الجمعة، 13 نوفمبر 2015

صفقة "ساويرس" لتهريب الأموال خارج مصر


صفقة "ساويرس" لتهريب الأموال خارج مصر

ناجي هيكل

فجأة أصبح الشاغل الأول لكل رجال المال والأعمال فى مصر صفقة شراء نجيب ساويرس لشركة «بلتون» المالية القابضة، تلك الصفقة التى احتار فيها كل خبراء الاقتصاد فى مصر، وتضاربت فيها الأقاويل، وانتشرت فيها الشائعات، ولأن الصفقة تحتوى على الكثير من الأرقام والمصطلحات سنحاول قدر الإمكان تبسيط المعلومة، ليفهم القارئ غير المتخصص فالأمر جد خطير ولا يعنى رجال الأعمال وحدهم، ولكنه يأتى بخراب ليس بالقليل على البلاد والعباد ومن ثم لزم الشرح والتوضيح.

قبل الدخول فى تفاصيل الصفقة محل البحث، يتوجب علينا بداية أن نقف على ماهية شركة بلتون المالية القابضة، وهى ببساطة شديدة ثانى أكبر الشركات المالية فى مصر بعد شركة (هيرمس) وتعمل فى مجال التمويل وإدارة المشروعات والبنوك برأسمال قدره ٣٧٥ مليون جنيه ويبلغ حجم المشروعات التى تديرها الشركة ٣٢ مليار جنيه، وعلى الرغم من ضخامة أعمال الشركة إلا أنه عند تقييمها ماليًا بحسابات الأرباح والخسائر، فقد شهد العام المالي المنتهى فى ٣٠ ديسمبر ٢٠١٤ تراجع نتائج أعمال شركة بلتون لتسجل ١٥.٣ مليون جنيه مقابل ٧٥ مليون جنيه فى ٢٠١٣ بنسبة انخفاض ٨٠٪ فالشركة إذن تعانى من اضطراب فى حجم أعمالها، فهي ليست بالكيان المغرى لرجل أعمال بحجم ساويرس حتى يهرول للاستحواذ عليها بقيمة ٦٥٠ مليون جنيه، وهو المبلغ الذى يعادل ضعف قيمة رأسمال بلتون، فالصفقة إذن ليست فرصة يقتنصها ساويرس وهو ما يثير الشكوك حول تلك الصفقة والهدف من ورائها، خاصة إذا ما كان هناك فى مسار تلك الصفقة ما يثير الشك والريبة.

يعلم نجيب ساويرس تمام العلم أن السرية مطلوبة فى مثل تلك الصفقات، خاصة إذا ما كان سعر سهم بلتون هو العامل المغرى الوحيد فى الصفقة والذى وصل سعره قبل الإعلان عن تلك الصفقة ٢.٦٥ جنيه، كما أن ساويرس يعلم أنه بمجرد إعلانه عن تلك الصفقة، وتسريب تفاصيلها فإن هذا من شأنه أن يؤدى إلى ارتفاع سعر السهم، فساويرس هو رجل الأعمال الأكبر والأقوى، وعندما يستثمر أمواله فى شراء شركة، فلا بد أن تلك الشركة استثمار مضمون الربح الوفير، وهو ما سوف يغرى المستثمرين لشراء أسهم الشركة، فيزداد الطلب على شراء تلك الأسهم، وترتفع قيمتها وهو ما حدث بالفعل، فلقد أعلن ساويرس أنه ماضٍ إلى حيث لا رجعة فى الاستحواذ على الشركة، وهو ما أدى إلى ارتفاع سعر السهم إلى ٤ جنيهات، وهو ما يشكل صعوبة فى التفاوض أمامه فى اقتناص الصفقة بسعر (لقطة) فارتفاع السهم فى البورصة سوف يؤدى إلى زيادة قيمة الصفقة، وبالتأكيد فإن ساويرس يعلم كل هذا مسبقًا، فلماذا يزايد على نفسة فى مثل تلك الصفقة، وهو الأمر الذى يخالف كل القواعد فى عالم المال والأعمال، فلابد أن رجل الأعمال يرمى من وراء ذلك إلى هدف ما.

بالطبع فإن نجيب ساويرس ليس برجل الأعمال الأحمق حتى يعلى من قيمة شراء سهم شركة يهدف إلى الاستحواذ عليها، كما أنه يعلم أن صفقته تلك سوف تحدث رواجًا اقتصاديًا وماليًا، وهو الأمر الذى يسعى إليه ساويرس، فزيادة الطلب على سهم بلتون وارتفاع سعره سوف يسمح له بزيادة رأس مال الشركة، وبالتالى يسهل عليه ضخ أموال كبيرة من خلال تلك الشركة يضارب بها فى السوق، ويستحوذ على القدر الأكبر من السيولة المتداولة من خلال المشروعات التى تديرها الشركة، وتجفيف السيولة من منابعها هو ما يهدف إليه ساويرس فى حربه الناعمة التى يشنها على الدولة والنظام، فهو يحجب استثماراته عن مشاريع التنمية التى تتبناها الدولة، ولا يستثمر منها إلا القليل الذى يناور به ويخدم ألاعيبه السياسية والتجارية، وهو هنا يتمادى فى مخططه لضرب الاقتصاد المصري وعملية التنمية بأنه يريد أن يحجب رؤوس الأموال التى يمكن أن تشارك فى تلك التنمية عن طريق مضاربة شرسة تحصد الأخضر واليابس، ولكن الأمر لا يتوقف على رغبة رجل أعمال يريد احتكار اقتصاد دولة والعبث به، ولكن الأمر يتعدى ذلك إلى ما هو أخطر.

إن السبب الحقيقي الذى أغرى نجيب ساويرس بالاستحواذ على شركة بلتون، يرجع إلى أن الشركة قد نجحت مؤخرًا فى الاتفاق على إدارة أعمال مؤسسات عالمية كبيرة لم يعلن عنها بعد، وهو ما نبه ساويرس إلى إمكانية ضم العديد من تلك الكيانات العالمية، والذى يسمح له بتهريب الأموال إلى الخارج عن طريق استثمارها فى صناديق أو مشروعات تديرها الشركة فى الخارج، ليكون ساويرس أول من أنشأ شركة لتهريب الأموال إلى الخارج بما لا يخالف القانون، ومن نافلة القول إن هناك أموالًا ضخمة يمتلكها الكثيرون فى مصر من محصلة الفساد وستكون شركة ساويرس فى ثوبها الجديد ملاذًا لهم.


يتبقى لنا هنا بعض الأسئلة المشروعة، وهى إلى متى تظل الدولة مكتوفة اليدين، وتقف موقف المتفرج من ألاعيب ساويرس ومخططاته لضرب كل نواحي الحياة فى مصر، والسعى لاحتكار كل ما تطوله يداه. إن مخططات ساويرس تدق ناقوس الخطر بشأن التساهل مع رجال الأعمال خوفًا من سحب استثماراتهم أو تحويلها إلى الخارج، فرأس المال الوطني الشريف لن يذهب بعيدًا عن أرض الوطن مهما كانت التحديات، أما رأس المال المأجور والمتآمر فلا بد من اتخاذ مواقف صارمة تجاهه وليذهب بأمواله إلى حيث شاء، كما أننا نهمس فى أذن أولى الأمر أن من يستثمر فى مصر لا يمن علينا باستثماراته، فرأس المال جبان ولو وجد أجواء أفضل للاستثمار لن يتوانى فى الذهاب إليها، هل أحكمت قبضتك ولو قليلًا على الساويرسيات؟ .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق