الثلاثاء، 17 نوفمبر 2015

«فضيحة لافون».. الإرهاب الإسرائيلي في مصر الإرهاب الإسرائيلي في مصر 2


«فضيحة لافون».. الإرهاب الإسرائيلي في مصر الإرهاب الإسرائيلي في مصر 2

«الموساد» جند عملاء يهود لتنفيذ سلسلة تفجيرات ضد أهداف أمريكية وبريطانية فى مصر أصابع الاتهام وجهت إلى الإخوان والشيوعيين.. والكشف عن متهم بـ «محض الصدفة» قاد إلى سقوط الشبكة إسرائيل لا تزال تحتفل بمنفذى التفجيرات باعتبارهم «أبطال قدموا خدمات جليلة لبلدهم "فضيحة لافون".. هو ذلك الاسم الذي اشتهرت به عمليات التفجير المدبرة التي شهدتها الأراضي المصرية عام 1954 واستهدفت على وجه الخصوص تدمير المنشآت الأمريكية والبريطانية، الموجودة في مصر، لأجل زعزعة الأمن المصري وتوتير الأوضاع بين مصر والولايات المتحدة وعرقلة الخطط البريطانية بالجلاء عن مصر. وعلى الرغم من مرور أكثر من 60 عامًا على وقوع هذه العمليات الإرهابية وضبط مرتكبيها ومحاكمتهم أمام القضاء على أفعالهم الإجرامية، إلا أن الذاكرة الإسرائيلية لاتزال تستحضرها باعتبارها "عملاً بطوليًا يستحق من قاموا به شهادات التقدير والتكريم وتقليدهم الأنواط التذكارية نظير دورهم في تأمين أمن دولة إسرائيل". وكرم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مؤخرًا، اثنين من ضباط "الموساد" الذين خططو ونفذوا التفجيرات، وهما الضابطين مارسيل نينو وروبرت ديسا، بعد أن منحهما شعار "الموساد" الذي يرمز إلى الشجاعة في تنفيذ المهام داخل الدول العربية والإسلامية. والاحتفاء بمنفذي العملية في إسرائيل، ليس هو الأول من نوعه فقد سبق وأن قام الرئيس الإسرائيلي الأسبق موشيه كاتساف قبل سنوات بتسليم رسائل شكر إلى ثلاثة من عناصر الشبكة هم: مارسيل نينو، روبرت ديسا، ومائير زعفران، وسلمت رسائل أيضًا إلى عائلات ستة آخرين من عناصر الشبكة منهم اثنان أعدما في مصر بعد الحكم عليهما بالموت. وعبرت مصر عن غضبها وقتها، إذ أبدى وزير الخارجية أحمد أبو الغيط آنذاك دهشته واستغرابه إزاء تكريم إسرائيل لهؤلاء الإرهابيين ومنحهم الأوسمة على ما قاموا به من أعمال تخريبية على الأراضي المصرية. السطور التالية تستعرض "فضيحة لافون" باعتبارها أشهر عملية إرهابية جرى الكشف عنها، وتسلط الضوء على دور إسرائيل التخريبي في مصر. لم يكن قد مر عامان بعد على ذكرى ثورة 23 يوليو، التي قادتها بنجاح مجموعة "الضباط الأحرار" من المنتمين للجيش المصري والذين أطاحوا بحكم الملك فاروق الأول، حتى بدأت إسرائيل تعد العدة لمرحلة جديدة في صراعها مع العرب بعد نكبة عام 1948م، إذ كان الاعتقاد السائد لدى إسرائيل حينئذ هو أن الدول العربية لن تلبث أن تعمل على الانتقام لكرامتها المهدورة، وستستعد لخوض حرب جديدة ضد إسرائيل. ومع استقالة ديفيد بن جوريون من رئاسة الوزراء ووزارة الدفاع في العام 1954م، جاء بدلا منه موشي شاريت في رئاسة الوزراء وبنحاس لافون في وزارة الدفاع، بالتزامن مع ما كانت تشهده مصر من تطورات في ذلك الحين وتتهيأ للحصول على الاستقلال التام من بريطانيا بسحب الأخيرة قواتها المرابطة في منطقة القناة، ومع الانفتاح المصري في العلاقات مع الإدارة الأمريكية الجديدة بقيادة الرئيس ايزنهاور، أدركت إسرائيل مخاطر تهديد هذه التطورات لمصالحها، فبدأت تُعد العدة للدخول في صراع من نوع آخر، تأمل من نتائجه أن يؤدي إلى تجميد الانسحاب البريطاني من مصر وأن يؤدي إلى تدهور العلاقات المصرية - الأمريكية في مهدها. وكان ذلك الهدف هو أساس خطة للتخريب والتجسس في مصر وضعتها المخابرات العسكرية في الجيش الإسرائيلي، وتقضي بتنفيذ عمليات ضد دور السينما والمؤسسات العامة، وبعض المؤسسات الأمريكية والبريطانية. وبدأت إسرائيل في تشكيل مجموعة لتنفيذ هذه العمليات التخريبية في مصر وأوكلت مسئوليتها إلى المقدم موردخاي بن تسور صاحب فكرة إنشاء شبكات تجسس في مصر، والذي أوعز بدوره للرائد أبراهام دار لدخول مصر بجواز سفر مزور لرجل أعمال بريطاني يحمل اسم جون دارلينج. وبعد وصوله إلى مصر تلقى قائد العملية برقية تضع مجموعة من الأهداف للحيلولة دون التوصل إلى اتفاقية مصرية بريطانية، وإلى تدمير وتوتير العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وذلك من خلال استهداف المراكز الثقافية والإعلامية، والمؤسسات الاقتصادية البريطانية، وسيارات الممثلين الدبلوماسيين البريطانيين وغيرهم من الرعايا الإنجليز. واستخدمت إسرائيل موجات راديو إسرائيل لنقل رسائلها إلى عملائها في مصر عبر برنامج منزلي يومي تلقوا من خلاله إشارة بدء العملية، عندما أذاع البرنامج طريقة عمل "الكيك الإنجليزي". وفي 2 يوليو 1954، وقعت أولى الانفجارات التخريبية، عندما انفجرت ثلاثة صناديق في مبنى البريد الرئيسي في مدينة الإسكندرية، لكنها لم تؤد إلى خسائر كبيرة وإن ألحقت فقط أضراراً طفيفة في موقع الانفجار الذي تولى التحقيقات في ملابساته الصاغ ممدوح سالم أحد أعضاء مجلس قيادة الثورة. وعثرت الشرطة في موقع الانفجار على بعض الأدلة مثل: علبة اسطوانية الشكل لمسحوق منظفات وبعد الفحص تبين أنها كانت تحتوي على مواد كيميائية وقطع صغيرة من الفوسفور الأحمر. كما تم العثور على جراب نظارة يحمل اسم محل شهير في الإسكندرية يملكه أجنبي يدعي مارون أياك. لم يمر 12 يومًا من تاريخ الحادث الأول في الإسكندرية، حتى شهدت المدينة ذاتها انفجار قنبلة في المركز الثقافي الأمريكي في الإسكندرية في 14 يوليو. وفي مساء اليوم ذاته انفجرت قنبلة أخرى في المركز الثقافي الأمريكي بالقاهرة. ومن الدلائل التي عثر عليها في موقع الانفجارين، ثلاثة أجربة نظارات مماثلة لذلك الذي عثر عليه في الحادث الأول وتحتوي على بقايا مواد كيميائية. حتى ذلك الحين لم يكن ثمة ما يشير إلى هوية مرتكبي هذه التفجيرات المتعمدة وإن حامت شبهات السلطات المصرية في حينها حول الشيوعيين و"الإخوان المسلمين". إلا أن أولى الخيوط التي قادت إلى كشف غموض الحوادث الثلاثة والتعرف على هوية منفذيها، ظهرت بمحض الصدفة، عندما قاد الحظ العاثر أحد هؤلاء الإرهابيين للسقوط في قبضة الشرطة، أثناء استعداده لتنفيذ أحد التفجيرات التي كان سيتم تنفيذها يوم الاحتفال بالذكرى السنوية الثانية للثورة في محطة القطارات ومسرح ريفولي بالقاهرة وداري سينما "ريو ومترو" في الإسكندرية. فقد اشتعلت إحدى المتفجرات في جيب العميل المكلف بوضع المتفجرات بدار سينما "ريو"، وصادفه بعض المارة الذين سارعوا لإنقاذه من دون أن يعرفوا نواياه، لكن رجل شرطة كان متواجدًا في المكان تشكك في تصرفاته فاصطحبه إلى المستشفى بدعوى إسعافه من أثار الحريق، وهناك قال الأطباء إن جسم الشاب ملطخ بمسحوق فضي لامع وأن ثمة مسحوق مشابه في جراب نظارة يحمله في يده، ورجح الأطباء أن يكون الاشتعال ناتجاً عن تفاعل كيميائي. وبتفتيش الشاب عثر معه على قنبلة أخرى عليها اسم مارون أياك صاحب محل النظارات. وتم اعتقال العميل واسمه فيليب ناتاسون يهودي الديانة وعمره (21 عامًا)، ليبدأ من هنا سقوط عملاء الشبكة الإرهابية الإسرائيلية تباعًا، بعد اعترافه بأنه عضو في منظمة إرهابية هي المسئولة عن التفجيرات والحرائق الغامضة في القاهرة والإسكندرية. وبتفتيش منزله عثر على مصنع صغير للمفرقعات ومواد كيميائيه سريعة الاشتعال وقنابل حارقة جاهزة للاستخدام وأوراق توضح طريقة صنع القنابل، كما تم العثور على شرائح ميكروفيلم، تبين لاحقًا أنها دخلت مصر قادمة من باريس بالتتابع بأن لصقت على ظهور طوابع البريد! وأتضح أن هذه الشرائح تحتوى على سبع وثائق عن تركيب واستعمال القنابل الحارقة إضافة إلى شفرة لاسلكي وأشياء أخرى. وقاد القبض على هذا العميل إلى القبض على اثنين آخرين متورطين في العمليات الإرهابية؛ وهما: فيكتور موين ليفي مصري الجنسية يهودي الديانة عمره (21 عامًاً) مهندس زراعي، روبرت نسيم ديسا مصري المولد يهودي الديانة عمره (21 عامًا) يعمل في التجارة. وأثناء تحقيقات السلطات المصرية مع العملاء الثلاثة حاولت أقوالهم إخفاء ضلوع إسرائيل في الوقوف وراء هذه العمليات، بزعمهم أنهم يعملون بشكل فردي دون محرضين أو ممولين، وأنهم ما نفذوا هذه التفجيرات إلا لإظهار "حبهم لمصر ومساهمة في قضيتها الوطنية ولكي يعرف الإنجليز والأمريكان أنهم سيخرجون من مصر بالقوة والإرهاب!!". وسرعان ما تبين أن هؤلاء اليهود هم أعضاء فى شبكة سرية إسرائيلية شكلتها الاستخبارات العسكرية لنسف العلاقات بين مصر والغرب أثناء التفاوض على الانسحاب البريطانى من قناة السويس. وتم القبض على بقية عناصر الخلية الإرهابية وهم: صمويل باخور عازار يهودي الديانة عمر (24 عامًا) مهندس وهو مؤسس خلية الإسكندرية، ماير موحاس ذو الأصل البولندي وهو يهودي الجنسية عمره (22 عامًا) يعمل مندوب مبيعات، والأخير هو الذي كشف في اعترافاته عن جون دارلينج أو ابراهام دار الذى اتضح فيما بعد أنه قائد الشبكة ومؤسس فرعيها بالقاهرة والإسكندرية وأحد أخطر رجال المخابرات الإسرائيلية في ذلك الوقت. وكشف كذلك عن موسى ليتو وهو طبيب جراح والمسؤول فرع القاهرة، والذي قادت اعترفاته إلى القبض على فيكتورين نينو الشهيرة بمارسيل وماكس بينيت وإيلي جاكوب ويوسف زعفران وسيزار يوسف كوهين وإيلي كوهين الجاسوس الشهير الذى أفرج عنه فيما بعد. وشملت قائمة المتهمين في القضية 11 متهمًا، أصدرت محكمة القاهرة العسكرية في ديسمبر عام 1954، عقوبات مختلفة في حق معظمهم تراوحت ما بين الإعدام لشخصين هما: موسى ليتو مرزوق (مسؤول خلية القاهرة) وصمويل بخور عازار (مسؤول خلية الإسكندرية في البداية)، والأشغال الشاقة لكل من: فيكتور ليفي (مسؤول خلية الإسكندرية عند القبض عليه) وفيليب هرمان ناتاسون (عضو)، والأشغال الشاقة لمدة 15 سنة لكل من: فيكتورين نينو (مسؤولة الاتصال بين خلايا التنظيم) وروبير نسيم ديسا(عضو)، والأشغال الشاقة لمدة 7 سنوات لكل من: مائير يوسف زعفران (عضو) وماير صمويل ميوحاس (مسؤول التمويل في خلية الإسكندرية). وتجاهل الحكم ماكس بينت (حلقة الاتصال بين الخارج والداخل) لأنه كان قد انتحر في السجن، وأعيدت جثته لإسرائيل بعد ذلك بأعوام. كما تم تبرئة إيلي جاكوب نعيم (عضو) وسيزار يوسف كوهين (عضو). وقد أثارت هذه القضية موجة من الغليان داخل إسرائيل، بعد أن اتضح أن رئيس الوزراء آنذاك موشي شاريت لم يكن على علم بالعملية قبل حدوثها على الإطلاق، ووجهت الأصابع إلى وزير الدفاع بنحاس لافون الذي عرفت الفضيحة لاحقًا باسمه، وتم التحقيق معه لكن التحقيق لم يسفر عن شئ. إذ استقال لافون من منصبه مجبًرا وعاد بن جوريون من جديد لتسلم منصب وزير الدفاع، كما عزل بنيامين جيلبي مسئول شعبة المخابرات العسكرية ليحل محله نائبه هركافي. وفي 31 يناير 1955م تم تنفيذ حكم الإعدام في حق موسى ليتو مرزوق وصمويل بخور عازار، واعتبرهما شاريت "شهداء"، ووقف أعضاء الكنيست حددًا على وفاتهما، وأعلن في اليوم التالي الحداد الرسمي ونكست الأعلام الإسرائيلية وخرجت الصحف بدون ألوان وأطلق اسما الجاسوسين على شوارع بئر سبع. وقد مورس على النظام المصري وقتذاك ضغوطات من أطراف دولية لحثه على الإفراج عن هؤلاء الإرهابيين فقد بعث الرئيس الأمريكي ايزنهاور برسالة شخصية إلى الرئيس جمال عبد الناصر يطلب الإفراج عن المحتجزين "لدوافع إنسانية" وبعث ونستون تشرشل رئيس الوزراء البريطاني ومسؤولين فرنسيين بخطابات وطلبات مماثلة غير أنها جميعا قُوبلت بالرفض المطلق. لكن في بداية عام 1968 تم الإفراج عن سجناء القضية ضمن صفقة تبادل للأسرى مع مصر في أعقاب نكسة يونيو، واستقبلوا في إسرائيل استقبال الأبطال وحضرت رئيسة الوزراء الإسرائيلية آنذاك جولدا مائير بنفسها حفل زفاف مارسيل نينو بصحبة وزير الدفاع موشي ديان ورئيس الأركان. وتم تعيين معظم هؤلاء الجواسيس في الجيش الإسرائيلي كوسيلة مضمونة لمنعهم من التحدث بشأن القضية. وقد عادت أسماء هؤلاء الإرهابيين لتترد في وسائل الإعلام الإسرائيلية في الشهر الماضي باعتبارهم قاموا بعمل بطولي استحقوا عليه التقدير والتكريم من جانب الرئيس الإسرائيلي موشيه كاتساف. ما يحمل إشارة عكسية إلى المدافعين عن إسرائيل باعتبارها دولة "محبة للسلام، وكارهة للإرهاب" تدحض صدق دعواهم وتحمل دليل إدانة الدول العبرية في التورط في جرائم الإرهاب في المنطقة التي كشف عن القليل منها في حين حمل الكثير منها بصمات إسرائيل رغم عدم اتهامها رسميًا بذلك.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق