه عن غِيْبَةِ الهيئات والأشخاص، وكان متسامحًا مع مخالفيه لدرجة أن تسامحه كان مَثارَ لَوْمِ أصحابِهِ

يَوْمَ قَدَّرَ اللهُ لي خَوضَ تجربة الاعتقال في سجونِ حكومة الحزب الحاكِمِ، كانَ رفيقًا لي في كُلِّ مَرَّةٍ... الأمر الذي أتاح لي ملازمته فترة كبيرة من عُمُرنا الدَّعْوِيِّ، فزادت مِنْ ثَمَّ فُرَصُ الإفادةِ مِنْ تَجْرِبَتِهِ في الحياة وخبرته بنفوس الناس؛ يومَها قال لي بِنَبْرَةِ المُلْهَمِ المُشْفِقِ: هذه هي البداية الحقيقية لأي طريقٍ سَوِيٍّ مُسْتَقِيم

كانت فراسته المؤمنة تُدهشني، فلا أملك إزاءها إلاّ الوقوف بين يديه موقف المريد بين يَدَيْ شيخه والمُحِبِّ بين يدي حبيبه.. وكنت أرى مستقبلي العلمي والفكري في مِرآتِهِ رهنًا بالتربية الصحيحة والعبادة الصادقة والعقيدة السليمة والتحصيل العلمي الراسخ المستبين بقوانين السُّنَنِ الإلهية والربانية..

لم تكن دروسًا ولا توجيهاتٍ تقليدية، وإنما كانَتْ معاني ومواقف تربوية وأنفاسًا طاهرةً زكية.. كانَ لا يَكُفُّ عن وَعْظِي وَنُصْحِي وَزَجْرِي أحيانًا كُلَّما اقتضى الموقف واستوجب المقام.. وَكان مَنْ حَولِي يستغربون لاستجابتي واستقبالي ذلك بالسرور والنقاش الهادِئ الوَدُودِ

مِمّا تَعَلَّمْتُه في مدرسته؛ أنَّ مِنْ آثارَ نعمة الله عَزَّ وجَلّ على الإنسانِ أنْ يكون وفِيًّا لدعوته، مُخْلِصًا لأصحابِ السَّبْقِ فيها مهما أخطئوا الفهم أو التقدير في بعض الأمور.. فليس لَهُم مِنّا إلا البنُوَّةُ البارَّةُ والتَّأدُّبِ الوقور.

وأنَّ مِنْ الوُدِّ والإخلاص والبِرِّ بِمَنْ رَبَّوْنا وأدَّبُونا وَعَلَّمُونا وأسلمونا إلى أقدار الرقي في مدارِجِ الفلاح بَذْلَ النصيحة بِأدَبٍ وَرَحْمَةٍ ثم التسديد والمُقارَبَةِ ثم الدعاء بالتوفيق والسداد إلى الخير الذي يرتضيه الله ويرضى عنه

إنني لَم أزل أتذكَّرُ كُلَّ ذلك وَغَيْرَه داعيًا له بالرحمة والمغفرة وَحُسْنِ المَثُوبَةِ مِنَ الله الرحمن الرحيم.. كيف لا وقد أرشدني الله به الطريق إلى الهداية، وأبعدني عن الضلال والغواية؟

كيف لا وأنا أدين له بولاء التلميذ لأستاذِهِ واحترام المتأدب على يديه؟! كيف لا وقد علمني من فنون الدعوة وأرشدني إلى مفاتيح القلوب وأسرار النفوس وفتح الله به عَلَيَّ مِنْ أبوابِ كُلِّ خير؟!... كان لا يرى كتابًا فيه نَفْعٌ لي إلاّ وَبَادَرَ بِشرائه لي كي أواصل مسيرتي على درب العلم والفكر.. لِذَلِكَ، لم أكن متجاوزًا الحقائق عندما ذهبت إلى أنَّ أبا الحسن الطنوبي كان مدرسة وَكُنْتُ واحدًا مِنْ تلاميذها.

يشهد له رفقاؤه على طريق الدعوة وعارفو فضله من عامَّةِ الناس بأدبه الجَمِّ، واستغراقه في الحياءِ حتى يبدو وكأنه كالعذراء في خدرها.. وبإخلاصه المتفاني في خدمة دعوته وإخوانه الذين ما عهدوا بَيتَهُ إلاّ مفتوحًا لهم؛ إكرامًا وإطعامًا واستجمامًا بروح الأخوة الفياضة وروحانيتها الآسِرَةِ...

التي ظَلَّتْ ترفدنا حنانًا.. وَتَملؤنا دفئًا... وتعبقنا نسيمًا حتى انتقل إلى الرفيق الأعلى.. ولسوف يحيا مُحِبُّوه على تلك الذكريات الجميلة حَتَّى يأذَنِ اللهُ بلقائنا في ظلال رضوانه إخوانًا على سُرِرٍ مُتقابِلِين

ألا فليرحمه الله رحمة واسعة، وليجْزِهِ عَنِّي خيرًا، وَعَنْ كثيرٍ من خلقِ الله خير ما جَزَى أستاذًا عن تلميذه، وأخًا وفيًّا بحقوق أخيه.

محمد نجيب راغب

موقع إخوان ويكي

بقلم : أ. عبده مصطفى دسوقي

محتويات

١ مقدمة

٢ البداية

٣ مع الإخوان

٣.١ وعن أول لقاء شخصي بينه وبين الإمام الشهيد يقول

٣.٢ يقول عن الإمام البنا

٤ محمد نجيب والنظام الخاص

٤.١ وحول شخصية محمود عبد اللطيف يقول محمد نجيب

٥ المحنة والمعتقل

٦ ما بعد الاعتقال

٧ ألبوم صور

٨ إقرأ أيضا

مقدمة

الحاج:محمد نجيب راغب

قال تعالى " مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلا (23) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا"

[الأحزاب 23: 24].

على هذه المعاني ربى الإمام البنا رجالا عرفوا قيمة الحياة فتاجروا مع الله فيها فباعوا أنفسهم له واشتروا رضوانه وجنته فربحوا بهذا البيع، رجالا كان غايتهم الله ورسولهم قدوتهم وقرأنهم دستورهم والجهاد سبيلهم والموت في سبيل الله أسمى أمانيهم وظل يرددون هذه المعاني بقلوب صادقة صافية مخلصة لله فنالوا ما تمنوا.

ومن هؤلاء الذين تاجروا مع الله فربحوا كان محمد نجيب راغب والذي يعد أحد الشهود الأساسين على أحداث حادث المنشية، والذي كان مرافقا دائما لمحمود عبد اللطيف قبل الحادث.

البداية

وُلد الأستاذ محمد نجيب راغب عام 1930م في قرية ششتا التابعة لمركز زفتى بمحافظة الغربية، التحق بمراحل التعليم المختلفة، وأنهى تعليمه لكي يلتحق بالعمل في مصانع الغزل والنسيج، حيث عمل في مصانع المحلة الكبرى ثم انتقل للعمل في مصانع الشوربجي بإمبابة.

مع الإخوان

تعرَّف على الإخوان منذ صغره وهو في عامه الثاني عشر، وكان ذلك عام 1942م، حيث زارهم الإمام البنا في هذا العام.

وعن هذه الزيارة يقول الأستاذ محمد نجيب:

أول مقابلة كانت عام 1942 في زفتى؛ حيث كان من عادة الإمام البنا أن يزور قرى القطر المصري ليرى الشعب المصري ويلتقي بالإخوان عن قرب، وكان يريد معرفة تفاصيل عن الشعبة التي يزورها، ويحرص على النزول عند كبرائها؛

وذلك لحماية الدعوة وإنزال الناس منازلهم، حيث كان ينزل على وجهاء البلد دائمًا، وفي قريتنا (ششتا) نزل عند عم العمدة وكان من وجهاء المحافظة وممن لهم حيثية فيها وزارها مرتين عام 1942م وعام 1943م.

وكان يسبقه الجوالة بأعداد كبيرة وبتنظيم رائع ودقيق، مما أدهش القرية بتنظيمها وروعتها وزيها المميز، وأُقيم حفل حاشد بالمدرسة؛ لأنها كانت هي المكانَ الوحيدَ الذي يتسع لهذه الحشود، وألقى كلمةً عظيمةً ظلت تتداول معانيها بين الناس لفترة طويلة وما زالت آثار هذه الكلمة في نفسي إلى الآن.

وعن أول لقاء شخصي بينه وبين الإمام الشهيد يقول

"أول لقاء شخصي كان عام 1945م في المحلة في الكتائب، حيث كان حرص الإمام الشهيد على حضور الكتائب ليكون في وسط الإخوان ويشرف على تربيتهم ويتعرف عليهم عن قرب، وبعد ذلك عندما انتقلت إلى إمبابة، حيث كثرت اللقاءات بالإمام الشهيد، خاصةً في الكتائب،

حيث كان يقضي الليالي في وسطنا، وكنا في ذلك الوقت شبابًا، وكنا نسعد بلقائنا معه وكان أثر لمساته الإيمانية علينا كبيرًا للغاية.

وكان الإمام البنا يسأل الأستاذ هنداوي دوير كثيرًا عن شباب المحلة، لذلك كان كثيرًا ما يأخذنا معه لمقابلة فضيلة المرشد، وكنت أذهبُ معه للمركز العام مع مجموعة شباب المحلة بصفةٍ شبه مستمرة.

وكان الإمام الشهيد عظيم الاهتمام بالطلبة والعمال؛ لأنه كان يدرك أنهم العمق الإستراتيجي للدعوة، وهم الوقود الدافع لها وهم عصبها؛ لذلك كان يحرص على الالتقاء بهم كلما سنحت الفرصة، ويشرف على بعض الأنشطة الخاصة بهم.

يقول عن الإمام البنا

"الإمام البنا هو الذي غرس فهم الإسلام الشامل في الأمة كلها، فأحياها وأيقظها، خاصةً بعد ضياع الخلافة، وكان ينادي من على المنابر لتجييش الأمة لخروج المستعمر وعدم الركون إلى مشايخ السلطة المثبطين لروح الجهاد، وقد تمَّ التحقيق معه بسبب هذه الدعوات لمقاومة المحتل؛

لأنهم أفسدوا علينا ديننا وحياتنا، واستغلوا الإعلام وبخاصة الصحافة لتضليل الأمة وإبعادها عن أهدافها، ولولا يقظة البنا لانهارت الأمة، فقد كان رحمه الله ممن بعثوا في الأمة روح الجهاد وأحيا فيها العزةَ بالانتساب للإسلام، وقد كان لدعوته ولرجاله عظيم الأثر ليس في المجتمع المصري فحسب، ولكن في المجتمعات الإسلامية قاطبة.

ولعل من الأمثلة الواضحة والجلية لتأثير الإمام على المجتمع بمختلف طوائفه ما حدث أثناء المحاكمة في قضية السيارة الجيب؛ حيث دافع محامي الإخوان عن وجود أسلحة لدى الإخوان، بأنها كانت لمقاومة المحتل وللحرب في فلسطين، وقال إن الإخوان حريصون على مقاومة اليهود ودعم الفلسطينين والحفاظ على الجيوش العربية.

ولم يقتصر دور الإمام على الجانب الدعوي فقط؛ ولكنه قابل بعض القادة لعسكريين أمثال الفريق عزيز المصري والصاغ محمود لبيب، الذي كوَّن أكثر من 20 ألف جوال في الفترة من الثلاثينيات حتى 1946م، وكانوا نواة العمل العسكري للإخوان في فلسطين وقناة القناة.

محمد نجيب والنظام الخاص

انتقل والده للمحلة وهناك تعرف على مسئول شعبة الإخوان وكان الأستاذ "هنداوي دوير"، فتعرف عليه، وألحقنه بالأسر الموجودة، وكان رئيس الأسرة الأستاذ سليمان مطاوع ومن أفراد هذه الأسرة: عبده عبد العال، وأحمد السيسي، وأحمد الرفاعي.

وكانت شعبة المحلة تقع في حي "السبع بنات" وهو من الأحياء الراقية بها، وكان في مجلس إدارتها الدكتور أحمد عتيبة رئيس مطبعة المحلة كلها، وكان رئيس منطقة المحلة الأستاذ محمد عبد المتعال.

انتقل محمد نجيب راغب للعمل بمصانع الشوربجي بإمبابة أوائل عام 1947م، وهو نفس العام الذي انتقل فيه هنداوي دوير من المحلة لإمبابة، ثم ترك عام 1950م وشارك الأستاذ عبدالعزيز شميس فى محل الخردوات.

قطن في حي الكيت كات، وبعد عودة الجماعة وإلغاء قرار الحل، نشط مع إخوانه في المنطقة.

ولنشاطه اختير لينضم إلى النظام الخاص عام 1951م وكان في أسرته محمود عبد اللطيف وسعد حجاج (بشتيل) وعصفور البحيري.

وظل في صفوف النظام الخاص حتى وقعت أحداث حادث المنشية عام 1954م والذي يصفه بقوله:

الساعة الثامنة أنا كنت في ميدان الكيت كات وكنت واقف أنا وأحد الإخوان نتحدث فسمعنا عبد الناصر وهو يخطب في ميدان المنشية ثم سمعنا صوت إطلاق رصاص ففزعنا وقلنا لابد أنه حدث شئ فسارعت لبيتي وأثناء مروري وجدت دكانة محمود مفدوغة (مكسور بابه) وبعض رجال المباحث تقف فيه،

وجمال عبد الناصر كان ومازال يخطب ثم توجهت إلى بيت محمود عبد اللطيف فوجدت عددا كبير جدا من الضباط والبوليس وكان الرئيس ما زال يخطب، وسمعت أن محمود عبد اللطيف أطلق الرصاص على جمال عبدالناصر فلم اصدق.

ثم علمت بأنه تم القبض على محمود عبد اللطيف وخرجت الصحف تتهمه بأنه هو الذي أطلق النار وقد تم القبض عليه وفي يده أداة الجريمة وهي مسدس أمريكي (بريته) وهذا المسدس لا يلفظ الفارغ، كما ذكروا انهم وجدوا ثماني رصاصات على الأرض وهي التي أطلقها محمود عبد اللطيف وحينما أدركوا خطأهم ان المسدس الموجود مع محمود من النوع الذي لا يلفظ الفارغ اختلقوا قصة الخديوي آدم في 2 نوفمبر ليقدم لهم مسدسا يلفظ الفارغ ويكون هو أداة الجريمة.

وحول شخصية محمود عبد اللطيف يقول محمد نجيب

الأستاذ-محمد نجيب-راغب-أحد الرعيل الأول-للإخوان

الأخ محمود عبد اللطيف كان عضوًا في أسرتي؛ وكنا معًا.. حياتنا كلها كانت مع بعض؛ وقد تطوعنا معًا في حرب فلسطين؛

ولكن كنت أصغر منه بكثير؛ كُنَا في أواخر عام 1947 فكان عمري حينها 17 سنةً وكان عمره 23 سنة؛

فقبلوه ورجعت أنا؛ وأنا عائد قال لي: (وصيهم في البيت وخلي بالك دائمًا منهم واسأل عليهم وقل لهم إني الحمد لله اتقبلت)؛ فذهبت للبيت وناديت على زوجته وقلت لها: (محمد قبلوه)،

فسألتني (من أنت)؟ قلت لها: (أنا نجيب)، قالت لي: "يا نجيب معقول لو دا عندكم أنتم كنت تسيب عيالك وتروح تجاهد في سبيل الله"، قلت لها: لا حتى لا أضايقها، ولم تكن تعرف بعد أنني من الإخوان.

لكن هو حارب في فلسطين وكان له دور كبير جدًّا ووقع في الأسر وبعد الإفراج عنه عاد إلى وضعه وعاد إلى جنديته وشعبته وعشنا معًا حياةً طويلةً؛

وله مواقف لا تنتهي وأذكر أنه تغيب يومًا عن لقاء الأسرة وكان عهدنا به أنه لا يغيب أبدًا فقلت للإخوة:

"تلاقوا والده مريض وذهب به للدكتور"، فذهبنا له للاطمئنان عليه ووجدناه يستبدل ملابسه وقال لنا:

(أنا لسه جاي من عند الدكتور كنت مع الوالد وهو الحمد لله كويس)، وهو يعلم أننا نذهب للأخ الغائب حتي نطمئن عليه (يعني هيكون فيها شاي.. بسكوته.. بقسماطة..

حاجة من الحاجات الخفيفة بتاعة زمان)؛ وكان أهله لسه خابزين في البيت؛ فقتلت له: (الحمد لله إننا اطمئننا عليك واطمئننا على العيش والفرن والحاجات اللي رائحتها حلوة دي)، فقال لنا: (طيب اقعدوا)، ودخل وأحضر لكل منا: (نصف رغيف) وكانت تسمى حينئذٍ (بالشقة)،

وكانت ضخمةً ثم ذهب إلى داخل المنزل وظل فترة ثم رجع إلينا ومعه (سلطانية عسل)، ووضعه أمامنا؛ وقال: (ما تاكلوا)، قلنا له: (إحنا أكلنا العيش (حاف) من ساعتها؛ كنت قلت إنك هتيجب عسل) فقال لي: (طيب ولا تزعلوا؛ هجيب لكل واحد كمان شقة)، ولكنه هذه المرة أخذ العسل معاه.

وقد عشت معه وكنت معه في فصيلته وكنت معه قبل الحادث وبعده؛ وله مواقف لا تنتهي؛ وكما قلت: إنه لم يذهب إلى المنشية وأُمسك به في القطار في محطة الأسكندرية؛ وهو رجل عظيم وأفضل ما أعجبني جدًّا في آخرته؛ عندما سألت زوجته عن آخر مرة زاروه فيها قبل استشهاده، فقالت: ذهبت أنا وأخته وأمه وأولاده وعندما رأى حنفي- أصغر الأبناء

-؛ أباه وكان قد مضى على اعتقاله شهرين، وصدر في حقه حكم الإعدام ارتمى في أحضانه، وأخذ يقبله ومحمود يضحك مع ابنه؛

فسألتها: ألم يتأثر أبدًا؟

فقالت لي زوجته:

(لم يتأثر أبدًا)؛ وعندما رأى أمه تبكي غضب منها وقال لها:

(يا أمي أنا شهيد؛ لك ِأن تفخري أني مظلوم وشهيد لله رب العالمين؛ لك أن تفرحي وكل يوم يموت الناس ولكن الحمد لله أنني سأموت شهيدًا؛ أموت حيًّا وألقى الله)،

وكان موقفًا عظيمًا، وقال لهم: (إن شاء الله سيحفظكم الله من أجلي).

المحنة والمعتقل

اعتقل محمد نجيب راغب بعد الحادث وسيق إلى سجن القلعة حيث ذاق العذاب ألوانا، وقد للمحاكمة أمام الدائرة الأولى والتي كان يرأسها اللواء صلاح حتاتة، حيث حكم عليه بالبراءة غير أنه قضى في السجن ما يقرب من عامين حيث قضاها فى سجن مصر وكان بصحبته الأستاذ صالح أبو رقيق، د. توفيق الشاوي، د. محمود أبو السعود، الشيخ مصطفي العالم.

خرج أواخر عام 1956م غير أنه صدر ضده أمر اعتقال مرة أخرى عام 1965م، حيث قضى به فترة حتى خرج مع بعض الإخوان.

ما بعد الاعتقال

بعد خروجه عاد لمشروعاته سواء الخردوات أو النسيج حتى استطاع أن يفتح مصنعا للملابس الجاهزة، وكان له محل في الموسكي.

كما أنه ظل جنديا في دعوته يجوب المحافظات ليعلم الناس تاريخ دعوتهم ويعرفهم بالحقائق الغائبة عنهم.

وفاته:

توفي الأستاذ محمد نجيب راغب يوم الخميس الموافق الحادي عشر من نوفمبر لعام 2010م، 5 ذو الحجة من عام 1431هـ، بعد معاناة مع المرض لفترة ليست بالطويلة.




ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق