الماسونية والماسون في مصر.
ناجي هيكل
الماسونية هي أصل كل فساد وانحراف في المجتمعات الإنسانية، وهي أساس كل مذهب هَدَّام وفكر متطرف في الدول المختلفة، ومن رحم الماسونية خرجت كل دعوة إلى نبذ الدين ومناهضته، وإلى الثورة على القيم الأصيلة والأعراف الحسنة النبيلة، وإلى انهيار الأسرة، وإلى الإباحية والإلحاد والفساد، وإلى التنكر للأوطان التي تُعد في نظرها خيالا كاذبا، وبناء فارغا يتضاءل أمام فكرة الماسونية "أنها لا وطن لها"؛ تمهيدا للسيطرة على العالم وحكمه بعيدا عن وحي الله الحق وهدى رسله.
وتتخذ الماسونية في سبيل نشرها شعارات خادعة مضلة تخفي حقيقتها اليهودية التي لا يمكن لعاقل أو لبيب فطن أن ينجرَّ إلى أفكارها الزائفة، ورؤاها الكاذبة، وأهدافها الباطلة.
ومن شعارات الماسونية البرَّاقة التي دأبت على اصطياد ضحاياها من خلالها: "الحرية – الإخاء – المساواة"، وهذه الشعارات البراقة التي تخفي حقيقة المنظمة اليهودية السرية التي خدعت الكثير من الزعماء السياسيين من المسلمين وغيرهم، واستقطبت العديد من رجالات الفكر والدين والأدب، وجذبت أناسا آخرين من المغامرين أو النفعيين الباحثين عن سلطة أو نفوذ أو مال أو عَرض من عرض الدنيا الزائل.
غير أن الوعود الكاذبة، والأهداف الخادعة، والمبادئ الماكرة، سرعان ما تكشفت حقيقتها، واستبانت أغراضها الحقيقية من ارتباطها باليهودية العالمية وخدمة مصالحها الاستعمارية؛ فأعلن المنخدعون في الماسونية انسحابهم من محافلها، وانخلاعهم عن تنظيماتها، ونبذهم لأطروحاتها وأفكارها.
وقد مرت الماسونية في تاريخها الطويل بمرحلتين: المرحلة الأولى وتمثل الماسونية القديمة، وأطلق عليها وقتئذ: "جمعية البناء الحر"، ومنشؤها في تلك الفترة غامض مجهول، لا نستطيع تحديد بداياته، وإن تميزت هذه الفترة بأن أعضاء الماسونية القديمة كانوا من طائفة البنائين أنفسهم في مصر واليونان في القرون الغابرة، وفي أوروبا الغربية منذ بدء النصرانية، ثم ذاعت في جميع الأمم الغربية خلال العصور الوسطى، وقد نقل الرهبان رسومها وتقاليدها من مصر القديمة إلى أوروبا، ووضع الرومانيون منها نماذج جديدة، وأنشأوا جمعية "عرفاء البناء"، ومن ثم يرجع بعض الباحثين أصل "جمعية البناء الحر" أي: الماسونية، إلى هذه الجمعية الرومانية.
ويتفق الباحثون على نسبة تعاليم "جمعية البناء الحر" وأسرارها إلى اليهود قبل أن يصلحها ويهذبها رجلان إنجليزيان من رجال الدين، هما: "ديزا جلييه، وأندرسون" في الربع الأول من القرن الثامن عشر الميلادي، وقد نقلت هذه التعاليم والرسوم القديمة إلى الغرب على يد جمعيات البنائين، ونقلتها إلى إنجلترا جمعية الصناع الرومانية، ويرجع الماسون الإنجليز والأوروبيون بصفة عامة فضل نشر الفكر الماسوني في القارة الأوروبية إلى الجمعية الرومانية.
وتبدأ المرحلة الثانية من مراحل تاريخ الماسونية بسنة 1600م في إسكتلندا، وضمت الماسونية في بداية هذه الفترة الطبقات الأرستقراطية، وفي سنة 1717م أسس بإنجلترا "المحفل الأعظم" الذي اصطبغت رسومه ورموزه بالصبغة اليهودية: فالنظم والتعاليم اليهودية هي التي اتخذت أساسا لإنشاء المحفل الأعظم، وتقاليد المحفل الشفوية كانت على طريقة العادات اليهودية، ولا غرو في ذلك؛ لأنه منذ منتصف القرن السابع عشر الميلادي كانت التعاليم اليهودية الروحية قد نفذت إلى جميع أنحاء أوروبا، وتسربت هذه التعاليم إلى أوروبا الغربية من شرقها حيث استقر اليهود منذ القرن السادس عشر الميلادي في بولونيا، وفي هذه المرحلة أنشئت محافل عديدة في أوروبا، ومن بينها فرنسا سنة 1725م، وكان شعار الثورة الفرنسية سنة 1791م هو شعار الماسونيين نفسه (الحرية – المساواة - الإخاء).
وعرف العالم الإسلامي الماسونية لأول مرة مع الاستعمار الفرنسي لمصر سنة 1798م الذي حمل الأفكار الماسونية؛ ليحقق بها أهدافه في الشرق الإسلامي، وأقيم في السنة السابقة نفسها محفل بالقاهرة للتجمع
والتخطيط والتكليف بالمهام، وهو المحفل الماسوني: "محفل إيزيس" الذي التحق به اليهود بمصر، فضلا عن غيرهم من المصريين، وتتابع إنشاء المحافل الماسونية في مصر بعد ذلك، وفي غيرها من بلاد عربية، وفي سنة 1952م تندلع الثورة في مصر، ومعها ينسحب البساط تدريجيا من تحت نفوذ المحافل الماسونية بها، وتبدأ جذوة الماسونية في الانحسار، حتى يتوقف النشاط الماسوني بمصر سنة 1956م، وفي شهر مارس من سنة 1964م تصدر الحكومة المصرية أمرها بإغلاق جميع المحافل الماسونية في مصر، ويوضع النادي الماسوني الإنجليزي في شارع طومسون تحت الحراسة، وبجرد محتوياته يتبين صلة النادي بإسرائيل؛ حيث إن بعض الأعلام والأدوات في النادي عليها نجمة داود، وجميع ما في النادي من لوحات وأعلام وأثاث ومطبوعات ونشرات تتم بالطابع البريطاني - الإسرائيلي.
وإذا كانت مصر – والعديد من الدول العربية التي حذت حذوها – قد حلَّت المحافل والجمعيات الماسونية بعد تأكدها من أنها أدوات هدم وتخريب، وأن الصهيونية العالمية تستغلها لمزاولة أنشطتها، ونشر أفكارها، فإن اليهود لم يعدموا أن يجدوا صورا أخرى للماسونية في تلك الأقطار الإسلامية، ممثلة في نوادي الروتاري والليونز التي لا تعدو إلا أن تكون أوكارا للماسونية، ووجوها وأشكالا أخرى لها.
وهذا الكتاب الفائق الذي بين أيدينا (الماسونية والماسون في مصر 1798 – 1964م) لصاحبه وائل إبراهيم الدسوقي يتناول نشاط الماسونية في مصر منذ ظهوره مع الحملة الفرنسية الاستعمارية عليها وحتى صدور قرار وزيرة الشئون الاجتماعية سنة 1964م بإغلاق جميع المحافل الماسونية في مصر.
وقد بدأ الأستاذ المؤلف سِفْرَه بالبحث في جذور الماسونية بمصر ذاكرا آراء الباحثين في هذا الموضوع، ومنها القول: بأن التعاليم الماسونية كانت موجودة في مصر منذ عهد الفراعنة، حيث كانت تبنى المعابد الضخمة والأهرامات، فالماسونية من حيث مبادئُها وتعاليمها مصرية، ويظهر من الآثار المصرية الباقية إلى هذا العهد أن صناعة البناء والهندسة كانت عندهم في غاية الإتقان، ويستدل من تاريخهم أن الذين كانوا يرسمون تلك الأبنية ويقومون على بنائها هم فئة من الكهنة، ولم يعلموا تلك الصناعة لعامة الشعب، وإنما كانوا يستخدمونهم في نقل الأحجار من أماكنها
وتقطيعها، ويختارون من بينهم من يعهدون إليه نحتها على مثل جماعة البنائين (الأحرار)، الأمر الذي حمل بعضهم على القول:بإنالجمعية الماسونية فرع من الكهانة المصرية أو إنها ظهرت في العصر البيزنطي أو بعد الفتح الإسلامي لمصر.
ولفت نظر المؤلف إحدى اللوحات الجدارية المعلقة على جدران كنيسة الأنبا "ريوس" ببطريركية الأقباط الأرثوذكس بالعباسية، وهي لوحة رسمها فنان مصري مسيحي، هو "إيزاك فانوس"، واللوحة تمثل الأب باخوم يمسك بيساره لفافة يمكن التخمين بأنها تحمل كلمات من الكتاب المقدس، وفي اليد اليمنى أمسك بالزاوية والفرجار، وهما لا يمثلان رموزا مسيحية، ولا تعطيهما المسيحية أية قداسة، وهما من الرموز الماسونية، وبالتالي يدلل بذلك على ماسونية الأب باخوم، وعلى وجود الماسونية في مصر في العصر البيزنطي.
ومما يدعم هذا الرأي أيضا أن الأب كيرلس بطريك الإسكندرية في الفترة (384 – 412م) مصور في كنيسة العذراء – التي تخدم الأرثوذكس المصريين في لوس أنجلوس بالولايات المتحدة الأمريكية – وهو يتكئ على عامود قصير من الطراز الروماني، وهو تقليد غير متبع في تصوير القديسين في الفن المسيحي، لكنه متبع في تصوير الأساتذة العظام في الماسونية، فالعمود رمز مهم من رموز الماسونية.
والملاحظ أن القاسم المشترك بين اللوحتين هو أنهما من رسم "إيزاك فانوس" مما يرجح أنه ماسوني أخذته الحماسة الماسونية، فصور الأب باخوم والأب كيرلس بالرموز الماسونية، ويبقى احتمال وجود الماسونية في العصر البيزنطي قائما حتى يظهر الدليل الوثائقي الذي يثبت أو ينفي ذلك.
وفي مصر الإسلامية ظهرت صورة قريبة الشبه بالرمز الماسوني: الزاوية والفرجار في زخارف جامع ابن طولون، حيث تشكل التقاء خطوط الزخارف صورة قريبة من الرمز الماسوني
وكان المعماري الذي عهد إليه ببناء الجامع مصريا نصرانيا، ويعتقد أنه من جماعة البنائين الأحرار (الماسونيين).
وبعد عرض كل الآراء المتصلة بمنشأ الماسونية في مصر، ذهب المؤلف إلى أنه لا يوجد دليل قوي على أن الماسونية قد دخلت مصر قبل الحملة الفرنسية عليها، إلا أنه يجوز حدوث اجتماعات بها بين قناصل بعض الدول المؤمنين بالماسونية والتجار الكبار من المصريين الذين كانت لهم تعاملات مباشرة وصلات بهؤلاء القناصل الأجانب وبعضهم كان على الماسونية، وربما كانت هذه الصلات بداية للتعرف على الماسونية من بعض المصريين.
ويبقى أن الظهور القوي للماسونية في مصر كان مع محفل "إيزيس" عام 1798م الذي أنشئ بها بعد حملة نابليون بونابرت، والذي ضم عناصر من اليهود وأخرى من المصريين.
وكما أنشأ الماسون الفرنسيون محفلا ماسونيا بمصر، أسهم الماسون الإيطاليون بنصيب وافر في تأسيس المحافل الماسونية، وكذلك الماسون الإنجليز في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، وفي القرن الأخير نفسه وجدت بمصر محافل للألمان الماسون، وأخرى تابعة للدولة العثمانية، انخرط فيها كثير من المصريين.
وفي سنة 1876م أنشئ محفل مصري ماسوني، وأصبحت المحافل المصرية جميعا تابعة له وعرف هذا المحفل بـ "الشرق الأعظم الوطني المصري"، وترأس الخديو توفيق باشا هذا المحفل في سنة 1887م، وألقى الشاعر (حفني ناصف) قصيدة طويلة بين يدي الخديو توفيق، أشار فيها ٍإلى المبادئ الثلاثة التي تتخذها الماسونية شعارا لها، وهي الحرية والإخاء والمساواة، وظل الخديو توفيق رئيسا للمحافل المصرية لمدة ثلاثة أعوام، اعتذر بعدها عن الرئاسة العملية للمحفل الكبير ليتولاها غيره من أبناء الشعب تشجيعا لهم، فانتخب (إدريس بك راغب) رئيسا للمحفل، بينما أصبح الخديو توفيق رئيسا شرفيا إلى الأبد.
ويبدو أن العصر الذهبي للماسونية في مصر وصل إلى ذروته في الربع الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي، بدليل قيام علاقات بين الماسونية في مصر والولايات المتحدة الأمريكية
وكشف الكتاب عن علاقة اليهود بمصر بالمحافل المصرية الماسونية، حيث انضم اليهود لهذه المحافل دون المحافل الأجنبية؛ لأن علاقة اليهود مع الأجانب في مصر من القوة بحيث لا تحتاج إلى انضمامهم معهم في محافلهم، لكن انضمامهم للمحافل المصرية آنذاك كان ممهدا لمعرفة وجهات النظر المصرية والعربية من خلال المناقشات مع المصريينوالشوامالمنضمين للماسونية في قضيتهم التي كانوا يدعون لها في الأوساط كافة، وهي ضرورة الاعتراف باليهود بوصفهم كيانا مستقلا يجب تجميعه في دولة واحدة؛ باعتبار أن الماسونية أكبر تجمع للمفكرين ورجال السياسة من مختلف الاتجاهات والجنسيات.
وقد رسخت أقدام اليهود الماسون في عهد الملك "فؤاد"، ففتحت الأبواب أمامهم في المجالات كافةً حتى عرفت مصر "يوسف قطاري باشا" وزير المالية، وكان يهوديا ماسونيا، واعتبر تعيينه في هذا المنصب تقديرا أدبيا وتكريما للطائفة اليهودية في مصر، كما احتل عدد من اليهود المقاعد البرلمانية في مجلس الشيوخ والنواب، وتأسست لهم محافل ماسونية في القاهرة والإسكندرية وعواصم الأقاليم المختلفة، وبذلك ظهر اليهود بصورة أكثر وضوحا في الفترة التي تلت سنة 1917م وحتى بعد عام 1945م، وانتهاء الحرب العالمية الثانية، وكان من الطبيعي انجذاب هؤلاء اليهود للمحافل الماسونية، وأصبح معنى الماسونية لدى اليهود هو محاولة إيجاد قومية دينية يهودية تمهد لإنشاء دولتهم وإعادة بناء هيكلهم؛ ليكونوا عماد الحضارة الغربية بوصفهم قوة خفية من خلال المحافل الماسونية.
وبسبب النشاط الماسوني في مصر، وما صاحبه من إنشاءٍ لعدد كبير من الصحف والمجلات؛ فإن الماسونية بدأت تتدخل في سياسة مصر، حتى إنها وجهت بيانا إلى عرب فلسطين تناشدهم من خلاله بالسماح لليهود بالعودة إلى فلسطين، وكان هذا البيان تأييدا لوعد بلفور.
وقد أكد المؤلف في كتابه على مدى السرور والفرح الذي ساد الأوساط اليهودية في مختلف أنحاء مصر عقيب صدور تصريح "بلفور" عام 1917م بإنشاء وطن قومي لليهود بفلسطين، وأقامت التنظيمات اليهودية حفلا بالإسكندرية حضره محافظ الإسكندرية "أحمد زيور باشا" وكبار رجال الطائفة اليهودية، وعقد كبار اليهود بالإسكندرية وعلى رأسهم البارون "فليكس دي منشة" وكان من كبار رجال الماسونية في الإسكندرية اجتماعا في 12 أغسطس عام 1918م أعلن فيه البارون وجوب تكوين لجنة تهدف إلى جمع شمل الجمعيات اليهودية والصهيونية والماسونية، والاهتمام بتدعيم محاولات تأسيس الجامعة العبرية بالقدس، وجمع التبرعات لتوطين اليهود في فلسطين.
ووجه المحفل الماسوني الوطني المصري الأكبر إلى أهل فلسطين في ثورتهم عام 1936م النداء الآتي: "يا أهل فلسطين تذكروا أن اليهود هم إخوتكم وأبناء عمومتكم، قد ركبوا الغربة، فأفلحوا ونجحوا ثم هم اليوم يطمحون للرجوع إليكم لفائدة الوطن المشترك العام وعظمته، بما أحرزوه من مال، وما اكتشفوا من خبرة وعرفان .. إن العربي والعبري غصنان من شجرة إبراهيم، أبواهما إسحاق وإسماعيل، متى وضع أحدهما يده في يد الآخر انتفعا جميعا بما لديهما من الوسائل المختلفة، وكان في تعاونهما الخير، وكمال البركة بإذن الله"، وهكذا فإن الماسون لعب دورا في قيام دولة إسرائيل، وأيد جميع أعضاء المحافل الماسونية في البلاد العربية قيام دولة إسرائيل.
أما عن الأعمال الخيرية للماسونية في مصر، فإنها – كما يذكر المؤلف – أحيطت بهالة من المبالغة، خاصة إذا ما وضع في الاعتبار تلك الموانع التي وضعوها في دستورهم إزاء من يريد الانضمام إلى الماسونية، كذلك الشرط الذي يقضي بأن يكون راغب الدخول في الماسونية صاحب حرفة غير دنيئة، وذا دخل مادي جيد، فكأن الماسونية أوصدت أبوابها أمام الفقراء وفتحتها على مصراعيها أمام الأغنياء. كما أن اللائحة المخصصة للأعمال الخيرية للمحفل الأكبر الوطني المصري قصرت الإعانة الوقتية على الماسون وعائلتهم من منظور أن غير الماسون أجانب لا تمد لهم يد المساعدة والعون، ومن ثم لم يقدم الماسونيون شيئا ذا بال إلى الفقراء، وإن قدموا شيئا فغرضهم الخبيث واضح من هذا الفعل.
وقد حاز اليهود الماسون المكاسب الاقتصادية في مصر، وبخاصة منذ عهد الخديوي إسماعيل، ولم يقم الماسونيون بدور اقتصادي فعال في الاقتصاد المصري، إلا أن نجاح رجال الاقتصاد الماسون من اليهود والمصريين وغيرهم كان داعما ماليا قويا للمحافل المصرية عن طريق تقديم أغنياء الماسون للتبرعات التي لا تنتهي، إلى جانب الدعم الخارجي، وسيطر هؤلاء الاقتصاديون الماسون على الاقتصاد المصري؛ لتحقيق أكبر قدر من أهداف الماسونية في مصر، وقد وفق المؤلف في الخلاصات التي استخلصها خاصة بالنشاط الاقتصادي والاجتماعي للماسون في مصر خلال فترة دخول الماسونية مصر سنة 1798م، وحتى صدور قرار حل الجمعيات والمحافل الماسونية في الثامن من إبريل سنة 1964م.
وحظى علم المصريات باهتمام كبير من الماسون؛ من أجل الكشف عن آثار قدماء المصريين؛ اعتقادا منهم أنها تشكل كشفا عن آثار الماسون القدماء، وأدت الدعاية الماسونية لعلم المصريات إلى زيادة الولع بمصر في الأوساط الثقافية كافة في العالم، فلا توجد دولة في العالم إلا وبها معهد خاص بالدراسات المصرية، فضلا عن أن المحافل الماسونية في العالم تتسم بالطابع المصري الخالص. وقد أحسن المؤلف بعرضه لموقف الماسونية من التعليم في مصر، حيث عبرت الماسونية عن رفضها للتعليم الديني، وكانت في أغلب الأحوال تحاول إظهار المثالب دون النظر إلى التطور الواضح الذي اتسمت به حالة التعليم في مصر.
ولأن المؤلف فاته الاطلاع على عدد من المصادر العربية المعاصرة للحملة الفرنسية التي بدأت معها الماسونية في مصر، مثل: "عجائب الآثار" للجبرتي، و"تحفة الناظرين" لشيخ الجامع الأزهر الثاني عشر عبد الله الشرقاوي، وغير ذلك من مصادر تاريخية مهمة؛ فإنه أغفل ما ذكر في هذه المصادر، ونقله الأستاذ محمود شاكر في كتابه "رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، ص56 – 78، وص122 - 127" من وجود يقظة حضارية في مصر بدأت في منتصف القرن السابع عشر الميلادي، واستمرت بعد ذلك، وقادها أعلام في المجال التجريبي بصفة خاصة، في الهندسة والكيمياء والفلك والصنائع كافة، فما كان من الغرب الأوروبي إلا أن أسرع للقضاء على هذه اليقظة الحضارية عن طريق الحملة الفرنسية التي دمرت مصر وقضت على اقتصادها، ووأدت هذه اليقظة الحضارية، وربما كان لقناصل الدول الأجنبية الماسون دور في الإعلام بهذه اليقظة الحضارية في تلك الفترة التاريخية.
ناجي هيكل
الماسونية هي أصل كل فساد وانحراف في المجتمعات الإنسانية، وهي أساس كل مذهب هَدَّام وفكر متطرف في الدول المختلفة، ومن رحم الماسونية خرجت كل دعوة إلى نبذ الدين ومناهضته، وإلى الثورة على القيم الأصيلة والأعراف الحسنة النبيلة، وإلى انهيار الأسرة، وإلى الإباحية والإلحاد والفساد، وإلى التنكر للأوطان التي تُعد في نظرها خيالا كاذبا، وبناء فارغا يتضاءل أمام فكرة الماسونية "أنها لا وطن لها"؛ تمهيدا للسيطرة على العالم وحكمه بعيدا عن وحي الله الحق وهدى رسله.
وتتخذ الماسونية في سبيل نشرها شعارات خادعة مضلة تخفي حقيقتها اليهودية التي لا يمكن لعاقل أو لبيب فطن أن ينجرَّ إلى أفكارها الزائفة، ورؤاها الكاذبة، وأهدافها الباطلة.
ومن شعارات الماسونية البرَّاقة التي دأبت على اصطياد ضحاياها من خلالها: "الحرية – الإخاء – المساواة"، وهذه الشعارات البراقة التي تخفي حقيقة المنظمة اليهودية السرية التي خدعت الكثير من الزعماء السياسيين من المسلمين وغيرهم، واستقطبت العديد من رجالات الفكر والدين والأدب، وجذبت أناسا آخرين من المغامرين أو النفعيين الباحثين عن سلطة أو نفوذ أو مال أو عَرض من عرض الدنيا الزائل.
غير أن الوعود الكاذبة، والأهداف الخادعة، والمبادئ الماكرة، سرعان ما تكشفت حقيقتها، واستبانت أغراضها الحقيقية من ارتباطها باليهودية العالمية وخدمة مصالحها الاستعمارية؛ فأعلن المنخدعون في الماسونية انسحابهم من محافلها، وانخلاعهم عن تنظيماتها، ونبذهم لأطروحاتها وأفكارها.
وقد مرت الماسونية في تاريخها الطويل بمرحلتين: المرحلة الأولى وتمثل الماسونية القديمة، وأطلق عليها وقتئذ: "جمعية البناء الحر"، ومنشؤها في تلك الفترة غامض مجهول، لا نستطيع تحديد بداياته، وإن تميزت هذه الفترة بأن أعضاء الماسونية القديمة كانوا من طائفة البنائين أنفسهم في مصر واليونان في القرون الغابرة، وفي أوروبا الغربية منذ بدء النصرانية، ثم ذاعت في جميع الأمم الغربية خلال العصور الوسطى، وقد نقل الرهبان رسومها وتقاليدها من مصر القديمة إلى أوروبا، ووضع الرومانيون منها نماذج جديدة، وأنشأوا جمعية "عرفاء البناء"، ومن ثم يرجع بعض الباحثين أصل "جمعية البناء الحر" أي: الماسونية، إلى هذه الجمعية الرومانية.
ويتفق الباحثون على نسبة تعاليم "جمعية البناء الحر" وأسرارها إلى اليهود قبل أن يصلحها ويهذبها رجلان إنجليزيان من رجال الدين، هما: "ديزا جلييه، وأندرسون" في الربع الأول من القرن الثامن عشر الميلادي، وقد نقلت هذه التعاليم والرسوم القديمة إلى الغرب على يد جمعيات البنائين، ونقلتها إلى إنجلترا جمعية الصناع الرومانية، ويرجع الماسون الإنجليز والأوروبيون بصفة عامة فضل نشر الفكر الماسوني في القارة الأوروبية إلى الجمعية الرومانية.
وتبدأ المرحلة الثانية من مراحل تاريخ الماسونية بسنة 1600م في إسكتلندا، وضمت الماسونية في بداية هذه الفترة الطبقات الأرستقراطية، وفي سنة 1717م أسس بإنجلترا "المحفل الأعظم" الذي اصطبغت رسومه ورموزه بالصبغة اليهودية: فالنظم والتعاليم اليهودية هي التي اتخذت أساسا لإنشاء المحفل الأعظم، وتقاليد المحفل الشفوية كانت على طريقة العادات اليهودية، ولا غرو في ذلك؛ لأنه منذ منتصف القرن السابع عشر الميلادي كانت التعاليم اليهودية الروحية قد نفذت إلى جميع أنحاء أوروبا، وتسربت هذه التعاليم إلى أوروبا الغربية من شرقها حيث استقر اليهود منذ القرن السادس عشر الميلادي في بولونيا، وفي هذه المرحلة أنشئت محافل عديدة في أوروبا، ومن بينها فرنسا سنة 1725م، وكان شعار الثورة الفرنسية سنة 1791م هو شعار الماسونيين نفسه (الحرية – المساواة - الإخاء).
وعرف العالم الإسلامي الماسونية لأول مرة مع الاستعمار الفرنسي لمصر سنة 1798م الذي حمل الأفكار الماسونية؛ ليحقق بها أهدافه في الشرق الإسلامي، وأقيم في السنة السابقة نفسها محفل بالقاهرة للتجمع
والتخطيط والتكليف بالمهام، وهو المحفل الماسوني: "محفل إيزيس" الذي التحق به اليهود بمصر، فضلا عن غيرهم من المصريين، وتتابع إنشاء المحافل الماسونية في مصر بعد ذلك، وفي غيرها من بلاد عربية، وفي سنة 1952م تندلع الثورة في مصر، ومعها ينسحب البساط تدريجيا من تحت نفوذ المحافل الماسونية بها، وتبدأ جذوة الماسونية في الانحسار، حتى يتوقف النشاط الماسوني بمصر سنة 1956م، وفي شهر مارس من سنة 1964م تصدر الحكومة المصرية أمرها بإغلاق جميع المحافل الماسونية في مصر، ويوضع النادي الماسوني الإنجليزي في شارع طومسون تحت الحراسة، وبجرد محتوياته يتبين صلة النادي بإسرائيل؛ حيث إن بعض الأعلام والأدوات في النادي عليها نجمة داود، وجميع ما في النادي من لوحات وأعلام وأثاث ومطبوعات ونشرات تتم بالطابع البريطاني - الإسرائيلي.
وإذا كانت مصر – والعديد من الدول العربية التي حذت حذوها – قد حلَّت المحافل والجمعيات الماسونية بعد تأكدها من أنها أدوات هدم وتخريب، وأن الصهيونية العالمية تستغلها لمزاولة أنشطتها، ونشر أفكارها، فإن اليهود لم يعدموا أن يجدوا صورا أخرى للماسونية في تلك الأقطار الإسلامية، ممثلة في نوادي الروتاري والليونز التي لا تعدو إلا أن تكون أوكارا للماسونية، ووجوها وأشكالا أخرى لها.
وهذا الكتاب الفائق الذي بين أيدينا (الماسونية والماسون في مصر 1798 – 1964م) لصاحبه وائل إبراهيم الدسوقي يتناول نشاط الماسونية في مصر منذ ظهوره مع الحملة الفرنسية الاستعمارية عليها وحتى صدور قرار وزيرة الشئون الاجتماعية سنة 1964م بإغلاق جميع المحافل الماسونية في مصر.
وقد بدأ الأستاذ المؤلف سِفْرَه بالبحث في جذور الماسونية بمصر ذاكرا آراء الباحثين في هذا الموضوع، ومنها القول: بأن التعاليم الماسونية كانت موجودة في مصر منذ عهد الفراعنة، حيث كانت تبنى المعابد الضخمة والأهرامات، فالماسونية من حيث مبادئُها وتعاليمها مصرية، ويظهر من الآثار المصرية الباقية إلى هذا العهد أن صناعة البناء والهندسة كانت عندهم في غاية الإتقان، ويستدل من تاريخهم أن الذين كانوا يرسمون تلك الأبنية ويقومون على بنائها هم فئة من الكهنة، ولم يعلموا تلك الصناعة لعامة الشعب، وإنما كانوا يستخدمونهم في نقل الأحجار من أماكنها
وتقطيعها، ويختارون من بينهم من يعهدون إليه نحتها على مثل جماعة البنائين (الأحرار)، الأمر الذي حمل بعضهم على القول:بإنالجمعية الماسونية فرع من الكهانة المصرية أو إنها ظهرت في العصر البيزنطي أو بعد الفتح الإسلامي لمصر.
ولفت نظر المؤلف إحدى اللوحات الجدارية المعلقة على جدران كنيسة الأنبا "ريوس" ببطريركية الأقباط الأرثوذكس بالعباسية، وهي لوحة رسمها فنان مصري مسيحي، هو "إيزاك فانوس"، واللوحة تمثل الأب باخوم يمسك بيساره لفافة يمكن التخمين بأنها تحمل كلمات من الكتاب المقدس، وفي اليد اليمنى أمسك بالزاوية والفرجار، وهما لا يمثلان رموزا مسيحية، ولا تعطيهما المسيحية أية قداسة، وهما من الرموز الماسونية، وبالتالي يدلل بذلك على ماسونية الأب باخوم، وعلى وجود الماسونية في مصر في العصر البيزنطي.
ومما يدعم هذا الرأي أيضا أن الأب كيرلس بطريك الإسكندرية في الفترة (384 – 412م) مصور في كنيسة العذراء – التي تخدم الأرثوذكس المصريين في لوس أنجلوس بالولايات المتحدة الأمريكية – وهو يتكئ على عامود قصير من الطراز الروماني، وهو تقليد غير متبع في تصوير القديسين في الفن المسيحي، لكنه متبع في تصوير الأساتذة العظام في الماسونية، فالعمود رمز مهم من رموز الماسونية.
والملاحظ أن القاسم المشترك بين اللوحتين هو أنهما من رسم "إيزاك فانوس" مما يرجح أنه ماسوني أخذته الحماسة الماسونية، فصور الأب باخوم والأب كيرلس بالرموز الماسونية، ويبقى احتمال وجود الماسونية في العصر البيزنطي قائما حتى يظهر الدليل الوثائقي الذي يثبت أو ينفي ذلك.
وفي مصر الإسلامية ظهرت صورة قريبة الشبه بالرمز الماسوني: الزاوية والفرجار في زخارف جامع ابن طولون، حيث تشكل التقاء خطوط الزخارف صورة قريبة من الرمز الماسوني
وكان المعماري الذي عهد إليه ببناء الجامع مصريا نصرانيا، ويعتقد أنه من جماعة البنائين الأحرار (الماسونيين).
وبعد عرض كل الآراء المتصلة بمنشأ الماسونية في مصر، ذهب المؤلف إلى أنه لا يوجد دليل قوي على أن الماسونية قد دخلت مصر قبل الحملة الفرنسية عليها، إلا أنه يجوز حدوث اجتماعات بها بين قناصل بعض الدول المؤمنين بالماسونية والتجار الكبار من المصريين الذين كانت لهم تعاملات مباشرة وصلات بهؤلاء القناصل الأجانب وبعضهم كان على الماسونية، وربما كانت هذه الصلات بداية للتعرف على الماسونية من بعض المصريين.
ويبقى أن الظهور القوي للماسونية في مصر كان مع محفل "إيزيس" عام 1798م الذي أنشئ بها بعد حملة نابليون بونابرت، والذي ضم عناصر من اليهود وأخرى من المصريين.
وكما أنشأ الماسون الفرنسيون محفلا ماسونيا بمصر، أسهم الماسون الإيطاليون بنصيب وافر في تأسيس المحافل الماسونية، وكذلك الماسون الإنجليز في القرن التاسع عشر والقرن العشرين، وفي القرن الأخير نفسه وجدت بمصر محافل للألمان الماسون، وأخرى تابعة للدولة العثمانية، انخرط فيها كثير من المصريين.
وفي سنة 1876م أنشئ محفل مصري ماسوني، وأصبحت المحافل المصرية جميعا تابعة له وعرف هذا المحفل بـ "الشرق الأعظم الوطني المصري"، وترأس الخديو توفيق باشا هذا المحفل في سنة 1887م، وألقى الشاعر (حفني ناصف) قصيدة طويلة بين يدي الخديو توفيق، أشار فيها ٍإلى المبادئ الثلاثة التي تتخذها الماسونية شعارا لها، وهي الحرية والإخاء والمساواة، وظل الخديو توفيق رئيسا للمحافل المصرية لمدة ثلاثة أعوام، اعتذر بعدها عن الرئاسة العملية للمحفل الكبير ليتولاها غيره من أبناء الشعب تشجيعا لهم، فانتخب (إدريس بك راغب) رئيسا للمحفل، بينما أصبح الخديو توفيق رئيسا شرفيا إلى الأبد.
ويبدو أن العصر الذهبي للماسونية في مصر وصل إلى ذروته في الربع الأخير من القرن التاسع عشر الميلادي، بدليل قيام علاقات بين الماسونية في مصر والولايات المتحدة الأمريكية
وكشف الكتاب عن علاقة اليهود بمصر بالمحافل المصرية الماسونية، حيث انضم اليهود لهذه المحافل دون المحافل الأجنبية؛ لأن علاقة اليهود مع الأجانب في مصر من القوة بحيث لا تحتاج إلى انضمامهم معهم في محافلهم، لكن انضمامهم للمحافل المصرية آنذاك كان ممهدا لمعرفة وجهات النظر المصرية والعربية من خلال المناقشات مع المصريينوالشوامالمنضمين للماسونية في قضيتهم التي كانوا يدعون لها في الأوساط كافة، وهي ضرورة الاعتراف باليهود بوصفهم كيانا مستقلا يجب تجميعه في دولة واحدة؛ باعتبار أن الماسونية أكبر تجمع للمفكرين ورجال السياسة من مختلف الاتجاهات والجنسيات.
وقد رسخت أقدام اليهود الماسون في عهد الملك "فؤاد"، ففتحت الأبواب أمامهم في المجالات كافةً حتى عرفت مصر "يوسف قطاري باشا" وزير المالية، وكان يهوديا ماسونيا، واعتبر تعيينه في هذا المنصب تقديرا أدبيا وتكريما للطائفة اليهودية في مصر، كما احتل عدد من اليهود المقاعد البرلمانية في مجلس الشيوخ والنواب، وتأسست لهم محافل ماسونية في القاهرة والإسكندرية وعواصم الأقاليم المختلفة، وبذلك ظهر اليهود بصورة أكثر وضوحا في الفترة التي تلت سنة 1917م وحتى بعد عام 1945م، وانتهاء الحرب العالمية الثانية، وكان من الطبيعي انجذاب هؤلاء اليهود للمحافل الماسونية، وأصبح معنى الماسونية لدى اليهود هو محاولة إيجاد قومية دينية يهودية تمهد لإنشاء دولتهم وإعادة بناء هيكلهم؛ ليكونوا عماد الحضارة الغربية بوصفهم قوة خفية من خلال المحافل الماسونية.
وبسبب النشاط الماسوني في مصر، وما صاحبه من إنشاءٍ لعدد كبير من الصحف والمجلات؛ فإن الماسونية بدأت تتدخل في سياسة مصر، حتى إنها وجهت بيانا إلى عرب فلسطين تناشدهم من خلاله بالسماح لليهود بالعودة إلى فلسطين، وكان هذا البيان تأييدا لوعد بلفور.
وقد أكد المؤلف في كتابه على مدى السرور والفرح الذي ساد الأوساط اليهودية في مختلف أنحاء مصر عقيب صدور تصريح "بلفور" عام 1917م بإنشاء وطن قومي لليهود بفلسطين، وأقامت التنظيمات اليهودية حفلا بالإسكندرية حضره محافظ الإسكندرية "أحمد زيور باشا" وكبار رجال الطائفة اليهودية، وعقد كبار اليهود بالإسكندرية وعلى رأسهم البارون "فليكس دي منشة" وكان من كبار رجال الماسونية في الإسكندرية اجتماعا في 12 أغسطس عام 1918م أعلن فيه البارون وجوب تكوين لجنة تهدف إلى جمع شمل الجمعيات اليهودية والصهيونية والماسونية، والاهتمام بتدعيم محاولات تأسيس الجامعة العبرية بالقدس، وجمع التبرعات لتوطين اليهود في فلسطين.
ووجه المحفل الماسوني الوطني المصري الأكبر إلى أهل فلسطين في ثورتهم عام 1936م النداء الآتي: "يا أهل فلسطين تذكروا أن اليهود هم إخوتكم وأبناء عمومتكم، قد ركبوا الغربة، فأفلحوا ونجحوا ثم هم اليوم يطمحون للرجوع إليكم لفائدة الوطن المشترك العام وعظمته، بما أحرزوه من مال، وما اكتشفوا من خبرة وعرفان .. إن العربي والعبري غصنان من شجرة إبراهيم، أبواهما إسحاق وإسماعيل، متى وضع أحدهما يده في يد الآخر انتفعا جميعا بما لديهما من الوسائل المختلفة، وكان في تعاونهما الخير، وكمال البركة بإذن الله"، وهكذا فإن الماسون لعب دورا في قيام دولة إسرائيل، وأيد جميع أعضاء المحافل الماسونية في البلاد العربية قيام دولة إسرائيل.
أما عن الأعمال الخيرية للماسونية في مصر، فإنها – كما يذكر المؤلف – أحيطت بهالة من المبالغة، خاصة إذا ما وضع في الاعتبار تلك الموانع التي وضعوها في دستورهم إزاء من يريد الانضمام إلى الماسونية، كذلك الشرط الذي يقضي بأن يكون راغب الدخول في الماسونية صاحب حرفة غير دنيئة، وذا دخل مادي جيد، فكأن الماسونية أوصدت أبوابها أمام الفقراء وفتحتها على مصراعيها أمام الأغنياء. كما أن اللائحة المخصصة للأعمال الخيرية للمحفل الأكبر الوطني المصري قصرت الإعانة الوقتية على الماسون وعائلتهم من منظور أن غير الماسون أجانب لا تمد لهم يد المساعدة والعون، ومن ثم لم يقدم الماسونيون شيئا ذا بال إلى الفقراء، وإن قدموا شيئا فغرضهم الخبيث واضح من هذا الفعل.
وقد حاز اليهود الماسون المكاسب الاقتصادية في مصر، وبخاصة منذ عهد الخديوي إسماعيل، ولم يقم الماسونيون بدور اقتصادي فعال في الاقتصاد المصري، إلا أن نجاح رجال الاقتصاد الماسون من اليهود والمصريين وغيرهم كان داعما ماليا قويا للمحافل المصرية عن طريق تقديم أغنياء الماسون للتبرعات التي لا تنتهي، إلى جانب الدعم الخارجي، وسيطر هؤلاء الاقتصاديون الماسون على الاقتصاد المصري؛ لتحقيق أكبر قدر من أهداف الماسونية في مصر، وقد وفق المؤلف في الخلاصات التي استخلصها خاصة بالنشاط الاقتصادي والاجتماعي للماسون في مصر خلال فترة دخول الماسونية مصر سنة 1798م، وحتى صدور قرار حل الجمعيات والمحافل الماسونية في الثامن من إبريل سنة 1964م.
وحظى علم المصريات باهتمام كبير من الماسون؛ من أجل الكشف عن آثار قدماء المصريين؛ اعتقادا منهم أنها تشكل كشفا عن آثار الماسون القدماء، وأدت الدعاية الماسونية لعلم المصريات إلى زيادة الولع بمصر في الأوساط الثقافية كافة في العالم، فلا توجد دولة في العالم إلا وبها معهد خاص بالدراسات المصرية، فضلا عن أن المحافل الماسونية في العالم تتسم بالطابع المصري الخالص. وقد أحسن المؤلف بعرضه لموقف الماسونية من التعليم في مصر، حيث عبرت الماسونية عن رفضها للتعليم الديني، وكانت في أغلب الأحوال تحاول إظهار المثالب دون النظر إلى التطور الواضح الذي اتسمت به حالة التعليم في مصر.
ولأن المؤلف فاته الاطلاع على عدد من المصادر العربية المعاصرة للحملة الفرنسية التي بدأت معها الماسونية في مصر، مثل: "عجائب الآثار" للجبرتي، و"تحفة الناظرين" لشيخ الجامع الأزهر الثاني عشر عبد الله الشرقاوي، وغير ذلك من مصادر تاريخية مهمة؛ فإنه أغفل ما ذكر في هذه المصادر، ونقله الأستاذ محمود شاكر في كتابه "رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، ص56 – 78، وص122 - 127" من وجود يقظة حضارية في مصر بدأت في منتصف القرن السابع عشر الميلادي، واستمرت بعد ذلك، وقادها أعلام في المجال التجريبي بصفة خاصة، في الهندسة والكيمياء والفلك والصنائع كافة، فما كان من الغرب الأوروبي إلا أن أسرع للقضاء على هذه اليقظة الحضارية عن طريق الحملة الفرنسية التي دمرت مصر وقضت على اقتصادها، ووأدت هذه اليقظة الحضارية، وربما كان لقناصل الدول الأجنبية الماسون دور في الإعلام بهذه اليقظة الحضارية في تلك الفترة التاريخية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق