الثلاثاء، 17 نوفمبر 2015



مصر.. واقعٌ أليمٌ ومستقبلٌ مجهول!
ينظر المسلمون في شتى بقاع الأرض إلى مصر على أنها وطن لهم وأمل لهم في نصرة الإسلام والمسلمين.. أحوال كل الدول تتأثر بحال مصر سلبًا وإيجابًا في جميع جوانب الحياة العلمية والدينية والثقافية والاجتماعية والسياسية.. لذلك فإن حال مصر لا يشغل المصرين فحسب، بل يهتم به المسلمون جميعًا.

لا شك أن مصر هي نبض العرب وقلب الإسلام، لا سيما بعد انهيار العراق وتمزُّق سوريا، فلم يبقَ إلا مصر... هكذا قديمًا وحديثًا يعمد الأعداء إلى دول الإسلام فينال من جميعها إلا مصر، {ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} [يوسف من الآية:99]، هكذا كانت وتكون بفضل الله، مصر شريان العالم الإسلامي الذي يمده بالعلم والخير، جند مصر خير الأجناد، ثمار أرضها مصر أفضل الثمار، أشار إليها القرآن كبديل عن المنَّ والسلوى، أما شعبها أطيب شعب وخير شعب يُقاد لا يخذِلون أحدًا، ودورها أمان لكل خائف.

ينظر المسلمون في شتى بقاع الأرض إلى مصر على أنها وطن لهم وأمل لهم في نصرة الإسلام والمسلمين.. أحوال كل الدول تتأثر بحال مصر سلبًا وإيجابًا في جميع جوانب الحياة العلمية والدينية والثقافية والاجتماعية والسياسية.. لذلك فإن حال مصر لا يشغل المصرين فحسب، بل يهتم به المسلمون جميعًا.

أما واقع مصر اليوم فهو مُرٌّ أليم يُحزِن القلب ويدمي العين.. تفرَّق المسلمون فيها شِيعًا، وانقسموا أحزابًا، لا يعتصمون جميعًا بحبل الله، ولا يتعاونون على البِرِّ والتقوى، بل تنازعوا فيما بينهم، وتعصَّبوا لانتمائاتهم الحزبية والفكرية، ففشل الجميع وانتكسوا بالدعوة عشرات السنين، وفقد الناس الثقة فيهم، ولم تعد لهم هيبة بين العامة.

تملك المصريين شعورًا بالحرية المطلقة (الفوضى)، فعمَّت الفوضى والارتجالية وانعدم النظام وانفلت اللصوص والمجرمون يعيثون في الأرض فسادًا، ورجال الأمن قصَّروا في تأدية واجبهم مع المجرمين فضلًا عن التعاون معهم في بعض الأحيان، فانساح في البلاد انفلاتًا أمنيًا لم يشهد له مثيل، أدَّى إلى كسادٍ تجاري، وركود اقتصادي، وارتفاع في الأسعار، واحتكار لبعض السلع، فضلًا عن الفساد الإداري الذي تجاوز الحدود.

أما بالنسبة لعقول الناس فقد سيطر عليها إعلام الفتنة يُنفِق عليه المفسدون أموالًا طائلة من قوت الكادحين ومقدرات الأمة، سلبوها ونهبوها إبَّان الحقبة المظلمة التي مرَّت بها مصر، وها هم ينفقونها ليصدوا المصلحين عن النهوض بالبلاد ولينشروا الفساد بين العباد، يتصدَّر هذا الإعلام رؤسًا جُهَّالًا كأنهم سحرة لا ضمير يؤنبهم ولا خُلقٌ يردعهم! ذِممهم تباع، يُضلِّلون الناس وينشرون الأكاذيب ويقلِبون الحقائق، يبثون في الناس الميوعة والإباحية، ويُروِّجون لفكر الغرب وثقافته في مناهضة الإسلام وتنفير الناس منه بالكذب والتضليل.

أما على الصعيد الخارجي، فإن مصر تواجه الكثير من التحديات التي تؤثر على السياسة الخارجية للبلاد وأيضًا على الشأن الداخلي، فإن اضطراب الأوضاع الداخلية يُثير لعاب أعداء الأمة في التحريض وإثارة القلاقل الداخلية والخارجية، فضلًا عن التدخل السافر في الشأن الداخلي لتعميق الفجوة واتساع الخلاف، وإن تظاهروا بخلاف ذلك!

ولا ينبغي تجاهل أعدى الأعداء أعوان إبليس من اليهود ومن سار على دربهم.. فهم يتحينون الفرصة للانقضاض على مصر ولا يكادون يملُّون من تدبير المكائد، وإحكام الدسائس وشِراء الذِمَم، بأيديهم وبأيدي حلفاؤهم، ودورهم الخبيث -في إحداث فوضى الربيع العربي الخلَّاقة- معلوم!

هذا ومن وراء ذلك تقف إيران بعداوتها لأهل السنة تعمل على نشر التشيُّع بين داخل المجتمع المصري السني مستغلة أزمة مصر وفقر المصريين، حيث تُخصِّص إيران لهذا المخطط الخبيث أموالًا وإمكانيات هائلة لتمكينهم من تنفيذ مخططهم الخبيث، وذلك على حساب المجتمع الإيراني الفقير، وقد تم مؤخرًا الكشف عن العديد من التنظيمات السرية التي تعبث في الظلام على تنفيذ هذا المخطط.

وكل هذه التحديات تعمل على عرقلة الاقتصاد المصري ووقف نموه، بما يؤثر على مكانة مصر الدولية وتماسكها الداخلي.

يروق لنا في السطور القادمة أن أُقدِّم أهم المعايير، التي ينبغي أن يختار المصريون رئيسهم على أساسها في يوم من الأيام، ولتكون هذه المعايير بمثابة النبراس الذي يُضيء للمصرين طريقهم ونورًا يهتدون به يبصرهم بالأجدر على قيادة سفينتهم وتولِّي أمرهم.

إن الله تعالى قد أشار في كتابه العزير إلى أهم التي لا بد أن تتوافر فيمن يلي أمر الناس كحدٍ أدنى، على لسان ابنة شعيب عليهما السلام وذلك في قوله تعالى: {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} [القصص من الآية:26]، وفي صفات طالوت الذي اصطفاه الله ملكًا على بني إسرائيل ليبني دولتهم ويقهر عدوهم، وقد عزى أسباب اصطفائه لطالوت إلى هاتين الصفتين، قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ} [البقرة من الآية:247]، ومنه أيضًا الصفتين اللتين زكَّى بهما يوسف عليه السلام نفسه عند عزيز مصر.. ليجعل على خزائن البلاد، قال تعالى: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف:55].

نستخلص مما سبق أن الأجدر بحكم مصر لا بد أن تتوافر فيه ثلاث صفات أساسية كلها أو جلها مرتبة من الأعلى إلى الأدنى:

1- القوة:
إن الأجدر بحكم مصر لا بد أن يحوز من القوة والمَنعَة ما يدين بها البلاد ويُخضِع بها العباد، ويُسيطر على مراكز القوى، وأن يقبض على زمام الأمور وألا ينازعه الرأي أحد إلا مشورةً، يقضي على الفتن ويُخمِد الانقلابات ويضبط الأمور فتدور عجلة الإنتاج وينمو الاقتصاد.

أن تكون له هيبة في نفوس شعبه لا يتجرء عليه الرويبضة ويهزء منه التافهين ويستهين به كل ناعق، حاكمًا لا يكون مضطرًا إلى موالاة اللكع حملة لواء العُري والإباحية الذين خدعوا الناس وأفسدوهم، وألا يكون مُجبرًا في اختيار بطانته ومستشاريه.

إن الأجدر بمصر حاكمًا تكون له رهبة في قلوب أعدائه، لا يتجرئون على حدوده ولا المساس بسياسته داخليًا وخارجيًا، يكشف مؤامراتهم ويدحض مكائدهم، ويمحو دسائسهم.

2- العلم والخبرة:
إن الجدير بحكم مصر لهو الخبير بفنون الإدارة، البصير بأحوال العبد، المُدرِك لِكَنه النفوس وطبائع الناس، إنه الشمولي الألمعي الذي لديه عِلمٌ ودراية في مختلف المسئوليات المنوط بها والمهمات التي أُلقِيَت على عاتقه، لا سيما في المجالين العسكري والاقتصادي.

ومن الضروري خاصةً في هذه المرحلة الحرجة أن يكون مُحايدًا، يقف على مسافة واحدة من الجميع، حتى يتسنى له جمع الناس بعد فرقة وتأليفهم بعد نفور، ويكون لديه موهبة في جذب الناس واستمالتهم، وأن يكون لخطاباته وقعًا في النفوس، ولنشاطه تأثيرًا في اتجاهات الناس، يصطفي لنفسه البطانة الصالحة، ويصرِف عنه أهل السوء والمنافقين، أن يكون مستشاروه من أمثال ابن حيوة وليسوا من أمثال ابن العلقمي!

3- الأمانة:
أن يكون لينًا في غير ضعف، شديدًا في غير عنف، القوي عنده ضعيف حتى يأخذ الحق منه، والضعيف عنده قوي حتى يأخذ الحق الذي له، أن يكون رفيقًا بالرعية رحيمًا بهم، {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء:215]، وأن يعمل بمقتضى قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ . إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ} [آل عمران:159-160].

أن يكون مُدرِكًا لحجم المسئوليات التي كُلِّف بها، وأن يعلم أن الحكم تكليف وليس تشريف، فهو ظل الله في الأرض، يأوي إليه كل مظلوم، فإن عدل كان له الأجر وعلى الرعية الشكر، وإن جار أو حاف أو ظلم كان عليه الوِزر وعلى الرعية الصبر.

ومن المعلوم أن الجانب الأمني أهم بكثر من الجانب الاقتصادي، والأخير يقوم على الأول، وإذا اضطرب الأمن اضطربت الحياة بكل معانيها وصورها، فإنك إذا ما أحضرت غزالتين،  قيَّدت حركت إحداهما ووضع أمامها سبعًا من السباع يزئر أمامها، مع وجود غذاء لها، والأخرى مُنِعَ عنها الغذاء مع الأمن، فأيهما تنفق قبل الأخرى، لا شك أن الخوف إذا سيطر على النفس صرفها عن كل مظاهر الحياة ونعيم الدنيا.

والله الموفق والمستعان!
  
تقرير لمنظمة الشفافية الدولية:الفساد خطر علي النمو الاقتصادي في مصر
العالم اليومنشر في العالم اليوم يوم 10 - 06 - 2010
حذر تقرير حديث لمنظمة الشفافية الدولية من ضعف المؤسسات المسئولة عن مكافحة الفساد الذي يمثل خطرا علي التنمية المستدامة والنمو الاقتصادي والتماسك الاجتماعي وأشار إلي ان القوانين الحالية تعاني من ثغرات هائلة تعوق الجهود المبذولة لمكافحة الفساد.
وطالب التقرير الحكومة بمواصلة الإصلاحات التشريعية والقانونية وسرعة اصدار قانون حرية تداول المعلومات وحماية المبلغين وعلي الدولة ان تزيد من قوة آليات المساءلة الافقية والرأسية عن طريق حماية استقلالية اجهزة الاشراف العامة وزيادة مشاركة المواطنين في عمليات الحوكمة المهمة والضرورية وعلي الحكومة والمجتمع المدني بجميع فئاته الترويج لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد باعتبارها وثيقة اطارية مناسبة للنهوض بالإصلاح لمكافحة الفساد في القاهرة والممارسة الفعلية ولذلك فعلي منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص ان تلزم نفسها بأعلي معايير المساءلة والشفافية في اعمالها وشئونها الداخلية وعلي الدولة ان تحترم وتحمي حريات انشاء الجمعيات وحريات التعبير باعتبارها من الحقوق الأساسية للمواطنين والمنظمات غير الحكومية والمؤسسات الإعلامية للانخراط في الشئون العامة في الدولة بما في ذلك مكافحة الفساد وعلي السلطة التنفيذية ان تسمح بتقوية دور البرلمان والسلطة القضائية وهيئات الرقابة العامة بوصفها جهات فعالة للمراجعة علي عملياتها ولابد من تعزيز الإصلاح في مجال الخدمة المدنية وزيادة الفرص المتاحة امام مشاركة المواطنين في مراقبة انشطة القطاع العام وعلي جميع الاطراف المعنية ان تستمر في تعزيز الحوار الاقليمي متعدد الاطراف وجهود بناء القدرات في قضايا مكافحة الفساد.
وأشار التقرير الي ان هناك فجوات هائلة في الاحكام القانونية الخاصة بمكافحة الفساد في أربع دول من بينها مصر بالاضافة الي لبنان والمغرب وفلسطين مما يشير الي غياب الالتزام بالممارسات الفعالة بمكافحة الفساد وأعمدة الحكم الرشيد منفصلة عن بعضها البعض وتعمل بدون تنسيق وأكد ان مصر لاتزال تفتقر الي العديد من الحقوق والمؤسسات الديمقراطية وألمح الي ان القطاعين الخاص والعام علي حد سواء لا يفهمون المفاهيم الخاصة بمكافحة الفساد مثل النزاهة والشفافية والمساءلة وفهم بعض القائمين علي هذه المؤسسات ان الاستقلال يعني التفرد المطلق في إدارة هذه المؤسسات دون أي رقيب ومفهوم الاستقلال المالي والإداري والرقابة مفهومان متناقضان متعارضان ينفي احدهما الآخر وذلك يمثل تحديا امام مكافحة الفساد وهناك بعض الممارسات الفاسدة مثل المحاباة والرشوة مترسخة في الثقافة الاجتماعية والسياسية واضاف التقرير ان غياب الضوابط والتوازنات في داخل القطاع الحكومي يشير إلي محدودية الإرادة السياسية لمكافحة الفساد وتمثل عائقا أساسيا أمام تحقيق أي تقدم ملموس.
من جانبه، يقول كريستيان بورتمان مدير البرامج العالمية في منظمة الشفافية الدولية ان نظم الحكم الرشيد في مصر ولبنان والمغرب وفلسطين غير فعالة واحد المعوقات الأساسية لمكافحة الفساد تكمن في السلطة التنفيذية غير الخاضعة للرقابة وهو الأمر الذي يقوض أية محاولات لادخال الضوابط والتوازنات التي تضع النزاهة والمساءلة في قلب الحكم الرشيد واشار كريستيان الي انه بالرغم من اختلاف السياق من بلد لآخر إلا ان هذه الدول تعاني من مشكلة مشتركة وهي التحدي الذي يشكله الفساد بالنسبة للمساءلة والتنمية واشار الي ان المحسوبية والمحاباة للاقارب قد انتشرت بالشكل الذي اصبحت معه مقبولة كمسلمات في الحياة والمواطنين الذين يعلنون ادانتهم لهذه الممارسات يفتقرون الي الحماية لعدم وجود آليات لحماية المبلغين عن الفساد والاحكام المتعلقة بحصول العامة علي المعلومات شديدة الضعف واشار إلي ان التقرير لاحظ عدم وجود هيئات لمكافحة الفساد في مصر حيث نسعي للعمل مع الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص لاقتلاع الفساد كوسيلة لضمان الاستقرار والتنمية الاقتصادية واضاف كريستيان الي ان هناك جانبا ايجابيا في مصر يتمثل في زيادة اعتماد خطط وطنية لمكافحة الفساد وفي الاطر القانونية ذات الصلة بالقوانين التي شرعت ومنها لجنة النزاهة والشفافية وشدد كريستيان علي أهمية ان تكفل الدول استقلالية أجهزة الاشراف العامة ومنها مكاتب التدقيق

دعت إلى استقلال الأجهزة الرقابية.. منظمة الشفافية الدولية : الفساد في مصر يشكل خطرا على التنمية والتماسك الاجتماعي والنمو الاقتصادي
ياسر عبد التوابنشر في المصريون يوم 10 - 05 - 2010
قال تقرير صدر حديثًا عن منظمة الشفافية الدولية المعنية بمكافحة الفساد- خلال اجتماع عقد بالقاهرة أمس - إن النظم غير المتطورة للمساءلة العامة تعوق الجهود المبذولة لمكافحة الفساد في مصر ولبنان والمغرب وفلسطين، مشيرًا إلى أن الأحكام القانونية المتعلقة بمكافحة الفساد في البلدان الأربعة تعاني من ثغرات هائلة، الأمر الذي يشكل خطرا على التنمية المستدامة والتماسك الاجتماعي والنمو الاقتصادي.
ووصف التقرير، أنظمة الحكم في البلدان الأربعة التي شملتها الدراسة بغير الفعالة، وقال كريستيان بورتمان مدير البرامج العالمية في منظمة الشفافية الدولية إن إحدى المعوقات الرئيسية تكمن في السلطة التنفيذية غير الخاضعة للرقابة، الأمر الذي يقوض أية محاولات للضوابط والتوازنات التي تضع النزاهة والمساءلة في قلب الحكم.
ودعت المنظمة الدول الأربع المذكورة إلى أن تكفل استقلالية أجهزة الإشراف العامة، من أمثلة مكاتب التدقيق المحاسبي وأمين المظالم، إضافة إلى زيادة مشاركة المواطنين في عمليات الحوكمة على السلطة التنفيذية، وأن تسمح بتقوية دور البرلمان والسلطة القضائية وهيئات الرقابة العامة بوصفها جهات فعالة للمراجعة على عملياتها.
وأشارت المنظمة إلى أن على الدول الأربع أن تروج لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد كإطار ملائم للنهوض بقوانين مكافحة الفساد، وأن تكفل الاحترام والحماية لحرية المواطنين وحرية المنظمات غير الحكومية في الانخراط في الشأن العام بما في ذلك محاربة الفساد.
ودعت إلى إدخال العمل بنظام لحماية المبلغين عن الفساد، وسن تشريع لحماية حرية تداول المعلومات، إضافة إلى تشريع لحظر تضارب المصالح بالنسبة لشاغلي المناصب العامة وتنفيذ هذه التشريعات.
وحثت منظمات المجتمع المدني على أن تلزم نفسها بأعلى معايير المساءلة والشفافية في أعمالها وشئونها الداخلية، وأن تستمر كافة الأطراف المعنية في تعزيز الحوار الإقليمي وجهود بناء القدرات في قضايا مكافحة الفساد من خلال مبادرات من أمثلة برنامج إدارة الحكم في الدول العربية التابع لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
من جانبه، اللواء محمد الشافعي أشار مساعد رئيس هيئة الرقابة الإدارية في مصر إلى دور الجهاز في كيفية مكافحة الفساد والطرق التي يتم استخدامها في الحد من انتشار الفساد في مختلف القطاعات الحكومية وغيرها من الهيئات الأخرى التابعة لأنظمة الحكم.
وقال إن هيئة الرقابة الإدارية تتبع مباشرة رئيس الوزراء شخصيا، وهو ما أثار استهجان أغلب الحاضرين واستغربوا بشدة من تبعية الجهاز الرقابي لرئيس الحكومة، وتساءلوا: كيف يكون جهاز وظيفته الأساسية الكشف عن الفساد والمفسدين سواء كانوا مسئولين أو قيادات ذو مناصب عليا في الدولة ويتبع في النهاية رئيس الحكومة.
وعندما سألته "المصريون" عن هذا التناقض، رد قائلا: إننا بالفعل جهاز مستقل في عملنا لكن في الوقت ذاته نتبع رئيس الوزراء إداريا وليس فنيا، ويقصد بأسلوب العمل في الكشف عن المسئولين الفاسدين من داخل الجهاز الحكومي.

الشفافية والمساءلة فريضتان غائبتان في مجتمع الصفوة الفاسدة
د. سليمان عبدالمنعم : يكتب ما وراء الحكايات: المغزى والفرص والمخاطر فى اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد
مصر تستضيف مؤتمرا دوليا حول إستراتيجيات مكافحة الفساد بعد غد
اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد: العالم ينفق 40 مليار دولار سنويًا علي الرشاوي
مصر تشارك في مؤتمر إقليمي بالأردن عن «مواجهة الفساد»
أصدقاءك يقترحون
تقرير الشفافية الدولية يعلن عدم وجود جهات رقابية فى مصر.. وخبراء يؤكدون: الحكومات عاجزة عن مكافحة الفساد.. وانتشار الرشاوى لعدم وجود حد أدنى للأجور
شيماء حمدىنشر في اليوم السابع يوم 09 - 05 - 2010
انتقادات حادة وجهها خبراء التنمية الإدارية والبشرية ومكافحة الفساد للأنظمة والحكومات العربية والتى وصفوها بأنها عاجزة عن مكافحة الفساد، وأن الاستبداد فى تبديل المال العام أصبح سمة أساسية فى المجتمعات العربية، خاصة فى ظل سيطرة رجال الأعمال وأصحاب السلطة والنخبة السياسية على مقدرات الدولة وأملاكها، مؤكدين أن الرشوة نسبية فى المجتمعات العربية، فالموظف الصغير يأخذ عشرين جنيها بينما المسئول الكبير تصل رشوته إلى الملايين.
جاء ذلك خلال مناقشة تقرير لجنة الشفافية الدولى صباح اليوم الأحد، بعنوان تحدى الحكم الرشيد فى "مصر ولبنان والمغرب وفلسطين" الذى كشف أن نظم النزاهة بأنها ضعيفة جداً.
قال الدكتور أحمد صقر عاشور خبير الإصلاح الإدارى لمكافحة الفساد إن المنطقة العربية برمتها تعانى من إخفاق مزمن فى مناهضة الفساد وفشل فى تحقيق التنمية المستدامة، بالإضافة إلى اختطاف الدولة من قبل النخب السياسية التى تحاول اللعب بمقدرات الدول التى يعانى فقراؤها من تفشى الفساد.
وأوضح الدكتور عاشور أن عدم وجود نظام وهيكل عادل للأجور يؤدى إلى زيادة انتشار الفساد بين الموظفين.
وقال الدكتور يحيى حكيم المدير التنفيذى للمنظمة بلبنان نحن رعايا وليس مواطنين بالعالم العربى لأننا لو كنا مواطنين لما كان أحد تجرأ على أملاكنا، قائلا مفيش مواطن عربى يسأل عن ميزانيات الصحة والمياه والتربية، وأضاف أحنا بننظر للأمور كما وكأننا معوقين.
"هناك قناعة تامة فى الدول النامية لدى رجال الأعمال أنه لا يمكن أن يتم عمل المشروعات الاستثمارية بدون فساد"، كانت هذه كلمات نانسى باكير المفوض العام للمجتمع المدنى للمجتمعات العربية بجامعة الدول العربية.
وأشار التقرير الذى تم مناقشته إلى أن التدخل السياسى فى عمل الجهات الرقابية العامة والخاصة من أهم أسباب انتشار الفساد، حيث لا تزال الجهات الرقابية العامة والخاصة تفتقر للحرية المطلقة من التدخل السياسى.
ويشير التقرير إلى أن الأحكام القانونية المتعلقة بمكافحة الفساد فى البلدان الأربعة تعانى من ثغرات هائلة، الأمر الذى يشكل خطرا على التنمية المستدامة، والتماسك الاجتماعى والنمو الاقتصادى، كما جاء بالتقرير أنه لا يوجد هيئات لمكافحة الفساد فى مصر.
هذا الهجوم الحاد على دور الجهات الرقابية دفع اللواء محمد الشافعى نائب رئيس هيئة الرقابة الإدارية إلى التأكيد على رفض ما جاء فى التقرير والاعتراض عليه، مؤكدا على أن الهيئة منوط بها مكافحة الفساد وضبط الجرائم الجنائية.
وعلى الصعيد الإيجابى، يشير التقرير إلى زيادة فى اعتماد خطط وطنية لمكافحة الفساد وفى الأطر القانونية ذات الصلة بما فى ذلك القوانين التى سنت فى فلسطين لتعزيز استقلالية القضاء وسن مشروع تشريع يكفل الوصول إلى المعلومات فى لبنان وخطة الجهاز المركزى لمنع الفساد فى المغرب ولجنة النزاهة والشفافية فى مصر.
الشفافية والمساءلة فريضتان غائبتان في مجتمع الصفوة الفاسدة
وقبل 44 عاماًً نشرت آخر ساعة في عددها الصادر في 14 يناير 1955 خبراً مماثلاً تحت عنوان " آخر ساعة تحصل علي سر مثير وراء اختلاسات البريد..! ": إن قصة عنايات علي صالح غانية باب الشعرية التي اختلس وهيب جرجس صالح وكيل مكتب بريد الشرابية من أجلها مبالغ تزيد علي ستة آلاف جنيه لم تنته بعد !
وفي أوراق التحقيق أن علاقة عنايات بوكيل مكتب البريد بدأت في أغسطس سنة 1954.. ويقول زوجها إنه تركها من نوفمبر سنة 1953.. ولكنه لم يطلقها بصفة رسمية إلا في إبريل 1954.. وقد فوجئ أن مطلقته حملت وأنجبت الطفل الذي سمته باسم عشيقها في نوفمبر 1954.. ثم نسبته إلي زوجها.. فأصبح اسم الطفل وهيب أنور عبد العزيز..
ويؤكد الزوج أن الطفل ليس ابنه ، ولما كان وكيل مكتب البريد مسيحياً ، وعنايات مسلمة ، فقد أصبحت المسألة شائكة.. فالزوج يبرأ من الطفل.. ويقول إن عنايات نسبته إليه زوراً.. ومن غير المعقول أن يعترف بطفل يحمل اسم عشيق زوجته السابقة !
وتستكمل آخر ساعة..لقد بدأت قصة غرام عنايات ووهيب جرجس في أول أغسطس الماضي.. بدأت بالتعارف في أحد الأفراح.. فقد كانت عنايات تعمل كراقصة من الدرجة الثالثة.. ثم تطورت العلاقة !! غرام عنيف.. فهجر وكيل البريد منزله واستأجر شقة في منطقة حدائق القبة لعنايات..ثم اشتري لها سيارة أوبل أوليمبيا بمبلغ 800 جنيه.. وظل وكيل بريد الشرابية يختلس أموال المودعين بأن يحصل علي إمضاءاتهم ثم يحرق دفاتر المودعين.. وعندما قُبض عليه بعد هروبه ، وجده رجال البوليس بالبيجاما والروب في الشقة التي استأجرها لعنايات بحدائق القبة.. وقالت عنايات إنها لم تكن تعلم عن أحواله المالية شيئاً.. ولقد كان وهيب جرجس يرتكب اختلاساته من أموال المودعين الأميين الذين لا يقرءون ولا يكتبون.. ويقول الزوج أنور عبد العزيز إنه كان يعلم أن زوجته علي علاقة بوهيب جرجس.. وإنه عندما طلقها قامت برفع دعوي تطالبه فيها بنفقة شرعية فحكمت لها المحاكم بمبلغ سبعة جنيهات في الشهر.. ولما رُزقت بهذا الطفل ونسبته إليه زوراً رفعت دعوي ثانية تطالبه فيها بنفقة أخري للطفل !
وليست عنايات أول فنانة يختلس من أجلها أحد الموظفين ستة آلاف جنيه.. فقد سبق أن اختلس موظف في الدرجة التاسعة بوزارة الصحة عشرات الألوف من الجنيهات من أجل نجمة السينما المشهورة كاميليا.. وقد كان أحمد شكري عشيق كاميليا يرأس عصابة خطيرة من موظفي الدولة يكونون شبكة كبيرة في عدة وزارات.. فقاموا باختلاس مبالغ طائلة قُدرت بنصف مليون جنيه !
وتضيف آخر ساعة أن أول فنانة اختلس من أجلها أحد الموظفين مبلغ عشرة آلاف جنيه ذهب هي الراقصة المشهورة شفيقة القبطية.. ويقول الذين عاصروها إن الموظف المختلس كان يعمل صرافاً بوزارة المالية.. كما يقولون أنها اكتشفت قصة اختلاسه في اللحظة الأولي.. فأبلغت عنه البوليس وقُبض عليه في المقهي الذي كانت تديره لحسابها..
وفي سنة 1935 اختلس موظف بوزارة الأوقاف مبلغ عشرة آلاف جنيه ليصرفها علي الراقصة ببا عز الدين وكانت تفتح كازينو باسمها في شارع عماد الدين.. وهذا الموظف اسمه عباس عرفي.. وقد قُبض عليه وأمضي مدة العقوبة في الليمان وعندما خرج كانت ببا قد اشترت كازينو أوبرا من بديعة مصابني.. فزارها عباس عرفي مرتين.. وفي المرة الثالثة طردته من الصالة!
ولا أستعرض هنا أمثلة من تاريخ الفساد بغرض التأصيل لظاهرة الفساد ، أو للتأكيد علي مقولة " من الحب ما قتل "، أو الصلاحية الدائمة للهاجس الأمني " ابحث عن المرأة ".. إنما أُذكر بحكاوي الفساد للإشارة إلي مدي تفاعل تفاصيلها مع متغيرات المجتمع الاقتصادية والتكنولوجية في مواجهة وقبول التحدي من جانب عناصر الفساد عبر العصور ، بل والتفوق في أحيان كثيرة علي العديد من الضوابط الأمنية ، والاحتياطات الإجرائية الحكومية !
الشفافية والمساءلة
ويكفي أن نطالع في الفترة الأخيرة هذا القدر الهائل من الانتقادات الحادة التي وجهها خبراء التنمية الإدارية والبشرية ومكافحة الفساد للحكومات العربية ، والتي وصفوها بأنها عاجزة عن مكافحة الفساد ، وأن الاستبداد في إدارة المال العام أصبح سمة أساسية في المجتمعات العربية، خاصة في ظل سيطرة رجال الأعمال وأصحاب السلطة والنخبة السياسية علي مقدرات الدولة وأملاكها، مؤكدين أن الرشوة نسبية في المجتمعات العربية، فالموظف الصغير يأخذ عشرين جنيها بينما المسئول الكبير تصل رشوته إلي الملايين..
الشفافية والمساءلة مكونان أساسيان من مكونات الحكم الرشيد كما يعرّفه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. إن مفهومي الشفافية والمساءلة مفهومان متلازمان ، ويدعم كل منهما الآخر في إطار اتباع نظام أكثر فعالية لمواجهة تحديات منظومة الفساد التي تواصل تهديد التنمية البشرية ، والأمن الإنساني لملايين الناس في المنطقة العربية ولأعداد أكبر من البشر في مختلف أرجاء العالم.
الشفافية عنصر رئيسي من عناصر المساءلة البيروقراطية يترتب عليه جعل جميع الحسابات العامة وتقارير مدققي الحسابات متاحة للفحص العمومي الدقيق. فالشفافية تقي من الاخطاء الحكومية، ومن ارتكاب خطأ في تقدير الموارد، ومن الفساد. ويعرّف برنامج الأمم المتحدة الإنمائي المساءلة علي أنها الطلب من المسئولين تقديم التوضيحات اللازمة لأصحاب المصلحة حول كيفية استخدام صلاحياتهم وتصريف واجباتهم، والأخذ بالانتقادات التي توجه لهم وتلبية المتطلبات المطلوبة منهم وقبول (بعض) المسئولية عن الفشل وعدم الكفاءة أو عن الخداع والغش.
يجب أن يكون صناع القرار في الحكومة والقطاع الخاص والمجتمع المدني عرضة للمساءلة من قبل الجمهور، فضلا عن مسئوليتهم أمام أصحاب المصلحة في المؤسسات المختلفة. وتتفاوت العمليات التي تضمن حصول المساءلة تبعا لنوع المؤسسة أو المنظمة وما إذا كانت عملية صنع القرار تتخذ في داخل المؤسسة أو تأتي من خارجها.
في يوم الجمعة 31 أغسطس 1925 نشرت الجريدة الأسبوعية المصرية "كشكول " مقالاً افتتاحياً حول عزل محمد سعيد باشا من القوامة علي صاحب السمو الأمير أحمد سيف الدين بقرار من مجلس البلاط ، وذلك لأنه استولي لنفسه من مال الدائرة علي مبلغ اثنين وأربعين ألف جنيه وأودع تحت يد الصراف إيصالات بها ، وكلما طولب بالوفاء عجز عن الرد وطلب أن تقسط عليه فلم يجب المجلس إلي ذلك وأعطاه المهلة التي طلبها للسداد ثم أصدر القرار السابق ذكره..
ويعلق المحرر " نحن لا تدهشنا فداحة المبلغ الذي أخذه حضرة صاحب الدولة لنفسه فقد ألفنا مثل هذه الحوادث تقع في كل زمان ومكان من أناس لا خُلق لهم وصلوا بالحيلة والرياء والملق إلي أن يكونوا صيارفة في مختلف المصالح الأميرية والبيوت المالية أو وكلاء لدوائر فريق من كبار الذوات وأغنياء السيدات بقدر ما يدهشنا ويذهلنا صدور هذا العمل من رجل كان وزيراً للحقانية ورئيساً لوزراء المملكة بالأصالة مرتين وبالنيابة مرة في وقت كانت فيه هذه النيابة فيما يزعم الزاعمون ويعتقد الواهمون تمثل الأمة كافة والبلاد جمعاء وتقوم لدي الأمم الراقية والشعوب المتمدنة رمزاً علي كفاءة المصريين لحكم أنفسهم وعنواناً لما يستحقونه من مكانة عالية تحت سماء الحرية والاستقلال "..
مغطس الخضيري
وينهي الخبر معرباً عن دهشته لارتكاب الأثرياء مثل هذه الجرائم وأضاف المحرر " إن الوفد كان - للأسف - ملجأ الآثمين وبؤرة المعتدين وهو في نظرهم وعقيدتهم " كمغطس الخضيري " عند العامة ينفس فيه ذوو العاهات والعلل أوجاعهم يتلمسون فيه الشفاء من الداء العضال فيخرجون منه وقد تركوا فيه من جراثيم أمراضهم وحملوا منه ما لم يكن بهم من أدواء وأوباء"..
والسؤال: هل مغطس الخضيري مازال موجوداً ؟! وأي مغطس عبقري يمكن أن يحتوي هذا الكم الهائل المتزايد من جراثيم تلك الشرور ؟ والسؤال الأهم: إلي أي حد يمكن استنساخ ذلك المغطس بطول البلاد وعرضها لتضم من جديد ما ترتكبه أيادينا في حق أنفسنا والوطن ، ولكن بالطبع بعد تنقيتها بصفة دائمة حتي لايخرج منها أبطال جدد لحكاوي الفساد ؟
لقد لفت انتباهي إعلان وزارة الدولة للتنمية الإدارية بالأمس القريب نتائج الدراسة التي أعدتها كلية الآداب جامعة القاهرة بمشاركة مركز دعم واتخاذ القرار بمجلس الوزراء حول تحليل أسباب الفساد الإداري ودوافعه علي المستويين الاقتصادي والاجتماعي.. أكدت الدراسة أن 80.9% من المصريين يرون أن أخلاق الناس تغيرت هذه الأيام ، وأن 83.6% من المصريين يرون أن الفساد زاد في مصر ، أكدت الدراسة أن غالبية رجال الأعمال ذوي السلطة هم الأكثر فساداً في المجتمع بنسبة 43.1% يليهم التجار ثم رجال الشرطة وأعضاء المجالس المحلية ، ويأتي في المرتبة الأقل فساداً في المجتمع رجال الدين الخاضعون للحاكم ، وجاءت المصالح الحكومية ذات الطابع الخدمي حسب الدراسة في المرتبة الأولي لأكثر المؤسسات فساداً في المجتمع وتليها مؤسسات قطاعي الصحة والتعليم ثم الإعلام والداخلية والمحليات..
د. أحمد درويش
كنت قد التقيت د. أحمد درويش وزير الدولة للتنمية الإدارية وأعجبني مدي طموح الرجل الذي يتناسب مع نجاحه في إنجاز العديد من مشروعات استخدامات وتطوير تكنولوجيا المعلومات حتي لُقب بمهندس الحكومة الإلكترونية ، وأقدر للوزير عدم التورط في إصدار قرارات وقوانين رئيسية دون قياس الرأي العام كما يحدث علي سبيل المثال في وزارتي التعليم العالي والتربية والتعليم..والدليل لقد حرص الوزير عند إعداد قانون الوظيفة الجديد أن يسمع كل وجهات النظر من كل مؤسسات الدولة والخبراء وتراجع عن عرض القانون علي مجلس الشعب لحين استكمال استطلاع الرأي.. وفي مجال محاربة الفساد كانت هناك محاولات بداية من إصدار كُتيب " الرشوة " ( رغم التحفظ علي مدي أهميته ) وصولاً إلي تشكيل لجنة للنزاهة والشفافية وإن كان قد تم التحقيق مع أحد أعضائها في قضايا فساد !!
وكانت وجهة النظر الأساسية لوزارة د. درويش فصل طالب الخدمة عن مؤديها عبر استخدام النظم الإلكترونية ، والحقيقة أنه ورغم وجاهة الطرح والتوجه إلا أن نصيب تنفيذها ما زال محدود الأثر والقيمة رغم مرور فترة طويلة علي الشروع في وضع الطرح محل التنفيذ عبر استخدام مواقع إلكترونية للحكومة..
لقد أكد خبراء الشفافية ان مشكلة الفساد أصبحت وسيلة لتسيير الأعمال وأن هناك نظرة عامة بأن المعاملات الحكومية لا يمكن لها أن تنجز من دون أساليب تنطوي علي الفساد الإداري مثل المحسوبية والرشوة وغيرهما.
إن التحدي الأكبر للقضاء علي الفساد هو إقناع الناس بالكف عن استخدام الوسائل غير الأخلاقية لتسيير الأعمال واعتبارها من المسلمات في التعاملات اليومية ، وتوجيههم لاستخدام الأدوات القانونية الواضحة والشفافة لذلك عبر مناخ جديد وثقافة جديدة تتكاتف فيها كل أجهزة الدولة ومؤسساتها .
واللوم الأكبر علي الحكومة بصفتها صاحبة القرار الأول في صياغة شكل الهيكلة الإدارية ، بعد وضع الوصفة الناجحة من قبل خبراء الإدارة وأصحاب قصص النجاح محلياً وعالمياً..
في القطاع الحكومي يجد الموظفون الجدد المناخ جاهزا ومهيئا للانفلات.. زملاء قدامي يمارسون أفعال التسيب المالي والإداري في فوضي وتساهل.. نظم إدارية لإدارة إجراءات مالية بها العديد من الثغرات قديمة ولا أحد ينتبه للتغيير والتصويب.. أجهزة رقابية تُحاسب بعد ارتكاب المخالفات ولا توجد آلية لمنع الانفلات قبل حدوثه.. جهاز مركزي للمحاسبات يكتفي بإرسال تقارير بالمخالفات..
لا شك أن فتح النوافذ ليدخل منها هواء الحرية حتي يتنفس الناس هواء متجددا أمر يبعث علي الأمل في أن تتقلص مساحات العفونة وتختفي بالتدريج الروائح الكريهة التي باتت تزكم الأنوف وتمنع عن الناس حلم أن يحيوا في سكينة وهدوء وسعادة..
من أعظم فوائد السماح بدخول رياح الديمقراطية إلي أي مجتمع إعانة الناس علي كشف مناطق الضعف التي تشكل تربة صالحة لنمو آليات الفساد وظهور صناعه ، ومناخ مُحفز علي مواصلة دورهم التخريبي الهادم لكل أعمدة البناء والتشييد ، والمحبط لأمل وضع أسس معمار التقدم..
أكرر إننا في حاجة لعشرات من مغطس الخضيري لنغتسل فيه ونبرأ من علل الفساد مع الحرص علي تنقيته باستمرار أملاً في الشفاء لبناء مجتمع من الأصحاء..
 اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد: العالم ينفق 40 مليار دولار سنويًا علي الرشاوي
وجاءت هذه ( الالتزامات ) المهمة من جانب مصر في كلمة النائب العام أمام مؤتمر الدول الأطراف في " اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد "، الذي عقد مؤخرا في الدوحة ، وطالبت فيه مصر بتفعيل الحوار البناء بين خبراء الدول من أجل تنفيذ فعال لاتفاقية مكافحة الفساد ، وتحديد الصعوبات التي تواجهها وتقديم المساعدة التقنية التي تسهم في تخطي هذه الصعوبات ، كما دعت مصر إلي دعم العمل المشترك بين مختلف الدول لقطع دابر الجريمة ، وعدم توفير ملاذ آمن للمجرمين ، ولإيجاد ثقافة التعاون القضائي الدولي علي جميع المستويات.
هذا الالتزام الرسمي من جانب مصر باتخاذ جميع التدابير التشريعية والرقابية لمكافحة الفساد، واكبه حدثان علي جانب كبير من الأهمية علي المستويين المصري والعالمي. علي مستوي مصر صدرت دراسة عن وزارة الدولة للتنمية الإدارية عن " الأطر الثقافية الحاكمة لسلوك المصريين واختياراتهم دراسة في قيم النزاهة والشفافية في المجتمع المصري " . وعلي المستوي الدولي، أصدرت منظمة الشفافية الدولية تقريرها لعام 2009 ، والذي تضمن بحث الروابط القوية بين تنامي الفساد ، ومستويات الشفافية والحوكمة ، ونتائج الأزمة المالية والاقتصادية في العالم.
ومن المفارقات أيضا ، أن يواكب هذه الأحداث ، تصريحات ومطالبات في الولايات المتحدة تهدف إلي " تفعيل عمل مكتب ولجنة "الأخلاق" التابعة للكونجرس الأمريكي من أجل وضع حد لثقافة الفساد ، والأعمال والسلوكيات المخزية من جانب النواب الأمريكيين " في الولايات المتحدة.
طبعا لا مغالاة إذا قلنا إن قضية الفساد تشغل بال العالم كله ، كما تشغلنا في مصر لدرجة أننا يمكن أن نعتبرها حديث الساعة . ولا يخفي أيضا أن السبب في ذلك أن ثمن الفساد بالغ الخطورة ، ولا يسلم منه أحد . فالعالم ينفق ما بين 20 40 مليار دولار سنويا علي الرشاوي ، وهذه تعادل حوالي 40 % من المساعدات التنموية الرسمية ، الأمر الذي يضر بالتجارة ، والتنمية ، وحقوق المواطن علي كل المستويات . كذلك ، أكدت عدة دراسات حديثة علي نماذج من الدول منها تايلاند وأندونيسيا والهند وكوريا ، ووجد أن الحكومات تدفع فيها ما بين 20 60 % زيادة علي الأسعار واجبة الدفع ، بسبب الفساد . ووفقا لتقرير الأمم المتحدة والبنك الدولي ، فإن التسربات العالمية الناتجة عن النشاطات الإجرامية والفساد والتهرب من الضرائب تقدر بما يتراوح بين تريليون دولار، و1.6 تريليون دولار في العام الواحد.
مضاعف الفساد
السؤال الذي أبادر بطرحه الآن هو: ما الفارق بين الفساد الذي تحدث عنه تقرير وزارة الدولة للتنمية الإدارية في مصر ، والفساد في الدول الأخري الذي تحدث عنه تقرير منظمة الشفافية الدولية؟
ولنبدأ الحكاية من البداية، أي نظرة الناس بوجه عام لما يرونه من أهم أسباب انتشار الفساد . ففي التقرير الدولي يري 8 % أن الفساد استشري بسبب القطاع الخاص، وبسبب عدم فعالية الإجراءات التي تتخذها الحكومات للحد من الفساد في الأحزاب السياسية ، والبرلمانات ، والإدارات العامة ، ويرون أيضا أن البرلمانات تأتي علي رأس المؤسسات التي يستشري فيها الفساد ، تليها المؤسسات العامة.
وفي الاستطلاعات العامة، ذكر 93 % أن سبب انتشار الفساد هو غياب العقوبات ، ويري 84 % أن السبب هو الرغبة في مضاعفة الثروة الشخصية ، ويري 78 % أن السبب هو سوء استغلال السلطة ، ويري 66% أن السبب هو عدم وجود معايير واضحة للسلوك، ويري 75 % أن السبب هو ضغوط المديرين والأشخاص في المراكز العليا ويري 81 % أن السبب هو انعدام الشفافية.
في مصر ، يغلب علي إدراك المصريين أن الفساد ينتشر فقط في ( فئة أصحاب المناصب الكبري )، واليوم عندما يتحدث أحد أمام المصريين عن مفهوم " الخصخصة " فإن المعني الذي يتبادر إلي الذهن هو ( نهب وسرقة أموال الدولة )، وهذا لا يقتصر علي إدراك المصريين ، ففي التقارير الدولية ، ينتشر اعتقاد لدي أغلبية من تستطلع آراؤهم أن الفساد ينتشر في القطاع الخاص (حوالي النصف) بزيادة 8 نقط حاليا، بالمقارنة مع نتائج سنوات سابقة.
بالنسبة للمصريين تبدو أهمية هذه النقطة لأنها مؤشر عن توجهاتهم نحو النظام الاقتصادي الذي تطبقه الدولة . ففي استطلاع للرأي العام المصري وجد أن 98.2 % يرون أن النظام الاقتصادي الأفضل لمصر هو الذي تقوم فيه الدولة والقطاع العام بالدور الرئيسي ، بينما تفضل نسبة 10.8 % القطاع الخاص ، ويعتبر نحو 20 % فقط أن الخصخصة مفيدة للاقتصاد المصري.
أيضا من أسباب الفساد (في إدراك المصريين) نوعية العلاقة بينهم وبين الحكومة ودرجة الثقة فيها. ويري 68 % من المصريين حسب الدراسة أن الحكومة لا تفي بوعودها معهم ، وأنه يغلب عليها الانحياز إلي رجال الأعمال ( 22 % ) ، وبنسبة 22 % تقريبا يسود الاعتقاد بأن الحكومة لا تتصدي للفساد . أما عن معدل الثقة في الحكومة بوجه عام ، فإن النسبة لا تتعدي النصف إلا بقليل ( 4 . 50 %) .
ومن معتقدات المصريين أيضا أن الدولة ليست عادلة ، وحسب الدراسة المصرية ، يري 66 % أنها تنحاز إلي فئات معينة ( أصحاب النفوذ 70 % ، رجال الأعمال 55 % ) ، ويري 5 . 42 % أنها لا تقدم خدمات جيدة للفقراء ، ونسبة 31.1 أنها لا تطبق القانون . أما عن العلاقة بين الناس والمسئولين فإنها غير سوية، فيري 1 . 43 % أن المسئولين لا يقولون الحقائق ، ولا يتحدثون بصراحة ، بينما يري 41.4 % أن الحكومة أحيانا تقول الصراحة .
ولكن، هل الحكومات والمؤسسات هي فقط المسئول الأوحد عن انتشار الفساد؟ أليست هناك مسئولية تقع علي عاتق الفرد/ المواطن في تسهيل الفساد، أو قبوله، أو تمريره؟
ماذا إذا عرفنا أن 26.4 % من المصريين (حسب الاستطلاع) يقرون أنهم لجأوا بالفعل إلي تقديم الرشاوي لإنهاء مصالحهم الحكومية ، الأخطر من ذلك أن 49.9 % لا يرون في قبول الرشوة ما (يوصم الموظف الحكومي ). ثم تأتي الطامة الكبري حين تذكر الدراسة أنه حتي الذين ينتقدون الفساد ، ويرونه شيئا مشينا ، يفوضون أمرهم لله (بنسبة 50.4 % ).
وإذا كان الفساد في ذاته خطرا ، فإن الأخطر منه أن يتعايش الناس معه ، بحيث يصبح الفساد ممارسة يومية معتادة في الإدارات ، والمؤسسات، لأنه في هذه الحالة تصبح للفساد قواعد وآليات متداخلة في النسيج الاجتماعي والسياسي للمجتمع . فحين يري 49.9 % من المصريين أن تقديم الرشوة لايعيق ولايوصم الموظف الحكومي.
وإذا كان من أهم إيجابيات التقرير الذي صدر تحت إشراف وزارة الدولة للتنمية الإدارية أنه بين بوضوح أن كلا من الحكومة ، والمواطنين لديهم (إدراكا ) معقولا عن مشكلة الفساد في مصر ، فإن دراسة دولية تقول إن التحسن في مؤشر مدركات الفساد ( بزيادة نقطة واحدة ) يعني زيادة الانتاجية ، وزيادة تدفقات رؤوس الأموال بما يعادل 0.8 % من اجمالي الناتج المحلي للبلاد، وزيادة في متوسط الدخل بحوالي 4 % ، ويمكن أن تسهم في مساعدة الدولة علي تقييم الخسائر السنوية الناتجة عن الفساد.
مصر.. والتقرير الدولي
تعد مصر من أوائل الدول النامية التي صدقت علي اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد ، وجاء ذلك انطلاقا من اهتمام واضح ، عكسته عدة اجراءات تصويبية وإصلاحية (لمواءمة) القواعد والتشريعات لتعزيز الشفافية والنزاهة والمساءلة ، وصولا إلي الحكم الرشيد. وفي مصر العديد من القوانين والتشريعات لمكافحة الفساد، وتم إنشاء لجنة الشفافية والنزاهة ، وتؤكد الشواهد علي قرب إنشاء هيئة قومية مستقلة لمكافحة الفساد.
ولا يخفي أيضا أن هناك اتجاهات بحثية ، وورش عمل تهدف إلي تعميق الفهم المشترك بقضايا الشفافية في مصر ، وتحليل المشكلات التي تفرز ظاهرة الفساد أو تحد من فاعلية الآليات القانونية والمؤسسية القائمة في مواجهتها . كما يتم التعريف بهيئات الرقابة ، والخبرات المقارنة في مجال تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد، خاصة في قطاعات الخصخصة والجمارك والبنوك، والصحة. ومن المعروف أن جهات الرقابة في مصر هي: هيئة الرقابة الإدارية ، والجهاز المركزي للمحاسبات، والرقابة علي البنوك، وهيئة سوق المال ،و لجنة الخطة والموازنة بمجلس الشعب.
هذه الخلفية، وهذه الخطوات، كان لابد من وضعها في الاعتبار عندما نتناول ما كشفه التقرير الدولي لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2009 والذي يوصف بأنه (الترمومتر) الدولي لكشف الفساد علي مستوي ما يقرب من 180 دولة . هذا التقرير يمنح كل دولة درجة ( بين صفر/ أعلي درجات الفساد ) و (10/ أعلي درجات النزاهة) . ويأتي هذا علي أساس تقديرات الخبراء ، وإجراء مسح للرأي العام بشأن ممارسات الفساد. وفي التقرير تصدرت الدانمارك ونيوزيلندة والسويد قائمة الدول الأكثر نزاهة (9.3درجة ) وتلتها سنغافورة (9.2 درجة ) وفي المراكز الأخيرة جاءت العراق ، والصومال ، وبورما، وهاييتي.
وفي هذا التقرير ، جاء ترتيب مصرمتأخرا عالميا في مجال مكافحة الفساد ، لتحتل المركز111 من أصل 180 دولة . كان ترتيب مصر في عام 2006 (72) ، وفي عام 2007 (105) وفي عام 2008 (115) . وتساوت مع مصر في المركز في تقرير 2009 دولتا الجزائر وجيبوتي ، فيما سبقتها 8 دول عربية.
وقد أشار التقرير إلي أن مؤسسات المجتمع الدولي في مصر حاولت خلال السنوات الأخيرة تنظيم حملات من أجل مكافحة الفساد ، إلا أنها لم تحقق نتائج ملموسة في تحسين مركز مصر في هذا الصدد.
أما علي الصعيد الرسمي في مصر ، فإن المركز المصري في التقرير الدولي هو محل تشكيك، ويتم تقديم تقارير تدحض المعلومات التي أوردها تقرير المنظمة الدولية . وقد يكون لهذا التشكيك مبرراته المنطقية في ضوء عدة حقائق منها:
1 - أنه ربما يكون إدراك ووعي المواطنين في مصر بوجود جرائم وممارسات الفساد (أضعاف أضعاف) الحجم الحقيقي للفساد الموجود. ذلك انه عندما يكون أكثر من 45 % يشعرون بالظلم ، ويري نحو 76 % أن المساواة مفتقدة بسبب الفروق بين الأغنياء والفقراء ( وعندما يتشكك 7.3% في نزاهة القضاء) وعندما يثبت تقرير وزارة الدولة للتنمية الإدارية أن الدولة تتعمد (من وجهة نظر المواطنين) حجب المعلومات عن الناس ، وعندما نضيف إلي ذلك مشكلات الفقر والبطالة والعشوائية، أليس هذا هو المناخ المواتي لجعل المصريين يشعرون أن حياتهم مليئة ومترعة بممارسات الفساد (علما بأن الكثير من مشكلات المصريين يمكن أن تكون لها أسباب أخري) وهو ما توصل إليه ( التقرير الدولي) الذي يستطلع آراء عدد كبيرمن المصريين للوصول إلي نتائجه.
2- أنه نتيجة لذلك ، فإنه ربما تكون في مصر مشكلة يجب الاعتراف بها وهي أنه أصبح لدي الناس اعتقاد راسخ أن مصالحهم في أية هيئة أو مؤسسة، لن تتم إلا (بدفع المعلوم) وبالتالي يعرضون هم أنفسهم دفع (إكراميات) أو (مجاملات) حتي قبل أن يطلبها القائم بإنجاز الخدمة. وقد جاء ذلك من خلال اعترافات الناس في التقرير المصري، كما جاء في التقرير الدولي أن 60 % ممن شملهم الاستطلاع قالوا إن الرشوة واقع ملموس في دوائر الحكومة ، وهم يمارسون ذلك بالفعل ويتغاضون عنه ، الأمر الذي يجعل المواطنين (شركاء) مباشرين في قضية انتشار الفساد.
3 - في التقارير الدولية عموما ، هناك درجة من الانطباعية غير الدقيقة ، فقد يجيب الناس علي التساؤلات المطروحة ، وهم تحت تأثير نوعية الأداء الاقتصادي في لحظة إجراء الاستبيان، فتبدو النتيجة أقرب إلي المؤشرات السلبية.
الحالة التي تقترن بانتشار الفساد
من المقولات المتكررة إن "الفساد ظاهرة عالمية" تتصاعد خطورتها ، وأصبح تقريبا من الحقائق المعترف بها أن الفساد ، في أي بلد ، يستقوي بمركزي السلطة ، والقوة والنفوذ. وحين نتناول أحد تقارير لجنة الشفافية والنزاهة في مصر نجده هو نفسه يعترف بأن انتشار الفساد الإداري يرتبط بعناصر معينة هي :
1 - سوء استعمال السلطة.
2 - انتشار الرشوة والمحسوبية.
3 - الاختلاس من المال العام.
4 - التسيب والاهمال الوظيفي واللامبالاة والتفريط في المصالح العامة.
5 - الاتجار في الوظيفة العامة.
إذا تناولنا هذه النقاط بالتحليل المباشر، نجدها نوعا من (الشفافية) و(المكاشفة) . أليست هذه اللجنة لجنة حكومية؟
إن القيمة الحقيقية لتقارير لجنة الشفافية والنزاهة أنها مرتبطة (بواقع محدد ترصده) ذلك أن أهدافها الحقيقية تتجاوز مسألة " التنظير الأدبي لظاهرة الفساد في مصر ".
وبكلام صريح ومباشر ، فإن الحالة التي تقترن بانتشار الفساد لاتبعد بحال من الأحوال عن انحراف سلوكي لدي شاغلي المناصب يضاعف من خطورته الأخطاء في (اختيارات التعيين ) من ناحية، وانعدام أو ضعف وتهاون نظم المساءلة والمحاسبة من ناحية أخري . وقد ذكرت إحدي الدراسات عن الفساد أن أسبابه ليست بالضرورة اقتصادية ، وإنما هناك مواكبات سياسية للفساد منها ، الخلل في العمل السياسي بين الحكومة والأحزاب، والنظام الشمولي في الإدارة ، وانخفاض درجة الوعي السياسي ، والتوسع غير الضروري وغير المبرر في إدارات الدولة، وأخيرا تعرض النظام القضائي لأية قيود أو استثناءات في تطبيق القانون. وبوجه عام، هناك ارتباطات بين الفساد، ونشاط الدولة، لدرجة دفعت جاري بيكر، الحائز علي جائزة نوبل في الاقتصاد إلي قوله (إذا ألغينا الدولة فقد ألغينا الفساد).
العالم يكافح الفساد
أسفرت الجهود الدولية الرامية لتشجيع الدول علي مكافحة الفساد عن صياغة (اتفاقية دولية لمكافحة الفساد) عام 2000، اعتمدتها الجمعية العامة للأمم المتحدة ، وفتح باب التوقيع عليها منذ د يسمبر 2003، وبلغ عدد الدول الموقعة عليها 141 دولة. وانعقد المؤتمر الدولي الأول لمكافحة الفساد في الأردن، والثاني في اندونيسيا ، والثالث في الدوحة في نوفمبر 2009. وفي الدوحة بدأ وضع آليات التنفيذ، وصولا إلي نصوص محددة تضع الاتفاقية موضع التنفيذ. أما الآليات التي أعلن عنها فهي: العلانية ، وفضح الفاسدين ، وفرض إتاحة المعلومات والحصانة لمن يكشف الفساد من المواطنين أو الصحفيين. والمهم في هذا السياق أنه شاع الاهتمام بما يطلق عليه نشر (ثقافة مكافحة الفساد) .
ويلاحظ أن البنك الدولي يعتبر الفساد من أهم عناصر عرقلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وتقويض حكم القانون، وإضعاف القواعد المؤسسية التي ينبني عليها النمو الاقتصادي . ويضع البنك الدولي روشتة تتضمن أهم عناصر التصدي للفساد، ومن أهم بنود هذه الروشتة ما يلي:
- زيادة ودعم المحاسبة السياسية.
- تقوية وتعزيز نطاق المشاركة المجتمعية والمدنية.
- تشجيع وجود قطاع خاص منافس .
- تعزيز القيود المؤسسية علي السلطة السياسية.
- رفع مستوي إدارة القطاع العام.
وتؤكد روشتة البنك الدولي لمكافحة الفساد علي أن أكثر المناهج جدوي في محاصرة الآثار السلبية للفساد وعلاجه هو التوجه إلي (الجذور المسببة للفساد ) وليس مجرد احتواء ظواهره المباشرة. ومنذ عام 1996، فقد دعم البنك الدولي أكثر من 600 مبادرة وبرنامج ضد الفساد من جانب دول العالم.
وفي عام 2008 ، أعلنت منظمة مكافحة الجريمة التابعة للأمم المتحدة والانتربول أنه سيتم انشاء (أكاديمية لمكافحة الفساد) لتكون بمثابة مدرسة لتعليم الحكومات ومسئولي الشرطة المهارات اللازمة لاجتثاث الفساد والرشوة ، وتعليم المسئولين كيفية بناء ثقافة النزاهة في ممارسة الأعمال في السر والعلن.
وفي 13 اكتوبر 2008 أعلن في فيينا تأسيس أكاديمية دولية لتدريب مسئولي الحكومات علي استراتيجيات مكافحة الفساد بموجب اتفاق أبرم بين مكتب الأمم المتحدة لمكافحة المخدرات والجريمة ، والشرطة الدولية ( الانتربول ) . وتنظم الأكاديمية حلقات دراسية ودورات تدريبية لكبار مسئولي تنفيذ القانون ومسئولي السلطة القضائية للتدريب علي أساليب مكافحة الفساد.
وعلي المستوي العربي ، تأسست في عام 2005 (المنظمة العربية لمكافحة الفساد) مؤسسة غير ربحية ، مستقلة، تهدف إلي تعزيز الشفافية ،والحكم الصالح ، في العالم العربي. ومن أهدافها إحداث الوعي وتوسيع الإدراك بأهمية مناهضة الفساد، وحماية المصالح العامة ، والمال العام ، وكشف التأثير السيئ للفساد علي الوئام والتماسك الاجتماعي ، وعلي عملية التنمية المستدامة، والاضرار التي يلحقها بالاقتصاد الوطني والثروة القومية.
هناك أيضا، منظمة برلمانيون عرب ضد الفساد، وهي منظمة تهدف بشكل أساسي إلي تفعيل دور البرلمانيين في شتي أنحاء العالم العربي، في مكافحة الفساد ، وتطوير قدراتهم من أجل الإشراف علي أنشطة الحكومات والمؤسسات العامة.
روشتة مصرية لمكافحة الفساد
لا أشك لحظة واحدة ، في أن هناك رغبة مشتركة علي المستويين الرسمي والشعبي في مصر، لمكافحة الفساد، واستئصال شأفته من أنحاء المحروسة . هناك عناصر فاسدة، ولكن الأغلبية الكاسحة في مصر هي من العناصر الشريفة ، الخيرة، التي تتوخي كل الخير والمنفعة وحماية الصالح العام ، لمصر والمصريين، وهناك أدلة ومؤشرات عديدة علي أن في مصر اليوم، رأيا عاما معاديا للفساد .
وتؤكد تقارير لجنة الشفافية والنزاهة في مصر أنه لابد من الاستفادة من توافر الرغبة السياسية لدي القيادة للعمل علي نقل قوة الدفع للرؤساء والقيادات المحلية بالدولة لمحاصرة الفساد، بالإضافة إلي ما أكدت عليه مسبقا في شأن العمل علي إصدار القوانين والتشريعات اللازمة (قانون الافصاح وتداول المعلومات ، قانون أمن المعلومات ومكافحة الجرائم المعلوماتية ، قانون الوظائف المدنية) . وهناك تأكيد علي ضرورة إدخال القواعد الأخلاقية والمهنية كجزء مهم من تدريب الموظفين ، وتفعيل التعاون بين الجهات الرقابية ، والرقابة الإدارية ، ومباحث الأموال العامة.
وهناك طبعا الحديث عن (خطة قومية لمكافحة الفساد) لوضع تصور عام حول اجراءات ووسائل وسبل منع ومكافحة الفساد من الجوانب الإجرائية والوقائية والرقابية والعقابية ، والعمل علي تطبيقها مع الجهات المعنية (الجهات الحكومية التي يتوغل فيها الفساد- الأجهزة الرقابية- الجهات المختصة بتطوير دورات العمل وزارة الدولة للتنمية الإدارية)، ونشر ثقافة مكافحة الفساد ، وحماية المبلغين ، وتسهيل آليات الشكاوي ومتابعتها.
ومن المؤكد أن روشتة مكافحة الفساد لابد أن يكون من عناصرها انفتاح الحكومة علي المواطنين، ونشر مبادئ الشفافية والمصارحة والمتابعة الدقيقة ماليا، وإداريا، والاستعانة بنظم المعلومات الحديثة علي أوسع نطاق لزيادة القدرات الرقابية ، ومنح الإعلام والصحافة صلاحيات الكشف والرصد بصورة مهنية راقية ومتوازنة ، بما يتضمن نشر الوعي عن مخاطر الفساد، والجرائم المخلة بالشرف ، كذلك ، إعادة النظر في نظم الأجور ، والحوافز والمكافآت، لتحسين أحوال الموظفين وإبعادهم عن الموارد غير المشروعة. هذا بالطبع، بالإضافة إلي توافر الإطار القانوني لمكافحة الفساد ، والتعديلات التي طرأت لضمان الشفافية في البنوك والجمارك ، وهناك شبكة من القوانين المكافحة للفساد، والتي تلزم بأكبر قدر ممكن من الشفافية.





ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق