د. أحمد عكاشة: «السيسى» سيستقيل من الرئاسة لو فشل
لديه قدرة على المرونة والحوار ويميل فى سلوكه إلى «الانبساطية».. مع اتزان عاطفى وعدم اندفاع
كتب : محمد المعتصمالإثنين 18-11-2013 16:00
المصريون والأجهزة المختلفة لديهم القدرة على خلق فرعون.. لكننى أعتقد أن رجلاً بثقافة «السيسى» على علم تام بمن يحاولون تغييره من شخص محبوب إلى فرعون.. «السيسى» صاحب بصيرة ورؤية مستقبلية ولن يسمح لمن حوله أو للحملات الشعبية أن تحوله إلى فرعون
يملك الدكتور أحمد عكاشة تاريخاً طويلاً من التشخيص النفسى للشخصيات العامة، بحكم خبرته وطبيعة عمله كرئيس للجمعية المصرية للطب النفسى وأول رئيس منتخب من خارج أوروبا وأمريكا لأطباء نفس العالم، وهو ما يجعله قادراً على قراءة مفاتيح الشخصية وتطور مستقبلها. من هنا تكمن أهميته فى تحليل «دماغ» الفريق أول عبدالفتاح السيسى وشخصيته وما الذى يمكن أن يطرأ عليه إذا أصبح رئيساً لمصر وأدواته التى يمتلكها وسماته الشخصية التى قد تقربه أو تبعده عن المنصب، ومدى تقبله -كرجل عسكرى- لفكرة خروج الناس للثورة عليه، هل يستجيب لهم وينسحب من المشهد أم يستعين بجيشه للبقاء فى الحكم؟!
الدكتور أحمد عكاشة، الذى تجاوزت مؤلفاته الـ60 كتاباً بالعربية والإنجليزية، فضلاً عن مئات الأبحاث المنشورة فى كبريات المجلات العلمية، هو ملاحظ جيد للسلوك المصرى، ويشغل الآن منصب رئيس مركز البحوث وتدريب الطب النفسى بمنظمة الصحة العالمية، وحصل على عدة جوائز بدأت بجائزة الإبداع الطبى عام 2000 وانتهت بوسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى 2012، مروراً بجائزة النيل وجائزة الدولة التقديرية.
■ بداية، ما تحليلك لشخصية الفريق أول عبدالفتاح السيسى؟
عادة ما تتميز الشخصية العسكرية بالمحافظة، وأعنى أنه لا يكون راديكالياً متطرفاً ولا ليبرالياً منطلقاً، هو بين الاثنين فى المحافظة، و«السيسى» لديه قدرة على المرونة والحوار وقبول الرأى الآخر، والواضح فى سلوكه أنه يميل إلى «الانبساطية» أكثر من «الانطوائية»، مع الاتزان العاطفى وعدم الاندفاع، وهنا نؤكد أن أخطر ما يتصف به قائد فى أى مؤسسة سياسية أو اقتصادية أو عسكرية هو «الاندفاعية» وعدم التروى، اللذان يترتب عليهما هدم المجتمعات (هتلر نموذجاً)، بالإضافة إلى أن الاتزان الوجدانى فى سلوكه والهدوء يعطيان إحساساً للمتلقى بالثقة، ولنضرب مثلاً لإلقاء الخطابات من خطباء «رابعة» والتعبيرات التى كانت على وجوههم من تشنج وغضب وغل وشماتة، وحتى وجوه مريديهم، مظاهرات طلاب «الإخوان» والتشنج الواضح عليهم، وانظر فى المقابل إلى المؤيدين لثورة 30 يونيو والقبول والرضا الموجود على وجوههم. الفارق كبير، يشبه بالضبط أن تقارن بين الدعاة لجمعيات التطرف والتكفير وأصواتهم وأسلوبهم الفظ ودونية الألفاظ نحو الآخر، وقارن بينها وبين خطابات «السيسى» أو إجاباته عن أسئلة الإعلام، لتتأكد أن عند «السيسى» ما نطلق عليه علمياً «الهدوء والاطمئنان النفسى». قد يكون داخل صاحبه غليان شديد وصراعات مختلفة، لكن قدرته على التعبير بهدوء نفسى تمنح القبول والرضا والثقة للآخرين.
قارن بين خطابات «رابعة» وخطابات «السيسى» لتتأكد أن لديه ما يسمى عملياً بـ«الهدوء والاطمئنان»
■ هل «السيسى» كقائد عسكرى يمتلك مؤهلات قيادة الدولة؟
- فن القيادة يعتمد على عدة أسس، أولها: امتلاك رؤية مستقبلية شاملة، لا تمكن تجزئتها ليحل بعضها ويُترك الآخر، فإن لم يكن لدى القائد رؤية شاملة للأمن والعدالة الاجتماعية والاستقرار السياسى والاقتصادى، وقبل ذلك التعليم والصحة، فلا ينبغى له أن يتصدر المشهد، وهنا أؤكد أننى لا أجد كثيرين يفكرون بالرؤية المستقبلية الشاملة فى الوقت الراهن، قليلون من يمتلكون ذلك ومن بينهم «السيسى»، كذلك مهم جداً لمن يشغل منصباً قيادياً أو رئاسياً أن يمتلك الفراسة فى اختيار المساعدين وتوزيع الأدوار بينهم؛ فالقائد الذى يعمل وحيداً يفشل، والقائد الذى يسىء اختيار مساعديه يفشل أيضاً، وهنا تبرز أهمية المؤسسة العسكرية التى ينتمى إليها «السيسى»، والتى لا يترقى فيها أى شخص إلا بعناية شديدة وتعطى قياداتها خلفية للاختيار بناء على دراسة وافية. وهناك أيضاً «الفكر الاستباقى» الذى يميز قائداً عن قائد ورئيساً عن آخر، فنحن فى مصر لدينا مشكلة أننا محاصرون فى قرارات القيادة فى جانب «رد الفعل» وليس «الفعل»، لكن التفكير الاستباقى يعطى الناس مصداقية فى أنك تستطيع حل المشاكل وأن تجد حلولاً مبتكرة بدلاً من نظرية «أعمل لكم إيه؟ انتو بتزيدوا كل سنة مليون ونص.. أأكلكم منين؟».. هذه الصفة -التفكير الاستباقى- موجودة لدى «السيسى»، الذى يميزه أيضاً فى أحاديثه قدرته على التواصل الشديد وتوزيع الأدوار، كذلك من صفات القيادة القدرة على العمل بروح الفريق ضمن ما يمكن أن نطلق عليه «الثقافة العلمية»، التى رغم أهميتها الشديدة لا ينتبه إليها معظم المصريين، وتضم ثلاث نقاط، أولاها: المصداقية وتحمل المسئولية وإتقان العمل بانضباط شديد، وثانياً: التعاون والعمل بروح الفريق والتسامح (عدم الشماتة فى أى تصرف)، وثالثاً: تجاوز الذات. هذه هى إشكالية «الثقافة العلمية» التى من خلالها تنهض الشعوب، وهى عملية أخلاقية فى الأساس؛ فالأخلاق لا تُتوارث، لكنها تُكتسب من المجتمع والبيئة المحيطة.
الفريق السيسي خلال مبايعته اهالى مطروح له بالدم لمواجهة الارهاب
■ هناك اتهام لأداء «السيسى» بأنه مسرحى!
- قديماً قال سقراط: «العلم تواكبه الفضيلة». وأنا أقول: «السياسة تواكبها المراوغة»، فأى سياسى يجب أن يظهر أمام الشعوب أو الجماهير بصورة تختلف بعض الشىء عن حقيقته، لكن ليس فى «التفكير» أو «الثقافة العلمية». ودعنى أسأل بدورى: هل لعب «السيسى» دوراً سياسياً حتى الآن؟ أحيل إجابة السؤال إليك؛ لأنه يقودنا إلى فكرة «ثورة أم انقلاب؟».
الشعب هو من ضغط، وهو استجاب واتخذ القرار بالانحياز للجماهير التى خرجت إلى الشوارع والميادين ثائرة لتضعه فى صدارة المشهد، والذى يقول إن أداء «السيسى» مسرحى لا يختلف كثيراً عمن يقول إن «30 يونيو» انقلاب، فما حدث ثورة شعبية وضعت «السيسى» فى الصدارة وفرضت عليه أن يقوم بهذا الدور، واستجابته لها أدخلته القلوب.
■ الملاحظ على الرجل ثباته الانفعالى.. هل تتوقع أن يستمر؟
- أعتقد أن التدرج الوظيفى له يمكّنه من ذلك؛ فهو غير مندفع، يستطيع التحكم فى مشاعره، ولعله استفاد من فترة عمله فى المخابرات، ونحن فى الطب النفسى نطلق عليهم «أصحاب وجه لاعب البوكر» الذين لا تعرف من وجوههم أى شىء ولا فيم يفكرون أو يشعرون، وبالمناسبة نفس هذا الوصف يمكن أن نطلقه على الرئيس المؤقت المستشار عدلى منصور، لكن هذا موضوع آخر.
قد يكون فى داخله غليان شديد لكن قدرته على التعبير تعطى القبول والثقة لدى الآخرين
■ ما الذى تقرأه كطبيب نفسى فى خطاباته؟
- إنه يستطيع أن يرتفع بحديثه ليخاطب النخبة وفى نفس الوقت ينزل بالخطاب ليحدث العامة، هذه القدرة على التواصل مع فئات الشعب المختلفة إحدى الصفات المطلوبة فيمن يتولى قيادة وطن، لكن هناك ملاحظة مهمة؛ ففى أحد الخطابات قال: «الشعب يحتاج لحنان»، وهنا نعود إلى أصل الجملة التى تُستخدم غالباً فى التربية النفسية؛ فالحنان يرتبط به حسم حتى لا تختلط الأمور، ونحن رأينا حناناً ولم نر الحسم.
■ بغض النظر عن تفاصيل دعوة «السيسى» للتفويض الشعبى لمواجهة الإرهاب.. ألا تعتقد أنه كان يحتاج إلى وقوف الناس بجانبه؟
- مبدئياً دعنى أقُل: إن أى شخص انتصر فى معركة من أجل وطنه طالبه الشعب بالقيادة. التاريخ يقول ذلك.. شارل ديجول فى فرنسا، وأيزنهاور فى أمريكا على سبيل المثال، وما فعله «السيسى» بالانحياز للناس لإنقاذ مصر من محنة الحكم الفاشى دون أن يكون معه الغرب أو الشرق، يجعله كشخص -بغض النظر عن أى تفاصيل تبدو غير معروفة أو النقاش فيها غير مطروح الآن- فى حاجة إلى مساندة الناس، وهو ما حدث بالفعل كتعبئة عامة شعبية، أكدت للرجل أنه ليس وحده فى مواجهة كل القوى الخارجية والداخلية.
■ هل يمكن أن يفعلها «السيسى» ويستقيل كما استقال «ديجول»؟
- دعنى أقُل: إن خطب «السيسى» تكررت فيها كلمة الشرف والشرف العسكرى، وعادة ما تكون التربية فى المؤسسات العسكرية تبجل الكرامة والشرف والمصداقية؛ لذا عندما حدثت إضرابات الطلبة فى فرنسا أمر «ديجول» باستفتاء شعبى وقال: «إذا لم أحصل على 60% لن أستمر لأن كرامتى لا تتحمل»، وأتت النتيجة بـ56%، وبما أنه رجل تربى على الشرف العسكرى استقال وترك القيادة لمن بعده، هذه هى صفات القيادات فى المؤسسات العسكرية، وعندنا فى مصر بعد هزيمة 67 تنحى «عبدالناصر».
■ هل كان صادقاً؟
- نعم كان صادقاً جداً فيها، أشهد على ذلك بحكم ما رأيته وما درسته؛ حيث خرج الشعب ليصر على بقاء الشخص الذى أتى لهم بالهزيمة «الزعيم الملهم الكاريزمى». ونفس القصة مع «مبارك»، فرغم كل الفساد الذى ظهر فى عصره، وعندما وجد الشعب يرفض بقاءه تنحى ولم يهرب من البلد.
■ ما دلالة تكرار القسم بالله فى خطاباته؟
- يريد أن يعطى لخطابه أو كلمته المصداقية الحقة وهى القسم بالله، الذى لا يضاهيه أى شىء آخر، وبالمناسبة يمكنك أن تقارن بين قسمه بالله وتنفيذه لقسمه، وبين قسم المعزول بالله 3 مرات على احترام القانون والدستور وأن يكون رئيساً لكل المصريين، ثم يطيح بالقانون والدستور، وكان رئيساً لجماعته، لتتأكد من الفارق الشديد بين القسم الحقيقى والقسم الزائف.
■ ألم تتخيل -بصفتك طبيباً نفسياً- أى لقاء بين «مرسى» و«السيسى»؟
- فرق كبير بين تفكير وحوار شخص يعمل بفكر جماعة متطرفة تسعى لتمكين مشروعها وتنفيذ أهداف تنظيم متشعب فى العالم أياً كانت نتيجته ويدير حواراً من هذا المنطلق، وتفكير رجل يعمل لحساب الوطن والمصريين، ولديه خلفية لأهداف وما يمكن أن يرمى إليه فى أى جملة ودلالتها. طبعاً الاختلاف بين الاثنين واضح، و«السيسى» تحمّل «مرسى» ونصحه كثيراً -كما قال فى حواراته وتسجيلاته وخطاباته- بأن يتخلى عن الجماعة لحساب الوطن، لكنه لم يستجِب.
■ كيف تثق فى ألا يتحول «السيسى» إلى فرعون بعد الرئاسة؟
- المصريون والأجهزة المختلفة لديهم القدرة على خلق فرعون، لكننى أعتقد أن رجلاً بثقافة «السيسى» وتدريبه الخاص على علم تام بمن يحاولون تغييره من شخص محبوب إلى فرعون، وهو شخص صاحب بصيرة ورؤية مستقبلية ولن يسمح لمن حوله أو للحملات الشعبية وخلافها أن تحوله إلى فرعون.
■ تحويل أى حاكم إلى فرعون عملية سهلة وقد لا يتمكن الحاكم من إيقافها ويتحول دون أن يدرى!
- هذا ما يجعلنى أخشى على الرجل الذى رفع -فى مدة قصيرة- معنويات القوات المسلحة، التى هى كما نعرف جميعاً المؤسسة الوطنية الوحيدة المنظمة حالياً، أن يتركها إلى رئاسة الجمهورية، والتى سيكون العمل فيها كله سياسة بما فيه من نتائج وتبعات لا تبدأ بالنقد ولا تنتهى بالإهانات، مروراً طبعاً بالإضرابات والاعتصامات التى قد لا تتحملها أخلاقياته.
■ بمعنى؟
- يستطيع -من موقعه الحالى- أن يعمل لمصر وللقوات المسلحة بشكل أكبر وأقوى من وجوده كرئيس جمهورية، وهذا رأى خاص بعيداً عن التحليلات الشخصية والنفسية، ولكل شىء اعتباراته، لكننى أطرح وجهة نظرى خشية أن يفقد إمكاناته فى تفاصيل كثيرة.
■ أنا لا أفهمك، أنت تتحدث عن مواصفات قائد وتؤكد أنها موجودة فى «السيسى»، ثم تقول إن وجوده فى موقعه أفضل من الرئاسة.. كيف؟
- يبدو أن قدرتى على وصف المزاج الشعبى ومزاج الفريق السيسى سينتابها بعض الحيرة؛ فهو يصلح تماماً لقيادة الوطن؛ لأن لديه من الصفات فى شخصيته وتفكيره ومزاجه وتوقعاته المستقبلية ما يؤهله لذلك، وما رأيناه منه فى كيفية إدارته لأزمة وقف فيها فى وجه قوى دولية وتنظيمات عنقودية منتشرة فى شتى أنحاء العالم، وجماعات ضغط تمارس توحشها ضد الوطن بحجج واهية، دون أن تطبق تلك الحجج على بلدانها، يجعلنا أمام نموذج حقيقى للقائد الذى يستطيع أن يمر بالبلاد إلى المنطقة الآمنة، ومنها إلى المستقبل. لكننى فى نفس الوقت أخشى على صاحب كل هذه الصفات من الدخول الآن إلى عالم السياسة لتذوب تلك الصفات فيها.
■ «السيسى رئيساً».. ما الذى تتوقع أن يتغير فى صفاته ونفسيته؟
- لا شك أن منصب رئيس الجمهورية يُحدث تغييراً فى أى إنسان حتى إن كان نبياً، بسبب الهالة التى تحيط بالمنصب، أما فى حالة مصر فعندما يعرف الرئيس القادم أنه -لاحقاً- سينضم للسابقين القابعين خلف القضبان بسبب غضب شعوبهم من تصرفاتهم وأدائهم، سيختلف السلوك والأداء. وبما أن الشعب الآن من القوة بحيث يستطيع إزاحة أى ديكتاتور.. فلا أعتقد أن أى رئيس قادم -سواء «السيسى» أو غيره- يمكن أن يفكر فى حكم مستبد.
■ من تراه بديلاً لـ«السيسى» فى رئاسة مصر؟
- فى العلوم السياسية وعلوم الثورات، هناك ما يطلق عليه «زعيم اللحظة»، وهو زعيم يظهر دون مقدمات مثلما حدث مع «السيسى»، قبلها لم يكن هناك زعيم، وعموماً سنرى فى الأيام المقبلة إن كان سيخرج «زعيم لحظة» غيره أم لا! وبصفة عامة هناك كثيرون فى مصر يصلحون.. وإن كنت أريد ألا يزيد عمره على 60 عاماً.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق