الاثنين، 2 ديسمبر 2013

صراع الحاشية أنقذ «السادات».. و«عزله» عن شعبه

«الوطن» تواصل نشر وثائق المخابرات الأمريكية عن «السادات» وكواليس «كامب ديفيد» (2)
السادات وكارتر وبيجن فى منتجع كامب ديفيد قبل توقيع الاتفاقيةالسادات وكارتر وبيجن فى منتجع كامب ديفيد قبل توقيع الاتفاقية
فى الجزء الأول من وثائق المخابرات الأمريكية الذى نشرته «الوطن» فى عدد أمس، كشفت تقارير «CIA» أن نظام الرئيس السادات لم يواجه مخاطر كبيرة قبل توقيعه اتفاقية كامب ديفيد عام 1979 مع إسرائيل، بفضل دعم الجيش له.
الجزء الثانى من الوثائق الـ1400 التى أفرجت عنها المخابرات المركزية الأمريكية الأسبوع الماضى، يتناول الرئيس السادات كشخص وزعيم، وصراع حاشية نظامه، ويسجل كواليس «كامب ديفيد» التى جمعت الرئيس الأمريكى جيمى كارتر، ومناحم بيجن رئيس الحكومة الإسرائيلية و«السادات».
محللو «سى آى إيه» للرئيس الأمريكى: «السادات» لا يفهم كثيراً فى الاقتصاد.. ولغته الإنجليزية لن تساعده على فهم المناقشات العميقة
وأشارت وثائق «CIA» إلى احتمال تعرُّض «السادات» للاغتيال -أو المرض المفاجئ- وقالت: «إذا حدث هذا فإن العلاقة بين واشنطن والقاهرة سوف تتغير بشكل سريع وجذرى».. وإلى التفاصيل..
تضمنت الوثائق ملفاً شخصياً أعده محللو «CIA» عن «السادات» بناءً على طلب من الرئيس الأمريكى الأسبق جيمى كارتر، الذى تشير الوثائق إلى أنه زار مقر وكالة المخابرات المركزية فى أغسطس 1978، فى إطار التحضير للمباحثات المرتقبة بين الرئيس المصرى أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجن. وهناك قال لمدير «CIA»: «إنه يريد أن (يَغرق) فى تفاصيل شخصيتى بيجن والسادات»، وهو ما أعاده الرئيس العجوز -89 عاماً- فى ندوة عُقدت يوم الأربعاء الماضى فى المكتبة الرئاسية بمدينة أتلانتا بمناسبة الإفراج عن هذه الوثائق، عندما قال إنه كان مهتماً بشكل خاص بمعرفة: «نقاط القوة والضعف للزعيمين وآرائهما فيه، وماذا يقولان عن الولايات المتحدة وعن بعضهما البعض عندما يتحدثان فى جلساتهما الخاصة».
وفى تقريرها المستفيض عن «السادات» -59 عاماً وقتها- (والذى أشرنا إلى بعض ما جاء به فى الجزء الأول) وصفته وكالة المخابرات المركزية بأنه «ثورى سابق وقومى متحمس وقائد معتدل وسياسى ودبلوماسى براجماتى»، و«أصبح معروفاً بواقعيته وفطنته السياسية والقدرة على اتخاذ قرارات مفاجئة وشجاعة ومثيرة»، وهو ما يجعله شخصية مختلفة تماماً عن رئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجن -65 عاماً وقتها- الليكودى المتشدّد صاحب المزاج «السيئ» و«التصريحات المستفزة». وأشار تقرير «CIA» عنه إلى أن «أوضاعه الصحية المتردية تعقّد الموقف رغم تأكيدات طبيبه أنه ليس فى حالة مرضية خطيرة، ومنافسوه السياسيون يتسابقون على خلافته».. واقترح محللو «CIA» -بعد دراسة شخصية الزعيمين- أن يتفاوض معهما «كارتر»، كل على حدة. ووفقاً لما يتذكره «كارتر» -لاحقاً- فإن «بيجن» كان مهووساً بأدق التفاصيل الصغيرة، بينما كان «السادات» يفضّل الحديث فى العموميات، ويميل إلى الأحاديث المطولة فى التاريخ. وفى مذكرة لـ«كارتر» فى 13 أغسطس 1978 نصحه مستشاره للأمن القومى «زيجبنيو بريجنسكى» بالسيطرة منذ البداية على مجريات المفاوضات، وإلا فإنه «قد يفقد السيطرة على المحادثات التى قد تنحرف بعيداً عن القضايا المركزية، إما بسبب حرفية (بيجن) أو عموميات (السادات) وعدم دقته».
وفى الندوة التى عُقدت مؤخراً بمناسبة الإفراج عن الوثائق -التى ركز كثير منها على قمة كامب ديفيد التى استمرت 13 يوماً فى ضيافة «كارتر» بمدينة ميرلاند الريفية فى أمريكا-كشف «كارتر» سراً جديداً لم تتضمنه الوثائق حين قال إن توقيعه على ثمانية «أوتوجرافات» لأحفاد «بيجن» كان الحدث الذى أذاب الجليد مع رئيس الحكومة الإسرائيلى العنيد و«الذى كان أقل الأطراف حرصاً على نجاح المفاوضات»، طبقاً لتقديرات «بريجنسكى». ويوضح «كارتر»:
«طلب منى (بيجن)، الذى كان يعارض بشدة تفكيك المستوطنات فى سيناء، فى إحدى جلساتنا (على انفراد) التوقيع على ثمانى صور، كأوتوجرافات لأحفاده. فطلبت من السكرتارية معرفة أسماء أحفاد (بيجن)، وكتبت رسالة شخصية لكل منهم باسمه ثم سلمتها بنفسى لـ(بيجن)». ويضيف «كارتر» فى هذه اللحظة «فوجئت برئيس الحكومة الإسرائيلى يجهش بالبكاء مما فجر دموعى أنا الآخر. وكانت هذه اللحظة بداية الانفراجة» فى المباحثات المتعثرة بينه وبين المصريين.
ويتناول الملف الشخصى لـ«السادات» نظرة العالم والمصريين إليه واستخفافهم به عند توليه السلطة خلفاً لجمال عبدالناصر عام 1970. ووفقاً للتقرير الذى كُتب تحت عنوان «ملف القيادة: أنور السادات» بتاريخ 23 أغسطس 1978، فقد افترض الكثيرون فى مصر وخارجها «أن (السادات) لم يكن لديه من القوة والدهاء والحنكة السياسية ما يكفى ليحكم مصر وينضم إلى صفوف الرؤساء الناجحين، واستند البعض فى تكوين هذه الآراء إلى أصوله الريفية البسيطة أو خلفيته السياسية كونه (ثورياً متحمساً) على عكس طبيعة الرؤساء الذين تغلب عليهم الطبيعة السياسية وليست الثورية. ولكن (السادات) حطم هذه الصورة التى رسمها العالم له وأثبت للجميع أنه زعيم معتدل وسياسى عملى واقعى ودبلوماسى من الدرجة الأولى».
وأضافت الوثائق -التى حُجب كثير من سطورها وفقراتها قبل نشرها لاعتبارات تتعلق بالأمن القومى الأمريكى- أن «السادات» واصل محاولاته للتوصل إلى تسوية سلمية بثقة استثنائية فى النفس، وكان يتمتع بتفاؤل كبير بقدرته على مواجهة كل المخاطر واحتمالات الفشل. أما عن نمط قيادته السياسية للبلاد، فقالت الوثيقة «(السادات) كان يحتكر آلية اتخاذ كل القرارات فى مصر، ولم يشاركه أحد فى التوصل إلى القرارات الصعبة التى اتخذها، وظهر ذلك جلياً وقت محادثات السلام مع المسئولين الإسرائيليين (ما قبل كامب ديفيد) إذ لم يكن لدى مسئولى الخارجية المصرية فكرة عما يدور فى ذهن رئيسهم خلال المفاوضات الطويلة مع الجانب الإسرائيلى والأمريكى، لذلك كانوا يضطرون دائماً إلى الرجوع إليه فى كل القرارات المهمة للبت فيها شخصياً».
وأشارت الوثيقة -التى حُذف أول جزء يتناول فيها السمات الشخصية لـ«السادات»- إلى أن «الرئيس المصرى كان يشعر أن المصريين أرقى من باقى العرب وفى مرتبة أعلى منهم» وأنه «كان فخوراً للغاية بأصوله الريفية، ودائماً ما كان يتباهى بكونه زعيماً حساساً لاحتياجات شعبه»، و«كان يريد أن يذكر فى التاريخ باعتباره (الزعيم الذى حسّن أوضاع المصريين اقتصادياً واجتماعياً) وأسهم فى (علو مكانة عامة الشعب)». ووصفت الوثيقة السادات بأنه «رجل متدين جداً بعمق، وأن هذا شىء طبيعى نظراً لطريقة تربيته».
لكن محللى «CIA» لاحظوا -من أداء الرئيس- «أن فهمه للأوضاع الاقتصادية للبلاد أقل بكثير من فهمه لوضعها السياسى وظروفها الخارجية»، ولذلك «لم يعطِ مشاكل البلاد الاقتصادية الكبيرة، الوقت أو المجهود المناسبين لحلها».
وتابعت نفس الوثيقة: «أن (السادات) كان -فى المقام الأول- سياسياً ودبلوماسياً، وينظر إلى كل شىء من زاوية سياسية بحتة، لذلك فإذا واجهه أمر من أمور الدولة تتعارض فيه المصالح السياسية مع الظروف الاقتصادية، فإن قراره على الأرجح سيُراعى الأبعاد بالأوجه السياسية على حساب الاقتصادية».ولم يغفل محللو «CIA» أن يشيروا إلى لغة «السادات» الإنجليزية: «جيدة، ولكن ليس بالقدر الذى قد يجعله يفهم بعض المصطلحات أو المناقشات العميقة». وأنهت الوثيقة بتأكيد أن الرئيس المصرى -فى المجمل- «شخص مهذب ودافئ فى طريقته». ووصفت زوجته السيدة «جيهان السادات» بأنها «سيدة مصرية أنيقة ورشيقة».
وينسجم كلام محللى «CIA» مع ما جاء فى وثيقة أخرى شارك فى إعدادها أكثر من جهاز استخباراتى أمريكى بعنوان «مصر: أوضاع السادات الداخلية»، بتاريخ 1 يونيو 1976.
فى هذه الوثيقة التى تتكون من 20 صفحة مقسّمة إلى 45 بنداً، فصّلت المخابرات الأمريكية أوضاع الرئيس السادات الداخلية -الإيجابى منها والسلبى- وكان من بين ما جاء فيها «أن الصراعات والغيرة الشديدة داخل الدائرة الضيقة المحيطة بالسادات (الحاشية) منعت أى شخص نافذ فى الدولة من محاولة الخروج عليه أو تحدى سلطته»، أى أن الضغائن بين كبار رجال الدولة شغلتهم عن التآمر على «السادات»، «لكن هذه المشاعر السلبية (العداء والغيرة) أدت أيضاً إلى عزلة (السادات) وحرمانه من الاطلاع على كثير من المعلومات حول ما يجرى فى كل القطاعات الحيوية للحياة الاقتصادية والسياسية فى مصر». وأضافت «وعدم توفر المعلومات -خصوصاً فى وقت الأزمات- يعرّض قدرة (السادات) على السيطرة على زمام الأمور للخطر». وعن موقفه من الدين، أشارت الوثيقة نفسها إلى أن نظام «السادات» يحاول توظيف الدين والتيار الإسلامى لضرب التيار اليسارى فى مصر، من خلال فيضان المشاعر الإسلامية فى مصر، وأن الحكومة تقف وراء حملة منظمة يقودها رجال دين إسلاميون للعودة إلى قيم الإسلام وتطبيق الشريعة.
وفى 12 مايو من عام 1976 أرسلت السفارة الأمريكية برقية تحذر فيها من أن تضخم الأوساط المحافظة فى مصر يخلق تأييداً متزايداً لـ«أسلمة البنية التشريعية فى مصر» -أى تطبيق الشريعة- ورأت السفارة أن الثقة المتزايدة التى بات يتمتع بها الإسلاميون فى مصر هى الثمن الذى يجب أن تدفعه الحكومة المصرية لتوظيفها هذا التيار لضرب خصومها السياسيين. ويخلص رجال الـمخابرات الأمريكية فى نهاية تقريرهم فى الفقرتين 44 و45 إلى نتيجتين، وهما «على الرغم من وجود الكثير من التحذيرات، فإن نظام (السادات) لا يبدو أنه يواجه أى خطر عاجل» لكن بطبيعة الحال، فإن إمكانية اغتياله وسقوطه مريضاً احتمالان قائمان دائماً و«إذا أصاب السادات مكروه فإن علاقة البلدين ستتأثر بشكل جذرى وسريع».
وثيقة مخابراتية: «السادات» ليس عميلاً لواشنطن.. وكان مؤمناً بأن الجيوش العربية لن تعيد إليه أراضيه.. وأصيب بخيبة أمل فى الحليف الروسى فأدرك أن مستقبل بلاده مع الغرب
ووفقاً لوثيقة أخرى بتاريخ 2 يونيو 1978 تحمل رقم (CG NIDC 78 /128C) قدّرت المخابرات الأمريكية قبل نحو عام من قمة «كامب ديفيد» أن هدف مبادرة السلام التى دعا إليها «السادات» هو محاولة دفع عملية السلام المتداعية بين كل القوى فى المنطقة.
وأوضحوا فى الوثيقة أن التغير السياسى الطموح الذى يسعى إليه «السادات» ينبغى أن يبدأ خلال شهور قليلة، حيث إن تقديم «السادات» تلك المبادرة «إما أن ينتج عنه نجاح باهر أو فشل ذريع، وهو ما سيتم تحديده فى الفترة الزمنية القليلة القادمة»، ولهذا حرص «السادات» على القول إن أى قمة عربية ينبغى أن تؤجّل لمدة شهرين، وذلك خشية ألا يتم إحراز تقدم فى عملية السلام قبل تلك الفترة.
وتابعت الوثيقة أن التصريحات الضمنية لـ«السادات» تظهر أنه مستعد للقبول باحتمال فشل المفاوضات المباشرة مع الإسرائيليين. وقللت المخابرات الأمريكية من أهمية معارضة المثقفين المصريين إجراء استفتاء بشأن توقيع اتفاق سلام مع إسرائيل، لأن «تلك المعارضة مبرَّرة وطبيعية فى ظل النظام الديمقراطى، كما أن الغالبية العظمى من الشعب المصرى تؤيد (السادات) وتحبه وربما لا تشارك المثقفين رأيهم المعارض لاتفاقية السلام». وأشارت الوثيقة إلى جهود الحكومة المصرية فى التضييق على هؤلاء المعارضين، خصوصاً اليساريين فى وسائل الإعلام، كما تم منع الكاتب «محمد حسنين هيكل» من السفر بعد اتهامه بأن كتاباته خارج مصر تمثل تهديداً للأمن القومى المصرى.
وأشارت وثيقة أخرى بتاريخ 18 نوفمبر 1977 إلى أن تصريح «السادات» المفاجئ فى أحد خطاباته بالبرلمان المصرى باستعداده للذهاب إلى الكنيست الإسرائيلى «كان مفاجئاً، لرئيس الوزراء الإسرائيلى مناحم بيجن، الذى امتص المفاجأة ووجّه إليه دعوة لزيارة إسرائيل». وأشارت الوثيقة إلى أن تلك المبادرة لقيت تشجيعاً من المصريين، وأن «(السادات) مقتنع بشدة بأن زيارته لإسرائيل سوف تكسر الحاجز النفسى الذى منع إقامة أى مباحثات سلام بين العرب وإسرائيل». وتابعت الوثيقة: «رغم إنكار الإسرائيليين أن دعوتهم لـ(السادات) هى محاولة لعقد سلام منفرد مع مصر، فإنه (بيجن) يهدف -على الأرجح- إلى ذلك، خصوصاً فى حال فشل محادثات (جنيف) للسلام»، علاوة على أن الإسرائيليين حاولوا إيصال رسالة للعالم مفادها «أنهم راغبون فى السلام مع مصر حتى لو كان سلاماً منفرداً» (أى مع مصر وحدها وليس باقى العرب)، وهى الرسالة التى أكدها وزير الدفاع الإسرائيلى «موشى دايان» عندما أشار إلى أن حكومة «(بيجن) ربما تكون مستعدة لعقد اتفاق سلام (انتقالى)، ولكن الإسرائيليين يخشون أن يتغلب عليهم (السادات) فى المفاوضات وينجح فى الظهور بمظهر المرونة بينما يظهر الإسرائيليون كدولة متعنتة وغير متحمسة للسلام، مما قد يدعم جهود (السادات) لدفع الولايات المتحدة لممارسة ضغوط أكبر على إسرائيل لتقديم تنازلات خلال عملية المفاوضات، وبطبيعة الحال سيقاوم الإسرائيليون أى تغيرات أو تنازلات فعلية، ولن يقبلوا بالتفاوض فى جنيف مع وفد عربى موحد، لأنهم يفضلون التفاوض مع كل دولة عربية، كل على حدة».
وفى برقية بتاريخ 16 أغسطس 1978، أشارت المخابرات الأمريكية -وذلك قبل بدء محادثات «كامب ديفيد» بوقت قصير- إلى أن المملكة العربية السعودية أعطت إشارات مشجعة لحلفائها العرب بدعم هذه المفاوضات، وحاولت «إقناعهم لعدم التعليق على هذه المفاوضات.. قبل معرفة نتائجها».
ودافعت وثيقة أخرى للمخابرات الأمريكية بتاريخ 18 فبراير 1976 عن سياسات «السادات» الخارجية وبرّأته من الاتهامات التى لاحقته بالعمالة والتبعية لواشنطن، إذ قالت «إن سياسات مصر فى عهد الرئيس السادات على مدى السنوات القليلة الماضية قدّمت المثال الأكثر وضوحاً على المرونة بين الدول العربية».
وتابعت: «رغم أن (السادات) يتهم من قِبل معارضيه بأنه رهَن مصالح مصر بالمصالح الأمريكية، فإن الصراع بين (السادات) والاتحاد السوفيتى قد برهن على أن (السادات) كان قلقاً من الهيمنة الخارجية على القرار المصرى، وراغباً فى الحفاظ على استقلال مصر بعيداً عن أى سيطرة خارجية، ويحاول بناء أسس للسياسة الخارجية المصرية تقوم على علاقات تعاونية متبادلة مع أى دولة يمكن أن تساعد مصر بما فيها الولايات المتحدة». وأضافت الوثيقة: «(السادات) أصيب بخيبة الأمل فى حليفه السوفيتى، عقب الانفراجة التى حدثت فى العلاقات بين واشنطن وموسكو، حيث كان (السادات) كان يتوقع أن يقوم السوفيت بالضغط خلال القمم الأمريكية السوفيتية فى عامى 1972 و1973 لصالح القضايا العربية، لكن الاجتماعات كانت مثالاً على إمكانية توافق القوى العظمى على بعض القضايا على حساب الدول الصغيرة».
وأضافت الوثيقة أن «(السادات) يرى أن الولايات المتحدة بيدها جميع الأوراق وتستطيع التأثير فى التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض، والتى من شأنها أن تجعل الإسرائيليين ينسحبون من الأراضى العربية المحتلة، كما أن اتجاه (السادات) لإقامة علاقات مع الولايات المتحدة ينطوى على شىء أكثر تعقيداً من مجرد اعترافه أو إقراره بحقيقة أن الولايات المتحدة هى فقط القادرة على تحقيق تقدم حقيقى نحو هذا الهدف، فهو يعلم أنه لا الجيوش العربية ولا حتى الجهود الدبلوماسية السوفيتية قادرة على استعادة الأراضى المحتلة، ويعلم علم اليقين أنه إذا أراد إعادة بناء الاقتصاد المصرى، فيجب أن يسعى لجذب الاستثمارات والمساعدات، سواء الأمريكية أو الغربية بشكل عام».
وتابعت الوثيقة «أن (السادات) كثيراً ما يتحدث عن تغيّر موقف الولايات المتحدة تجاه الصراع العربى - الإسرائيلى. ويرى أن حرب أكتوبر 1973 قد أجبرتها على الرؤية الصحيحة لمصالحها الحقيقية فى الشرق الأوسط، ويرفض (السادات) الدبلوماسية المتحجّرة التى تنتهجها الدول العربية». وأوضحت الوثيقة أن «السادات» يعترف بأنه لا تزال هناك اختلافات جوهرية بين مصر والولايات المتحدة بشأن بعض القضايا مثل القضية الفلسطينية، التى تتطلب بحثاً مشتركاً من أجل التوصل إلى تسوية عن طريق التفاوض بين العرب وإسرائيل.
«CIA»: اغتيال «السادات» احتمال وارد.. وإذا اغتيل ستتأثر علاقة واشنطن والقاهرة بشكل جذرى وسريع
وأشارت الوثيقة إلى أن مصر تدرك جيداً أن المساعدات الأمريكية المقدّمة لإسرائيل هى العامل الرئيسى فى قدرة واشنطن على الحفاظ على ضغوطها على الإسرائيليين لتقديم تنازلات سياسية، كما أن موقف الحكومة المصرية تجاه الولايات المتحدة يعتمد على ما إذا كانت تلك المساعدات تُستخدم عملياً كورقة ضغط على تل أبيب أم لا، وقُبيل حرب أكتوبر عام 1973، عندما اعتقد المسئولون المصريون أن الولايات المتحدة تدعم إسرائيل ليس فقط عسكرياً، بل سياسياً فى احتلالها للأراضى العربية، كانت كل زيادة ولو طفيفة تحدث فى المساعدات الأمريكية لإسرائيل، تجلب ردود فعل سلبية وصخباً إعلامياً، لأن القاهرة شعرت أن تلك المساعدات قد عزّزت قدرة إسرائيل على استمرار احتلالها للأراضى العربية، ولكن بعد نهاية الحرب لم تعد زيادة المساعدات تجلب أكثر من احتجاجات شكلية، فـ(السادات) بات يدرك أن المساعدات المقدمة لإسرائيل تُستخدم للضغط عليها، وقد استفادت مصر من تلك الضغوط استفادة ملحوظة».


وتابعت الوثيقة: «على الرغم من أن المصريين لم يتفهموا أن تقديم مساعدات أمريكية لإسرائيل له أثر عاطفى كبير على الكثير من الأمريكيين اليهود ومن غير اليهود، فإن القادة المصريين باتوا يقبلون بهذا كتحدًّ لقدرتهم على كسب الدعم الأمريكى لمصر ومحاولة إقامة علاقات وآفاق بعيدة المدى مع الولايات المتحدة».

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق