المستشار هشام جنينة رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات وأحد رموز تيار استقلال القضاء. يخوض الآن معركة كبيرة مع نادى القضاة والمستشار أحمد الزند، لمطالبته بخضوع النادى للرقابة المالية، ومعركة أخرى مع وزير العدل الحالي، بسبب ما أثاره عن تلقى المستشار عادل عبدالحميد مكافآت مالية بالمخالفة من الجهاز القومى للاتصالات، الذى على آثرها تقدم وزير العدل ببلاغ ضد جنينة الى النائب العام. فى هذا الحوار، نفند حقيقة هذه الأزمات ويقول المستشار جنينة: ليس لدى خطوط حمراء، ولا أخشى فى الحق لومة لائم، وأن ما يحدث من المستشار الزند هو محاولة لخلط الأوراق، وشدد على أنه غير مستعد لبيع ضميره. ويؤكد أنه سيتم الكشف قريبا عن قضية فساد كبرى وإهدار للمال العام بمئات الملايين من مندوبى المالية والضرائب بوزارة الداخلية، وأنه سيتم أيضا الكشف خلال أيام، عن الأعداد الحقيقية للمستشارين بأجهزة الدولة وحجم المليارات التى يتقاضونها، وبكل ثقة يشير إلى أنه لا أحد يملك عزل رئيس الجهاز قبل انقضاء مدة ولايته. وصفحة الحوار فى الأهرام، تفتح باب المناقشة والرأي، والرأى الآخر للوصول إلى الحقيقة. وإليكم الحوار:
- هل هناك جديد بشأن تقارير الجهاز التى كشفت عن فساد وإهدار للمال العام فى الجهاز القومى للاتصالات، والتى طالت وزير العدل الحالي؟
فى تلك القضية يكفينى بدء التحقيق فيها من قبل النيابة العامة التى استدعت أعضاء الجهاز لسؤالهم بحيث نضع الأمر كله أمام الجهات القضائية، وذلك احترام من الجهاز لعدم التأثير على مجريات التحقيق.
واتمنى أن يفعل ذلك أيضا وزير العدل، ولا تصدر عنه بيانات بعدم الادانة، ويترك للجهات القضائية الفصل فى الأمر.
- الكشف والإفصاح عن قضايا الفساد يبدو أنه أدخلك عش الدبابير، أفلا تخشى من لدغاتها؟
بالعكس لقد دخلت عش الدبابير اختياريا وغير مجبر، أما البعض الذين يقولون انى موجه، فهذا أمر خاطئ، لأننى أقوم بذلك من صميم واجبى وعملي، ومن احساسى بالمسئولية التى يتطلبها موقعى بأن أكون أمينا على المال العام، واذا لم أفعل ما قمت به فلن أحترم نفسى يوما بعد الآن، فقد وعدت الناس من قبل بأنى اذا لم أتمكن من أداء واجبى على أكمل وجه وبما يرضى الله فى هذا الموقع، فالأفضل لى أن أغادره.
وأعلم يقينا أن أبواب جهنم ستفتح علي، لان حجم الفساد فى مصر كبير جدا، وهذا أمر أكدت عليه أكثر من مرة، ولن يقضى عليه من خلال الجهاز المركزى للمحاسبات، ولكن ممكن أن يحدث ذلك من خلال منظومة متكاملة، فما حدث بالقضية الأخيرة خير دليل على ذلك، فالجهاز المركزي، وهو أكبر وأعلى جهاز رقابى بمصر، قد قدم تقارير عن تلك القضية منذ أعوام، فهل يعقل أن يظل ذلك التقرير حبيس الأدراج دون أن تتخذ حياله أى اجراءات قضائية أو مساءلة القائمين على الأمر، لمعرفة ما اذا كانت عليهم مساءلة قانونية أو جنائية أم لا؟ وذلك كله يؤكد أن المنظومة يجب ألا تكون من طرف واحد.
- ما تكوين هذه المنظومة؟
تكوينها عبارة عن تجميع وتحرى المعلومات، والتى تبدأ بها النواة، بالإضافة الى دور الرقابة الادارية ومباحث الأموال العامة، الى جانب الجهات الخاصة بالتدقيق فى المستندات والبيانات مثل الجهاز المركزى للمحاسبات، فهو ليس جهاز معلومات، ولا يستشار أو يأخذ رأيه فى اختيار مسئولين أو وزراء وهناك أجهزة رقابية أخرى تقوم بذلك الدور.
- هل تشعرون فى الجهاز المركزى الآن أنكم تواجهون حربا تشن ضدكم؟
بالطبع والدليل على ذلك سيل الدعاوى المرفوعة ضدي.
- كم عدد الدعاوى التى رفعت ضدك حتى الآن؟
إلى هذه اللحظة ثلاث دعاوي، منها ما يطالب بعزلى من الجهاز، وأخرى تتهمنى بأخونة الجهاز، والثالثة اهانة القضاء، وأتوقع دعاوى أخري.
- فى قضية عزل رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، ومن الوجهة القانونية، من يملك حق عزله؟
لا يملك أحد قانونا عزل رئيس الجهاز قبل انقضاء مدة ولايته، وهى أربع سنوات من تاريخ قرار صدور تعيينه رئيسا للجهاز من رئيس الجمهورية، ولكن ذلك لا يمنع من مساءلة رئيس الجهاز إذا ما أخطأ أو ارتكب جرما، شأنه شأن أى مسئول بالدولة، فإذا كان رئيس الدولة نفسه يحاكم ورئيس وزراء ووزراء يحاكمون، فكلنا يجب أن نسلم بإعمال حكم القانون على أى مسئول بدءا من رئيس الجمهورية، وانتهاء بأصغر موظف بالدولة، ولذا فلا أرى نفسى فوق المساءلة القانونية، ومن لديه شيء ضدى يقدمه، وأهلا وسهلا بها، لكن ما أرفضه هو التشهير والإساءة والاتهامات الباطلة دون سند فقد حرصنا بالجهاز عند كتابة التقارير ألا يذكر أسماء أيا من الشخصيات، لأن ما يعنينا هو ذكر الوقائع التى تدل على خطورة الأمر، فإذا ما كنا جادين فى كشف الفساد ومواجهة المنظومة الخاطئة، فالأمر يتطلب المصارحة والمكاشفة، أما اذا كان المطلوب من وجودى فى ذلك الموقع هو أن يتم التعتيم على كل شيء ويظل حبيس الأدراج، فهذا أمر آخر.
- هل المشكلات التى تواجهك حاليا ستثنيك عن الكشف عن الفساد فى المستقبل؟
أبدا وبالعكس ما أواجهه حاليا يزيدنى إصرارا على كشف الفساد أيا من كان مرتكبه أو موقعه وذلك عهد قطعته على نفسى منذ اللحظة الأولى التى دخلت فيها هذا الجهاز، فقد يكون الحرص والتمسك بالكرسى دافعا للبعض للإحجام عن عدم خوض مواجهات مثل التى أتصدى لها، أما أنا فلست متمسكا بالمكان أو بالكرسي، وغير مستعد لأبيع ضميري، أو أن أقصر فى أداء واجبى مادامت وضعت فى الثقة بهذا المكان تحت أى ظرف من الظروف، أما أن البعض يسيء ويقول بانى توليت رئاسة الجهاز فى عهد الرئيس السابق محمد مرسي، وانى أعمل لحساب هذا الفصيل، فأطالبهم بتقديم دليل على ذلك ان كان لديهم، أما الإساءة بقصد الترويع والترهيب لعدم القيام بواجبي، فهذا الأمر أرفضه، فالتقصير والإساءة أمر سهل، وكثير من وسائل الإعلام انزلقت فى ذلك، مخالفة لمواثيق العمل الاعلامى والصحفي، وأصبحت تجرى وراء المعلومة بغض النظر عن مدى صحتها، وللأسف وقع فى ذلك إعلاميون كبار.
- قيل إن ملف وتقارير الجهاز بشأن الجهاز القومى للاتصالات شمل إدانة بالفساد لشخصيات أخري، منها سياسية وإعلامية، فما مدى صحة ذلك، ومن هى تلك الشخصيات؟
بالتأكيد هناك شخصيات أخري، والقضية غير مقصورة على وزير العدل وحده، أما اختزال الموضوع فى شخص الوزير وحده، فهو أمر مقصود من البعض.
- لماذا لم يتم الكشف عن أسماء باقى الشخصيات؟
لانى لست طرفا فى خصومة مع أحد، فلم أكشف عن اسم وزير العدل أو غيره.
- هل من بين تلك الشخصيات الواردة بالتقرير مسئولون بالدولة الآن؟
نعم من بين الشخصيات التى شملها التقرير شخصيات مسئولة حاليا بالدولة، ولكن ما نريد التأكيد عليه هو أنه لا يهمنا أو يعنينا الاسماء أو الأشخاص، ولكن ما نجرى عليه فى عملنا بالجهاز هو الموضوع الذى يحويه التقرير دون ارتباطه بالأسماء الواردة به، ولا نتأثر بمدى موقعها فى الدولة أيا كانت ولا تؤثر على حكمنا على القضايا التى نتناولها، وذلك نهجى فى العمل سواء فى القضاء أو بالجهاز المركزي، فلو نحن حريصون على مجاملة، أو أن أكون انسانا مرضى عنه لدى كبار المسئولين فهذا أمر سهل جدا، بأن نلقى بالملفات أو نحبسها فى الأدراج، فكان من السهل جدا ألا أتحدث فى القضية الأخيرة، وخصوصا أن الملف ملقى بالنيابة العامة منذ أكثر من ثلاث سنوات، فالهدف من إثارة تلك القضايا ليس الانتقاص من هؤلاء الأشخاص أيا كانت مواقعهم، ولكننا أردنا أن نلقى الضوء بقوة على منظومة خاطئة تشكل اعتداء ونزيفا على المال العام غير مبرر، مثل صرف 100 مليون على بنود مكافآت وحوافز وبدل حضور جلسات، بالإضافة الى وجود 37 مستشارا، أليس هذا يعد اهدارا جسيما للمال العام!
- هل هناك مواقع ومؤسسات أخرى لو أعلن عنها ستثير ضجة أكبر من التى نعيشها حاليا؟
طبعا، فالقضية الأخيرة التى أثارت كل تلك الضجة لا تمثل شيئا بجوار باقى قضايا الفساد فى جهات ومؤسسات أخرى بالدولة.
- ما هى تلك الجهات التى تقصدها؟
يجب أن يكون معلوما أن مسألة الفساد مرتبطة بالعامل البشري، ونحن لسنا بملائكة، فأى عمل بشرى لابد أن يكون به شبهة فساد أو إفساد، فالناس جميعا ليس لديهم القدرة والمناعة على مواجهة الفساد فى مواقعهم، فكل جهة سنجد بها فساد. بداية من مؤسسة القضاء، وداخل المؤسسات الصحفية والإعلامية، حتى داخل الجهاز المركزى للمحاسبات نفسه يوجد فساد، ولا ندعى أننا معصومون من الأخطاء.
- بالنسبة لقضية التمويل الأجنبى والتى أعلن أخيرا أنه سيتم التحقيق فيها من جديد، فهل الجهاز المركزى له دور فيها؟
لا، فهناك بعض الأمور بعيدة عن اختصاص الجهاز المركزي، وبالذات الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدنى التى لا تتلقى دعما من الدولة، والجهاز غير معنى بفحصها ماليا أو الرقابة عليها، لان هناك جهات أخرى مثل وزارة التضامن الاجتماعى المسئولة عن الجمعيات المشهرة، أما غير المشهرة، فلا تخضع لرقابة التضامن، ولا الى الجهاز المركزي، وهذا موطن الخطر، ويستلزم ذلك وضع تشريع أو قانون ينظم عمل تلك الجمعيات، فلا يوجد دولة فى العالم يستباح فيها العمل الأهلى بهذا الشكل الذى يحدث فى مصر، برغم أنه قد يساء استخدام الجمعية أو المنظمة تحت عنوان عريض انها آتية لتقديم خدمة أهلية، ولكنها فى الخفاء تقوم بأعمال ضد الأمن القومى المصري، فالمسألة فى رأيى تحتاج تقنين، فمنظمات المجتمع المدنى فى القضية الشهيرة التى أثارت أزمة فى حكم المجلس العسكري، وبرغم أنها اتهمت فى ذلك الوقت وحوكمت إلا أنها كانت للأسف الشديد تعمل تحت سمع وبصر كل المسئولين بالدولة والذين التقوا مع وزير الخارجية والداخلية والعدل والنائب العام وقتها، رغم عدم وجود غطاء قانونى لهم، فلماذا تركت تعمل بل وتعامل معها كل المسئولين بالدولة ثم فجأة تصب الدولة جام غضبها عليها ويتعاملوا على انهم شياطين قادمون لتخريب البلد.
فأنا أحترم جدا مخاطبة العقل والمنطق وإذا كنت تحترم عقلى فلابد ايضا أن القول بالإفساد من هؤلاء أو الاضرار بالأمن القومى من قبلهم لابد ان يدلل عليه بإثباتات وليس الشعارات والكلام.
- هل كشف الجهاز عن القضية الاخير التى تسببت فى مشاكل مع الحكومة؟
كنت سأكون أكثر سعادة لو أن اجهزة الدولة المسئولة اهتمت بقراءة تقارير الجهاز وتصحيح مسار الأجهزة الإدارية بالدولة التى تخضع لرقابة هذا الجهاز، وهذا شيء سيشعرنا بالسعادة فأعضاء هذا الجهاز يصل عدد هم النحو 12 ألف عضو به بالتقدير لقيمة عملنا ولكن العكس ما حدث، وهذا ادى الى حالة إحباط شديدة لدى اعضاء الجهاز وأشعرهم أن الامر دود لعملهم. بحيث يجتهدون ويكتبون ويرصدون تقاريرهم ثم تلقى فى الادراج.
- هل ترى ان الحكومة لا تتخذ الاجراءات الكافية حيال التقارير التى ترصد الفساد؟
كنت أتمنى فى الآونة الاخيرة ان تتغير وجهة نظر الناس عن المسئولين عموما لدى العامة، فالناس ليس لديهم الثقة بأن المسئولين لديهم الرغبة الحقيقية لمجابهة الفساد.
ومهما جاءت من حكومات وحتى لو كان اعضاؤها من الملائكة وأكدوا انهم ضد الفساد ويضربون بيد من حديد على مرتكبيه دون ترجمة ذلك بأفعال على أرض الواقع فسيكون ذلك مجرد لغو وتغييب لعقول المواطنين والضحك عليهم فالمصداقية لدى المواطنين لا تأتى إلا من خلال الأداء ولمسه واقعا.
- بسؤال أكثر وضوحا هل محاربة الفساد تواجهها أزمة المصالح فى مصر؟
دون شك إن المصالح تطغى على الصالح العام فبعض الاشخاص سواء كانوا فى مناصب أو وظائف مرموقة يغلبون الصالح الشخصى لهم على الصالح العام فمثلا عندما تجد اماكن بها مستشارين بكم كبير ويتقاضون مبالغ ضخمة ومع ان طبيعة العمل بهذا المكان لا تقتضى وجود هذا الكم من المستشارون ولا بهذه المبالغ التى تمنح لهم مع الدفاع عن استمراريتهم فى العمل وهذا الوضع وبقائه.
- ذكرت فى تصريح سابق ان الجهاز الادارى بالدولة به ما يزيد على مائة ألف مستشار فما مدى صحة تلك الارقام وكم يتقاضى هؤلاء المستشارون وما أماكن وجودهم؟
لكى يكون الرقم دقيقا نعمل حاليا على حصرهم ليس بالجهاز الادارى بالدولة وحده بل يشمل الحصر المحليات والمؤسسات وهيئات وشركات قطاع عام وقطاع الاعمال والتى يصل عدد المستشارين معهم بالآلاف ويتقاضون الملايين من الجنيهات ولكن تحديد الارقام والمبالغ التى يتقاضوها ينتهى العمل فيه بعد عطلة عيد الاضحى المقبل.
- ما القضية التى تعكف على دراستها حاليا وتخشى الافصاح عنها؟
لا أخشى فى الحق شيئا وليس لدى خطوط حمراء ولن أخشى فى الحق لومة لائم مستعد للمواجهة تحت أى ظرف من الظروف طالما أنى انتصر للحق وأرعى الله فى عملى رغم أنى ضد الاعلان المبكر عن جهات أو اسماء.
- ما أخطر القضايا التى توجد على مكتبكم فى الوقت الراهن لتفحصوها؟
لدينا قضية متعلقة بتوريد الأغذية للجهات الحكومية سواء كانت المدن الجامعية او المستشفيات او التوريدات الخاصة بجهاز الشرطة والمعسكرات الخاصة بقوات الشرطة.
وسيتم الكشف عن التفاصيل فور الانتهاء منها، وهناك قصة منظومة قطاع النقل البحرى واحتكار بعض الشركات لخطوط ملاحية وكذلك مسألة الصناديق الخاصة وهى قضية فى غاية التعقيد حتى الآن ورغم الجهذ الذى بذلناه طوال العام الماضى إلا إننا لم ننته من حصر اعدادها، وبصدد صعوبة الحصر لأن معظم هذه الصناديق صعبة الحصر لأن معظم هذه الصناديق انشئت بدون قوانين أو قرارات ولذلك التحرى عنها عملية صعبة لتحديدها وتحديد حجم التمويل بها او مصادرها.
- وماذا عن وزارتى البترول والكهرباء حيث تكثر الاقاويل عن تفشى الفساد بهما؟
بالفعل نحن معنييون بفحص أمور مهممة بوزارة البترول حيث إن من بين مهام الجهاز تقويم أداء الوزارة وهى من المهام التى كانت معطلة للجهاز ولا يقتصر عملنا على الرقابة فقط بل والتقويم ايضا للجهات التى تراقبها. وبناء على هذا الاختصاص والذى إذا ما ارتيأينا قصورا فى إحدى مؤسسات الدولة نعد تقريرا يرصد أوجه القصور والتوصية بمجاليها ونرفعها للمسئولين سواء برئاسة الجمهورية او رئاسة الوزراء او مجلس الشعب او إبلاغ الجهات القضائية إذا ما كانت تمثل جريمة جنائية تستوجب ابلاغ النيابة العامة أو الكسب غير المشروع.
- هل وجدتم فى وزرة البترول مثل تلك المخالفات؟
نحن نعكف حاليا على العمل فى وزارة البترول لإعداد خريطة كاملة عن قطاع البترول ومدى حاجة مصر الى هذا الكم من الشركات لأننا رصدنا كم كبير من الشركات بذلك القطاع والتى تستنزف من موارد الدولة وبدلا من أن تصب الموارد فى خزانة الدولة إلا انه تصب فى تلك الشركات من خلال المزايا المالية التى يتمتع بها اعضاء مجالس ادارات الشركات والمستشارين الذين يعينون بها بشكل مبالغ ويتاقضون مبالغ تشكل اهدار للمال العام مع أن بلدا بحجم السعودية والتى تعد أكبر الدول المنتجة للبترول بالعالم لا توجد بها إلا شركة واحدة خاصة بهذا المجال.
لكننا فى مصر لدينا عدد هائل من تلك الشركات الخاصة والتى لو تم تقليص عددها سيؤدى الى ضغط التكلفة والتى تستنزف قطاع البترول بشكل كبير ففى صورة مزايا للعاملين بها تهدد منظومة فساد لابد أن تعالج لكى يعود ذلك المال بالنفع على الدولة حتى لو فى صورة تشغيل للطاقات العاملة وهذا هو هدفنا من تقييم الأداء.
- بالإضافة الى تقييم الاداء فى وزارة البترول هل وجدتم قضايا فساد آخرى به؟
نعم هناك قضية محالة للكسب غير المشروع وهى خاصة بقطاع البترول بآحدى الشركات الكبرى والتى رصد فيها إهدار للمال العام والفساد والذى تمثل فى صرف أرباح للعاملين بها على الرغم من ان الشركة تواجه خسارة وهو ما يعد استنزافا لأصول الشركة من أجل آلا يتوقف البعض عن تقاضى الامتيازات التى اعتادوا عليها وهو الأمر الذى قد يؤدى الى تصفية الشركة وبيعها كا حدث مع شركة البراجيل البخارية وغيرها من الشركات رغم أنها كانت من الشركات المعدودة بالعالم.
- وماذا عن وزارة الكهرباء التى يقال ان بها كمية فساد رهيب مثبتة بتقارير من الجهاز ومع ذلك لم يتحرك أحد للتحقيق؟.
ومنها رصد التجاوزات والإبلاغ عنها ولابد ان الجهات التى يرفع اليها التقارير تعلن عن نتائج الاجراءات التى اتخذتها.
- ولكن من المؤكد ان هناك قضايا أهم من ذلك وسيتم الكشف عنها قريبا؟
هناك قضية فساد كبرى نعمل بها الآن وهى بين وزارة الداخلية والمالية والضرائب والتى تتعلق بالمراقبين الماليين المعينين من المالية والضرائب بالداخلية والذين يتقاضون مكافآت كبرى بغرض إضفاء المشروعية على تصرفات مالية خاطئة أصل الى مئات الملايين من الجنيهات والتى أهدرت من وزارة الداخلية ونحن حريصون على كشف ذلك ولكن تصحيحه بالشكل والإطار السليم يقتضى منا مخاطبة وزير المالية ووزير الداخلية وبالفعل تمت مخاطبتهما بذلك وننتظر الرد منهما وبمجرد وصوله إلينا سيحدد على ضوءه الجهاز وموقفه من تلك القضية، وما نود التأكيد عليه ان منظومة المراقبين الماليين التابعين للمالية فى معظم الجهات بالدولة تحتاج لتعديل قواعد الندب لها وعدم ايفادهم فى الجهات لفترات وطويلة أسوة بها وسأفعله فى الجهاز المركزى للمحاسبات وهذا ما أرجو ان يفعله وزير المالية أيضا.
- رئيس الجمهورية رجل من رجال القضاء والمنوط بهم تحقيق العدل والقضاء على الظلم والفساد. فهل تتواصلون معاه ليدعمكم؟
ما أؤكده لكم أننى أعلم جيدا وعلى يقين أن رئيس الجمهورية - وباعتباره أحد قامات رجال القضاء المشهود لهم وتاريخه حافل - يعلم طبيعة عمل الجهاز ودوره، وبالتالى هو لم يتدخل بأى حال من الأحوال فى أى قضية أثيرت إعلاميا.
وأعلم جيدا لو أن سيادة الرئيس يرى أن الجهاز لا يؤدى واجبه على الوجه الأمثل، لكان تدخل، ولكنه يرى أن الجهاز يقوم بواجبه على الوجه الأكمل.
- ما تعليقك على دعوة الفريق السيسى بدعوة المصريين وحثهم على العمل؟
هذه دعوة أمينة من أجل مصر، لأننا أكثرنا من الحديث والشجار دون عمل، ولن يحدث تقدم حقيقى للبلد إلا بالعمل، فلن تفيدنا المنح أو المعونات التى تأتينا فى إقامة نهضة الدولة، لأن نهضة الدول تنشأ بعرق أبنائها وجهدهم.
- لكن هذا العمل يتطلب وجود دولة القانون والتى يشعر الكثيرون أنها غائبة بشكل كبير. فهل تعود فى رأيك؟
تعود دولة القانون عندما توجد رغبة حقيقية لدى المسئولين بالدولة لتفعيله، فتفعيل القانون ليس بتعديل تشريعات أو قوانين تشدد العقوبات، ولكن بوجود إرادة سياسية حقيقية وشعبية تضافر كل الجهود لتفعيل القانون، فمثال ذلك. فلقد شددت عقوبات المخالفات المرورية، ورغم ذلك لم ينصلح حال المرور، بل ازداد سوء، ولا يوجد من الأساس تطبيق لهذا القانون على أرض الواقع.
فالشطارة ليست بتضخيم العقوبات وزيادة التشريعات، ولكن لابد من تقوية الإرادة لتنفيذ القانون من خلال تعميق ثقافة لدى الكل سواء من مسئولين أو محكومين، فنجاح أى حكومة بالعالم فى إنفاذ حكم القانون على الجميع، وذلك الذى يعطى المواطن الثقة أن القانون سينفذ، وسيأخذ حقه، وليس يفسرها من الطرق سواء كانت بلطجة أو نفوذا أو واسطة.
- متى نقضى على الواسطة والمحسوبية؟
هل ترى أننا كمصريين تغيرنا فى شيء لن تنتهى الواسطة والنفوذ إلا عندما تكون لدينا رغبة حقيقية للتغيير، فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فابنتى خريجة حقوق إنجليزى جامعة عين شمس تقدير جيد جدا دفعة 2009، ورغم ذلك لم تتعين حتى الآن، ولم أتدخل لتعينها، لأن ما أقوله لا يجب أن أفعل عكسه، وأرى أن ابنتى يجب أن تأخذ فرصتها مثلها مثل أى فتاة مصرية، ولست من الذين يمكن لهم أن يستغلوا مناصبهم فى الحصول على ميزة لى أو لأحد أفراد أسرتي، وأتحدى أى شخص يقول إننى حصلت على ميزة، وهذا يعطينى قوة فى الحق، فلو كنا حريصين على الحصول على مزايا، كانت عينى ستكسر فى الحق، ولم أتمكن من القيام بعملى بالطريقة التى أتبعها الآن، ولا المكاشفة عن أى قضايا فساد.
- لماذا أشعر بمرارة فى حديثك؟
لأننى أواجه هجوما منظما، وليس هجوما من أفراد، بل من مؤسسات، وأعلم من المحرك لهم.
- من المحرك لهذا الهجوم ضدك من وجهة نظرك؟
المحركون للهجوم ضدى هم مسئولون بمواقع كبيرة بالبلد، وذلك من خشيتهم لتنامى دور الجهاز المركزى فى الكشف عن الفساد بالبلد، وهم حريصون على استمراريتها.
- أزمة الجهاز مع نادى القضاة ورفض المستشار أحمد الزند تدخل الجهاز للتفتيش بالنادى وقوله إنك نسيت بأنك قاض من قضاة تيار الاستقلال، وأن الجهاز لا حق له فى تفتيش نادى القضاة. فما قولك فى ذلك؟
حزين على الصورة، لأننى كنت أتمنى أن نعطى كقضاة المثل والقدوة، فهو بيتى الأساسى ولا يمكن أن أرضى للحظة واحدة أن أمس صورة القضاة، أو أعتدى على استقلاله، ولا يجوز أن أخالف ما كنت أقوله وأنا بالقضاء، ولكن حرصى على أداء واجبى هو ما دعانى لطلب فحص النشاط المالى لدور وأندية القوات المسلحة، وكذلك النشاط المالى لنادى المحكمة الدستورية العليا، وهيئة قضايا الدولة، والنيابة الإدارية، ونادى مجلس الدولة، وتم التفتيش عليهم بالفعل.
- لماذا يضع المستشار الزند نفسه فوق القانون، والذى نص فعليا على المراجعة والتفتيش، وأنه حق للجهاز؟
لقد رفعت مذكرة لمجلس القضاء أن يسمح لأعضاء الجهاز بممارسة عملهم والتفتيش بنادى القضاة، وأرفض أن يختزل الأمر على أنه صراع شخصى بينى وبين المستشار الزند أمر لا يجوز، فلست فى خصومه معه، فالبلاغ الذى قدمه المستشار الزند ضدى كان قبل مجيئى الجهاز، والأمر ليس تصفية حسابات، ولا شأن له بمجريات العمل داخل الجهاز، فعندما طلبت تفتيش نوادى القوات المسلحة - والذى تم بالفعل - فهل كنت بذلك استهدف الفريق السيسى من هذا التفتيش، أم أنه صميم عملنا بالجهاز، ويجب أن نؤديه.
ولكن ما يحدث من المستشار الزند هو محاولة لخلط الأوراق، فما نقوم به هو صميم عملنا، ولن نستثنى أحدا، وإذا أرادوا استثناء أنفسهم، فليعدلوا القانون.
- هل هناك جديد بشأن تقارير الجهاز التى كشفت عن فساد وإهدار للمال العام فى الجهاز القومى للاتصالات، والتى طالت وزير العدل الحالي؟
فى تلك القضية يكفينى بدء التحقيق فيها من قبل النيابة العامة التى استدعت أعضاء الجهاز لسؤالهم بحيث نضع الأمر كله أمام الجهات القضائية، وذلك احترام من الجهاز لعدم التأثير على مجريات التحقيق.
واتمنى أن يفعل ذلك أيضا وزير العدل، ولا تصدر عنه بيانات بعدم الادانة، ويترك للجهات القضائية الفصل فى الأمر.
- الكشف والإفصاح عن قضايا الفساد يبدو أنه أدخلك عش الدبابير، أفلا تخشى من لدغاتها؟
بالعكس لقد دخلت عش الدبابير اختياريا وغير مجبر، أما البعض الذين يقولون انى موجه، فهذا أمر خاطئ، لأننى أقوم بذلك من صميم واجبى وعملي، ومن احساسى بالمسئولية التى يتطلبها موقعى بأن أكون أمينا على المال العام، واذا لم أفعل ما قمت به فلن أحترم نفسى يوما بعد الآن، فقد وعدت الناس من قبل بأنى اذا لم أتمكن من أداء واجبى على أكمل وجه وبما يرضى الله فى هذا الموقع، فالأفضل لى أن أغادره.
وأعلم يقينا أن أبواب جهنم ستفتح علي، لان حجم الفساد فى مصر كبير جدا، وهذا أمر أكدت عليه أكثر من مرة، ولن يقضى عليه من خلال الجهاز المركزى للمحاسبات، ولكن ممكن أن يحدث ذلك من خلال منظومة متكاملة، فما حدث بالقضية الأخيرة خير دليل على ذلك، فالجهاز المركزي، وهو أكبر وأعلى جهاز رقابى بمصر، قد قدم تقارير عن تلك القضية منذ أعوام، فهل يعقل أن يظل ذلك التقرير حبيس الأدراج دون أن تتخذ حياله أى اجراءات قضائية أو مساءلة القائمين على الأمر، لمعرفة ما اذا كانت عليهم مساءلة قانونية أو جنائية أم لا؟ وذلك كله يؤكد أن المنظومة يجب ألا تكون من طرف واحد.
- ما تكوين هذه المنظومة؟
تكوينها عبارة عن تجميع وتحرى المعلومات، والتى تبدأ بها النواة، بالإضافة الى دور الرقابة الادارية ومباحث الأموال العامة، الى جانب الجهات الخاصة بالتدقيق فى المستندات والبيانات مثل الجهاز المركزى للمحاسبات، فهو ليس جهاز معلومات، ولا يستشار أو يأخذ رأيه فى اختيار مسئولين أو وزراء وهناك أجهزة رقابية أخرى تقوم بذلك الدور.
- هل تشعرون فى الجهاز المركزى الآن أنكم تواجهون حربا تشن ضدكم؟
بالطبع والدليل على ذلك سيل الدعاوى المرفوعة ضدي.
- كم عدد الدعاوى التى رفعت ضدك حتى الآن؟
إلى هذه اللحظة ثلاث دعاوي، منها ما يطالب بعزلى من الجهاز، وأخرى تتهمنى بأخونة الجهاز، والثالثة اهانة القضاء، وأتوقع دعاوى أخري.
- فى قضية عزل رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات، ومن الوجهة القانونية، من يملك حق عزله؟
لا يملك أحد قانونا عزل رئيس الجهاز قبل انقضاء مدة ولايته، وهى أربع سنوات من تاريخ قرار صدور تعيينه رئيسا للجهاز من رئيس الجمهورية، ولكن ذلك لا يمنع من مساءلة رئيس الجهاز إذا ما أخطأ أو ارتكب جرما، شأنه شأن أى مسئول بالدولة، فإذا كان رئيس الدولة نفسه يحاكم ورئيس وزراء ووزراء يحاكمون، فكلنا يجب أن نسلم بإعمال حكم القانون على أى مسئول بدءا من رئيس الجمهورية، وانتهاء بأصغر موظف بالدولة، ولذا فلا أرى نفسى فوق المساءلة القانونية، ومن لديه شيء ضدى يقدمه، وأهلا وسهلا بها، لكن ما أرفضه هو التشهير والإساءة والاتهامات الباطلة دون سند فقد حرصنا بالجهاز عند كتابة التقارير ألا يذكر أسماء أيا من الشخصيات، لأن ما يعنينا هو ذكر الوقائع التى تدل على خطورة الأمر، فإذا ما كنا جادين فى كشف الفساد ومواجهة المنظومة الخاطئة، فالأمر يتطلب المصارحة والمكاشفة، أما اذا كان المطلوب من وجودى فى ذلك الموقع هو أن يتم التعتيم على كل شيء ويظل حبيس الأدراج، فهذا أمر آخر.
- هل المشكلات التى تواجهك حاليا ستثنيك عن الكشف عن الفساد فى المستقبل؟
أبدا وبالعكس ما أواجهه حاليا يزيدنى إصرارا على كشف الفساد أيا من كان مرتكبه أو موقعه وذلك عهد قطعته على نفسى منذ اللحظة الأولى التى دخلت فيها هذا الجهاز، فقد يكون الحرص والتمسك بالكرسى دافعا للبعض للإحجام عن عدم خوض مواجهات مثل التى أتصدى لها، أما أنا فلست متمسكا بالمكان أو بالكرسي، وغير مستعد لأبيع ضميري، أو أن أقصر فى أداء واجبى مادامت وضعت فى الثقة بهذا المكان تحت أى ظرف من الظروف، أما أن البعض يسيء ويقول بانى توليت رئاسة الجهاز فى عهد الرئيس السابق محمد مرسي، وانى أعمل لحساب هذا الفصيل، فأطالبهم بتقديم دليل على ذلك ان كان لديهم، أما الإساءة بقصد الترويع والترهيب لعدم القيام بواجبي، فهذا الأمر أرفضه، فالتقصير والإساءة أمر سهل، وكثير من وسائل الإعلام انزلقت فى ذلك، مخالفة لمواثيق العمل الاعلامى والصحفي، وأصبحت تجرى وراء المعلومة بغض النظر عن مدى صحتها، وللأسف وقع فى ذلك إعلاميون كبار.
- قيل إن ملف وتقارير الجهاز بشأن الجهاز القومى للاتصالات شمل إدانة بالفساد لشخصيات أخري، منها سياسية وإعلامية، فما مدى صحة ذلك، ومن هى تلك الشخصيات؟
بالتأكيد هناك شخصيات أخري، والقضية غير مقصورة على وزير العدل وحده، أما اختزال الموضوع فى شخص الوزير وحده، فهو أمر مقصود من البعض.
- لماذا لم يتم الكشف عن أسماء باقى الشخصيات؟
لانى لست طرفا فى خصومة مع أحد، فلم أكشف عن اسم وزير العدل أو غيره.
- هل من بين تلك الشخصيات الواردة بالتقرير مسئولون بالدولة الآن؟
نعم من بين الشخصيات التى شملها التقرير شخصيات مسئولة حاليا بالدولة، ولكن ما نريد التأكيد عليه هو أنه لا يهمنا أو يعنينا الاسماء أو الأشخاص، ولكن ما نجرى عليه فى عملنا بالجهاز هو الموضوع الذى يحويه التقرير دون ارتباطه بالأسماء الواردة به، ولا نتأثر بمدى موقعها فى الدولة أيا كانت ولا تؤثر على حكمنا على القضايا التى نتناولها، وذلك نهجى فى العمل سواء فى القضاء أو بالجهاز المركزي، فلو نحن حريصون على مجاملة، أو أن أكون انسانا مرضى عنه لدى كبار المسئولين فهذا أمر سهل جدا، بأن نلقى بالملفات أو نحبسها فى الأدراج، فكان من السهل جدا ألا أتحدث فى القضية الأخيرة، وخصوصا أن الملف ملقى بالنيابة العامة منذ أكثر من ثلاث سنوات، فالهدف من إثارة تلك القضايا ليس الانتقاص من هؤلاء الأشخاص أيا كانت مواقعهم، ولكننا أردنا أن نلقى الضوء بقوة على منظومة خاطئة تشكل اعتداء ونزيفا على المال العام غير مبرر، مثل صرف 100 مليون على بنود مكافآت وحوافز وبدل حضور جلسات، بالإضافة الى وجود 37 مستشارا، أليس هذا يعد اهدارا جسيما للمال العام!
- هل هناك مواقع ومؤسسات أخرى لو أعلن عنها ستثير ضجة أكبر من التى نعيشها حاليا؟
طبعا، فالقضية الأخيرة التى أثارت كل تلك الضجة لا تمثل شيئا بجوار باقى قضايا الفساد فى جهات ومؤسسات أخرى بالدولة.
- ما هى تلك الجهات التى تقصدها؟
يجب أن يكون معلوما أن مسألة الفساد مرتبطة بالعامل البشري، ونحن لسنا بملائكة، فأى عمل بشرى لابد أن يكون به شبهة فساد أو إفساد، فالناس جميعا ليس لديهم القدرة والمناعة على مواجهة الفساد فى مواقعهم، فكل جهة سنجد بها فساد. بداية من مؤسسة القضاء، وداخل المؤسسات الصحفية والإعلامية، حتى داخل الجهاز المركزى للمحاسبات نفسه يوجد فساد، ولا ندعى أننا معصومون من الأخطاء.
- بالنسبة لقضية التمويل الأجنبى والتى أعلن أخيرا أنه سيتم التحقيق فيها من جديد، فهل الجهاز المركزى له دور فيها؟
لا، فهناك بعض الأمور بعيدة عن اختصاص الجهاز المركزي، وبالذات الجمعيات الأهلية ومنظمات المجتمع المدنى التى لا تتلقى دعما من الدولة، والجهاز غير معنى بفحصها ماليا أو الرقابة عليها، لان هناك جهات أخرى مثل وزارة التضامن الاجتماعى المسئولة عن الجمعيات المشهرة، أما غير المشهرة، فلا تخضع لرقابة التضامن، ولا الى الجهاز المركزي، وهذا موطن الخطر، ويستلزم ذلك وضع تشريع أو قانون ينظم عمل تلك الجمعيات، فلا يوجد دولة فى العالم يستباح فيها العمل الأهلى بهذا الشكل الذى يحدث فى مصر، برغم أنه قد يساء استخدام الجمعية أو المنظمة تحت عنوان عريض انها آتية لتقديم خدمة أهلية، ولكنها فى الخفاء تقوم بأعمال ضد الأمن القومى المصري، فالمسألة فى رأيى تحتاج تقنين، فمنظمات المجتمع المدنى فى القضية الشهيرة التى أثارت أزمة فى حكم المجلس العسكري، وبرغم أنها اتهمت فى ذلك الوقت وحوكمت إلا أنها كانت للأسف الشديد تعمل تحت سمع وبصر كل المسئولين بالدولة والذين التقوا مع وزير الخارجية والداخلية والعدل والنائب العام وقتها، رغم عدم وجود غطاء قانونى لهم، فلماذا تركت تعمل بل وتعامل معها كل المسئولين بالدولة ثم فجأة تصب الدولة جام غضبها عليها ويتعاملوا على انهم شياطين قادمون لتخريب البلد.
فأنا أحترم جدا مخاطبة العقل والمنطق وإذا كنت تحترم عقلى فلابد ايضا أن القول بالإفساد من هؤلاء أو الاضرار بالأمن القومى من قبلهم لابد ان يدلل عليه بإثباتات وليس الشعارات والكلام.
- هل كشف الجهاز عن القضية الاخير التى تسببت فى مشاكل مع الحكومة؟
كنت سأكون أكثر سعادة لو أن اجهزة الدولة المسئولة اهتمت بقراءة تقارير الجهاز وتصحيح مسار الأجهزة الإدارية بالدولة التى تخضع لرقابة هذا الجهاز، وهذا شيء سيشعرنا بالسعادة فأعضاء هذا الجهاز يصل عدد هم النحو 12 ألف عضو به بالتقدير لقيمة عملنا ولكن العكس ما حدث، وهذا ادى الى حالة إحباط شديدة لدى اعضاء الجهاز وأشعرهم أن الامر دود لعملهم. بحيث يجتهدون ويكتبون ويرصدون تقاريرهم ثم تلقى فى الادراج.
- هل ترى ان الحكومة لا تتخذ الاجراءات الكافية حيال التقارير التى ترصد الفساد؟
كنت أتمنى فى الآونة الاخيرة ان تتغير وجهة نظر الناس عن المسئولين عموما لدى العامة، فالناس ليس لديهم الثقة بأن المسئولين لديهم الرغبة الحقيقية لمجابهة الفساد.
ومهما جاءت من حكومات وحتى لو كان اعضاؤها من الملائكة وأكدوا انهم ضد الفساد ويضربون بيد من حديد على مرتكبيه دون ترجمة ذلك بأفعال على أرض الواقع فسيكون ذلك مجرد لغو وتغييب لعقول المواطنين والضحك عليهم فالمصداقية لدى المواطنين لا تأتى إلا من خلال الأداء ولمسه واقعا.
- بسؤال أكثر وضوحا هل محاربة الفساد تواجهها أزمة المصالح فى مصر؟
دون شك إن المصالح تطغى على الصالح العام فبعض الاشخاص سواء كانوا فى مناصب أو وظائف مرموقة يغلبون الصالح الشخصى لهم على الصالح العام فمثلا عندما تجد اماكن بها مستشارين بكم كبير ويتقاضون مبالغ ضخمة ومع ان طبيعة العمل بهذا المكان لا تقتضى وجود هذا الكم من المستشارون ولا بهذه المبالغ التى تمنح لهم مع الدفاع عن استمراريتهم فى العمل وهذا الوضع وبقائه.
- ذكرت فى تصريح سابق ان الجهاز الادارى بالدولة به ما يزيد على مائة ألف مستشار فما مدى صحة تلك الارقام وكم يتقاضى هؤلاء المستشارون وما أماكن وجودهم؟
لكى يكون الرقم دقيقا نعمل حاليا على حصرهم ليس بالجهاز الادارى بالدولة وحده بل يشمل الحصر المحليات والمؤسسات وهيئات وشركات قطاع عام وقطاع الاعمال والتى يصل عدد المستشارين معهم بالآلاف ويتقاضون الملايين من الجنيهات ولكن تحديد الارقام والمبالغ التى يتقاضوها ينتهى العمل فيه بعد عطلة عيد الاضحى المقبل.
- ما القضية التى تعكف على دراستها حاليا وتخشى الافصاح عنها؟
لا أخشى فى الحق شيئا وليس لدى خطوط حمراء ولن أخشى فى الحق لومة لائم مستعد للمواجهة تحت أى ظرف من الظروف طالما أنى انتصر للحق وأرعى الله فى عملى رغم أنى ضد الاعلان المبكر عن جهات أو اسماء.
- ما أخطر القضايا التى توجد على مكتبكم فى الوقت الراهن لتفحصوها؟
لدينا قضية متعلقة بتوريد الأغذية للجهات الحكومية سواء كانت المدن الجامعية او المستشفيات او التوريدات الخاصة بجهاز الشرطة والمعسكرات الخاصة بقوات الشرطة.
وسيتم الكشف عن التفاصيل فور الانتهاء منها، وهناك قصة منظومة قطاع النقل البحرى واحتكار بعض الشركات لخطوط ملاحية وكذلك مسألة الصناديق الخاصة وهى قضية فى غاية التعقيد حتى الآن ورغم الجهذ الذى بذلناه طوال العام الماضى إلا إننا لم ننته من حصر اعدادها، وبصدد صعوبة الحصر لأن معظم هذه الصناديق صعبة الحصر لأن معظم هذه الصناديق انشئت بدون قوانين أو قرارات ولذلك التحرى عنها عملية صعبة لتحديدها وتحديد حجم التمويل بها او مصادرها.
- وماذا عن وزارتى البترول والكهرباء حيث تكثر الاقاويل عن تفشى الفساد بهما؟
بالفعل نحن معنييون بفحص أمور مهممة بوزارة البترول حيث إن من بين مهام الجهاز تقويم أداء الوزارة وهى من المهام التى كانت معطلة للجهاز ولا يقتصر عملنا على الرقابة فقط بل والتقويم ايضا للجهات التى تراقبها. وبناء على هذا الاختصاص والذى إذا ما ارتيأينا قصورا فى إحدى مؤسسات الدولة نعد تقريرا يرصد أوجه القصور والتوصية بمجاليها ونرفعها للمسئولين سواء برئاسة الجمهورية او رئاسة الوزراء او مجلس الشعب او إبلاغ الجهات القضائية إذا ما كانت تمثل جريمة جنائية تستوجب ابلاغ النيابة العامة أو الكسب غير المشروع.
- هل وجدتم فى وزرة البترول مثل تلك المخالفات؟
نحن نعكف حاليا على العمل فى وزارة البترول لإعداد خريطة كاملة عن قطاع البترول ومدى حاجة مصر الى هذا الكم من الشركات لأننا رصدنا كم كبير من الشركات بذلك القطاع والتى تستنزف من موارد الدولة وبدلا من أن تصب الموارد فى خزانة الدولة إلا انه تصب فى تلك الشركات من خلال المزايا المالية التى يتمتع بها اعضاء مجالس ادارات الشركات والمستشارين الذين يعينون بها بشكل مبالغ ويتاقضون مبالغ تشكل اهدار للمال العام مع أن بلدا بحجم السعودية والتى تعد أكبر الدول المنتجة للبترول بالعالم لا توجد بها إلا شركة واحدة خاصة بهذا المجال.
لكننا فى مصر لدينا عدد هائل من تلك الشركات الخاصة والتى لو تم تقليص عددها سيؤدى الى ضغط التكلفة والتى تستنزف قطاع البترول بشكل كبير ففى صورة مزايا للعاملين بها تهدد منظومة فساد لابد أن تعالج لكى يعود ذلك المال بالنفع على الدولة حتى لو فى صورة تشغيل للطاقات العاملة وهذا هو هدفنا من تقييم الأداء.
- بالإضافة الى تقييم الاداء فى وزارة البترول هل وجدتم قضايا فساد آخرى به؟
نعم هناك قضية محالة للكسب غير المشروع وهى خاصة بقطاع البترول بآحدى الشركات الكبرى والتى رصد فيها إهدار للمال العام والفساد والذى تمثل فى صرف أرباح للعاملين بها على الرغم من ان الشركة تواجه خسارة وهو ما يعد استنزافا لأصول الشركة من أجل آلا يتوقف البعض عن تقاضى الامتيازات التى اعتادوا عليها وهو الأمر الذى قد يؤدى الى تصفية الشركة وبيعها كا حدث مع شركة البراجيل البخارية وغيرها من الشركات رغم أنها كانت من الشركات المعدودة بالعالم.
- وماذا عن وزارة الكهرباء التى يقال ان بها كمية فساد رهيب مثبتة بتقارير من الجهاز ومع ذلك لم يتحرك أحد للتحقيق؟.
ومنها رصد التجاوزات والإبلاغ عنها ولابد ان الجهات التى يرفع اليها التقارير تعلن عن نتائج الاجراءات التى اتخذتها.
- ولكن من المؤكد ان هناك قضايا أهم من ذلك وسيتم الكشف عنها قريبا؟
هناك قضية فساد كبرى نعمل بها الآن وهى بين وزارة الداخلية والمالية والضرائب والتى تتعلق بالمراقبين الماليين المعينين من المالية والضرائب بالداخلية والذين يتقاضون مكافآت كبرى بغرض إضفاء المشروعية على تصرفات مالية خاطئة أصل الى مئات الملايين من الجنيهات والتى أهدرت من وزارة الداخلية ونحن حريصون على كشف ذلك ولكن تصحيحه بالشكل والإطار السليم يقتضى منا مخاطبة وزير المالية ووزير الداخلية وبالفعل تمت مخاطبتهما بذلك وننتظر الرد منهما وبمجرد وصوله إلينا سيحدد على ضوءه الجهاز وموقفه من تلك القضية، وما نود التأكيد عليه ان منظومة المراقبين الماليين التابعين للمالية فى معظم الجهات بالدولة تحتاج لتعديل قواعد الندب لها وعدم ايفادهم فى الجهات لفترات وطويلة أسوة بها وسأفعله فى الجهاز المركزى للمحاسبات وهذا ما أرجو ان يفعله وزير المالية أيضا.
- رئيس الجمهورية رجل من رجال القضاء والمنوط بهم تحقيق العدل والقضاء على الظلم والفساد. فهل تتواصلون معاه ليدعمكم؟
ما أؤكده لكم أننى أعلم جيدا وعلى يقين أن رئيس الجمهورية - وباعتباره أحد قامات رجال القضاء المشهود لهم وتاريخه حافل - يعلم طبيعة عمل الجهاز ودوره، وبالتالى هو لم يتدخل بأى حال من الأحوال فى أى قضية أثيرت إعلاميا.
وأعلم جيدا لو أن سيادة الرئيس يرى أن الجهاز لا يؤدى واجبه على الوجه الأمثل، لكان تدخل، ولكنه يرى أن الجهاز يقوم بواجبه على الوجه الأكمل.
- ما تعليقك على دعوة الفريق السيسى بدعوة المصريين وحثهم على العمل؟
هذه دعوة أمينة من أجل مصر، لأننا أكثرنا من الحديث والشجار دون عمل، ولن يحدث تقدم حقيقى للبلد إلا بالعمل، فلن تفيدنا المنح أو المعونات التى تأتينا فى إقامة نهضة الدولة، لأن نهضة الدول تنشأ بعرق أبنائها وجهدهم.
- لكن هذا العمل يتطلب وجود دولة القانون والتى يشعر الكثيرون أنها غائبة بشكل كبير. فهل تعود فى رأيك؟
تعود دولة القانون عندما توجد رغبة حقيقية لدى المسئولين بالدولة لتفعيله، فتفعيل القانون ليس بتعديل تشريعات أو قوانين تشدد العقوبات، ولكن بوجود إرادة سياسية حقيقية وشعبية تضافر كل الجهود لتفعيل القانون، فمثال ذلك. فلقد شددت عقوبات المخالفات المرورية، ورغم ذلك لم ينصلح حال المرور، بل ازداد سوء، ولا يوجد من الأساس تطبيق لهذا القانون على أرض الواقع.
فالشطارة ليست بتضخيم العقوبات وزيادة التشريعات، ولكن لابد من تقوية الإرادة لتنفيذ القانون من خلال تعميق ثقافة لدى الكل سواء من مسئولين أو محكومين، فنجاح أى حكومة بالعالم فى إنفاذ حكم القانون على الجميع، وذلك الذى يعطى المواطن الثقة أن القانون سينفذ، وسيأخذ حقه، وليس يفسرها من الطرق سواء كانت بلطجة أو نفوذا أو واسطة.
- متى نقضى على الواسطة والمحسوبية؟
هل ترى أننا كمصريين تغيرنا فى شيء لن تنتهى الواسطة والنفوذ إلا عندما تكون لدينا رغبة حقيقية للتغيير، فإن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، فابنتى خريجة حقوق إنجليزى جامعة عين شمس تقدير جيد جدا دفعة 2009، ورغم ذلك لم تتعين حتى الآن، ولم أتدخل لتعينها، لأن ما أقوله لا يجب أن أفعل عكسه، وأرى أن ابنتى يجب أن تأخذ فرصتها مثلها مثل أى فتاة مصرية، ولست من الذين يمكن لهم أن يستغلوا مناصبهم فى الحصول على ميزة لى أو لأحد أفراد أسرتي، وأتحدى أى شخص يقول إننى حصلت على ميزة، وهذا يعطينى قوة فى الحق، فلو كنا حريصين على الحصول على مزايا، كانت عينى ستكسر فى الحق، ولم أتمكن من القيام بعملى بالطريقة التى أتبعها الآن، ولا المكاشفة عن أى قضايا فساد.
- لماذا أشعر بمرارة فى حديثك؟
لأننى أواجه هجوما منظما، وليس هجوما من أفراد، بل من مؤسسات، وأعلم من المحرك لهم.
- من المحرك لهذا الهجوم ضدك من وجهة نظرك؟
المحركون للهجوم ضدى هم مسئولون بمواقع كبيرة بالبلد، وذلك من خشيتهم لتنامى دور الجهاز المركزى فى الكشف عن الفساد بالبلد، وهم حريصون على استمراريتها.
- أزمة الجهاز مع نادى القضاة ورفض المستشار أحمد الزند تدخل الجهاز للتفتيش بالنادى وقوله إنك نسيت بأنك قاض من قضاة تيار الاستقلال، وأن الجهاز لا حق له فى تفتيش نادى القضاة. فما قولك فى ذلك؟
حزين على الصورة، لأننى كنت أتمنى أن نعطى كقضاة المثل والقدوة، فهو بيتى الأساسى ولا يمكن أن أرضى للحظة واحدة أن أمس صورة القضاة، أو أعتدى على استقلاله، ولا يجوز أن أخالف ما كنت أقوله وأنا بالقضاء، ولكن حرصى على أداء واجبى هو ما دعانى لطلب فحص النشاط المالى لدور وأندية القوات المسلحة، وكذلك النشاط المالى لنادى المحكمة الدستورية العليا، وهيئة قضايا الدولة، والنيابة الإدارية، ونادى مجلس الدولة، وتم التفتيش عليهم بالفعل.
- لماذا يضع المستشار الزند نفسه فوق القانون، والذى نص فعليا على المراجعة والتفتيش، وأنه حق للجهاز؟
لقد رفعت مذكرة لمجلس القضاء أن يسمح لأعضاء الجهاز بممارسة عملهم والتفتيش بنادى القضاة، وأرفض أن يختزل الأمر على أنه صراع شخصى بينى وبين المستشار الزند أمر لا يجوز، فلست فى خصومه معه، فالبلاغ الذى قدمه المستشار الزند ضدى كان قبل مجيئى الجهاز، والأمر ليس تصفية حسابات، ولا شأن له بمجريات العمل داخل الجهاز، فعندما طلبت تفتيش نوادى القوات المسلحة - والذى تم بالفعل - فهل كنت بذلك استهدف الفريق السيسى من هذا التفتيش، أم أنه صميم عملنا بالجهاز، ويجب أن نؤديه.
ولكن ما يحدث من المستشار الزند هو محاولة لخلط الأوراق، فما نقوم به هو صميم عملنا، ولن نستثنى أحدا، وإذا أرادوا استثناء أنفسهم، فليعدلوا القانون.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق